أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ضد القبَليّة، ومن أجل فلسطين عالمية















المزيد.....

ضد القبَليّة، ومن أجل فلسطين عالمية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7809 - 2023 / 11 / 28 - 21:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تدفع موجة الصراع الراهنة في فلسطين إلى انفعالات محتدمة في الأوساط العربية، المسلك العصبي غير المستغرب ممن يقعون تحت عدوان قوى متفوقة عسكرياً وإعلامياً، تقتلهم وتنزع إنسانيتهم، وتسلبهم الخطاب فوق ذلك، خطاب العدالة والحضارة والقانون. يتمثل هذا المسلك في تمترس هوياتي أو حضاروي، نحن مقابل هم. من جهتنا ترسو "نحن" على أعماق قومية أو دينية، ويجري تعريفهم "هم" بطريقة مماثلة، كغرب استعماري معاد، استعماريته وعداؤه ينبعان من تكوين جوهري جامع له وغير متغير. ما يغيب من هذا الاختزال العصبي هو القيم السياسية والأخلاقية والفكرية الأكثر عمومية أو كونية، ما يتصل بالحريات العامة والمساواة بين الناس (على اختلاف الجنس والدين والعرق) والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ليست هذه القيم محققة في أي مكان، لا في الغرب ولا في غيره، لكن ليس غيرها ما يلهم النضال من أجل بيئة عالمية أكثر إنسانية. لقد جرت خيانة هذه القيم مراراً وتكراراً في الغرب الذي عرف كذلك أكثر من غيره تحققات جزئية لبعضها هنا وهناك. نتكلم على خيانة متكررة لهذه القيم من قبل القوى الغربية بالضبط لأنها تطابق نفسها بها. نشعر أن روسيا تخونها أقل، وهي تدعم نظاماً إبادياً في سورية وتقتل ما قد يتجاوز 24 ألفاً من المدنيين السوريين خلال تسع سنوات، لأنها تدعي تلك القيم أقل، هذا حين لا يرى بعض منظريها مثل ألكسندر دوغين أن القيم الكونية هي قيم غربية خاصة، وأن هناك أنساق للقيم والحقيقة مغايرة وأصيلة، هي القيم الروسية أو القيم الإسلامية وغيرها. هذه النظرية هي الزائفة، وهي تؤول إلى حكم القوة، القوي يفرض قانونه وقيمه كما يناسبه. ولا يبعد أن يكون أصل مذهب دوغين ذاته هو المزيج الروسي الخاص من الشعور بالعظمة والمهانة، وهو مزيج غير غريب علينا، ويدفع إلى مسالك مماثلة. الإسلامية اليوم، وبالأمس القومية العربية في صيغتها البعثية بخاصة، من تلك المسالك الجريحة.
ما يمكن أن يؤخذ بقدر طيب من العدالة على القوى الغربية اليوم هو أنها بالضبط متطرفة وعدمية حين يتعلق الأمر بفلسطين، وألمانيا بينها تنفي فلسطين نفيا مطلقاً يُذكّر بنفي داعش والسلفية الجهادية للعالم الحديث والمعاصر. وللأمر جذر عَقَديٌّ صاغته أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة في خطاب أمام الكنيست الإسرائيل عام 2008، قالت فيه إن إسرائيل علة وجود لألمانيا، ما يعني لا أقل من أن علاقة عدمية بين ألمانيا وفلسطين. هذا أكثر من متطرف، إنه ترقية للتطرف إلى مرتبة عقيدة وكيان.
على أن العدمية لا تقتصر على ألمانيا، وتتجاوزها إلى عموم الغرب الرسمي، عبر تبني منطق أن إسرائيل في خطر وجودي دائم، وجودي وليس أمنياً أو عسكرياً أو سياسياً من صنف ما يعرض لكل الدول والبلدان. إسرائيل احتكار شرعي للقلق الوجودي الذي يسوغ ردوداً وجودية مطلقة، أي عدمية، تستأصل الخطر من جذوره، "تكوي وعي" أصحابه، ترد عليهم ردوداً مجنونة تُجنِّنهم وتفقدهم صوابهم (من صنف ما ننزع إلى فعله اليوم، وفعلنا مثله غير مرة بالأمس). هذا الاحتكار غير طبيعي، يلغي السياسة حين يجعلها لعبة وجود وعدم، وليس سلم وحرب، ولا ريب أنه يبطنه شعور بأن في قلب فكرة إسرائيل ثمة ما هو غير طبيعي وغير شرعي. وإنما من هنا الإصرار الوسواسي على حق إسرائيل في الوجود من جهة، والهوس بالتطبيع بينها وبين الدول العربية من جهة أخرى (وما يضمره ذلك من أن العرب وحدهم، وقد قامت إسرائيل على حساب بعضهم كيانياً، وعلى حسابهم كلهم سيادياً وسياسياً، هم وحدهم من يجعلونها طبيعية). يبدو الأمر بمجمله غريباً: فمن يحق لهم القلق على وجودهم هم من يجدون كيانهم بالذات يؤكل يوماً بعد يوم طوال أكثر من قرن، وأكثر من ثلاثة عقود بعد أوسلو و"عملية السلام": الشعب الفلسطيني؛ وليس قوة نووية، فائقة التسلح التقليدي، تحظى بدعم أقوى أقوياء العالم وأغنى أغنيائه وأشهر مشاهيره.
ما يمكن أن يُطبِّع إسرائيل، وهذه جبهة نضال للتقدميين الغربيين والإسرئيليين، تتمثل في الدفع نحو "حق"ـها في الهزيمة، بل ربما واجبها في أن تُهزم، لأن الدول الطبيعية تهزم وتخسر. وهي تنتصر أحياناً، وهو ما حرم منه الفلسطينيون والعرب عموماً في مواجهة إسرائيل (ومن هنا النقص السيادي العربي المستمر). نتذكر ما كان يقال حتى مؤتمر مدريد للسلام قبل 32 عاماً من كفالة أميركية لتفوق إسرائيل العسكري النوعي على الدول العربية مجتمعة. بعدها صار الكفيل "راعي" عملية السلام!
بيد أن كل ذلك لا يسوغ النزعة القَبَلية المتعصبة التي تتنامى بين ظهرانينا خلال الأسابيع الماضية على إيقاع الإبادة الجارية في غزة، بمشاركة غربية مثيرة للاحتقار ومستحقة للإدانة. فعدا أنه مسلك انفعالي عقيم، على ما يمكن رصده بيسر من سيرة ونتاج بعض من يتجسد فيهم هذا المسلك، فقد سبق لنا أن شاهدنا هذا الفيلم من قبل غير مرة، ونعرف نهايته التعيسة؛ وهي اليوم إما فلول قومية عربية تابعة لإيران (قوة قومية معادية للعرب إلى درجة العنصرية، فوق طائفيتها الاستعمارية) أو إسلامية سنية عدمية (أو تبعية في أحسن الأحوال). يتعين لبعضنا على الأقل ألا ينساقوا وراء الانفعالات العاصفة. وإن كان يتعين من وجه آخر أن لا ننتحل عقلانية جاهزة، لا تمر ببنانا الرمزية والنفسية، فلا تتفاعل معها ولا تحترمها، مما كان هو الحال ولا يزال. لا نعترض على الانفعالات بعقل مسبق الصنع يتعالى عليها، بل بعقل تفاعلي يتكون عبر الانفعال بها، عقل هو انفعال ثان، يستوعب دروسها ويتطلع إلى أن ينصرها بمناهج وأساليب لا تستطيعها هيا. يتعلق الأمر بقدرة على التفكير الاستراتيجي لا يصعب اكتسابها، لكن تحول دونها هياكلنا السياسية الراهنة، ونزعاتنا الانفعالية التي تفضل تلك الهياكل تغذيتها.
على أن تزكية القيم الأكثر عالمية بدل القبلية الصاعدة اليوم يمر باستدراكين. أولهما ما سبقت الإشارة إليه من خيانة القوة الغربية لها، ومن قبَليّة غربية إقصائية ومتعصبة؛ وثانيهما أن هذه القيم ذاتها في تشكلاتها الراهنة في أزمة عميقة، ربما بفعل همينة التفكير الليبرالي الجديد، التفتيتي والفرداني، الذي يبقيها قيماً مجردة، منفصلة عن مشروع سياسي وجماعة سياسية تغييرية، وبما يجردها من الروح القتالية. وهذا أخطر لأن الاحتجاجات التي شهدتها بلدان كثيرة تضامناً مع فلسطين مرشحة لأن تكون بلا أثر تراكمي، يستطيع الواقع السياسي القائم أن يتعايش معها، وربما أن يحولها إلى واجهة عرض لتسامحه وحجب قبليّته. أزمة القيم العالمية (أو الكونية) أزمة عالمية هي ذاتها من حيث انفصالها المستمر عن الفعل السياسي. لكن خيانة القيم العالمية هي بالذات ما يدعو إلى التمسك بها وتطويرها في وجه من يثابرون على استخدامها أداتياً، ولخدمة مشاريعهم الفئوية أو القبلية الخاصة. ولنا في ذلك شركاء اجتماعيون في مجتمعات الغرب، إن لم يكن أكثر من غيرها فبصورة مضمونة أكثر من غيرها، بمعنى أن الداعمين هنا اختاروا عن معرفة وحرية أن يدعموا ما يدعمون.
وفي الغرب أكثر من غيره أعداء فلسطين وقضايا العرب التحررية الأشد عناداً وعصبية، وأصدقاؤنا الأكثر عدالة وإخلاصاً، وهذا بالضبط لأن الخيارات هنا أكثر حرية مما في أي مواقع أخرى من العالم (الصديق فاروق مدرم بيك يقول شيئاً مماثلاً عن أصدقاء القضية السورية وأعدائها: الأنبل لبنانيون، والأنذل كذلك). وهذا سبب إضافي لأن نعمل معاً، ومع شركاء آخرين، من أجل وعود وآفاق قيمية وسياسية مختلفة. ليس هناك حلول في الماضي لمشكلات الراهن، لا في القبيلة ولا في القومية ولا في الدين. الراهن عالمي وحلوله عالمية. وفي فلسطين تتمثل العالمية أكثر من أي موقع آخر في عالم اليوم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الآيخمانية في ازدهارها الراهن
- الحرب الوظيفية، حرب تشرين 1973 وبنية الحكم الأسدي
- في بعض الجذور الانفعالية لتوحشنا
- عن -انتفاضة العشائر- العاثرة
- نظام التمييز جذراً للتطرف والانقسام السوري
- موجة احتجاجات جديدة في سوريا
- في الذمية عموماً، والذمية المعرفية بخاصة
- -أورينت- وغرب: تعليق لغوي تاريخي
- في سؤال الذات السياسية: مناقشة أخرى لبرهان غليون
- -سؤال المصير- لبرهان غليون، عن علاقة الأفكار بالتجربة
- السمعة والصيت، تأملات لغوية اجتماعية
- يوميات يابانية، خواطر وانطباعات عن عشرة أيام في اليابان
- في أنماط الحياة وشرعياتها وحروبها
- في الإسلامية في سورية والبحث عن سلطة
- غول تحت السجادة
- الموت ولا التفكير!
- سورية والصراع السوري ونسيج مفارقاتهما
- صورتان للشر: من أجل عين غيرية
- عن الكرامة وحرمة الجسد البشري
- اللاعقلانية الجديدة ونموذجها السياسي المتطرف


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ضد القبَليّة، ومن أجل فلسطين عالمية