داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7806 - 2023 / 11 / 25 - 07:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ وعد بلفور المشؤوم الصادرعام 1917, بوطن قومي لليهود في فلسطين, والشعب الفلسطيني ما إنفك يعانى شتى صنوف الظلم والتعسف والقمع ومصادرة الحقوق والممتلكات , والتهجير القسري المحموم للعيش في مخميات لاجئين على تخوم فلسطين , ينظرون صباح مساء بحزن وألم إلى مساكنهم وممتلكاتهم التي تركوها عنوة , بسبب أعمال العنف والإرهاب التي مارستها العصابات الصهيونية تجاههم, تحت مسمع ومرأى سلطة الإنتداب البريطانية دون أن تحرك ساكنا وكأنها غير معنية بما يرتكب من جرائم بحق الفلسطينيين العزل, حتى أن سلطة الإنتداب نفسها لم تسلم من بعض العمليات الصهيونية الأرهابية,. حيث قام في الثاني والعشرين من تموز سنة 1946 , أعضاء من جماعة الإرجون الصهيونية الإرهابية التي روعت الفلسطينيين بعملياتها الإرهابية أكثر من مرة من قبل , بتفجيرفندق الملك داود في مدينة القدس,الذي تتخذه سلطة الانتداب مقرا لها . تم تنفيذ هذا الهجوم بناءا على أوامر مناحيم بيغين (رئيس الوزاء الإسرائيلي فيما بعد) حيث كان حينها رئيس جماعة الإرجون . قتل نتيجة هذا العمل (91 ) شخصاً، منهم ( 41 ) فلسطينيا و( 28) بريطانيا و(17) يهوديا و(5) من جنسيات أخرى. وأصيب ( 45 ) آخرين بجروح مختلفة .
هز هذا الحدث الإرهابي العالم يومذاك، وقد أدانته مختلف الدول عبر وسائلها الإعلامية ,وأثارت غضب الحكومة البريطانية ضد هذا العمل , ووصفته كما وصفه الجميع بالعمل الإرهابي الجبان . حاول الضباط البريطانيون في حكومة الانتداب إبعاد جنودهم وضباطهم عن جميع المرافق المدنية كالمطاعم والحانات وغيرها من أماكن الترفيه والتسوق اليهودية, وذلك لأسباب أمنية، ولكن أجهزة الدعاية الصهيونية بدأت حملتها الإعلامية الواسعة باتهام بريطانيا ,بأن هذا الإجراء يعتبر عمل معاد للسامية. أحرج هذا الأمر بريطانيا وانقلب وضعها من كونها الضحية إلى كونها الطرف المدان وتراجعت عن هذا القرار.جاء ذكر تفجير فندق الملك داوود في دراسة حول تاريخ الإرهاب، حيث وصف التفجير بأنه أحد أكثر التفجيرات الإرهابية المميتة في القرن العشرين . كما أن كتابا آخرحول الإرهاب السياسي نشر في عام 2006, ذكر أن تفجير فندق الملك داوود في القدس يعتبر نموذجا للتفجيرات التي وقعت في عقد الثمانينيات من القرن العشرين .
تلتها مجزرة دير ياسين وهي عملية إبادة وطرد جماعي نفذتها في نيسان 1948 مجموعتا الإرغون وشتيرن الصهيونيتان في قرية دير ياسين الفلسطينية غربي القدس. كان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال ونساء وعجزة، يقدرعددهم بنحو( 360 ) شخصا . استوطن اليهود القرية بعد المجزرة ,وفي عام 1980 أعاد الصهاينة بناء القرية فوق أنقاض المباني الأصلية وأسموا الشوارع بأسماء مقاتلي الإرجون الذين نفّذوا المجزرة . كانت مجزرة دير ياسين عاملاً مهمّاً في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة لما سببته من حالة رعب عند المدنيين الفلسطينيين . ولعلّها الشعرة التي قسمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية (الإسرائيلية) في عام 1948. وأضافت المجزرة حِقداً إضافياً على الحقد الموجود أصلاً بين العرب والإسرائيليين. وصف ممثل الصليب الأحمر الدولي في القدس جاك دو رينييه -وهو الشاهد الأبرز على المجزرة والأجنبي الوحيد الذي دخل القرية ووثق مشاهداته- ما رآه قائلا إن "جل أفراد العصابتين مدججون بالسلاح، حملوا المسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية والسكاكين الطويلة ومعظمها ملطخة بالدماء، وبدا واضحا أنه "فريق التطهير" المكلف بالإجهاز على الجرحى، واتضح ذلك من خلال الجثث المكدسة خارج المنازل وداخلها .
ودون خجل أو واعز من ضمير يحتفل الصهاينة بكل صلف بمجازرهم الفضيعة بحق الفلسطينيين الأبرياء الآمنين في منازلهم, وإقتلاعهم منها دون وجه حق , ويصفونها بالأعمال البطولية الخارقة , فقد قام في شهر تموز من عام 2006، بعض الصهاينة ومن ضمنهم بنيامين نتنياهو( رئيس وزراء إسرائيل الحالي ) وأعضاء سابقين في جماعة الإرجون إحتفالا بالذكرى الستون لتفجير فندق الملك داود ، تم تنظيم هذا الاحتفال من قبل مركز مناحيم بيغن.
فمن يا ترى هو الأرهابي ؟ المواطن الفلسطيني الذي يدافع عن شرفه وماله ووطنه, بوجه مستوطنيين غزاة عتاة مدججين بالعتاد والسلاح ومدعومين من قبل قوى الشر الدولية , لإقتلاعه من جذوره في أرض أبائه وأجداده التي عاشوا فيها آلاف السنين , أم الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين والساعي بكل الوسائل لطرد سكانها الفلسطينيين الذين أذاقوهم الأمرين بإحتلالهم الغاصب لوطنهم , ومعاملتهم الوحشية لهم وقطع أرزاقهم وحرمانهم من سبل العيش الكريم , وإبتلاع أراضيهم عبر أحاطة قراهم ومدنهم ببناء مسوطنات لصهاينة جدد قادمين إليها من شتى بقاع العالم وتقديم كل التسهيلات لإستطيانهم , في الوقت الذي يحرمون اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروهم من مساكنهم بقوه السلاح وعملياتهم الإرهابية, من العودة لوطنهم فلسطين الأباء والأجداد .
ما أشبه اليوم بالبارحة , ها هم الصهاينة يتراقصون على أشلاء الضحايا الفلسطينيين الأبرياء من أطفال خدج ونساء حوامل وشيوخ عجزة كبار, جراء قصفهم الوحشي بطائراتهم وصواريخهم الذكية التي تحرسها البوارج الحربية الأمريكية وتمدها بالعتاد وتوجهها بدقة نحو أهدافها العسكرية من مستشفيات ومدارس ودور عبادة , كما فعلت ذلك بالأمس بقصفها ملجأ العامرية ببغداد عام 1991 الذي راح ضحيته المئات من النساء والأطفال والشيوخ العزل . وكأن الحصار الظالم الذي فرضوه منذ عقود على قطاع غزة غير كاف , وسط صمت العالم المتمدن الذي صدع رؤوسنا بحقوق الأنسان وصيانة حرمة المدنيين في مناطق النزاع , بينما يرى القاصي والداني قصف الصهاينة الوحشي للمستشفيات والمدارس ودور العبادة , بدعاوى إتخاذها مراكز إدارة لعمليات المقاومة ,دون أن يقدموا دليلا واحدا مهما كان واهيا يثبت صحة دعاواهم الباطلة , لاسيما أن المستشفيات وكامل قطاع غزة قد أصبحت تحت سيطرة قواتهم الغازية . ولا عجب في ذلك , فهذا هو ديدن المجرمون العتاة في كل زمان ومكان , بإلقاء اللوم على ضحاياهم وتبرئة أنفسهم , كما فعلت ذلك بالأمس الولايات المتحدة الأمريكية بغزوها العراق وتدميره دولة وشعبا وحضارة عريقة , عام 2003 بدعاوى إمتلاكه أسلحة دمار شامل , ثبت للقاصي والداني زيفها وبطلانها .
يا له من عالم غريب , يصبح فيه دفاعا عن النفس , سفك دماء الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ عجزة وسواهم من المدنيين من قبل جيش عرمرم غازي يصنف أحد أقوى جيوش العالم , وأكثرها عدة وعتادا ومدججا بأسلحة دمار فتاكة بما فيها أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل لا تبقي ولا تذر , وتحرسها بوارج حربية من أقوى قوة عسكرية في العالم, وتدعمها كل أجهزتها الإستخبارية , ولا تنصاع للقوانين الدولية أبدا كونها فوق سلطة القانون , إذ أنها سرعان ما توجه نيرانها نحو كل من ينتقد سوء تصرفاتها ومجازرها بحق الفلسطينيين , بتهمة معاداة السامية وتذكرهم بالفضائع التي إرتكبتها ألمانيا النازية بحق اليهود , وكأن ذلك يفوضها حق إرتكاب جرائم بحق الفلسطينيين , أفضع مما إرتكبه النازيون بحق اليهود ,بينما لا علاقة للفلسطينيين بالنازيين وجرائمهم , والمفارقة أن الصهاينة أصبحوا اليوم أصدقاء الألمان النازيين , متناسين ما إرتكب من مجازر بحق اليهود .
وكعادة دهاقنة المستعمرين فأنهم دائما ما يصفون المناضلين الذائدين بأرواحهم ودمائهم , لتحرير بلدانهم من هيمنة المستعمرين والمستوطنيين الغرباء , والساعين لنيل الحريات والعيش الكريم في أوطانهم في أمن وأمان , يصفونهم ظلما وعدوانا بالإرهابيين , والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة ,يكفي أن نشيرهنا إلى بعضها على سبيل المثال لا الحصر , فقد وصفوا زعيم الهند الخالد المهاتما غاندي بالأرهابي عند سعيه السلمي لتحرير الهند من هيمنة الإستعمار البريطاني ونهب ثرواتها قرونا عديدة , بوصفها أغلى درة في التاج البريطاني, على الرغم من كل ما عاناه في السجون والمنافي على أيدي المحتلين البريطانيين , لم ينجو من تهمة الإرهاب , وكذا الحال لزعيم جمهورية جنوب أفريقيا نلسن مانديلا الحائز على جائزة نوبل للسلام , الذي هو الآخر قد زج في السجون , لا لذنب إرتكبه سوى مطالبته بنبذ سياسة التفرقة العنصرية سيئة الصيت ضد شعبه, التي كانت تمارسها حكومة الفصل العنصري التي قوامها أقلية بيضاء سلمتها بريطانيا مقاليد السلطة في البلاد, وحرمان سكان البلاد الأصليين من حقوقهم المشروعة بالمساواة مع المستوطنيين , تماما كما فعل ويفعل المستوطنون الصهاينة منذ أو وطأت أقدامهم أرض فلسطين منذ أكثر من قرن من الزمان وحتى يومنا هذا , بدعم سلطة الإنتداب البريطاني التي كانت تمثل القوة الأعظم في العالم , وبعدها بدعم الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل اليوم القوة الأعظم في العالم , حيث يلعب اللوبي الصهيوني دورا كبيرا في السياسة الأمريكية, لما له من نفوذ واسع في أوساط المال والثروة وتأثيركبير في وسائل الإعلام وتوجيهه لخدمة الحركة الصهيونية . يقابل ذلك ضعف التأثير العربي وتشتته وبعثرته وإنشغاله بقضايا هامشية وصراعات وفتن داخلية .
قدم الشعب الفلسطيني آلاف الضحايا من أجل قضيته العادلة وحقه بإقامة دولته الحرة المستقلة , أسوة بشعوب العالم الأخرى , وتنازلت قيادته المتمثلة رسميا بمظمة التحرير الفلسطينية التي تتخذ من مدينة أريحا في الضفة الغربية المحتلة الكثير من التنازلات والتفريط بالحقوق الفلسطينية المشروعة عبر ما يعرف بإتفاقات أوسلو المهينة وما نجم عنها , ووقعت كل من مصر كبرى الدول العربية والمملكة الأردنية الهاشمية إتفاقات سلام مع إسرائيل , وقامت دول عربية أخرى مثل البحرين والإمارات العربية والمغرب والسودان بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل, وتحثت بعض وسائل الإعلام عن نية المملكة العربية هي الأخرى تطبيع علاقاتها , دون أن تقدم إسرائيل أية تنازلات لهذه الدول , بل تتصرف بعنجهية وإستعلاء تجاهها ,فيا لعارهؤلاء الحكام الذين يستجدون عطف الولايات المتحدة والدول الغربية لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة , بينما يملكون جيوشا جرارة طالما تباهوا بها بإستعراضاتهم العسكرية , ولديهم أسلحة إقتصادية هائلة لو أنهم تجرؤا وأستعملوا جزءا يسيرا منها , لتوقف العدوان الصهيوني الغاشم فورا . ولكن هيهات منهم العزة .
ألله أنصر فلسطين وشعبها الصابر , والمجد للشهداء الأبرار ,وتحية إكبار وإجلال للشعب الفلسطيني
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟