|
القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 7798 - 2023 / 11 / 17 - 10:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر، دون أي احترام للقانون الدولي والإنساني، فتُقصف المشافي والمدارس والبيوت ويُهجر الناس بمئات الآلاف من أماكن سكنهم ثم تُقصف جموع المهاجرين، حتى بات من الصعب إحصاء عدد الضحايا، ويقتل الأطفال الفلسطينيون بمعدل طفل كل عشر دقائق، بحسب تصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أمام مجلس الأمن، ويمنع إيصال المساعدات الإنسانية ... الخ، نقول في هذا الوقت، تشتد في أوروبا محاربة العداء للسامية وتعلو نبرة التضامن الغربي مع دولة إسرائيل ومع اليهود، وكأن الحرب الدائرة رحاها والقصف والموت اليومي الغزير يطال اليهود وليس الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه تُرفض إشارات التضامن مع الفلسطينيين الواقعين تحت قصف رهيب مستمر، وقد تكلف إشارة التضامن صاحبها، الاستجواب بتهمة العداء للسامية، أو الطرد من العمل. في فرنسا مثلاً، خرجت في 12 تشرين ثاني/نوفمبر، بدعوة من رئيسة الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ، مسيرة لمحاربة العداء للسامية شارك فيها طيف سياسي واسع من اليمين واليسار، من ضمنهم رئيسا جمهورية سابقان، ورئيسة الحكومة الحالية ومسؤولون حكوميون حاليون وسابقون وعدد من المنتخَبين ومن الزعماء السياسيين. هذه مفارقة صريحة، أن يخرج معظم الجسد الرسمي الفرنسي (الرئيس الفرنسي عبر عن مساندته التامة ولكنه قرر في اللحظة الأخيرة عدم المشاركة) للتضامن مع اليهود احتجاجاً على ممارسات عدائية يغلب عليها الطابع الرمزي (وهي بلا شك تستوجب الإدانة والمواجهة) دون التضامن مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لجرائم حرب مستمرة. في عيوننا تبدو هذه مفارقة صارخة، وهي كذلك، ولكنها ليست مفارقة في العين الأوروبية. ذلك أن لبروز مظاهر العداء للسامية في أوروبا أصداء بعيدة تولد لدى الأوروبيين قلقاً أكثر بكثير مما تولده وحشية إسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين، مهما بلغت. فهذه الجرائم تجري على أرض بعيدة، كما أنها تستهدف ذاك الصنف من البشر الذين يحملون "ثقافة" أخرى، وخرج من بينهم من يستهدف أوروبا نفسها بعمليات إرهابية. صادفت في اليوم التالي للمسيرة التضامنية المذكورة، الذكرى الثامنة لمذبحة مسرح باتكلان التي وقعت ضمن سلسة هجمات تعرضت لها باريس في 13 نوفمبر 2015، وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). لم يكن مفاجئاً أن الإعلام الإسرائيلي سعى منذ البداية إلى المماثلة بين حماس وداعش وكأنه لا وجود للقضية الفلسطينية التي باسمها، وليس باسم المرجعية الإسلامية، فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006. من السهل أن يستجيب الأوروبي لهذا الإعلام وأن يحذف القضية الفلسطينية من المعادلة، وأن يجد نفسه بالتالي في المعسكر الاسرائيلي من الصراع. هذا ما يريد التشديد عليه نتنياهو حين يقول، في رد غاضب على الرئيس الفرنسي الذي طالب بوقف إطلاق النار، "إن ما فعلته حماس في غزه ستكرره في باريس ونيويورك". تمت الدعوة إلى المسيرة المذكورة تحت عنوان "الجمهورية في خطر وركائزها مهددة"، يشير هذا إلى أن مصدر قلق المشاركين مستقل عما يجري في غزة من إجرام، وفي هذا ما ينم عن فشل المسؤولين الفرنسيين في رؤية الترابط بين ما يقلقهم (تنامي الأفعال المعادية للسامية) وما يحل بغيرهم من ظلم فادح ومن قتل وتهجير. واضح للعين المجردة أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي والوحشية الاسرائيلية في تعاملها مع الفلسطينيين على أنهم بشر أقل، على ما صرح، دون خجل، أكثر من مسؤول اسرائيلي، هو السبب وراء التزايد الحاد في عدد الممارسات المعادية للسامية في فرنسا (تجاوزت 1200 اعتداء منذ السابع من أكتوبر، حسب تصريح وزير الداخلية الفرنسي) التي تضم حوالي نصف مليون يهودي، وتعتبر ثالث دولة في العالم من حيث عدد اليهود فيها، بعد إسرائيل وأميركا. لقد تغيرت بيئة ومضمون ما يسمى العداء للسامية بين الأمس واليوم، ففي حين كان هذا العداء يعبر عن تيار سياسي أوروبي من طبيعة عنصرية، بات يغلب عليه اليوم نزوع غير أوروبي تحمله عناصر غير منتظمة يحركها دافع سياسي هو التضامن مع فلسطين، وإن كان هذا الشكل من التضامن تائه وفاقد الصواب وذا مردود سيء على الفلسطينيين. لكن يبقى إن غالبية من يدخلون في خانة اللاسامية اليوم هم من الساميين أصلاً وليسوا من الآريين، بعد أن صارت اليهودية مسألة شرق أوسطية أكثر منها مسألة أوروبية. ومما يشير إلى التحول المشار إليه، أن اليمين المتطرف في فرنسا (التجمع الوطني، الاسم الجديد للجبهة الوطنية) المعروف بعدائه للسامية والذي سبق أن أدين مؤسسه أمام القضاء بتهمة العنصرية والعداء للسامية، شارك في المسيرة. كما يذهب في الاتجاه نفسه، تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 2019 خلال مأدبة عشاء مع قادة يهود، "إن معاداة الصهيونية شكل من أشكال معادة السامية"، في هذا جمع متنافر بين المعاداة على أرضية سياسية والمعاداة على أرضية عرقية. ما سبق يقول إن مناهضة معاداة السامية في فرنسا، وفي مجمل أوروبا الغربية، يتحول أكثر فأكثر إلى غطاء لدعم عدوانية إسرائيل، وقبول الوقائع التي تصنعها على الأرض على حساب حقوق أصحاب الأرض وعلى الضد من قرارات الشرعية الدولية. في المقابل، خرجت مسيرات تضامن مع الفلسطينيين في كثير من المدن الفرنسية، رغم التضييق الرسمي المباشر (رفض إعطاء تصريح) أو غير المباشر (مضايقات من البوليس وفرض غرامات). العديد من مسيرات التضامن مع فلسطين تعرض لعنف الشرطة باستخدام غاز الدموع ورشاشات الماء ... الخ. بين مسيرة رسمية منظمة يشارك فيها المسؤولون وتواكبها وسائل الإعلام، ومسيرات شعبية تتعرض للعنف والتضييق من الشرطة، فارق واضح يقول إن الاستقطاب السياسي الذي تشهده فرنسا هو استقطاب داخلي جاهز لاستقبال "الصراع المستورد" الذي تكلم عنه الرئيس ماكرون.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يدفعون إلى العنف ويدينونه
-
تأملات بمناسبة -طوفان الأقصى-
-
من يمتلك -الحق- في الإجرام / حياة الفلسطينيين العارية على خط
...
-
اللاعودة في انتفاضة السويداء
-
اليسار السوري، هامش واسع في الحياة السياسية
-
قمصان زكريا، لمنذر بدر حلوم عن الموت الذي يضمر الحياة
-
عن توبيخ السوريين العلويين المتجدد
-
نقاش مع كتاب -سؤال المصير- لبرهان غليون
-
عن مشكلة الرموز في سورية
-
أهمية حركة 10 آب في سوريا
-
ماذا ينتظر سورية في المستقبل
-
ظاهرة الموالين الغاضبين
-
البكالوريا السورية ضحية الغش العام
-
السجن يتسلل إلى نفوسنا
-
أجراس بعيدة وكتل سياسية في المنفى لقاء برليني مع راتب شعبو/
...
-
الغضب المعزول في فرنسا
-
عن قلق المسلمين في الغرب
-
هل المثقف السوري طائفي؟
-
-حانة الأقدار-
-
التحليل السياسي الماورائي
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|