|
ما يحتاجه علم السيطرة
خالد العلوي
الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يحتاجه علم السيطرة إذا كانت السياسة هي علم السيطرة وإدارة السلطة فإن الكياسة فيها في حسن التدبير وحسن الاستخدام لمخرجات القرار أو العمل الذي يبنى عليها فإن سلطة بدون عقل ٍ أو سياسة بدون وعي ٍ تشبه كثيرا المحاولات الفاشلة لنملةٍ غرقت في محيط .
السياسة ليست فنا ً لإدارة السلطة فقط وليست محصورة ً أيضا ً على السيطرة بل إن السياسة تعني أيضا أن تضرب ببصرك أقصى القوم وأعني بالقوم ِ هنا العالمية بمعنى أن تكون مدركا ً وواعيا ومحللا ً لأحداث الواقع العالمي من حولك كما هو في الواقع لا كما يخرجه لك مذيع قناة الأخبار ولا كما تنشره صفحات الجرائد .
فالعالم اليوم بجميع أراضيه وأقسامه وجغرافيته بالمقيمين عليه بعد أن اجتاحته حمى العولمة أصبح تابعا للسياسة بل أنه أصبح الموظف الأول في مؤسستها " المصلحة " ليس هذا فحسب بل أن عالم العولمة عالم السياسة عالم العلم عالم اللا دين الراكض اللاهث خلف مصلحته ضرب بالآدمية عرض الحائط وضرب بالنضارة الإنسانية عرض الحائط وضرب بالدين بجميع طوائفه وفرقه عرض الحائط وأخذ بنفسه وبمنفعته وعاد إلى عالم الغابة الذي كان قد تخلص منه على أيدي المرسلين والمصلحين ، عاد لكنه عاد هذه المرة وهو أشد ظلاما ً ودموية ووحشية من الغابة ، عاد دون أن يكفيه أن القوي أكل الضعيف ودون أن تكفيه سياسة التهميش أو التنحية أو حملات التجريح أو التهديد ، عاد بتكتيك آخر لا توقفه الرحمة ولا يوقفه العدل ، عاد بتكتيك " إن مت ضمآنا فلا نزل القطر " عاد بتكتيك المنطق الثنائي يا أبيض يا أسود الذي يرفض أن يتيح لألوان الطيف العديدة أي فرصة للظهور ، عاد بتكتيك فرعون " أنا ربكم الأعلى " لكن فرعوننا هذه المرة علماني سياسي وحديث .
هذا العالم الكبير المنقسم إلى قارات ٍ ودويلات ٍ وممالك ، هذا العالم الكبير المنقسم الحضارات والتفريعات والأصول والجذور أصبحت تحكمه اليوم يدا ً واحدة ً فقط يد " السياسة " السياسة الأقوى ، من يحكم العالم اليوم هو من يستطيع أن يؤثر فيه ولا أحد يستطيع أن يؤثر فيه دون أن يؤثر على كل شيء ٍ في بطنه .
هذا العالم الذي باتت تحكمه اليوم يد الولايات المتحدة الأمريكية ، هذا العالم الذي باتت تتحكم في صناعة أخلاق فرده ومجتمعه وقيمه ومفاهيمه الولايات المتحدة الأمريكية عبر فن السيطرة والإدارة أصبح يستحق عن جدارة ٍ تامة لقب " العالم الثالث " الذي يحلو لعقلي أن يشبهه بفلاح ٍ يظل يعمل في حقل ٍ طوال النهار فتغيب عنه الشمس وهو يعمل ويحلم بالرفاهية وسعة العيش ثم يذهب لصاحب الحقل حين ينتهي العمل ليعطيه رغيفا وبرسيما وسماً فأما الرغيف فهو له وأما البرسيم فهو لحماره الذي ساعده في التنقل والعمل وأما السم فهو للأحلام التي حلم بها الفلاح ليقتلها في مهدها لأنها ليست أكثر من أحلام يقظة يرفض صاحب الحقل أصلاً أن تزوره في المنام ليقبل أن تزوره في واقع فيريحه منها ؟!!.
هذا العالم السياسي العلماني الأمريكي الصنع من يتجرأ ويتمرد عليه ، من يستطيع أصلا ً من القيادات السياسية الدولية / الإقليمية / المحلية أن يقف ويعارضه دون أن يحسب له حساب أو يضع في اعتباره أن المجتمع الدولي الذي باتت الولايات المتحدة الأمريكية تضع أصابعها عليه وتديره وتسيطر عليه سيثور وربما سيشن حربا ً على أرضه يموت فيها الولد والحرث والطير والنسل .
هذا العالم الأمريكي الصنع كان قبل أحداث الحادي عشر من أيلول ربما يقبل الحوار وربما يقبل بمبدأ حوار الحضارات أما وقد حدث ما حدث في أيلول فقد تغيّر العالم وتغيّر المبدأ ، فاليوم أصبح العالم الأمريكي يعزز مبدأ الدفاع عن النفس في كل حوار ويعزز أسطورة " شرطي العالم والقيّم عليه " ويعزز قانون الحرب ومبدأ الدم المباح ومبدأ مسح أي كيان واقتلاع هويته وجذوره وملامحه وخصوصيته إذا رفض الاندماج في المجتمع العالمي الأمريكي الجديد أو قد يتفاجأ مثلا أن المحكمة الدولية أصدرت بحقه حكما بالسجن مدى الحياة بتهمة " معاداة السامية أو التحالف مع منظمات ٍ إرهابية " !
عبثا ً إذا ً أن نعتقد أن من يحرّك العالم أجمع بقاراته وبدويلاته وبمملكاته وبأراضيه وبحكامه وبالقاطنين فيه سيستمع لنا حين نشكو منه أو سيتركنا حين سنشكو من تدخله في شؤون أوطاننا ، علينا أن نؤمن أن من لا يؤمن إلا بنفسه لن يؤمن أبدا بنا ولا بمعتقداتنا ولا بقناعاتنا وعلينا أن نؤمن أيضا أن من يرفض الحوار معنا ويفرض علينا شروطا مذلة وتسويات مذلة أو تراجع عن مواقف مشرفة ليستمع لنا ، لن يفعل إلا ما يشرفه وما يرفعه لا ما يشرفنا وما يرفعنا وإن فعل فلن يفعلها من أجلنا إنما من أجل مصلحته ومن أجل الحفاظ على القمة التي وصل إليها .
بتصوري البسيط أن الدبلوماسية العالمية لوحدها لن تجدي نفعا ضد القمة التي وصلت لها الولايات المتحدة ولن تستطيع أن تمنعها مما تريد أن تفعله بنا ونحن نرفضه أو ما نقبل به وهي ترفضه فالدبلوماسية لوحدها لا تكفي والحوار لوحده لا يكفي ما دام المقرر الأول والأخير هي ذاتها الولايات المتحدة الأمريكية ، ففي سباق العولمة الحديث الحروب تكون على قدر المُحَارَب ، الحرب تكون بنفس الأدوات وبنفس التكتيك الذي يستخدمه الخصم هذا إذا كنا نريد أن نفلح فعلا ونستطيع أن نرد حرب الباغي عليه ، فما دامت السياسة العالمية الجديدة في ظاهرها تركز على الدبلوماسية وفي باطنها تركز على الحيلة فعلينا إذا ً أن نفعل فعلها فكما قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله " الحرب خدعة " إذا ً ما دامت الدبلوماسية الحديثة تستخدم بجانب حوارها الإعلام والصحافة كلسان ٍ تحاور العالم به وتحاورنا أو تخدع العالم به وتخدعنا علينا أن نستخدم هذا اللسان عشرات المرات لنحاور العالم به ولنحاورها ، وإن كانت تستخدم المصالح المشتركة بينها وبين الدول الأخرى كذراع أقرب وأقوى تلوي به ذراعنا ، علينا أيضا أن نستخدم المصالح المشتركة بيننا وبين الدول الأخرى كذراع ٍ عاشر أقرب وأقوى نلوي به ذراعها ، وعلينا فوق هذا وذاك أن نستخدم الأكثر إنصافا من الأنظمة والأوسع ثقافة من ثقافة المصالح الضيقة والخوف على العرش والأكثر صدقاً وشفافية من المستنيرين من الغرب والمستنيرين من الشرق مستفيدين من كل الأدوات والإمكانات التي بين أيدينا وأيدي حلفائنا لنضغط على النظام العالمي الجديد ليخفف من نبرة العدوان التي باتت جلية في صوته كلما تحدث لنا وليخفف من نظرية القهر التي بات يعاملنا بها ولنخفف من سياسة الحرب التي بات يلوح بها كلما خالفه الرأي أحد ، علينا أن نفعل ذلك لنوصل للنظام العالمي الجديد الذي تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية ما دمنا نعجز عن التغيير صوتنا الواحد الذي يقول أن من يريد أن يحافظ على القمة عليه أن يدير العالم بطريقة ٍ أخرى ، طريقة الحرية والعدل والمساواة والاعتراف بحق الضد وقبول مبدأ النقيض ، على من يريد المحافظة على القمة أن يتحلى بنظرة ٍ أكثر حكمة وأكثر عقلانية وأكثر سلما من المفاهيم المغلوطة والقرارات المدمّرة ونظريات المؤامرة .
خالد العلوي إعلامي عماني
#خالد_العلوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيدتي الكلمات
-
القدس قضية حضارية
-
لا لقائد الضرورة
-
هل الأنظمة العربية مؤهلة للتفاوض ؟
-
كفاءة شرطي العالم
-
هل تتغير المبادئ
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|