أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سهر العامري - عرب الأهوار ، الضيف والشاهد*















المزيد.....

عرب الأهوار ، الضيف والشاهد*


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 1739 - 2006 / 11 / 19 - 10:32
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تقديم

إضمامة الذكريات والأحداث هذه لازالت راسخة في الذاكرة، رغم سنين انطوت، ورغم بعد مسافة العمر بيني وبين ولفريد ثيسجر، فقد نزل ضيفا عندنا وهو ابن أربعين سنة، وعرفته وأنا ابن السادسة عمراً، وذلك حين سرت وإياه في نزهة مسائية غلى شواطئ الهور، وبين أشجار نخيله، تلك الأمسية التي ل اتزال ساعتها تعيش في الذهن، وكأنها ولدت يومي هذا، فقد ملأني فرح غامر، وأنا الطفل، حين قدم لي طيراً اقتنصه ببندقيته، وكان قبلاً قد خصني بقرصين من أقراص " السلفات " دون أقراني، وبعد ختانه لي.
والآن اطلعت على كتابه : عرب الأهوار في طبعته الأولى لسنة ١٩٦٤م، مترجماً الى اللغة السويدية، لكنني ترجمت كلّ ما ورد في كتابي هذا عن طبعته الثانية الانجليزية لسنة ١٩٦٧م، وقد قمت بمراسلته بعد أن شاهدته متحدثاً في شريط وثائقي، عرضته القناة التلفزيونية السويدية الثانية عن عرب الأهوار في الفترة التي أنزل فيها الحكم الحالي حيفه ودماره فيهم، وذلك بعيد انتفاضة آذار المجيدة، وبعد لأيّ وصلته رسالتي، فردّ عليّ برسالة منشورة في الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب، مع بعض صور نقلتها عن كتابه : عرب الأهوار، بسبب من تحدثي عنها، وعلى ذات الصفحات رسالة أخرى وردت لي من الحاج الشيخ كاظم ريسان الكاصد حين كان في معسكر رفحاء من العربية السعودية. 
وإذا كانت ثمّة علاقة أخرى بيني وبين ثيسجر فهي أنّه شاهد من أماكن في الهور ما شاهدت، ورأى من الوجوه ما رأيت، وسمع عن أحداث ما سمعت. أهذا كلّ ما بيني وبينه ؟ الجواب تحمله الصفحات اللاحقة. 
ولابدّ لي من الإشارة الى أنني تركت أخطاء بعض النصوص التي نقلتها عن بعض الكتب على حالها من دون تصحيح وإعادة كتابه. وأغلب هذه الأخطاء وردت في كتاب: العودة الى الأهوار المترجم عن الانجليزية.
وإني نهاية أفيض شكراً لكلّ الأخوة الذين ساهموا في الإجابة عن أسئلتي المتعلقة بما يدور في كتابي هذا، سواء أكانوا داخل العراق أم خارجه، ولا يفوتني هنا إلا أن أقدم صميم الودّ لولدي منتظر الذي ساهم في كتابة هذا الكتاب، وتصميمه واستنساخ صوره، وكلّ ذلك على جهاز الكمبيوتر. المؤلف



اللقاء الأول

ضحى والشمس تتدلى في كبد السماء، وفي يوم قائض، نزل "مضيف "**جدي رجل مديد القامة، عريض الأكتاف، اشقر الشعر ناعمه، ممتلئ الوجه أحمره، زانته عينان خضراوان، وارتسمت على عنقه خطوط دقيقية غامقة الحمرة. كان يرتدي بدلة بيضاء، وقميصا بلونها، فض الزر الأول منه، فبدا شيء من صدره.كنت ساعتها ابن السادسة عمراً، وكانت الدنيا بالنسبة لي هي قريتنا، أهلها الذين ألفت لباسهم، وطبيعتها التي صعدت نخيلها، ومشيت على شطآنها، لذا ظلت صورة الرجل لغرابتها لصيقة في الذاكرة لم تغادرها رغم هذا السيل المتدفق من السنين. فهي صورة من صور الطفولة البارحة، رسمتها يد طبيعة سمحة، لا تعرف الحياة فيها كدر ذهن وعتمة فكر.
لقد كان سنة اللقاء الأول سنة 1953م، وكان المكان الأطراف الشمالية من هور الحمّار، حيث كانت قريتي ترقد عندها، كما ترقد الآن صورة في كتابه. إنه كتاب ”عرب الاهوار“، والرجل هو ولفريد ثيسجر.

لقد تعرفت على اسمه منذ ما يزيد على سنتين، وكنا قبلا نطلق عليه " الرجل الانجليزي"، وهو ـ على ما أظن ـ لا يزال يعتز بهذه التسمية التي رسمها على صفحات كتابه غير مرة.وغير مرة قرأت كتابه بلغته الانجليزية، وعرفت كلّ واردة وشاردة فيه. لقد أعادني مثقلا بالحنين الى أيام طفولتي، حيث الهور المترامي الأطراف، الطافح بالمياه حتى تخوم الأفق، وحيث كنّا نمتطي ظهره بزوارق شيدت بأيدينا من بنات البردي، اتجهنا بها ذات صباح الى ”ايشان عويضة“، تلك المدينة السومرية الراقدة في أحضان مياهه، والتي أحالها الدهر الى جزيرة من جزره، تزورها كلّ شتاء أصناف لا حصر لها من الطيور المهاجرة، تحطّ عليها، تبني أعشاشها بعيدا عن أعين الناس.
لم يزرها ثيسجر إنما زار غيرها، وسمع ذات الخرافات والأساطير التي ملأ بها أهلنا آذاننا، قالوا 
لنا: انّ اللّه غضب على أهل تلك المدينة لجرم امرأة منها، نظفت وليدها بعد تغوطه بكسرة خبز، فدكت القدرة الإلهية البيوت على ساكنيها...قيل لنا: إنها موطن ”الطناطلة“ تلك المخلوقات التي تهاجم من يرمي قدمه على أرضها...ورغم ما قيل لنا نزلناها صغاراً بزوارق البردي، فوجدنها ملآى بأعشاش الطيور، حملنا بغيتنا من بيض بعضها في رحلة سندبادية ، كادت تقضي علينا بهول عصف رياح ثارت ، ونحن في طريق العودة، لكن الثقة بزورق البردي كانت تملؤنا بالحياة، " اهدم بيتك وشيد زورقاً من قصب البردي يا ملك شورباك ، اهدم بيتك وشيد زورقا. "هكذا كان ابن الاهوار الأول واثقا من زورق البردي ، كما جاء في ملحمة جلجامش قبل آلاف السنين.
وعلى التقليد السائد بين عرب الاهوار رفض ملاحو زورق ولفريد ثيسجر المكوث معه عندنا، إذ لا يصح للمرافق أن يمكث مع الضيف، فقد اكتفوا بشرب الشاي، وعادوا الى قراهم في أعماق الاهوار.
مساءً عاد أبي من السوق القريب من قريتنا على عادته في كلّ يوم، وبعد أن يفرغ من عمله في التجارة، وعلى العادة رحبّ بضيفنا بحرارة،فهو على معرفة بثيسجر الذي كان يحلّ ضيفاً علينا في كلّ عام يقضيه في الاهوار.
يبدو أن ثيسجر كان على دراية من أن أبي كان يجيد الرماية، ولذا طلب منه المساء ذاته أن يباريه، فاستجاب أبي لطلبه وبدأت المباراة:
البندقية بندقية ثيسجر، والهدف ورقة صغيرة بيضاء لا تتعدى أبعادها سوى سنتيمترات قليلة، موضوعة على جذع نخلة يبعد عن باب المضيف ستة أمتار، ومن باب المضيف أطلق ثيسجر وأخطأ، وتلاه أبي فأصاب، وعاد ثيسجر وأخطأ، واطلق أبي ثانية وأصاب، موسعاً الثقب الذي احدثه في الورقة بطلقته الاولى، مما أثار إعجاب ثيسجر الذي خبُر الرماية وعرف الحرب. 
لم يذكر ثيسجر هذه الصورة الراقدة في ذاكرتي منذ زمن الطفولة في كتابه "عرب الاهوار"، إنما ذكرته انا بها في رسالة بعثتها إليه، مثلما ذكرته بأنه قابل اكثر من ثلاثة حجّاج خلال السنوات التي قضاها في الاهوار، فهو يقول في كتابه ( في جنوب العراق عادة يكون عدد الحجيج الى مشهد اكبر بكثير من أن يكون الى مكة مع أن البعد واحد، وخلال السنين التي عشتها في الاهوار قابلت العديد من الزوار، لكن أتذكر أني قابلت ثلاثة حجًاج فقط. ) ***
= = = = = = = = = =
* هذا مجتزأ من كتابي : عرب الأهوار ، الضيف والشاهد الذي صدر في دمشق سنة 1999 م ، وعن دار المجد للطباعة والنشر ، والذي يدور حول كتاب الرحالة الانجليزي ولفريد ثيسجر ، عرب الأهوار (The Marsh Arabs ) . ذلك الرجل الذي قابلته أنا أكثر من مرة ، وعلى صغر من سني . وها أنني أضع كتابي هذا في متناول القراء الآن ، مسلسلا على حلقات هنا .
** المضيف : هو مأوى الضيف عند عرب الأهوار ، وترد هندسة بنائه الى العصور السومرية.
*** عرب الأهوار ( The Marsh Arabs) ص 255



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطلال الديمقراطية في العراق !
- اقرؤوا هذه المقالة ثانية !
- الشاعر الشيوعي يوسف أتيلا : 4
- الفيدرالية تصعد من وتائر الموت في العراق !
- وأخيرا بصق بوش عليهم !
- الفيدرالية شرذمت الكتل قبل أن تشرذم الوطن !
- الشاعر الشيوعي يوسف أتيلا:3
- العشائر العراقية ترفض الفدرالية الإيرانية !
- *في الطريق الى الشماعية
- المشهداني : سلاحنا القنادر
- دولة أبو درع
- ( 2 ) József Attila : الشاعر الشيوعي ، يوسف أتيلا
- المظلوم الذي صار ظالما !
- هكذا تحدثت كيهان !
- الشاعر الشيوعي ، يوسف أتيلأ ( Attila József ) - 1 -
- هدية إيران للمالكي !
- تبلور الصراع الطبقي في العراق !
- للنشر والتوزيع ( Visionmedia ) فيشون ميديا
- إيران تدق عطر منشم بين شيعة العراق *
- إرهاصات الانتفاضة الشعبية القادمة في العراق !


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سهر العامري - عرب الأهوار ، الضيف والشاهد*