أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في مفارقات المجزرة















المزيد.....

في مفارقات المجزرة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7812 - 2023 / 12 / 1 - 13:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحروب تجر المآسي على الناس، كان الحال دائماً هكذا، وكان الحال دائماً أن الناس الذين يدفعون الثمن الأكبر ليسوا هم من يقررون الحرب. لكن الوضع في التركيبة السياسية لعالم اليوم لم يعد كذلك، أو لم يعد فقط كذلك. في عالم اليوم أصبحت المأساة أو الكارثة التي تحل بالناس، هي وسيلة حربية كما في يد الأقوياء كذلك في يد الضعفاء.
يوجد اليوم فارق هائل في مستوى القوة بين أصحاب الحق ومغتصبيه، الأمر الذي يمكن أن يجعل أي نشاط "عدائي" يقوم به أهل الحق الضعفاء ضد غاصبي حقهم الأقوياء، سبباً لكارثة تحل على الضعفاء. هذا هو نمط العلاقة التي تكرست في فلسطين بين الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية. والحقيقة أن هذه العلاقة مكرسة أيضاً بين الحاكمين والمحكومين في كل البلدان التي تحكمها أنظمة تسلطية ترى أنها صاحبة حق أبدي في حكم الناس، فهي لا تحتكم لأي وسيلة تغيير سلمي، وقادرة أن ترتد بكل صنوف العنف المدمر تجاه أي تحد جدي لوجودها أو حتى لإرادتها.
يبقى الباب الوحيد المفتوح أمام المحكومين والمغتصبة حقوقهم هو القبول بالأمر الواقع والتكيف. وإذا كان القبول بالأمر الواقع يمثل كارثة بالنسبة لهم، لأنه يعني التخلي عن حقوقهم، فإن باب الرفض والتحدي يمكن أن يفتح على كارثة إنسانية أكبر بكثير إلى حد يسوّغ النقاش حول جدوى التحدي وجدوى إيلام الغاصب إذا كان قادراً على إنزال الرد الكارثي بالضعفاء (في إسرائيل "النووية" هناك مسؤولون فكروا باستخدام سلاح نووي ضد غزة عقب عملية "طوفان الأقصى"). الكارثة التي أنزلتها إسرائيل بلبنان في 2006 عقب عملية خطف الجنود الإسرائيليين (رغم أنها كانت عملية محدودة وبغرض محدد هو تحرير أسرى)، والكارثة التي أنزلتها الطغمة الأسدية بالشعب السوري عقب ثورة 2011، والكارثة التي تنزلها إسرائيل بغزة اليوم عقب عملية "طوفان الأقصى"، كلها لها منطق واحد، هو تقصد المجزرة وجعل الكارثة وسيلة ردع لفرض القبول والإذعان.
وبسبب الاختلال الكبير في علاقة القوة بين أصحاب الحق ومغتصبيه، في عالم اليوم، بات التدخل الخارجي مهماً وحاسماً. باتت استعادة الحقوق غير ممكنة في الغالب دون تدخل أطراف خارجية لها القدرة الكافية على فرض حلول وخيارات معينة على "الأقوياء". والأطراف الخارجية القادرة على ذلك هي الدول الكبرى. وفي الواقع يبقى رهان الضعفاء معقوداً، من بين الدول الكبرى، على الدول الديموقراطية التي يمكن لثقل الشارع، ولضغط المنظمات الحقوقية والإنسانية، أن يؤثر على صناعة القرار فيها. وبما أن الكوارث التي تحل بالناس هي أكثر ما يحرك الشارع والمنظمات الإنسانية، وأكثر ما يشكل ضغطاً على صناع القرار في هذه الدول النافذة، فمن المفهوم أن يتولد في وسط المغتصبة حقوقهم عقلية تفكر بالاستثمار السياسي في الكوارث التي تحل بالناس على يد الجهات المغتصِبة في ردها الإجرامي الرادع ضد الأهالي عقب عمليات عسكرية مؤلمة للغاصبين. الفكرة هي عدم السكوت عن الحقوق المسلوبة وتوجيه الضربات إلى الغاصبين بقدر ما يتوفر من وسائل قوة، بما يجعلهم يردون بكارثة بشرية تدفع الدول الديموقراطية الكبرى، التي لها دور أساسي، في إدارة العالم، للتدخل والبحث عن حل يكون فيه شيء من الإنصاف للضعفاء.
على هذا تبدو المجزرة والكارثة الإنسانية وسيلة ردع في يد غاصبي الحقوق كوسيلة، وهي في يد الضعفاء المسلوبة حقوقهم وسيلة ضغط على العالم. تكون حياة ودماء وإنسانية الضعفاء هنا سلاح في يد أصحاب هذه العقلية الرافضة. الثمن الأساسي يدفعه الناس الضعفاء الذين يستهدفهم الغاصب القوي بوحشية لأنهم الوسط الاجتماعي أو "البيئة الحاضنة" للتشكيلات المسلحة التي تستهدفه. بالمقابل، تدرك هذه التشكيلات أنها إذا كانت تستطيع إقلاق العدو، فإنها لا تستطيع هزيمته عسكرياً، ولكنها تستطيع استخدام المجازر والكوارث البشرية التي تسببها ردوده الوحشية لإحراج العالم الساكت، وربما المتواطئ، على ضياع حقوقهم، وإجباره على الاهتمام بقضيتهم.
هذا ما يفسر أن التنظيمات المسلحة التي تخوض هذه الصراعات العسكرية غير المتكافئة في عالم اليوم، قليلة الاكتراث بأمان الناس الذين تنشط وسطهم. فهم مثلاً لا يبنون ملاجئ للناس. الأنفاق هي لحماية المقاتلين وليس المدنيين، فضلاً عن كونها من الأسرار العسكرية. ووفق منطق هذه التشكيلات فإن قتل المدنيين على يد العدو يشكل بذاته وسيلة ضغط على العالم. المهم هو حماية التنظيم العسكري. كلما ذهب العدو بعيداً في وحشيته الردعية، كلما زاد الضغط على الدول الكبرى كي تردع العدو وتبحث عن حل. كما لو أن المجزرة تجمع القاتل والقتيل. ففي المجزرة تلتقي العقليتان، عقلية الغاصب مرتكب الجريمة، وعقلية الذين يريدون استخدام جريمة العدو ضده.
يتوافق مع هذا المنطق أن يخرج قادة حماس كي "يطمئنون" مجتمعهم المنكوب بعشرات آلاف القتلى والمفقودين والمصابين وبنسبة دمار تتجاوز نصف المساكن، بأن كتائب القسام بخير. ومن هذا المنطق نفسه أن هذه التشكيلات ترى في عجز العدو عن استئصالها، نصراً، رغم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها مجتمعاتها، أو نسبة التشرد والنزوح الناجمة عن الحرب.
لا يحتاج المرء إلى قراءة الرسائل الكثيرة التي تصل من غزة، من الأهالي الذين يعيشون في أسوأ شروط الحياة، والمدرجين رغماً عنهم على لوائح الموت الممكن في كل لحظة، في حين تتحصن قيادات الفصائل التي استجرت الموت إلى غزة في أنفاق وأماكن بعيدة عن هذا الموت العشوائي الأعمى، كي يدرك أن حسابات الفصائل التي تواجه إسرائيل لا تشمل حماية الأهالي، إن من حيث تأمين ملاجئ لحماية المدنيين أثناء القصف أو من حيث تأمين احتياطات استراتيجية من حاجات البقاء (الوقود والطعام والأدوية ... ). ولا يتطلب الأمر الكثير من التأمل كي يدرك المرء سبب إحساس الأهالي هناك، بالقهر أو حتى بالقرف، من "مستريحي الخارج" الذين يطالبون الناس بالصمود، ويتحمسون لمقاومة الفصائل ولفيديوهات إعلامها العسكري، فيما الموت والتشرد والبرد والجوع والألم يفتك بمئات آلاف الغزيين.
حين تغلق السبل أمام إحقاق الحقوق الصريحة، يصعب التنبؤ بما يمكن أن يقدم عليه أهل الحق المسلوب، فقد يقدمون على أعمال تضر بهم في المحصلة. قبل توجيه اللوم إليهم، ينبغي توجيه اللوم إلى من سلب حقوقهم ثم أغلق السبل بالقوة أمام إمكانية استعادتها، وجعل المجزرة وسيلته للردع وفرض القبول.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود
- يدفعون إلى العنف ويدينونه
- تأملات بمناسبة -طوفان الأقصى-
- من يمتلك -الحق- في الإجرام / حياة الفلسطينيين العارية على خط ...
- اللاعودة في انتفاضة السويداء
- اليسار السوري، هامش واسع في الحياة السياسية
- قمصان زكريا، لمنذر بدر حلوم عن الموت الذي يضمر الحياة
- عن توبيخ السوريين العلويين المتجدد
- نقاش مع كتاب -سؤال المصير- لبرهان غليون
- عن مشكلة الرموز في سورية
- أهمية حركة 10 آب في سوريا
- ماذا ينتظر سورية في المستقبل
- ظاهرة الموالين الغاضبين
- البكالوريا السورية ضحية الغش العام
- السجن يتسلل إلى نفوسنا
- أجراس بعيدة وكتل سياسية في المنفى لقاء برليني مع راتب شعبو/ ...
- الغضب المعزول في فرنسا
- عن قلق المسلمين في الغرب
- هل المثقف السوري طائفي؟
- -حانة الأقدار-


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في مفارقات المجزرة