|
الحق الفلسطيني والتأثير على الرأي العام العالمي
علي طه النوباني
الحوار المتمدن-العدد: 7804 - 2023 / 11 / 23 - 04:49
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
بقلم: علي طه النوباني تَجوَّلَ وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في العديد من العواصم العربية والإسلامية متحدثا عما أسماه حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه. وكم كان مؤلما ألا نجد بين الساسة العرب مَن يَردُّ على بلينكن مؤكدا على حق الشعب الفلسطيني الأصيل والثابت في القانون الدولي في الكفاح ضدَّ الاحتلال بكل الطرق الممكنة مِن أجل تقرير مصيره على ترابه الوطني. وأبعد من ذلك فإن أحدا لم يقل له أن المستوطنين هم سكان غير شرعيين سرقوا أرض الفلسطينيين بالقوة، وهجَّروا أصحابها الأصليين، وأنهم جميعا مُجندون في قوات جيش الكيان الصهيوني أو على قوائم الاحتياط، وهم مسلحون ويرتكبون الجرائم بشكل يومي ضد الفلسطينيين العزل، ولا يجوز التعامل معهم على أنهم مدنيون. لقد قَدَّم بلينكن السردية الصهيونية بكل ما فيها من تزوير وانحياز وخيانة للحقيقة، وبكل ما لها من دعم متعدِّد المصادر وغير محدود يمتد من الفضائيات ووكالات الأنباء مرورا بالمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصولا إلى الجماعات التي نظمتها الصهيونية للتلاعب بالرأي العام وتزوير المعلومات وقلب الحقائق. وإذا نظرنا على الجانب الآخر إلى السردية الفلسطينية، فإننا نجدها قائمة على جهود فردية مشتتة هنا وهناك تحتاج إلى الكثير من التنظيم والدعم لكي تكتسب الاستمرارية والقوة في مواجهة البروباغندا الصهيونية، ولكيلا تكون مجرد موجة مرافقة لطوفان الأقصى تنتهي بانتهاء المعركة. ربما كان ملحوظا طوال فترة هذه الاعتداءات الوحشية على غزة أن عاملين رئيسين يتحكمان في إمكانية الوصول إلى وقف إطلاق النار، أولهما الوضع الميداني للقتال، وثانيهما ضغط الرأي العام العالمي الذي يضغط على الحكومات الغربية بحكم طبيعة تلك الأنظمة التي تعتمد على الانتخابات والحزبية ضمن الأشكال الديمقراطية التي تؤطر الدولة هناك، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن ذلك لا ينطبق بالمقدار نفسه على الدول غير الديمقراطية التي لا يهمها صوت المتظاهرين ولا مشاركتهم في الانتخابات لأنها تستطيع أن تستخرج الموتى لكي يصوتوا ثم يعودوا إلى قبورهم غير آمنين، ولأن الأحياء أحيانا يتمنون الانضمام إلى سكان القبور لأنَّ قدرة سكان القبور على الفعل والتأثير أعلى من قدرتهم. وعلى سبيل المثال فإن أهم أدوات العمل للتأثير في الرأي العام العالمي هي وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل أبرزها الفيسبوك وإكس (تويتر سابقا)، وربما يكون معروفا للجميع أن فيسبوك يُصمم قوانينه وخوارزمياته لدعم السردية الصهيونية، ومعاداة السردية الفلسطينية. أما تويتر فيقدم هامشا واسعا لحرية التعبير، ويسمح لجميع الأطراف بطرح آرائهم دون تحيز فضلا عن أن تويتر هو الأقوى في التأثير على الرأي العام، وعلى كل حال فإن تويتر حاليا يتعرض لضغوط هائلة من الصهيونية لكي ينحاز لسرديتهم المزيفة وهو ما يتطلب البحث عن بدائل تساعد في تحقيق الأهداف المنشودة. وإذا ما دخلنا إلى تويتر في هذه الأيام وبدأنا بالبحث عن الأشخاص الذين يحاولون تقديم السردية الفلسطينية باللغة الإنجليزية لكي يؤثروا في الرأي العام العالمي؛ فسنجد أن عدد صانعي المحتوى أو المتفاعلين معهم بالإعجاب أو بإعادة المشاركة قليل جدا بالمقارنة مع العدد الكلي للعرب والمسلمين ومناصري القضية الفلسطينية في العالم. عندما نقوم بالبحث عن صفحات الصحفيين والناشطين في غزة والضفة الغربية، نجد أشخاصا كثيرين حاولوا ونشروا رسائل إعلامية قوية ومتنوعة لكنَّ صفحاتهم لا يتابعها سوى العشرات، بل إن بعض منشوراتهم المهمة لم تحظ بإعجاب واحد أو مشاركة واحدة. وعبر فترة طوفان الأقصى نجد أن العديد منهم إما استشهدوا أو انقطعت عنهم الاتصالات فانقطعت منشوراتهم. ولسخرية القدر، كلنا نذكر أن شخصا ما كان يلفق صورة مزورة أو فيديو مفبرك ويكتب عنده: "لا تخرج قبل أن تقول كذا" كان يحصل على مائة ألف إعجاب وأكثر، فأين اختفى ذلك الجمهور عندما صرنا بحاجة للتأثير على الرأي العام بما يدافع عن مصالحنا كأمة وليس من أجل ربح مالي أو نجومية شخصية أو تسلية عبثية أحياناً. أعتقد أن ذلك يعود إلى أسباب عديدة منها قلة العارفين بأهمية كسب تأييد الرأي العام وأساليب التأثير والإقناع، ومنها أيضا القوانين التي تحد من حرية الرأي، وتجعل الإنسان خائفا من مشاركة أي شيء أو مجرد التعبير عن الإعجاب به مهما كان يعبر عن الحق والصواب. ولكن السبب الأهم هو عدم وجود مؤسسة أو مؤسسات عربية تتبنى التأثير على الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة، وتضع الاستراتيجيات اللازمة لذلك بحيث تميز بين قصير المدى منها مثل فترة طوفان الأقصى، وطويل المدى منها والذي يستمر العمل به مهما كانت الظروف. كما أن وجود هذه المؤسسة أو المؤسسات من الممكن أن يؤدي إلى وضع استراتيجيات لمقاطعة مواقع التواصل الاجتماعي التي تنحاز لترجيح كفة على أخرى مثل فيسبوك وممتلكاته الأخرى مثل واتساب وإنستجرام. ربَّ قائلٍ بأن الفضائيات تقوم بهذا الدور، لكن الفضائيات تؤطر المحتوى وتضع له حدوداً لا تناسب مصلحة القضية الفلسطينية دائما، وعلى سبيل المثال فإن أكبر فضائية عربية رغم دعمها الواضح للقضية الفلسطينية لا تتطرق إلى مسألة حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، ولا تتطرق لتوضيح عدم شرعية الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا تتحدث عن حق العودة للشعب الفلسطيني، وهي حدود تقررها الدولة المضيفة للفضائية التي تؤطر العمل الإعلامي وتقرر ما يقال وما لا يقال بغض النظر عن مصلحة القضية وحقوق الشعب الفلسطيني، كما أن تاريخ الفضائية ودخولها في معتركات خِلافية في الزمن الماضي يؤثر سلبا على ما تقدمه في معترك آخر حتى لو كان تناولها له فيه شيء من الموضوعية. إذن نحن بحاجة إلى مؤسسة أو أكثر تتبنى التأثير على الرأي العام؛ تقوم على حقوق الشعب الفلسطيني كما هي مقررة وثابته في القوانين الدولية والقرارات الأممية؛ وعلى رأسها حق العودة والحق في الكفاح ضد الاحتلال بكل الطرق الممكنة، والحق في تقرير المصير، هذا من الجانب الأول، ومن الجانب الثاني تقوم بفضح انتهاكات الكيان الصهيوني لهذه الحقوق بالكلمة والصورة وكافة الأساليب الممكنة، ويبقى الشرط الأهم هو ثبات المبدأ الأساسي وهو عدم تأثير المحاور السياسية المتصارعة في المنطقة والعالم على هذه المؤسسة وعلى عملها بأي شكل من الأشكال، وإنما يضمن ذلك بعدها عن الانحياز لأي طرف سوى رسالتها وهي الحق الفلسطيني كما هو مقرر في القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وإلى أن تظهر مؤسسة قوية للحديث عن الحق الفلسطيني لا تمل تقديم السردية الفلسطينية الحقيقية لكل شعوب العالم، ولا تمل الحديث عن الكفاح ضد الاحتلال بما في ذلك الكفاح المسلح، ولا تمل التأكيد بكل الطرق الممكنة على حق العودة وتقرير المصير، فإن جهودنا ستبقى موجات هابطة وصاعدة حسب الحدث بما لا يضمن ضغطا مستمرا ولا يحتفظ حتى بالمناصرين الذين يتعرضون لضغوط هائلة تصل إلى حد التهديد بقطع أرزاقهم، بل أعناقهم أحيانا.
#علي_طه_النوباني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطل تحت القصف
-
عَظَّم اللهُ أجركم
-
صناعة النجوم من غبار الزلازل والجثث
-
رسالة إلى علاء الدين
-
كتابُ شكرٍ للتخلّفِ والفسادِ والمَحسوبيَّة
-
الرماة ليسوا على الجبل أصلاً
-
إعاقة الطابق الرابع لدى أستاذ حقوق الإنسان!
-
الغولةُ والغول في إتلاف العقول
-
الجُزء الثالث من قصة الأعرابي والإبل -مظفر النواب وفلسفة الش
...
-
الجُزء الثاني - من قِصَّةِ الأَعرابيِّ والإِبل
-
الأعرابي الممنوع من الشتم!
-
دموع النخب... دموع التماسيح
-
تشويه صورة المقاومة الفلسطينية في فيلم -صالون هدى-
-
الجهاز العطلان وحملة -اوعدينا تفحصي-
-
انتهازية الحياد في قضية روسيا وأوكرانيا
-
مُسَلسَل مدرسة الروابي للبنات، والتَنَمُّر عَلى المُشاهد
-
لماذا الجرعة الثالثة من لقاح كوفيد 19 رغم تدني الإقبال على ا
...
-
مسلسل الخواجة عبد القادر، ورحلةُ الطُّيور نَحو الطائر الأَكم
...
-
مسلسل الزير سالم، كليب وزيره الحاقد وكلبهما النابح
-
مسلسل شيخ العرب همام بين الدراما والتاريخ
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|