محمد النعماني
(Mohammed Al Nommany)
الحوار المتمدن-العدد: 1740 - 2006 / 11 / 20 - 09:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أوضحت دراسة حديثة أن الاصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة منذ 1995م حققت على صعيد المناخ الاستثماري نجاحات في بعض الجوانب واخفقت في جوانب أخرى ولم تلامس على الاطلاق أوتترك أثاراً ايجابية على أهم الجوانب المتمثلة بالمؤشرات النوعية لمناخ الاستثمار.
الدراسة التي أعدها أستاذ الاقتصاد المالي والنقدي بجامعة عدن (الدكتور محمد عمر باناجه), ذكرت أنه حدث تحسن في المؤشر المركب للسياسة الاقتصادية وتم استكمال بناء نظام الاستثمار اليمني وتجديد بنيته المؤسسية في حين كان أبرز الاخفاقات هو عجز تلك الاصلاحات عن الحفاظ على استقرار الاقتصاد , ملفتاً إلى أنه في ظل عالم ذي اقتصاد معولم بإعتبار انه "لن تنحصر تبعات النمو المتأرجح للإقتصاد اليمني في الحد من تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر الوافد إلى اليمن فحسب".
وأكدت الدراسة أنه "بل والأسوأ منه أنها ستمتد لتدفع بالاستثمارات الموجودة, بشحتها أصلاً, إلى الخروج من اليمن الأمر الذي يحبط جهود الاصلاح ويزيد من كلفة أعباؤه", وتابعت "أما مالم تلامسه الاصلاحات, وبالتالي لم تترك عليه أثراً ايجابياً فهو جانب المؤشرات النوعية لمناخ الاستثمار التي ما انفكت تشكل العائق الاكبر امام تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر إلى اليمن والتي بدون تحسينها يصبح الحديث عن جذب الاستثمارات شيئاً من العبث".
وخلص الباحث, في دراسته المعدة لندوة نظمها في بيروت مؤخراً المركز العربي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع الامم المتحدة, إلى ان تلك الاصلاحات أفضت إلى بروز تحسن بعدد من المؤشرات الاقتصادية التي تدخل ضمن مكونات المناخ الجاذب للإستثمار الاجنبي المباشر والتي من اهمها, بنظر المستثمر, عودة التوازن الداخلي والخارجي للإقتصاد اليمني, وخفض معدلات التضخم, وتمتع الاقتصاد بمعدلات إدخار موجبه وملائمة بعد أن أتسم فيما سبق بمعدلات إدخار سالبة, مؤكداً أن النتائج الايجابية التي تحققت على صعيد تلك المؤشرات لم تنعكس في تحسن مستويات الانتاج والانتاجية, منوهاً إلى ان السبب يعود إلى تركيز السياسات المتبعة في سياق الاصلاح على هدف التحكم بالطلب الكلي وإهمال إستهداف العرض الكلي كونها أعتمدت السياسات المالية والنقدية والانكماشية والاصلاحات السعرية أكثر من ملامستها البنية الهيكلية لفروع الاقتصاد الوطني.
ويرى باناجه أن ذلك "خلق أمرين وثيقي العلاقة بحسم قرار الاستثمار من جانب المستثمر الاجنبي كانا لهما دور في الحد من فعالية ماتحقق من نجاح على صعيد قيمة المؤشر المركب للسياسات الاقتصادية في تحسين مناخ الاستثمار", مشيراً إلى أن الأمر الأول تمثل في تحقيق معدلات نمو اقتصادي متأرجحة بين الانخفاض والارتفاع - وإن كانت موجبة -, وأستدرك "لكنها لم تصل في أحسن أحوالها إلى مستوى معدل النمو المستهدف في الخطة والمقدر بـ7%", في حين كان الأمر الثاني يتمثل في انخفاض معدلات متوسط دخل وعدم مقدرة الاصلاحات المتخذة خلال 10 سنوات من رفعها حتى إلى المستوى الذي كانت قد بلغته عام 1990م.
ويؤكد أن السياسة الانكماشية (المالية والنقدية) وحزمة الاجراءات المتخذة في مجرى تنفيذ مفردات المرحلة الأولى (مرحلة التثبيت1995-1999م) ساعدت على كبح جماح التدهور الذي حصل في السنوات (90-1994م) ومن ثم أفضت إلى بروز تحسن نسبي في نتائج الأداء الإقتصادي بصورة تدريجية في السنوات التالية, ملفتاً إلى أن مرحلة التثبيت في سنواتها الأخيرة أفضت إلى بروز تحسن نسبي في أداء المالية العامة تجلى بإنخفاض عجز الموازنة كنسبة من الناتج من 5,9% إلى 0,9% في عام 1997م رغم أنه عاد إلى الارتفاع مجدداً في العام التالي بسبب الانخفاض الحاد في الأسعار العالمية للنفط بإعتبارها أحد أهم الموارد الأساسية للموازنة.
ويوضح الباحث باناجه انه حدث تحسن في وضع الميزان التجاري للسلع والخدمات بعد انخفاض عجزه إلى الناتج المحلي من 21,3% في بداية الفترة إلى 4,7% في نهايتها إلى جانب إنخفاض معدل التضخم السنوي من 55,1% في عام 1995م إلى 2,2% عام 97م رغم عودته للإرتفاع في نهاية 99م إلى 8,7%, منوهاً إلى أن السياسة الانكماشية "سلاح ذو حدين أدى إلى أن يقابل التحسن في المؤشرات تلك بتراجع في معدل النمو السنوي للناتج المحلي الاجمالي وصل في آخر سنوات التثبيت إلى 2,7% بعد ان كان قد سجل في مطلعها 11,3%".
وأضاف "وخلال المرحلة الثانية (مرحلة التكييف الهيكلي عام 2000- 2004م) أفضت الاصلاحات فيها إلى إستمرار التحسن في موقفي الموازنة العامة وميزان السلع والخدمات, ويشير إلى أن تلك النجاحات التي تحققت في مرحلة التثبيت أفضت من جانب آخر إلى رفع تكاليف التشغيل وهبوط مستويات الانتاج وتراجع معدلات الاستثمار الخاص نتيجة لإرتفاع كلفة الاقتراض إلى حدود تفوق أحياناً معدلات العائد من الاستثمار مما أثر بالتبعية سلباً على معدلات النمو للناتج المحلي الاجمالي.
ويعتبر الباحث أن مرحلة التكييف الهيكلي تميزت معدلات النمو فيها بالتأرجح وعدم الاستقرار ما يؤثر سلباً على سيادة ظروف عدم التأكد من توفر الاستقرار الاقتصادي, " وبالتالي إرتفاع درجة مخاطر الاستثمار من وجهة نظر المستثمر محلياً كان أم أجنبياً", مشيراً إلى أنه مادام والعالم صار في إقتصاد معولم فلا تنحصر تبعات النمو المتأرجح للإقتصاد اليمني في الحد من تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر الوافد فحسب, "بل تمتد, وهو الأسوأ, لتدفع بالاستثمارات الموجودة أصلاً بشحتها إلى الخروج من اليمن مايحبط جهود الاصلاح ويزيد من كلفة أعباؤه".
دراسة باناجة ذاتها أكدت أن الإجراءات الاصلاحية تلك "عجزت في المرحلة الثانية عن خلق حالة توازن بين زيادة الموارد المحلية وزيادة حصيلة النقد الاجنبي للوصول إلى مستوى من الاستثمار يلبي متطلبات النمو المستهدف, مشيرةً إلى أن مصفوفة الأهداف الكمية الموضوعة في هذه المرحلة "تثبيت معدلات الاستثمار في عامي 2000-2001م عند مستوى 24% بينما ما تحقق في مجرى التنفيذ لايزيد عن 18,9%, و18,7% على التوالي", مؤكدةً أن الاصلاحات في الجانب التشريعي والمؤسسي أفضت إلى تحسين بنية نظام الاستثمار, وإن كان مايزال بحاجة من المنظور النظري إلى مزيد من المكونات الفاعلة التي تدعم رفع درجة كفاءته ومن المنظور التجريبي (التطبيقي) إلى مزيد من الجدية والمصداقية في التعامل بمضامينه على صعيد الواقع العملي على حد سواء مع كل المستثمرين.
وحسب الدراسة فإنه من البيانات الرسمية "شهدت السنوات الثلاث التالية للوحدة اليمنية (1990) حدوث طفرة كبيرة في تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر لتنمو خلال عام واحد بمعدل يقارب 54,5% وبلغت نسبتها عام 91م من إجمالي التدفقات إلى الدول العربية 24,1% ومن اجمالي التدفقات إلى الدول النامية 1,4% وسجلت التدفقات في عام 92م حجماً قدر بـ714 مليون دولار وأستمر المسار بالاتجاه نحو الارتفاع في العام 93م ليصل حجم التدفقات إلى 897 مليون دولار", مشيراً إلى أنه "وبسبب حرب 94م وأباب أخرى لم تشهد اليمن خلال المرحلة الاولى لتطبيق الاصلاحات (95-99م) أي تدفقات جديدة للإستثمار الاجنبي المباشر وإنما شهدت تحويلاً له إلى خارج اليمن وبلغ الرصيد السالب المحول من اليمن إلى الخارج للإستثمار الاجنبي المباشر خلال سنوات هذه المرحلة مقدار 944 مليون دولارو في حين أن رصيد الاستثمار الاجنبي المباشر خلال المرحلة الثانية (2000-2004م) بلغ 221 مليون دولار بمتوسط سنوي قدره 44,2 مليون دولار, أي أنه لم يشكل إلا أقل من 1% من إجمالي رصيد الاستثمار الاجنبي المباشر في الدول العربية لنفس الفترة".
ويستحوذ قطاعا الخدمات والصناعة على أكثر من 3 ارباع إجمالي الاستثمار المباشر للمشاريع المرخصة من قبل هيئة الاستثمار خلال الأعوام (92- 2001م) وكان المصدر الرئيس لتلك الاستثمارات قطاع الأعمال اليمني, "إذ شكلت حصته في المشاريع الاستثمارية نسبة 86,6% في مشاريع الخدمات ونسبة 92,7% في مشاريع قطاع الصناعة", في حين كانت مساهمة الاستثمار الاجنبي المباشر (العربي والاجنبي) مساهمة محدودة للغاية, "إذ لم تتجاوز في قطاع الخدمات 13,4% منها 6,6% استثمارات عربية وفي قطاع الصناعة 7,3% فقط منها 3,4% استثمارات عربية".
وتضيف الدراسة "ورغم الثروة السمكية الهائلة التي تمتلكها اليمن, فإنها لم تكن دافعاً لضخ الاستثمارات في قطاع الاسماك, إذ لم تحتل قيمة المشاريع المرخصة إلا نسبة 2,1% من إجمالي قيمة المشاريع المرخصة خلال (92-2001) وبقيمة قدرها 124 مليون ريال شكلت منها الاستثمارات المحلية 82,1% والعربية 4,1% والاجنبية 13,8%", مشيرةً إلى ان قطاع الزراعة حظي بحصة متدنية لاتتجاوز 3,9% من إجمالي قيمة المشاريع الاستثمارية المرخصة, "وهي نسبة لاتتلائم مع حجم قطاع الزراعة اليمني الذي ما فتيء يساهم بأكثر من 20% من الناتج المحلي الاجمالي وبإستيعاب أكثر من نصف عدد المشتغلين في الاقتصاد الوطني".
ورغم إمتلاك اليمن لمقومات سياحية عديدة إلا أن- حسب الدراسة- مساهمة الاستثمارات العربية والاجنبية في قطاع السياحة مازالت محدودة جداً, "إذ لم تتجاوز خلال الفترة تلك نسبة كل منها 1,5% و0,8% من إجمالي قيمة المشاريع الاستثمارية المرخصة في قطاعات الاقتصاد الوطني من دون قطاع النفط والمعادن", مؤكدةً أن تدفقات الاستثمارات العربية المباشرة لليمن مازالت دون المستوى المطلوب حيث "لم تتجاوز قيمتها نسبة 4,4% من الاجمالي خلال السنوات (92-2001م)", وتضيف "ولذلك لابد من ادراك ان المستثمر العربي مثله مثل المستثمر الاجنبي يرضخ قرار الاستثمار لديه لمعايير وحسابات محددة في ضوئها يتخذ قرار وجهته الجغرافية والقطاعية", وتابعت "خيارات المستثمر لعربي (الجغرافية) اضحت واسعة جداً في زحمة المنافسة بين دول العالم على استقطاب الاستثمار الاجنبي المباشر والمفاضلة بين الخيارات تتحدد بجودة المؤشرات النوعية لمناخ الاستثمار الاجنبي في هذه الدولة او تلك".
#محمد_النعماني (هاشتاغ)
Mohammed__Al_Nommany#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟