|
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٢ )
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7796 - 2023 / 11 / 15 - 22:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٢ )
ازالة اسرائيل من الوجود ، وهو الشعار العزيز على قلب المقاومة الاسلامية ، يتطلب تحطيم ارادة الدول التي اوجدتها ؛ وهي مجموعة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥ ، التي ارتبط ايجاد اسرائيل بمصالحها الاقتصادية والسياسية . لقد ظل اليهود يعيشون في الشتات لفترة طويلة لا تقل عن١٨٠٠ عام بلا وطن ( قومي ) يظلهم منذ سبيهم الاخير سنة ٧٠ م على يد الرومان وحتى صدور وعد بلفور عام ١٩١٧ ، وهو العام الذي اكتشفت فيه بريطانيا العظمى ان من مصلحتها ايجاد ( وطن قومي لليهود في فلسطين ) . وما زال هذا القرار ساري المفعول : اي صحيح في نظرها ، وفي نظر جميع القوى التي خرجت الى الوجود كقوى عالمية بعد الحرب العالمية الثانية مثل امريكا والاتحاد السوفياتي الغارب والصين والهند . شعار ازالة اسرائيل من الوجود مرتبط اما : بازالة الارادة الدولية المهيمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، او بالايحاء لها بان مصالحها الاقتصادية والسياسية ونفوذها يمكن تأمينها عن طريق مصادر اخرى غير اسرائيل . وهذا رأي من الصعب تحقيقه لان العالم الصناعي الرأسمالي تتحكم به رؤوس اموال وليس كتب مقدسة ، هدفها تحقيق المزيد من الارباح وليس الكثير من المؤمنين : تحت حراسة مشددة من حلف الناتو ، لا يستطيع العرب ولا المسلمون اختراقها : الا بطريق واحد وهو العمل الجاد : الفكري والعلمي والتكنولوجي الصناعي على اكتشاف الطريق الى ارساء معالم تشكيلة اقتصادية جديدة اقل وحشية واكثر رحمة وانسانية : وهو ما لا يقوى عليه العرب والمسلمون لتخلفهم الاقتصادي ، ولشراهة قادتهم الجدد في العربية السعودية والامارات الى المال ، واستغلال استثماراتهم البشع للشعوب العربية في مصر ودول شمال افريقيا ، وهو ما وقفتُ عليه بنفسي ...
في كل مرة تظن قوى المقاومة الاسلامية ( حزب الله والجهاد الاسلامي وحماس وايران ) بانها امتلكت هذه القوة الكافية وتحركت لازالة اسرائيل : يجيء الرد الاسرائيلي ماحقاً : يفوق كل تصورات المقاومة ، ويجعلها تفقد توازنها وتلجأ الى تاكتيك تمثيل دور الضحية ، وطلب المساعدة العالمية لايقاف الحرب : ناسية او متناسية ان حماس هي التي ابتدأتها . للان لا تريد ( المقاومة ) ان تعترف ( انسجاماً مع الطريقة العربية والاسلامية الموروثة في عدم نقد الذات : الطاهرة المبرأة من كل عيب ) بالثمن الباهظ الذي بدأ الفلسطينيون يدفعونه لكل عملية عسكرية انتحارية تزايد بها حماس على باقي الفصائل الفلسطينية : وهو ثمن يقترب من حد الجنون وليس التحرير . مقارنة بتجارب التحرير العالمية وخاصة الفيتنامية نكتشف ان الڤيتناميين دفعوا اثماناً باهضة في حربهم التحريرية ، ولكنها كانت تحقق شيئاً على الارض : اجبر الامريكيين في الاخير على الانسحاب والرحيل ، ولم يتمكن الامريكيون من اجبارهم على البكاء وتمثيل دور الضحية ( لقد اثبت الڤيتناميون عدالة قضيتهم بطريقة اخرى غير استفزاز الطرف الآخر للقيام بردود فعل اجرامية ، لكسب الرأي العام العالمي ودعوته لايقاف الحرب او الحصول على هدنة لايام . ) .
من الضروري ان يظل عقل المقاومة سوياً ، تسكنه حقائق الواقع ، مع التمسك الشديد بالطموح الوطني وبالاحلام اللذيْن يقترب من تحقيقهما بالتخطيط ، وليس بالمزايدة ، مع الحفاظ على ما حققه من مكتسبات . اما ان يضحي بكل شيء ويرضى بان تمحى غزة من الوجود ، فهذا منهج لا يصلح لقيادة مقاومة تريد ان تتحدى الارادة الدولية وتحرر وطناً . بل هو اقرب الى منظور المرضى المصابين بهلوسات العزلة الذين يفرون منها الى الانتحار . يتميز القائد ، ولنقل السياسي عن الجماهير ببعد النظر وبالقدرة على قيادتها مع الحفاظ على سلامتها وسلامة ممتلكاتها ، وليس باجبارها على الانتحار في العراء على الطريقة البدوية ( وهو ما يجعلها قريبة الشبه بل متطابقة مع نتائج حروب صدام الانتحارية التي نقل فيها العراقيين من المدينة والتمدن ، واجبرهم على العيش في الصحارى والارياف ( في الاصالة ) ثم جاء الامريكيون بالاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية لاستكمال القضاء على معالم التحضر بايقاف التصنبع ومنع الكهرباء ...
تقف الشعوب العربية الى جانب شعار ازالة اسرائيل من الوجود ( وهذه اعوص واعقد مشكلة تواجهها حركات السلام والتعايش والتسامح في الشرق الاوسط ) فبعد مرور نصف قرن تقريباً على الصلح بين مصر واسرائيل : يرفض الشعب المصري التطبيع ، وتتضامن معه في هذا الموقف جميع الشعوب العربية المستمرة بالتمسك بوعيها الديني ( وليس القومي ) الذي يفلسف لها النظر الى الكيان الاسرائيلي على انه وجود زرعته ارادة الشيطان ضد ارادة الرحمن ( وليس اوربا الرأسمالية ومعها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ) ، وان الرحمن سيطيح بدولة الشيطان هذه . تستغل منظمات ( التحرير) الفلسطينية هذا المنطق الشعبي : منطق : ان الله سيقرر في يوم معلوم : اختفاء اسرائيل من الوجود : وستختفي ، ألم يقل للسماء والارض كونا : فكانتا ، ( بعد ان كانتا رتقاً ففتقناهما . الآية ٣٠ من سورة الانبياء )
لم تجد اوربا الاستعمارية افضل من خرافة " شعب الله المختار " آيدلوجية تعبوية لجمع شمل شتات اليهود وزجهم في الطريق الى فلسطين . وما زالت اوربا العَلمانية والديمقراطية تدعم قيام دولة دينية عنصرية في فلسطين ، وهي منسجمة مع نفسها في الوقوف الى جانب اسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين . اذ ان الاقتصاد الرأسمالي الذي فتح لها مشارق الارض ومغاربها : لا يفكر بحقوق الشعوب وماتملكه من وثائق تاربخية ، قدر ما يفكر بتحقيق مصالحه وتكثير ارباحه . لقد قامت اسرائيل على خرافة وعد آلهي : عجزَ الاله نفسه عن الايفاء به ، وانجزته لها اوربا الاستعمارية . فالغطاء الآيدلوجي لاسرائيل ما زال غطاءً دينياً خرافياً لا يختلف كثيراً عن الغطاء الآيدلوجي الديني لحماس او للجهاد الاسلامي او لحزب الله او لسلطة ابو عباس في الضفة : فهي جميعها منظمات ودول دينية : تدخل في حروب محدودة ( مناوشات وحروب ثأر متبادل ) ، ولكنها لا تدخل في حرب تحرير شاملة ( التي تتميز بكونها مستمرة الحدوث ولا تتخللها هدنات تستمر لعشر سنوات ) . على مدار التاريخ لم تدخل الدول الدينية حروبَ تحريرٍ بل دخلت حروب : هداية ، وهي نوع من حروب الاستيلاء على ارض الغير عنوة ، واجبار شعوبها على التعبد بطقوس دبن الغزو الجديد . واسرائيل ومنظمات ( التحرير ) الفلسطينية تكذب على شعوبها حين تتحدث عن حروب تحرير شاملة ستخوضها ، لان الدول الدينية تؤمن بان الاله وحده يملك قرار ازالة الدول من الوحود ، وليس البشر ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ١ )
-
الاقتراب من الحقيقة
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ولا يستخدمونها ( ٤ : ايران )
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ( ٢ )
-
إنهما يسرقان صفات الله
-
حروب ثأر لا حروب تحرير
-
لا قداسة دينية للقدس
-
امكنة لم تتدثر بعباءة باشلار / الجزء الثاني
-
أمكنة من غير عباءة باشلار ١ من ٢
-
اللهجة التونسية
-
الشابي وابو رقيبة والعفيف الاخضر وفتحي المسكيني
-
عن كريم العراقي والشعر الغنائي
-
تونس العاصمة
-
اقصوصة
-
الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )
-
اركض بلا تعب في برية افكاري
-
الجنوب واله المدينة والشريعة ( 8 )
-
الجنوب والدولة القومية ( 7 )
-
لقد امر السلطان العثماني : اردوغان بهذا ، فماذا انتم فاعلون
-
الجنوب ( 6 ) / الجنوب ومفهوم الدولة الحديثة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|