|
التيار الثالث أو الطريق الثالث بلا طريق
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:39
المحور:
القضية الفلسطينية
دائماً يكثر الحديث عن أهمية وجود تيار سياسي ثالث في المجتمع الفلسطيني، بالإضافة لحركتي حماس وفتح القطبين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية، هذا التيار تأتلف تحت سقفه، كل القوى والرموز والمؤسسات الديمقراطية بمختلف ألوان طيفها وتعبيراتها السياسية والتنظيمية، والمسألة ليست إرادية أو اعتباطية، بقدر ما هي تعبير عن حاجة موضوعية في المجتمع الفلسطيني، كون هذا التيار يعبر عن تطلعات وأهداف قطاعات وفئات واسعة من المجتمع الفلسطيني، وأقسام واسعة منه تتمتع بتاريخ نضالي عريق وحضور جماهيري لا بأس به، بل أنها كانت تشكل ركناً هاماً من أركان النضال الوطني الفلسطيني، ولعبت دوراً بارزاً في صياغة أهدافه وبرامجه، والتقرير بشأن مصيره، ولكن مع نهاية الثمانينيات وبداية الحقبة " الغورباتشوفيه " بالإضافة للكثير من العوامل الذاتية والموضوعية، بدأ هذا التيار يتراجع، ويغرق في سلسلة من الأزمات المتوالية تنظيمياً، مالياً، فكرياً، وبنيوياً....الخ، هذا الأزمات التي جرى تشخيصها، لم تنجح كل الأدوية والمسكنات بعلاجها، لأنها كانت متفاقمة، وبحاجة لعلاج وجراحة من نوع خاص، تستأصل الأورام الخبيثه في رؤوس الكثير من قيادات وكادرات هذه التنظيمات، والتي بعضها أصابها التكلس والتحجر، وأصبحت ليس فقط عاجزة عن المبادرة والإبداع والتجديد، بل وحتى الفعل نفسه، كما أن الأزمات أصبحت أعمق وأشمل من أن يتم حلها عبر برامج ورؤى نظرية تغيب عنها الحوامل الكفاحية والنضالية والجماهيرية والتنظيمية، وتصدأ فيها قنوات الاتصال، القادرة على فكفكة حلقات هذه الأزمات، وبما يمكن من وضع قوى التيار الديمقراطي الفلسطيني في مكان وموقع مؤثرين على الخارطة السياسية الفلسطينية، ناهيك عن أن أي من قوى التيار الديمقراطي، لم يتسلح بهوية فكرية حقيقية، وكانت هوية شكلانية وصوريه، ولم تجد لها أي تطبيقات أو ترجمات عملية، ليس عند الجماهير فحسب، بل عند أعضاء وقيادات التنظيمات نفسها، بحيث ضاعت الفواصل والحدود بين أعضاء تلك التنظيمات، وأعضاء التنظيمات الأخرى سواءاً على صعيد البرنامج الوطني التحرري أو الديمقراطي الاجتماعي. كل هذا لم يشعل ضوءاً أحمر أمام قادة قوى التنظيمات اليسارية والديمقراطية، بضرورة العمل بشكل جدي على تجديد رؤاها وبناها التنظيمية والسياسية، والإبتعاد عن لغة التنظير والشعار غير المقرون بالفعل، وممارسة السياسة في الغرف المغلقة بدل ممارستها على الأرض وفتح قنوات اتصال بينها وبين الجماهير تطل من خلالها على الهموم المباشرة لتلك الجماهير اقتصاديا واجتماعيا. بالإضافة إلى صهر كل طاقاتها وإمكانياتها للتوحد في تيار ديمقراطي ينهي تشتتها وتشرذمها وتعبيراتها التنظيمية والسياسية، واستمرت النقاشات والحوارات واللقاءات والاجتماعات " المارثونية " بينها دون أن يسفر ذلك عن أية نتائج عملية، بل تعمقت حالة الانقسام والشرخ ما بين أطراف هذا التيار، مما عكس نفسه سلبياً عليها أولاً وعلى صورتها في أذهان ووجدان الجماهير، والتي لم ترى فيها بديل جدي حقيقي، قادر على لعب دور مؤثر في المجتمع الفلسطيني وطنياً وإجتماعياًَ، ولكي تكون النتائج كارثية ومدمرة في الانتخابات التشريعية، حيث إن قوى عمرها من عمر النضال الوطني الفلسطيني ما بعد النكبة، لم تجتاز نسبة الحسم إلا بصعوبة بالغة، والأصوات التي حصلت عليها مجتمعة، تعادل ما حصل عليه أحد مرشحي حماس في دائرة انتخابية في القطاع، وجزء آخر خرج من غرفة الإنعاش المكثفة إلى ثلاجات الموتى، ويأمل أن تحدث المعجزات لكي يعود للحياة. هذه النتائج الكارثية، لم تحدث أية تغيرات دراماتيكية في رؤية وتفكير قيادات هذا القوى، حتى أن إحدى قوى هذا التيار، والتي اجتازت نسبة الحسم بصعوبة، أقامت " الأفراح والليالي الملاح " إحتفاءاً بذلك، واستمرت هذه القوى بالعمل برتابة ونمطيه عالية، وفي ظل حالة التجيش والتحشيد بين حماس وفتح في إطار خلافهما على السلطة، لم نلمس أي دور مؤثر لهذه القوى، لكيفية الخروج من الأزمة، وتقدمت بمقترحات ومبادرات لم تلقى آذان صاغية، وسرعان ما كانت تخبو أو يتم التخلي عنها، لكون هذه القوى، لا تمتلك أي وزن نوعي في الخارطة السياسية الفلسطينية، ولم تشكل قوة قائده قادرة على انتشال المجتمع الفلسطيني من حالة الإستنقاع التي دخلها بفعل عجزها، ورهن قراراتها وموقفها، لموقف القطبين الرئيسيين، حتى أن أغلبها إن لم يكن جميعها قراراها السياسي غير مستقل وتابع غالباً لفتح، والمؤسف أن يعود البعض من أطرافها لسياسة " لعم " التي طالما حاربها ووقف ضدها دائماً من طراز ندعم برنامج الحكومة ولا نشارك بها، ناهيك عن الموقف المربك والملتبس من مسألة الاستفتاء، وهذه القوى إن استمرت في السير على هذا المنوال والركب، دون أن تقف وقفه جدية أمام ذاتها، بحيث تجري عملية تقيم شامل، تطال قياداتها، هياكلها، بناها برامجها، وآليات عملها، تمكنها من تحقيق برامجها، إستناداً للواقع وحركته ومتغيراته، وليس إستناداً لوعي متخيل ليس له علاقة بالواقع، وأيضاً وبدون أن ينزل الجميع دون استثناء من هذه القوى عن الشجرة وأبراجها العاجية، وتعمل على توحيد تعبيراتها التنظيمية والسياسية، وتجديد بناها التنظيمية المستجيبة للواقع وحركته، وبدون أيضاً أن تمتلك هوية فكرية واضحة ومحددة المعالم وتتطابق مع الوقع، فإن هذه القوى تسير حتماً نحو التفكك والتحلل والاندثار والموات المبكر .
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين (ليبرمان) و حماس مع فارق التشبيه
-
بيت حانون, قانا, الفلوجة, قندهار
-
القدس والعمل السياسي
-
الانتخابات المبكرة دوامة من الأزمات ولا بديل عن حكومة الوحدة
...
-
-رايس- تسوق بضاعة فاسدة لحفر باطن جديد
-
لبنان أكثر من أجنده وأكثر من رؤيا
-
إختبر معلوماتك مع النظام الرسمي العربي
-
المجتمع الفلسطيني يدخل مرحلة الاستنقاع والتفكك
-
رسالة مفتوحة للنظام الرسمي العربي وجيوشه الجرارة
-
النظام الرسمي العربي انفصال كلي عن مصالح الأمة وأهدافها وطلع
...
-
رسالة مفتوحة للرئيس الفنزويلي- هوغو تشافيز-
-
ارحمونا وارحموا شعبنا الفلسطيني
-
واقع التعليم الحكومي في القدس الشرقية
-
هل نحن في مرحلة الإستنقاع عربياً ؟
-
صفقات السلاح المشبوه
-
الشيخ حسن نصر الله، عنوان مرحلة جديدة
-
شيء ما في الحرب الأهلية
-
الحجاب
-
رسالة مفتوحة لوزير التربية والتعليم الفلسطيني المطلوب معايير
...
-
هل حقاً لا يعرف الأمريكان لماذا يكرههم الفلسطينيون والعرب؟
المزيد.....
-
قد لا تصدق.. فيديو يوثق طفل بعمر 3 سنوات ينقذ جدته المصابة
-
مستشار ألمانيا المقبل يواجه طريقًا وعرًا لتعديل سياسة -كبح ا
...
-
اندلاع النيران في محرك طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية ع
...
-
الموحدون الدروز في سوريا وتحديات العلاقة مع السلطة الجديدة
-
أمريكا وإسرائيل تتطلعان إلى أفريقيا لإعادة توطين غزاويين
-
موريتانيا.. حبس ناشط سياسي بتهمة -إهانة- رئيس الجمهورية
-
مترو موسكو يحدّث أسطول قطاراته (فيديو)
-
تايلاند تحتفل باليوم الوطني للفيل (فيديو)
-
اختتام مناورات -الحزام الأمني البحري 2025- بين روسيا والصين
...
-
القارة القطبية الجنوبية تفقد 16 مليون كيلومتر مربع من الجليد
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|