فاروق حجي مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:37
المحور:
القضية الكردية
قبل عام أو أكثر كنا نتابع برنامج حواري على فضائية "أ ن ب" تبث برامجها في بيروت عاصمة لبنان مع وائل أبو فاعور احد أهم قيادي الحزب التقدم الاشتراكي كون وضع لبنان يشكل هاجساً لدينا ، ونريد له كل الاستقرار والأمن وانتعاش الديمقراطية لأن هذا من شأنه يعود إلى فائدة لنا نحن كشعوب مضطهدة من جهة ومن جهة أخرى نحن مدينون للبنان حيث عشنا فيه وفيه تابعنا دراستنا الجامعية وتمرّنا على الكتابة وفي صحافته كتبنا عن شؤون وشجون شعبنا المنتشر والمتشرد في العالم ..إذا كنت غير مخطئاً ضيف البرنامج أخطئ بحق البيشمركة حين كان يهاجم حزب الله أو من يقف في صف موالاة لسورية وصف حالة النزول إلى الشارع من قبل أنصار "عونيون" أو أنصار حزب الله بالبيشمركة ،واعتبر أبو فاعور أنهم بعيدون عن " الغوغائية" ولا يريد أن يكونوا مثل "بيشمركة" - وقتها وبالصدفة تحدثت عن هذا الموقف مع أحد السماسرة الكرد السياسية وهو بدوره استنكر وذهب ليقابل احد المسؤولين من التقدم الاشتراكي وفيما بعد سكت ولم نعد نسمع أي شيء ربما اخذ حفنة من المال مقابل سكوته أو عدم إصدار بيان يدين الحزب التقدمي الاشتراكي ،يفعل هؤلاء السماسرة لم لا ، وهم فعلوا في إصدار بيانات ضد الكرد أيام الحرب الأمريكية. ولا نستغرب إن في أوساط شعبنا كما في أوساط كل الشعوب يتواجد سماسرة من هذا النوع، وكتب التاريخ( القديم والحديث) تحدثت عن هذه الظاهرة .
الظاهرة موجودة وهذه الظاهرة خطيرة وربما هي اخطر الظواهر المرضية ووضعها تختلف عن سماسرة من خارج الذات ،الأمر هيّن مع أحدا من خارج صفوف شعبنا ويسمسر على حساب شعبنا وقادتنا .
في الحقيقة إن هذه المقدمة هي مدخل لفهم الأسباب التي دفعت بإسماعيل هنيّة رئيس وزراء فلسطين لشن هجوم على بيشمركة الكرد ومقدساتهم . ما سمعناه قبل أيام من إسماعيل هنيّة رئيس وزراء فلسطين وقيادي من حركة "حماس" الرافضة التطبيع مع الدولة العبرية ومن قبله سمعنا الكثير من محيط الكرد سواء من الطبقة السياسية الإقليمية أو من بقية الشرائح المجتمعية بعضها سمعناها عبر وسائل الإعلام وبعضها بعيدة عن الإعلام ،ولعل حوادث عديدة حدثت بين الكرد والعرب في المعامل وفي رحلات السفر وفي المقاهي ،وكاتب هذه السطور لم يكن بعيدا من هذه الأحداث إلا إن وضع كاتب السطور مختلف وهو حدث بينه وبين الكتاب والصحافيين العنصريين كنا ندافع عن شأن بعيد عنا وندافع عن سياسات الزعماء الكرد لأن هناك إجحاف وهناك سياسات عنصرية كامنة تظهر نفسها بين فترة وأخرى ضدهم على وجه غير حق.
استطراداً..إن ما فعله هنيّة هو ناتج لسببين ،الأول : نتيجة لعنصرية كامنة في بواطن الكثيرين من المحيط الكرد. والثاني :وهو أهم نتيجة لوضع "هنيّة"المأزوم وهو يحتاج إلى خطابات حماسية وعنفوا نية لتحرق الزمن وليأتيه الحل السحري . ليس أمامهم شيء غير الهروب إلى الأمام .المشكلة إن مثل هؤلاء الساسة لا يتعاملون مع المنطق السياسي على أساس برنامج عمل وخطط وتكتيكات واستراتيجيات ومشروع سياسي ولا يهمهم مستقبل شعبهم ولا يعيرون الاهتمام بالرأي العام . والمشكلة الكبرى لدى هؤلاء الساسة أنهم لا يتغيرون مع ظروف قد تغيرت ، فمازالت القوى الفلسطينية تتعامل مع الواقع الفلسطيني من منطلق الأحزاب لا بمنطلق السلطة ولا بمنطلق إرادة الدولة ، وهذا يعني أنهم يفتقرون إلى مشروع ينقل الأوضاع إلى مستوى التطورات ، ولعل حركة "حماس" تتحمل مسؤولية كبيرة في هذه المرحلة .انطلاقا مما سلف إن ثمة فرق شاسع بين "حركة حماس " وبين الكرد الآن ، وإذا عملنا مقارنة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة التي يقودها هنيّة وهو بالأصل لا يقود حكومات بمعنى حكومات بل انه يدير الحكومة من خلال خطبته في كل جمعة ،فحكومة فلسطين اليوم تتعامل مع الأوضاع في فلسطين بعقلية ميليشيا أما حكومة إقليم كردستان تدير شؤون كردستان بعقلية مؤسسات، فهي (حكومة إقليم كردستان) تعمل ليل نهار لتنظيم حياة الناس وتؤهلهم لمراقبة الحكومة ،وعملت لتتكيف مع المناخ العالمي والإقليمي لم تقدم نفسها كقوة عاطلة في عملية سياسية في العراق ،ولم تهدد تركيا برغم من الاختراق العسكري التركي لأراضيها بحجة تواجد حزب العمال الكردستاني ، وتمسكت بسياسات واقعية ،لم تعلن الاستقلال عن العراق مع إن شروط الدولة كانت متوفرة قبل الحرب(2003) بل تعاطت مع القوى العراقية ككيان منسجم مع الذات ومعها. أنصارها في العملية السياسية العراقية هي التي أجبرت أن تكون ذهنية العراقيين قريبة إلى بناء دولة عصرية حديثة،فالكرد هم من دافعوا عن حقوق المرأة وأصروا على العلمانية لتكون خيار العراقيين ، وهم من وضعوا اللبنات الأولى لمؤسسات المجتمع المدني ، والآن تتواجد في العراق مئات من مؤسسات المجتمع المدني ، ويشكل الكرد محرك فعلي لهذه المؤسسات ، واعتقد من يحضر المؤتمرات الدولية لا يحتاج إلى الكثير حتى يعرف الصدق من الكذب. حكومة إقليم كردستان عملت المستحيل لتكون منسجماً مع مؤسسات وهيئات عالمية وأصرت لتكون ،ولفترة قياسية، ملتقى لرسا ميل والاستثمارات وهلم جرا.أما حكومة "حماس" ليست بوسعها التحمل لإرادة الديمقراطية ولم تحترم حتى ندءات الأسرى في السجون الإسرائيلية ولا بوسعها استغلال الفرص التي أعطتها الدول الأوربية والعربية ولم تستطع قادة الحماس كبس أنفاسهم لحين يثمر الضغط الدولي والجو العالمي لصالح فلسطين، ونتيجة لعقلية الميليشية والمنغلقة أصبحت على حين غرة في مأزق السياسي والإداري. الوقائع على الأرض تقول إن الحكومة التي هي غير قادرة على ضبط الأمن وحماية الحرمات عليها الرحيل وإعطاء زمام الأمور لحكومة أخرى قادرة على حفظ الأمن وإدارة الأزمات وتأمين حياة آمنة وهادئة لأبناء فلسطين الذين طالما ذاقوا العذاب.
والحال إن ما سمعناه من إسماعيل هنيّة وما سمعناه من كتاب ومثقفين العرب ومن قبل بعض يعتبرون أنفسهم رؤساء عشائر العرب في كركوك ووائل أبو فاعور(قبل عام )- حسب ما نقل بأنه اعترف بخطأه واعتذر ولا اعرف هل دفع شيء لسمسار كردي أم لا- ليس أمرا جديدا عاشره الشعب الكردي مع هذه المواقف في فترات طويلة من حياتهم السياسية والاجتماعية.في الستينات كان قد سمع أجدادنا وآبائنا شتائم من هذا النوع موجهة لهم وللمرحوم الملا مصطفى البارازاني ولقيادات الحركة الكردية في العراق من أفواه جوارهم العرب وسرد لكاتب هذه السطور أكثر من شخص بأنه كيف كانوا "الفرسان العرب" في أواسط القرن المنصرم أيام ثورة أيلول الكردية يجتاحون القرى الكردية ويقومون بضرب والشتم الكرد و البارازانيين من شرق الفرات إلى حيث هم لا يدرون.
والعودة إلى تصريح هنيّة رئيس الوزراء الفلسطيني (في الحقيقة) يثير أكثر من السؤال اهو لسبب أزمة الوضع الفلسطيني الذي أصبح له تأثير على نفسية هنيّة ويؤثر على توازنه وعلى مواقفه أم إن هنيّة انضم أو كان منضم لجوقة الغوغائية العربية الذين لا يميزون الصديق من العدو والذين لا يوجد لديهم بين الطيف الأمر عندهم أما اسود أو ابيض .بيد إن الكرد يعرفون ويقدرون المرحلة الفلسطينية وهذا الموقف الإيجابي من قبل الكرد ليس جديدا. من المعروف إن السيد جلال الطالباني رئيس العراق وحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني كان قريبا جدا من الحركة التحررية العربية وفي فترة من الفترات صنف الاتحاد الوطني والأحزاب الكردية الأخرى من ضمن الأحزاب العربية المعاصرة والكلام لم يبق في إطار نظري بل هناك حوادث تثبت وقوف الكرد إلى جانب القضية الفلسطينية ، ولعل مجزرة قلعة الشقيف في جنوب لبنان وغيرها من الحوادث تحكى عن الشهداء الكرد الذين سقطوا لأجل القضية الفلسطينية ويوجد الشهداء حتى في مدينة كاتب السطور(كوياني).فإذا كان سبب نفور هنيّة من الكرد هو أنهم أي الكرد لهم علاقة مع الأمريكيين فان هنيّة يخطئ لأن الحديث الوحيد الآن يدور بين العرب هو التطبيع مع إسرائيليين أنفسهم ونحن نعرف إن مثل هذا الحديث منذ مؤتمر مدريد للسلام لم ينقطع في أوساط النخبة السياسية والثقافية العربية وكما هو معروف إن أنصار التصالح كثرت في آونة الأخيرة وأنصار اللا تصالح هي في العد التنازلي وان محور الممانعة في العالم العربي اخفق في أكثر من معركة.
في الحقيقة إننا الكرد أيضا أخطئنا في أكثر من محور ويبدو إن وضعنا الإعلامي ليس بمستوى التحديات وكما هو معروف الشتم والشتم المضاد لا ينقلان الشعوب إلى حالة أرقى ،ولعل أمور كثيرة لدى الكرد بحاجة إلى الإصلاح .مطلوب من الكرد إصلاح آلية الخطاب السياسي والية الخطاب الإعلامي وأمامهم بدرجة أساس شرح مبتغاهم.وكان من الأفضل لو فعلوا أمرا من قبل ،و يبنوا علاقات بأنفسهم وان أي علاقة من خلال سماسرة السياسة تسيء لهم ولن يكتب لهذه العلاقة النجاح .لكن قبل كل ذلك يجب على الكرد الفهم إن الحوار العربي الكردي في اربيل لم يحظ اهتمام الفلسطينيين و من الأفضل معرفة إن نادي الصداقة الكردية الفلسطينية في اربيل بقي ناد شكلي وهو اخفق في نقل معاناة الكرد وأخفق في تعزيز العلاقة مع القوى الفلسطينية وكان من الأفضل أن يعرفوا( الكرد) إن معادلة الفلسطينية والخريطة الفلسطينية تغيرت كليا بعد ان نمت الشعوبية في الشارع العربي وبعد ظهور حركة الحماس والجهاد على السطح وان الأصدقاء الكرد من الفلسطينيين يعيشون في الأزمة و لم يعد هم يسيطرون على الأوضاع ،لذلك ليس أمامنا إلا النظر إلى الأمور بمنطق مخالف وان نصر في ان لنا الناس والأصدقاء من فلسطينيين ولا بد سيأتي يوما سيكونون أقوياء
#فاروق_حجي_مصطفى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟