|
الجزيرة اكثر من سلطة رابعة !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19 - 10:20
المحور:
الصحافة والاعلام
الممنوع مرغوب ، هذه القاعدة تنطبق ايضا على السلطة الرابعة ، سلطة الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية ، سلطة الصحافة والاعلام ودورها وتأثيرها في المجتمعات قاطبة . كما هي الممنوعات على الناس في حالة السلطة الاولى المتسيدة في عالمنا العربي والاسلامي بشرعية القوة ، والتي جعلت منه طفلا مازال يحبو في ملعب الحريات العامة والخاصة ، حيث حرمت شعوبها من ممارسة حقها في المشاركة بسلطة التشريع ، واختياروعزل من يمثلها في هذه السلطة ، والحال ذاته يتجسم على مفاصل السلطة القضائية ، وان وجدت فهي في معظمها اجهزة وظيفية غير مستقلة تخدم السلطة المطلقة ، والتي عادة ما تكون في دولنا مختزلة بالحاكم الذي يصادر بدوره كل السلطات ، ولا يشاركه احد فيها الا من يعينهم هو كمستشارين او موظفين ، رغم انه يبدع في التنظير احيانا لمبدأ فصل السلطات ، وقد يقيم لها موديلات مشابهة للاصل لكنها في الحقيقة خالية من اي وزن فعلي اومضمون حقيقي يتفق مع مباديء تعدد السلطات والفصل بينها ! ان الحرية وحقوق المواطنة والديمقراطية وتكافوء الفرص مفاهيم لا تتجزء بل تتكامل والنقص فيها يجعلها ناقصة ككل ، لذلك فانه لا توجد سلطة حقيقية ومستقلة للصحافة في مجتمعاتنا ، الموجود هو صحافة واعلام ومؤسسات تابعة لذات الحاكم او الحزب المهيمن على كل السلطات ! نعم توجد هنا وهناك اصوات معارضة او تنشد الاستقلال لكن اغلبها مطارد او يعمل خارج جغرافيا دولنا لذلك بقي تأثيرها محدود .
جزيرة في هذا البحر:
كان ظهور قناة الجزيرة في نوفمبر 1996 ، شكل خرقا للمألوف في الوسط الصحفي والاعلامي السائد في منطقتنا ، وقد مس بحرفية وثقة الوتر الحساس او لنقل العصب الحساس ، مستفيدة من اخر انجازات وسائل الاتصال ، واخذت على عاتقها تناول اغلب المحرمات التي لم تكن المؤسسات الاعلامية الاخرى قادرة على الاقتراب منها بحكم هيمنة سيف الرقيب عليها ، لذلك كله اضحت هي القناة الاكثر انتشارا ومصداقية . من هنا دخلت الجزيرة ومنذ عامها الاول كرائدة في عملية تجاوز الواقع البالي ، لقد سطع فيها وبقوة الرأي الاخر ، ومن كل المشارب والاتجاهات الاسلامية والقومية واليسارية والليبرالية ، وظهرت الصور الخلفية في معظم التغطيات الشاملة والمتكاملة للاحداث التي هزت المنطقة والعالم ، كانت ولاول مرة قد كسرت حاجز احتكار الخبر الاول الذي تميزت به المحطات الغربية ، واصبحت الجزيرة تمارس حظورا في طريقة تناولها للخبر ذاته من حيث جدته ودقته وعمقه ، هي الاولى والسباقة لنقل الخبر المصور اينما كان ، مع نكهة يفوح منها عرق مهنة المتاعب ! الجزيرة غدت مدرسة اعلامية للاحتراف الصحفي والموضوعية في تسليط الاضواء على الزوايا والخفايا الخافية ، وعلى تقديم الخبر من مصدره ، وعلى مسائلة الكبير قبل الصغير لاستخلاص المعلومة الاقرب للدقة ! تقاريرها ليست نخبوية و حواراتها ليست لتبييض او تسويد الوجوه ، انه حوار منتج ومفتوح ونجحت في تثبيته نهجا لها . مراسلوها يبحثون في الازقة وفي العواصم وفي الجبهات الملتهبة وفي ساحات الكوارث عن اجابات لما يجري ، تستنطق الخصوم ، لا تجامل احد ، وتجعل المشاهد سيد الحكام ، تحاور الجميع كما تحاور الحكام والمسؤولين ، تحاول ان تقوم بنقل ما يختلج في قناعات افراد شعوبهم ، الجزيرة منبر مفتوح للحوار مع المشاهدين دون تمييز ، نجحت في اثارة الجميع للتعرف على انفسهم ، وكسبت مصداقية عند الجميع حتى عند من يناصبها العداء .
قصة الجزيرة وما وراء القصد :
الحكومة القطرية الشابة وقتها ـ قبل 10 سنوات ـ يبدو انها وضعت لنفسها اسلوب عمل غير تقليدي اقبل اولا على دراسة ما يمكن ان تتميز به قطر عن قريناتها من دول الخليج المجاورة ، والمتتبع للامر يرى ان هناك نوع من السباق بينها جميعا لجذب الانظار واثبات الوجود ، فالتشابه الكبير بينها اصبح لايطاق عند اغلب المتنفذين ، وقد يجعلهم يعتقدون انه محفز مستمر للمطالبة الخفية بتخلي الصغار عن كياناتهم المكرسكوبية لصالح كيانات الكبار ، وما يزعج اصحاب الامر ايضا صعوبة تعرف دول العالم عليهم وعلى وجودهم ! القيادة الشابة والمتعلمة تريد اثبات شأنها وتأكيد استحقاقها ، ليس فقط الوراثي للحكم ولكن استحقاق الكفاءة ايضا ، وهذا بحد ذاته اهتمام حميد ، فهي قد ادركت ان الاعلام قوة عظمى يمكن لو احسن استخدامها وتمويلها ان تشكل ثورة قد تغير الحال وتجعل اصحابه بارقى مقام بالتوازي مع تنمية مايمكن تنميته من ادوار وثروات ! ربما كان الشعور بعدم القدرة على مواجهة اطماع الدول الكبرى واضطرارها للتعايش مع مطالبها برز لديها شعور دفين بالذنب تجاه ضحايا سياسات هذه الدول ، واللتعويض عن هذا القصور الموضوعي ارادت تحقيق نوع من الانجاز غير المباشر قد يشفع لها عند الضحايا في النظرة على اقل تقدير ، وهي على هذا الاساس محاولة لتحقيق معادلة صعبة لكنها ممكنة عندما تتراوح المسافات والاقدار بين التناسب والتنافر ـ الكسر الموضوعي والجبر الذاتي ـ قاعدة ممكنة التحقق ولا يشكل ولوجها مقامرة او مغامرة غير محسوبة العواقب . قاعدة امريكية كبيرة في السيلية ، مكاتب تجارية مع اسرائيل ، عقد مؤتمرات يصعب عقدها في عواصم اخرى ، زيارة تضامنية على مستوى عال لبيروت في عز الحرب الاسرائيلية على لبنان ، زيارة مساعي حميدة لغزة من اجل تقريب وجهات النظر بين حماس والسلطة ، استقبال خالد مشعل ورفاقه بعد ان ضاق الاردن بهم ! والامثلة المتقابلة كثيرة ، المهم مهما كانت دواعي اهل قطر لتمويل مشروع الجزيرة ، فهم قد فتحوا بها فتحا مبينا ، قد لا يقصدوه في البداية ، لكنهم بتواصلهم معه ودون تغيير على اسلوب عملها قد منحهم ذلك حق براءة اكتشاف ومن الدرجة الاولى ! الجزيرة استثمرت خبرات الكادر العربي المحترف والذي تعلم ان يبدع ويتألق فقط عندما يمنح فرصة الحرية في العمل ، وهو نفسه سيقدر وبمسؤولية حجم الرقابة التي يتوجب فرضها على نفسه ، وهذا ما نجحت في توفيره ادارة الجزيرة وطاقمها ، التي تفخر باستقلاليتها عن الحكومة القطرية ، انها محطة مستقلة في قطر وبتمويل قطري ، اضاف عليها حجما يفوق حجمها الحقيقي بما لايقاس ! واعتقد ان هذا بحد ذاته مكسب للممولين ، اما هدف الجزيرة كمؤسسة فهو تحقيق رسالة موضوعية ومتوازنة للاعلام والعمل الصحفي في منطقتنا بل في العالم ، من خلال السعي الحثيث للاقتراب من الحقيقة قدر المستطاع .
ان تكون محايدا امر مهم ولكن ان تكون محايدا سلبيا هو اخطر من عدم الحياد نفسه ، اذن فالحياد الايجابي امر لا بد منه في طبيعة عمل يتناول وبشمولية وتفصيل متنوع كل اخبار وظواهر منطقتنا ودولنا وشعوبنا واهتماماتها وعلاقاتها ، اضافة الى نقل العالم باحداثه الينا ونقل احداثنا الى العالم ، ومن هنا فان الرأي العام بين شعوبنا امر لا بد له من ان يشغل حيزا مهما في سياسة الجزيرة للاسباب التالية : اولا لانها تريد الاقتراب من الحقيقة . وثانيا كي يكون لديها جمهور اوسع . وثالثا ليكون لها وزن ويحسب لها حساب يضاعف من دورها ومكانتها اقليميا ودوليا .
كلمة اخيرة :
من المتضرر من الجزيرة ؟ كل الذين لا يريدون الاقتراب من الحقيقة ، لانها تضر بمصالحهم وتكشف عوراتهم ـ حكومات حاكمة بامرها او احزاب او شخصيات سائرة بركابها ـ دول عظمى لها مصالح حيوية واحتلالية في المنطقة ومن يساير هذه الدول ـ بعض القنوات الاخرى المقلدة التي لاتريد للجزيرة هذه المكانة وانما تريدها كغيرها دون امتياز ! من المستفيد من وجود الجزيرة ؟ كل الذين لا صوت لهم ! وكل المتضررين من الذين تضرروا من وجود الجزيرة .
لكل العاملين في الجزيرة ولادارتها الناجحة ولكل من ساهم ويساهم بتطويرها الف تحية بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاقتها ، وبمناسبة انطلاقتها الجديدة باللغة الانكليزية ، الجزيرة الدولية ، لتستكمل رسالتها العربية بالبعد العالمي الفاعل حيث ستصل لاكثر امصار العالم سعة محاورة الاخر بلغته ، طائرة اليه حيث هو ، والان من حق الجزيرة ان تفخر بانها الاختراق الجنوبي الاول للشمال المهيمن .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذور لاتموت
-
الحياة في اجازة والعيد جنازة !
-
العقل العراقي عصي على الاحتلال
-
ثلاثة اذا ذكروا ذهب العراقيون لقضاء حاجتهم !
-
خذوا الحكمة من افواه جنود العدو!
-
النحس يلاحق حكومة الاحتلال غير الدائمة !
-
امريكا تمهد لمرحلة القواعد الدائمة في العراق
-
حركة عدم الانحياز مطالبة بالانحياز
-
محمود درويش تجاوز النوبل مرتين
-
ايران بين مزدوجين
-
من يحزر في يد من خاتم بغداد ؟
-
نظرتان متقابلتان
-
11 سبتمبرحريق في الرايخشتاغ الامريكي
-
البراءة الكبرى
-
من يوميات الحب السري في بغداد
-
الحرية للكاتبة العراقية كلشان البياتي
-
عصامية نجيب محفوظ
-
الى الاخ سامر ومن خلاله الى كل من يهمه الامر
-
يريدون انفجارا ذريا للعناصر الاجتماعية المشعة في العراق
-
الحرب السادسة ليست اخر حروب المنطقة
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|