|
رسالة الى رئيس مجلس وزراء العراق السيد محمد شياع السوداني
نعيم مرواني
الحوار المتمدن-العدد: 7798 - 2023 / 11 / 17 - 08:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الوقت الذي تتناقص به ثقة العراقيين بالعملية الديمقراطية نتيجة تقلص مساحة الرأي المعاكس وتنمر الميليشيات على معارضي تبعية قرارها الى جهات خارجية وعجز اغلب الحكومات عن توفير الخدمات الاساسية وسن تشريعات تساعد الاحزاب الكبيرة على احتكار السلطة، تسنم سيادتكم رئاسة الحكومة في نهاية تشرين الاول من عام 2022 بعد صراع حزبي محموم للاستحواذ على الحصص الاكبر بالحكومة. وشكك الكثير بنجاحكم لسببين: اولا المشكلة الشرعية، اعتبر البعض ان حكومتك تعوزها الشرعية وذلك لاستقالة نواب الكتلة الفائزة بعد ان عجزت عن تشكيل الحكومة فاسحة المجال لصعود نواب كانوا خسروا الانتخابات أصلا، وثانيا، انكم كنتم مرشح احزاب شيعية تمتلك ميليشيات يرى بعضها ان امتداداتها الاقليمية خارج العراق تفرض عليها أن لاتمتثل لأوامر رئيس الحكومة العراقية بل تمتثل لمراجع تتعارض مصالحها مع مصلحة العراق وبالتالي كانوا سيمثلون حجر رحى يطوق رقبة الحكومة ويجردونها من كل صلاحيتها. لكن ،والحق اقول، نجح جنابكم في رسم سياسات اقل مايمكن ان يقال عنها انها معتدلة، وقد نجحت داخليا فيما فشل فيه غيرك، الا وهو كبح جماح الميليشيات المنفلتة حتى وقت قريب. يجادل البعض بان سياسات حكومتكم غير فعالة بما يكفي، خصوصا الخاص منها بمكافحة الفساد وتحسين الكهرباء، لكننا نريد ان نذكرهم بان فاعلية اي سياسة تحتاج الى استقرار امني ودعم شعبي وطني ودولي. أسباب النجاح بعضها محلي وبعضها دولي: محلي يكمن في كسب ثقة المواطن العراقي من خلال وضع خطط وسياسات خدمية ناجعة تعالج مكامن الخلل وتحارب الفساد وتعزز الامن وتوفر فرص العمل وتساوي بين مواطنيها بغض النظر عن أعمارهم واجناسهم واعراقهم واديانهم والوانهم وتوجهاتهم السياسية، خصوصا وان العراق كان للتو خارجا من قمع وحشي لانتفاضة تشرين السلمية عام 2019 التي صاحبها قتل واغتيالات واختطافات لناشطين عراقيين وسياح أجانب وحتى مؤثرين على مواقع الاعلام الاجتماعي. ولتحقيق استقرار أمني واقتصادي داخلي، لايمكن الاستغناء عن البعد الدولي، بمعنى آخر، السياسات الداخلية والخارجية يكمل بعضها البعض.إذ ليس من الممكن وضع سياسة خدمية او اقتصادية مثلا لتوفير الخدمات وفرص العمل لملايين العراقيين العاطلين عن العمل دون الحاجة الى تبني سياسة خارجية واضحة وحكيمة وتعهدات دولية ملزمة تطمئن حكومات الدول ومؤسسات القطاع المالي والصناعي والتجاري الدولي بان العراق يمكن ان يكون شريكا اقتصاديا يعتمد عليه. يمكن القول ان العراق حاليا واحد من اكثر دول العالم حاجة الى مساعدة المجتمع الدولي لحل مشاكله. تعريف الاستقلال والسيادة الذي ورثه العراقيون الأفكار القومية المتطرفة عفى عليه الزمن وليس من دولة في العالم الآن مستقلة بمعنى الاستقلال الذي يفهمه بعض قادة الميليشيات العراقية. أمريكا نفسها ليست مستقلة ، حسب التعريف العراقي للاستقلال، فهي بحاجة لاستمرار التبادل التجاري مع الصين (وفي هذه اللحظة يجتمع رئيسا الدولتين في كاليفورنيا رغم كل الخلافات والتنافس على النفوذ) ودول الاتحاد الاوربي واليابان وكندا والمكسيك وغيرها من دول العالم، والصين ايضا ليس باستطاعها الاستغناء عن امريكا وافريقيا والاتحاد الاوربي. مازال في المانيا واليابان وايطاليا وكوريا الجنوبية والاردن وقطر والبحرين عشرات الالاف من الجنود الامريكان تنفيذا لمعاهدات أمنية مع حكوماتها للمساعدة في الحفاظ على الامن الدولي وردع الحكومات المارقة. العراق ،الذي لم يستثمرالاتفاقيات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية مع امريكا، بأمس الحاجة الى دعم في جميع مناحي الحياة: نواجه مشاكل زراعية بسبب شحة المياه، نواجه مشاكل خدمية بسبب الفساد وغياب القطاع الخاص، نواجه مشاكل أمنية بسبب عدم احترام بعض الميليشيات والعشائر للقانون وحيازتها على اسلحة غير مرخصة، نواجه مشاكل بيئية من خلال تلوث مياه الانهار واحراق الغاز المصاحب للنفط وارتفاع درجات الحرارة الى مستويات مخيفة، نواجه مشاكل ادارية في تضخم وترهل الجهاز الحكومي وتفاقم البيروقراطية، نواجه مشاكل اقتصادية نتيجة تخلف القطاع المصرفي وغياب القطاع الخاص القادر على توفير فرص العمل واعتمادنا على واردات النفط الذي سوف يستبدله العالم بالطاقة النظيفة والمتجددة في السنوات القليلة القادمة. آخر مايحتاجه العراق الآن هو غض الطرف عن الميليشيات التي تهاجم البعثات الدبلوماسية والمعسكرات التي تضم مستشارين من دول التحالف. العراق يرتبط بمعاهدات أمنية مع الولايات المتحدة الامريكية تغطي تواجد مستشاريها ومستشاري دول اخرى من قوات التحالف على الاراضي العراقية وبالتالي فالحكومة مسؤولة أمام القانون الدولي عن حماية هؤلاء الذين لم يأتوا الا بطلب منها وكذلك البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى العراق. السيد رئيس مجلس الوزراء المحترم: لايفترض بالحكومة ان تقف عاجزة امام بعض الديماغوغيين الشعبويين الذين يلهبون حماس الجماهير ويدفعونهم لمهاجمة البعثات الدبلوماسية ورعايا الدول التي يختلفون مع سياساتها الداخلية او الخارجية. شكرا لكم ،سيادة رئيس مجلس الوزراء، لان الحكومة قامت بواجبها في حماية البعثات الدبلوماسية والقت القبض على من داهم واحرق السفارة السويدية في شهر تموز الماضي، وهذه أعمال بربرية همجية. نعم! حرق نسخة من القرآن من قبل لاجئ عراقي في السويد أمر مرفوض لكن لايمكن لنا أن نفرض على دولة مستقلة ان تغير دستورها كي تقيم علاقة دبلوماسية معنا مثلما لانقبل من أي دولة ان تفرض علينا تغيير دستورنا كشرط لاقامة او ادامة العلاقات، ولايجب ان تدع الحكومة الرعاع الخارجين على القانون يرسمون لها سياستها الخارجية. بالوقت الذي شجبت حكومات وشعوب بعضها عربية واسلامية ماقامت به منظمة حماس من عمل ضد مدنيين اسرائيليين، تعاطفت الكثير من الشعوب العالمية مع المدنيين في غزة وشجبت القوة الاسرائيلية المفرطة واحتلال غزة وسارت مظاهرات بمئات الالاف في لندن وواشنطن وباريس وغيرها من عواصم العالم لكنها كانت جميعها سلمية ومنضبطة - باستثناء بعض المخالفات التي ارتكبتها ثلة من اليمين المتطرف ومعادي السامية- ولم تُهاجَم أي مؤسسة او بعثة دبلوماسية. التظاهر السلمي حق يكفله الدستور للشعب العراقي، لكن لايكفل الدستور توظيف العنف ومهاجمة البعثات الدبلوماسية المعتمدة بالعراق لما لذلك من عواقب وخيمة. دعم الفلسطينيين يمكن ان يأخذ اشكال عدة: تظاهر سلمي، ارسال المساعدات المالية والعينية، التبرع بايصال الادوية والمواد الغذائية، وحكومتكم، ياسيادة الرئيس، لم تقصر في هذا الجانب. كلنا نعرف ياسيادة الرئيس ان الولايات المتحدة طلبت من ايران وقد تكون طلبت من حكومتكم ايضا احتواء الصراع بين اسرائيل ومنظمة حماس وهذا ماشجع بعض الميليشيات العراقية المرتبطة بفيلق القدس الايراني ان تهاجم معسكرات عراقية يتواجد فيها مستشارون امريكان وقواعد يتواجد فيها جنود اميركان في سوريا. الميليشيات تفعل هذا لانها علمت ان الحكومة الامريكية لاتريد توسيع نطاق الحرب وتاليا فهي تعرف ان القوات الامريكية سوف لن ترد الا اذا تسببت هذه الهجمات بخسائر في الارواح. وبالتالي فالمناوشات التي يقوم بها حزب الله اللبناني وكتائب حزب الله العراقية وحركة النجباء والحوثيون وغيرها من المجاميع المرتبطة بفيلق القدس الايراني هي مشاغلات لحفظ ماء وجه ايران ولاترقى الى مستوى حرب الغاية منها ارسال رسالة الى منظمة حماس بان تلك المجاميع – او مايسمى محور المقاومة- لم تتخل عنها في حربها ضد اسرائيل. حكومة ايران- راعي تلك المجاميع- اكدت في اكثر من مناسبة انها ليست طرفا في الصراع ولاتريد ان تكون طرفا لانها تعي تماما عواقب الدخول في حرب دون ان تكون مستفزة. لكنها توعز للميليشيات العراقية المرتبطة بفيلق القدس بمهاجمة المعسكرات التي يتواجد فيها جنود امريكان لانها تستطيع نكران تورطها في هذه الافعال من خلال ما يعرف بـ" النكران المعقول" او Plausible Deniability. الطائرات المسيرة والصواريخ التي تطلقها الميليشيات العراقية المرتبطة بايران على قواعد عراقية يتواجد فيها جنود لقوات التحالف لاتؤثر على الامريكان ولا على سياساتهم الخارجية قيد شعرة لكنها تعكس اضرارا لايمكن وصفها على العراق، كيف؟ اولا، تضعف ثقة المجتمع الدولي بالحكومة العراقية، ثانيا تعطي انطباعا بان العراق غير مستقر أمنيا ما يجعله بيئة طاردة للاستثمارات الاجنبية، ثالثا، قد تدفع الدول وعلى راسها امريكا الى الغاء اتفاقياتها الامنية والاقتصادية والثقافية من طرف واحد والانسحاب نهائيا من العراق،رابعا، تجعل المؤسسات المالية الدولية تمتنع عن اقراض العراق اذا مااحتاج لذلك خوفا من عدم الوفاء بوعوده وان وافقت على الاقراض فسترتفع نسب الفائدة لارتفاع قيم التأمينيات،خامسا،رفض المنظمات الدولية العمل في العراق خوفا على سلامة افرادها، سادسا، انهاء تبادل البعثات الدبلوماسية مع العراق ،سابعا، فقدان ثقة الشعب العراقي بحكومته وقد يلجأ كل الى عشيرته او ينتمي الى ميليشيا من أجل حمايته وعائلته، ثامنا، قتل أمل العراقيين في انعاش السياحة التي يمكن ان تكون موردا اقتصاديا كبيرا بديلا عن النفط حين يتوقف العالم تماما عن الاعتماد على الوقود الاحفوري،تاسعا، تعطي الانطباع بان العراق منزوع السيادة وان ايران من يرسم سياسته الخارجية، وتاسعا، قد تؤدي الى تناحر مكونات الشعب العراقي خصوصا وان هناك اصلا تذمر كوردي-سني من تصرفات تلك الميليشيات وتجاوزاتها على الناس وممتلكاتهم.
#نعيم_مرواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة تكشف عورة وسائل الاعلام التقليدي
-
تهافت -إقتصادنا- 14
-
تهافت اقتصادنا (13)
-
احجيتا الغايات والمقادير
-
الى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني: هل أدلك على تجارة
...
-
تهافت -اقتصادنا- (12)
-
لامجال للحريات في ثقافة قبائل الاسلام السياسي
-
تهافت إقتصادنا (11)
-
تهافت اقتصادنا (10)
-
مستقبل مشروع اعادة الخدمة العسكرية الالزامية في العراق
-
السياسات المتوقعة لحكومة محمد شياع السوداني
-
الانسداد السياسي في العراق . . أسبابه وحلوله
-
تهافت -اقتصادنا- (9)
-
تخلفنا عن ركب عالم الحقيقة..فهل سنقود ركب عالم -الحقيقة البد
...
-
تهافت -إقتصادنا- (8)
-
غياب القبس في مقابلات فائق الشيخ علي مع مندوب القبس
-
لم تعد اليد الخفية خفية في تحريك الاقتصاد الحر
-
#خرجنا_لطلب_الاصلاح
-
قاسم الاعرجي يتفاخر بفشله
-
لاندرك وجودنا الا من خلال مراياهم
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|