أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الوكيل البايعيشي - صورة الأستاذ في الأعمال التلفزيونية المغربية















المزيد.....

صورة الأستاذ في الأعمال التلفزيونية المغربية


عبد الوكيل البايعيشي

الحوار المتمدن-العدد: 7806 - 2023 / 11 / 25 - 10:14
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


هناك مقولة شائعة مرت على مسامعنا كثيرا وهي أن "الفن مرآة الواقع" فإلى أي مدى يمكن التسليم بصحة ومعقولية هذه المقولة أو بالأحرى الأطروحة لأنها تحمل تصورا شمولية للفن وأدواره في المجتمع، هل هي حق يراد به باطل؟ هل على الفن نقل الواقع كما هو أو العمل على تغييره للأفضل؟
إن الحديث عن الفن يستدعي مفاهيم أخرى كالخلق والإبداع فالفنان ليس مجرد آلة تصوير يعرض الواقع الخام كما هو في الواقع بل إن الفنان يسقط عليه ذاتيته وميولاته الإديولوجية ويعمل على صياغته وفق رؤية جمالية متعددة الأهداف، وأنا هنا لن أتحدث بصوت الناقد الفني الذي ينبش في العثرات والكبوات التقنية للمبدع وإنما أبحث عن الجمالي والقيمي في الأعمال الفنية وكيف يؤثر هذا الفن على وجدان ووعي ولا وعي المتلقي من خلال الرسائل الصريحة والمشفرة في عمل ما، فالفن هو الحد الفاصل بين الواقعي والمتخيل وماهو كائن وما ينبغي أن يكون.

إن الإبداع الحقيقي، يتجاوز التجارب التسجيلية أو إمكان حدوثها في الواقع" هكذا يجيب الروائي المغربي محمد شكري عن سؤال الصحافة والنقاد عن مدى واقعية أعماله الأدبية ويضيف نفس الكاتب عن جدوى الفن وهل هو مجرد ترف فكري وأداة للتسلية بأن الفن "يجمل الحياة، حتى في أقبح صورها".
في هذا المقال سأقوم بقراءة في ثلاثة أعمال تلفزيونية مغربية تعتبر من أشهر الأعمال التلفزيونية التي مرت على الشاشة ولقيت متابعة كبيرة من الجمهور المغربي، وماهي الصورة التي تركتها لدى المتلقي حول الأستاذ المغربي من الناحية الإعتبارية في المجتمع والحمولة القيمية والثقافية والمادية التي يحملها الأستاذ في هذه الأعمال الثلاثة التي تمثل بطريقة أو بأخرى صورة المدرس في الأعمال التلفزيونية بشكل عام، وما ترسخه هذه الأعمال في مخيلة المتلقي.

فيلم "القسم ثمانية".

الفيلم من إنتاج القناة الثانية المغربية سنة 2003 من إخراج جمال المجدوب، يحكي الفيلم قصة أستاذة في السلك الثانوي تدعى ليلى، التحقت بمؤسسة جديدة للهرب من بعد المسافة ومشقة الحياة لوحدها لتصطدم في مؤسستها الجديدة بالقسم 8 الذي يضم عددا من التلاميذ المشاغبين، فتتعرض لمختلف أصناف المضايقات، التحرش والتهديد.

المتابع لأحداث وشخصيات هذا الفيلم سيلاحظ تهميشا ممنهجا لشخصية ليلى مقارنة بالتلميذين المشاغبين "مجيد" وميلود" وخصوصا شخصية التلميذ ميلود الذي استأثر بتعاطف الجمهور لأن المخرج سلط الضوء على خلفيته الإجتماعية الهشة ومعاناته مع أب مشلول ووضعية إقتصادية مزرية والشعور بعقدة النقص أمام زملائه، فدفعته هذه التراكمات النفسية إلى الإنفجار بالبكاء ومحاولة الإنتحار أمام الجميع موجها عتابه في مشهد سيظل راسخا في ذهن المشاهد: "انتي ما فاهمة والو أساذة.. انتي ما فاهمة والو أستاذة".
لقد تفهمنا جميعا معاناة التلميذ المشاغب ميلود كما تفهمته أستاذته وأقنعته بالعدول عن قرار الإنتحار وعانقته بحرارة لمواساته متجاوزة بذلك مهمتها الأساسية في التدريس إلى مهام أخرى متشعبة كالاصلاح الإجتماعي للتلاميذ والحفاظ على الأمن داخل القسم وممارسة التنمية الذاتية والدعم النفسي والاجتماعي للتلاميذ، لكن الأستاذة رغم كل هذا ظلت طوال الفيلم مجرد شخصية ثانوية تتعرض لتحرش التلاميذ ومضايقاتهم داخل القسم وخارجه في ضرب صارخ لهيبتها ومكانتها الإجتماعية، واستباحة لشخصها وشرفها من طرف التلاميذ، لا سيما وأن الفيلم موجه بشكل كبير لهذه الشريحة من المجتمع ما سيرسخ هذه السلوكات المعادية للأستاذ وجعله موضوعا للإستهزاء والتعنيف اللفظي والجسدي، لتعيدنا هذه المسألة للسؤال الذي بدأنا به: هل الفن يكرس الظواهر الإجتماعية بأعطابها أم يعمل على إصلاحها؟ ويشتد هذا السؤال إلحاحا عندما يتعلق الأمر بالمادة الفنية الموجهة للمراهقين، فهذه الفئة لم تصل بعد للنضج الفكري والعاطفي ولديها استعداد لإستهلاك المادة الفنية وإعادة إنتاجها في الواقع دون تحليل لأبعادها وعواقبها عليه وعلى المجتمع، وما نقوله ليس من باب المبالغة والتهويل فالدراسات العلمية أثبتت تأثير الأعمال الفنية وألعاب الفيديو على عقل المراهق وسلوكاته العنيفة ويزداد الوضع سوء عندما يتعلق الأمر بالمراهقين من خلفية إجتماعية هشة.

فيلم "المعلمة".

هذا الفيلم من إنتاج القناة الثانية سنة 2004 وهو كسابقه يعمل على "بهدلة" صورة الأستاذ في شخص بطلة الفيلم "آمال" التي لا تحمل من الأمل سوى الإسم، يحكي الفيلم قصة أستاذة عينت في مدرسة فرعية في إحدى القرى النائية فعانت الأمرين من صعوبة الحياة ونمط العيش المختلف عن المدينة، إلى جانب مشكلها الأكبر مع مضايقات الحاج الوردي الفلاح الذي يتزعم القرية بنفوذه القوي ويحاول جاهدا أن يقنع آمال بالزواج منه وممارسة ضغوطات عليها لتستسلم لرغبته في الزواج منها رغم فارق السن الكبير ما سيدفعها للجوء إلى الزواج من "جعفر" صديق العائلة للتمكن من الإنتقال إلى مدينتها الدار البيضاء لكن مشاكل الأستاذة ستنتقل معها من القرية إلى المدينة، فجعفر سيطلب من آمال مقابل ماديا لتخليصها من الحاج الوردي وتوريطها معه.
يبدأ الفيلم من الدقيقة الثانية بترسيخ بعض النماذج عن الصور النمطية عن الأستاذ، تخبر آمال صديقاتها أن يحضرو بعد حصولها على الأجرة، فتعترض إحدى صديقاتها قائلة: "ناااري التسقريم هو التسقريم" في محاولة لإلصاق صفة البخل بالأستاذ، ولو كلف المخرج نفسه عناء البحث سيجد هذه الفئة من المجتمع هي الأكثر عطاء والأبعد عن صفة البخل، فالأستاذ يعطي من وقت أبنائه في المنزل للتلاميذ ويعمل على التحضير للدروس، تصحيح الفروض، وفي المدرسة يجد أقساما مهترئة تشبه نوعا ما الأقسام الدراسية، فيعمل من ماله الخاص على ترميم ما يمكن ترميمه وتزيين الجدران بالألوان والجداريات لإضفاء بعض الجمالية على القسم، ويقتني مستلزمات العمل من ماله الخاص من أقلام لبدية، آلة طابعة، أوراق، وحتى المسلاط الضوئي أحيانا، في ظل المفارقة بين ما يدعو له الميثاق الوطني للتربية والتكوين من حث على إقحام التكنولوجيات الحديثة في الفضاء المدرسي وغياب أبسط الوسائل اللوجيستيكية، ما يضع مسافة سنوات ضوئية ما بين الشعارات والواقع.

بالعودة إلى فيلم "المعلمة" فهو لا يعطي أي صورة إيجابية نحو الأستاذ أو مهنة التدريس، بل يضعهم في الدرك الأسفل من السلٌم الإجتماعي، يتعرضون للمعاناة والاضطهاد والاستغلال، فترتبط صورتهم بالبؤس والفقر والضعف، لن تجد في أي عمل تلفزيوني تشخيصا لموظفين من قطاعات أخرى بهذا المظهر البئيس ويتعرضون لهذا "العنف الرمزي".

فيلم "البندير".

هو أيضا فيلم من إنتاج القناة الثانية سنة 2019 من إخراج ابراهيم الشكيري، ويعتبر حلقة أخرى من سلسلة طويلة من الأعمال التخريبية التي تضرب مكانة وسمعة الأستاذ الاعتبارية في المجتمع وقد أحدث ضجة عند عرضه لأول مرة على الشاشة وخلف ردود فعل غاضبة في صفوف الأساتذة فقصة الفيلم تدور حول شخصية الأستاذ "عبد الرفيع" الذي يتأخر بشكل دائم عن العمل بفعل بعد المسافة بين المنزل ومقر العمل، وعند انتقاله لمنزل قريب للمؤسسة التي يشتغل بها سيدرك أن صاحبة المنزل تعمل "شيخة" وسيقرر فيما بعد الانضمام للحفلات والسهرات التي تقيمها والعمل معها لسداد سومة الكراء التي بذمته.
الصورة العامة التي ستصل المتلقي في هذا الفيلم هو عدم أداء الأستاذ لواجبه بشكل جيد وتأخره عن العمل بغض النظر عن الأسباب، وأنه كائن منحط إجتماعيا وماديا وأن "الشيخة" أرقى منه مكانة اجتماعية وهي المنقذ له من الضائقة المالية، وهذا فيه انتصار التجهيل والتفاهة على التثقيف والدراسة وضرب في جاذبية مهنة التدريس، والرسالة الأخطر أن الأستاذ كائن انتهازي بإمكانه القيام بأي عمل لاخراج نفسه من الوضعية المالية المزرية.

الفن أداة للتأثير والسيطرة على عقل المتلقي، ومن خلاله يمكن الرقي بالمجتمع أو تخريبه، التنويه ورد الاعتبار لفئة إجتماعية أو الحط منها، والملاحظ أن القناة الثانية كانت ولا زالت بأعمالها التلفزيونية التخريبية تعمل على الضرب في صورة الأستاذ والحط من مكانته في المجتمع، وفي بعض الأعمال تستهدف مواد دراسية بعينها كالتقليل من مادة الفلسفة واعتبارها مجرد كلام فارغ، وفي هذا حرب على الفكر النقدي التحليلي ومحاولة لتسطيح العقول.



#عبد_الوكيل_البايعيشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم بالمغرب.. سياسة السيرك الروماني


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الوكيل البايعيشي - صورة الأستاذ في الأعمال التلفزيونية المغربية