كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:41
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
انتهت الانتخابات النصفية وفاز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ وتغير ميزان القوى في المجتمع الأمريكي لصالح الديمقراطيين. ماذا يعني ذلك بالنسبة للعراق؟ هل سيعني تصويتاً ضد جمهرة المحافظين الجدد من الجمهوريين وضد سياساتهم على الصعد العالمية والإقليمية والمحلية, أم أنها ترتبط بسياستهم في العراق ومنطقة الشرق الأوسط فقط؟ وهل ستتغير في ضوء ذلك السياسة الأمريكية في العراق والمنطقة؟ وكيف ستكون عليه السياسة الجديدة, إن تحقق فعلاً تغيير جدي في هذه السياسة؟ وكيف سيكون موقف الحكومة العراقية من أي تغيير في السياسة الأمريكية؟ وكيف ستكون مواقف القوى السياسية المختلفة, وكذلك موقف المواطنة والمواطن في العراق؟ ألا يفترض أن تعيد القوى السياسية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بمواقفها من بنية الحكومة الحالية والتناقضات التي تتآكلها والصراعات التي ترهقها وتعيق حركتها, ثم التوجه نحو وضع وتنفيذ سياسة عقلانية في مواجهة المشكلات الراهنة؟ هذه الأسئلة وغيرها هي التي يفترض أن يطرحها كل سياسي ومواطن اعتيادي في العراق والشرق الأوسط على نفسه ويحاول الإجابة عنها قبل أن تجيب عليها الأحداث وتفاجئه بعواقب لا يعرف مدى تأثيراتها على حياته اليومية ومستقبله وعل ى العراق عموماً.
ابتداءً لا بد من تثبيت ما يلي:
1. إن السياسات التي تمارسها الولايات المتحدة تنطلق بالأساس من مصالحها "الحيوية" في العراق والمنطقة, إذ ليست هناك صداقات بين الدول بل هناك مصالح, وهي التي تحرك وتقرر السياسات. وبالتالي علينا توقع حصول تغيير في السياسة الأمريكية في العراق.
2. وكلنا يعلم بأن السياسة التي مارستها الإدارة الأمريكية في العراق تميزت بالتخشب والتعالي والتحكم ووحدانية الجانب والانفراد باتخاذ القرارات وتنفيذها والاعتماد على القوة العسكرية والعنف والمرتزقة الذين لا يفهمون غير المال والقسوة, كما كانت بعيدة كل البعد عن التحليل العلمي والموضوعي للواقع العراقي وللتناقضات والصراعات التي كانت فاعلة فيه أو التي استجدت وبدأت تتفاعل في خضم الأحداث الجارية. ولم تعر الانتباه الكافي لسياسات الدول المجاور إزاء العراق وعواقب ذلك.
3. ولم يقبل راسمو ومنفذو السياسة الأمريكية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط تحليلات الآخرين للواقع العراقي واتجاهات تطور الأحداث والإجراءات الواجب اتخاذها, ومن ثم حصروا أنفسهم بتصوراتهم فقط, وهي تصورات وتحليلات ضعيفة وغير دقيقة وسطحية في آن, ألحقت الكثير من الأضرار بالشعب العراقي وشعوب المنطقة وبهم أيضاً. ولم يكن ناقدو السياسة الأمريكية في العراق من العراقيين والعرب أو من دول أخرى حسب, بل كانوا من الولايات المتحدة ومن الدول الأوروبية الحليفة للإدارة الأمريكية أيضاً.
4. لقد تصرف كل من بوش ودونالد رامسفيلد على طريقة "رنگو لا يتفاهم ولا يقهر", وينفذ ما يدور برأسه بغض النظر عن العواقب, وهو ما حصل ويحصل في العراق حالياً.
5. وبسبب تلك السياسات تزايد عدد القتلى والجرحى والمعوقين في الطرف العراقي, وكذلك في الطرف الأمريكي, وتفاقمت الخسائر المالية وتعطلت الحياة السياسية المنشودة في العراق, فتحول الرأي العام الأمريكي ضد سياسة بوش في العراق, وعجز بوش عن رؤية المتغيرات التي كانت تستوجب إعادة النظر بالسياسة المنفذة والتنسيق مع الحكومة العراقية.
والحصيلة التي تواجهنا اليوم هي فشل كبير لهذه السياسة في العراق وموت ما يقرب من 200 ألف إنسان وثلاثة أضعاف هذا الرقم من الجرحى والمعوقين, إضافة إلى قتلى الولايات المتحدة.
على امتداد الفترة المنصرمة انتقد الديمقراطيون هذه السياسة بقوة واعتبروا مواصلتها تلحق إضراراً كبيرة بالسياسة والمصالح الأمريكية. وكان عليهم أن يقولوا بأن الأضرار الأساسية قد لحقت بالشعب العراقي وبمصالحه الحيوية من جراء ذلك النهج المتخشب والمتعالي وغير العقلاني. ولكن السؤال المطلوب الإجابة عنه هو: ما هي السياسة المطلوبة للعراق حالياً؟
لم يطرح الديمقراطيون الانسحاب الفوري من العراق, وهو غير مطروح أصلاً من جانب الجمهوريين ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية حالياً, كما أنه غير مطروح من غالبية القوى المتحالفة في العراق, سواء أكانت مشاركة في الحكم أم مؤيدة للحكومة دون أن المشاركة فيها. فموقف التحالف الكردستاني وغالبية القوى المتعاونة في الائتلاف العراقي الموحد والقائمة العراقية الوطنية وقائمة التوافق ..الخ كلها لا ترى حالياً إمكانية الانسحاب الفوري. ولكن الجميع متفق على ضرورة تغيير السياسة الأمريكية. فما هي جوانب السياسة التي يمكن أن تتغير لتحقق النجاحات المطلوبة في مواجهة الإرهاب والعنف الراهن في العراق؟
لا شك أن السياسة التي يفترض تنفيذها في العراق لا يمكن أن تنفصل عن السياسة والمواقف التي يفترض أن تتخذ من جانب الولايات المتحدة ومن جانب الحكومة العراقية في منطقة الشرق الأوسط ومع جيران العراق من الدول العربية وإيران وتركيا. وهذا يعني أن أي تغيير في الاستراتيجية أو السياسة الأمريكية في العراق يفترض أن يتم بالاتفاق مع الحكومة العراقية وليس من جانب واحد, لكي لا يترك الطرف العراقي في وضع حرج لا يحسد عليه ودون اتخاذ الترتيبات الضرورية للتنسيق المطلوب. هذا أولاً, وثانياً لا بد من أخذ مصالح العراق بنظر الاعتبار وليس مصالح الولايات المتحدة وحدها, كما هو حال هذه الدولة في غالب الأحيان ووفق التجارب السالفة, وخاصة تجربة 1991.
إن السياسة المنشودة إزاء الوضع في العراق يفترض أن تتميز بما يلي:
1. عدم انفراد الولايات المتحدة برسم السياسة الخاصة بالعراق بمختلف مكوناتها, بل أن تتم بالتعاون الوثيق مع العراق, على نحو خاص, ومع دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية.
2. بذل الجهود الكثيفة للدخول بحوار سياسي مع إيران وسوريا وبقية الدول العربية المجاورة بشأن العراق لتجنب عدة مسائل جوهرية تمس الجميع, منها:
• أن لا يقع العراق الاتحادي فريسة لقوى الإرهاب الدولي (الإسلام السياسي المتطرف) والقوى الصدامية بأي حال, إذ سيصبح العراق نقطة انطلاق خطرة صوب الدول الأخرى بعد أن أصبح قاعدة لها عملياً.
• أن لا تستخدم الولايات المتحدة العراق منطلقاً ضد الدول المجاورة, سواء لإثارة المشكلات فيها, أم لإسقاط نظمها السياسية, أم لشن الحروب ضدها. إذ أن التدخل السوري الإيراني الفظ ودعميهما المستمرين لقوى الإرهاب والمليشيات المسلحة في العراق يعود في أحد جوانبه المهمة إلى خشيتهم من ذلك. ولم يخف غلام حسين, الناطق الرسمي باسم الحكومة الإيرانية, ذلك على وفق في آخر تصريح له بهذا الشأن.
• أن يبتعد العراق عن إقامة دولة دينية طائفية مفرقة لا موحدة, بل يعتمد بناء دولة اتحادية ديمقراطية مستقلة تقيم أفضل العلاقات مع جيرانها وترفض التدخل في شؤونها وتحترم المواثيق الدولية والإقليمية وتحترم حقوق جميع القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية وترفض التمييز القومي والديني والمذهبي والفكري وكل أنواع التمييز الأخرى.
• أن يبتعد جيران العراق عن التدخل في شؤون العراق الداخلية وأن يراقبوا الحدود مع بلدانهم ويمنعوا تسرب الإرهابيين والأسلحة والعتاد والأموال إلى العراق, وأن يكفوا عن تأييد هذا الطرف العراقي أو ذاك.
• أن يتم التعاون بين أجهزة أمن الدول المحيطة بالعراق والأمم المتحدة لتأمين المعلومات حول القوى الإرهابية ونشاطها ومصادر الأموال التي تصل إليها.
3, وضع برنامج مشترك يتضمن الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جهة, والأمنية والعسكرية من جهة أخرى, للسنتين القادمتين تقريباً, بحيث تساعد العراق على تجاوز المرحلة الصعبة التي مر بها خلال الفترة المنصرمة. ويبدو لي في هذا الصدد أن يجري الاعتماد على القوات العراقية في إنجاز المهمات العسكرية وفي التصدي للإرهابيين مع توفير الأفراد والأسلحة الحديثة الضرورية والعتاد اللازم, وأن لا تكون القوات الأجنبية إلا الظهير في حالة الحاجة الماسة لها, وأن يتواصل تدريب القوات المسلحة العراقية على أيدي دول أوروبية لتسريع عملية زيادة العدد والتأهيل.
ومن الناحية السياسية علينا أن نتفق بأن المشكلة المركزية التي تواجه العراق تتوزع على أربعة مجالات, وهي:
1. قوى الإرهاب بمختلف فصائلها.
2. المليشيات المسلحة التابعة لأحزاب وقوى إسلامية سياسية.
3. النهج الطائفي السياسي الذي يحتل مركز الصدارة في سياسات الأحزاب الإسلامية السياسية.
4. تأمين الخدمات والعمل ومكافحة البطالة وتحسين مستوى حياة ومعيشة الناس المهمشين حالياً.
5. معالجة مسالة كركوك التي يمكن أن تشكل الانفجار الهائل في الوضع الراهن في العراق, خاصة وأن الدولة التركية وبعض المليشيات الشيعية المسلحة وقوى إرهابية أخرى من طرف, والقوى الكردية في المدينة وكردستان من طرف آخر يمكن أن تشتبك بحرب دامية, ما لم يعجل رئيس الوزراء والحكومة بحل المسألة وفق النص الدستوري بهذا الصدد.
هذه هي القضايا التي يراد حلها في ضوء الاعتبارات التي لدينا, والتي يفترض معالجة إشكالية الحكومة الراهنة في ضوء ذلك.
إن على العراق أن يخوض المعركة السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية والثقافية ضد المليشيات الإسلامية السياسية المسلحة وفرق الموت التي تحولت إلى قوة قاهرة ومدمرة لبنية المجتمع والمساندة عملياً لنشاط القوى الإرهابية, وهي المسألة الكبرى التي عجزت الحكومة الراهنة عن معالجتها حتى الآن. إن تحقيق النجاح في هذا الصدد سيساهم في التوجه صوب القوى الإرهابية بأفق أفضل وقدرات أعلى. ولكن هذا يتطلب إعادة النظر بتشكيل الحكومة العراقية ووضع عناصر مؤهلة لقيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة بدلاً من تجميع ممثلين للقوى السياسية دون الاستناد إلى المعرفة والخبرة والكفاءة والاستقلالية في الرأي والالتزام ببرنامج حكومي مشترك. كما لا بد من تغيير النهج الراهن بإعادة النظر بقانون اجتثاث البعث وأسس وصلاحيات وعمل هيئة النزاهة ...الخ. إن الحكومة وبقدر ما تحتاج إلى تأييد الأحزاب المكونة والمجتمع لها, بحاجة إلى سياسة تتميز بالاستقلالية عن الأحزاب ووفق برنامج يعبر عن إرادة الجميع ويلتزم به الجميع. وهو الجانب الغائب في اللوحة العراقية الراهنة.
14/11/2006
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟