الديمقراطية -الجزء الثاني

انطوني دانيال

الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:38
المحور: المجتمع المدني
    

لقد تناولت في الجزء الاول لمحة عامة عن الديمقراطية وحقوق الانسان
لمن تتبع ماكتبت نتابع الحوار عن بدايات الديمقراطية منذ القدم وحسب التسلسل التاريخي لها فلنتابع :
يقول لوسيان فيفر (( يجب أن نستجوب الموت من أجل الحياة ))
أي يجب علينا استجواب التاريخ والماضي الإنساني عموماً كي نستنبط أجوبة تفيدنا في الحاضر والمستقبل ومن أجل ذلك لابأس أن نبحث في الآثار ونترجم الرقم الفخارية و نستنطق التماثيل و الأحجار و حين لا يجدينا نفعاً كل ذلك فسوف نفترض واقعاً إنسانياً لا بد وأن يكون معاشاً في مرحلةٍ سابقة .
عندما ظهر أجدادنا الأوائل على سطح هذه الأرض بدؤوا يدقون الأرض بأيديهم وأرجلهم بحثاً عن أي شيء يوفر لهم الحماية والاستمرار
لأنهم فجأة وجدوا أنفسهم في محيط معادي ليس لأن الطبيعة معادية لهم فعلاً بل لأنهم كانوا بشراً ضعفاء و عزلاً فأيديهم لا تحتوي مخالب للدفاع أو الهجوم وجلدهم لا يتحمل الاحتكاك أو الاصطدام على عكس كثير من الحيوانات التي تمتعت بمخالب وأنياب وجلد سميك أو صوف أو فرو .
إذا فالبشر لا يمتلكون أدوات دفاع أساسية في أجسادهم هذه الأدوات التي تقي غيرهم من البرد والحر والأمطار . ولكن مقابل ذلك كان للبشر دماغاً متطوراً أو قابلاً للتطور وهو ما أغناهم عن كل وسائل الدفاع الطبيعية الأخرىوهو الأرقى بين أعضاء الجسم البشري كله , إذ به ومن خلاله تحققت القفزات على سلم التطور والإرتقاء .
وبالعودة إلى الحياة البدائية نرى أن البشر قد خضعوا لفترات طويلة من تاريخهم لجبروت الطبيعة وقسوتها ,ولكن اختراع النار واكتشاف الحياة مع الجماعة حد كثيراً من جبروت الطبيعة , فالعيش مع الجماعة ضمن نوعاً من الحماية والرعاية والتضامن فيما بين البشر ,وكانت هذه الجماعات تعيش متنقلة في بداياتها وتعتمد على الصيد والتقاط الثمار , ومعها اكتشفوا التدجين وتربية الحيوانات الأليفة ثم اكتشفوا بدايات الزراعة وقاموا فعلاً باستثمار الأرض للزراعة .
في تلك العصور حيث كانت الأرض مشاعاً بين البشر كان هؤلاء يعيشون شكلاً عفوياً من الديمقراطية وذلك بسبب غياب الدولة ( أجهزةً ومؤسسات) حيث لا سلطة تمارس القمع ضدهم ولا رجال أمن يحدون من حريتهم وحيث كانت الأرض الواسعة أشبه ما تكون ((هايد بارك))مترامي الأطراف ، حيث يصرح الجميع بآرائهم ويعبرون عما يختلج في أنفسهم من مشاعر وأحاسيس ولو كان هذا التعبير بالإشارة أو بأي لغةٍ بدائية أخرى ،، ومع مرور الزمن بدأ الاختلاف والتمايز يظهر فيما بينهم ثم تحول التمايز إلى تناقض بسبب وجود بشر متمايزين أصلاً ، حيث يوجد دائماً بشر أقوى أو أذكى من غيرهم .
ثم دخل الإنتاج كعامل إضافي حيث زاد فائضه عند قلة من البشر ، وهذا الفائض من (الثروة ) صار يأتي بالقوة بعد أن كانت القوة هي التي تأتي بالثروة و بذلك استفحل الصراع على خلفية القوة والذكاء والثروات ،وهكذا فالبشر الذين كابدوا وتأقلموا مع ظلم الطبيعة وقسوتها بدأوا يتعرضون إلى ظلم أقوى وأكثر فداحة كونه يأتي من بني جلدتهم ،لذا كان لا بد من اختراع سلطة تنظم العلاقات فيما بين البشر وتخفف من حدة صراعا تهم .
وهكذا تم اختراع الدولة نتيجة لاشتداد الصراع بين الطبقات ,كي لا يؤدي اشتداد الصراع إلى التهام مقدرات البشر وإمكانياتهم التي يعيشون منها وعليها .
إلا أن هذه الدولة تحولت مع مرور الزمن إلى قوة غاشمة تتحكم بها الطبقة الأغنى والأكثر نفوذاً مادياً وروحياً بمقابل الشرائح الأخرى . وهكذا قام البشر وبدون وعي منهم بتدمير الفردوس الذي كان يضمهم , وهو فردوس الحرية والمساواة , لقد تم القضاء نهائياً على هذه الجنة , ومع ذلك فالحلم بتحقيق فردوس جديد لم يبرحهم منذ ذلك الوقت , إنه حلم لم ولن يتبدد ولن يموت ولكن مقابل ذلك صار لزاماً على البشر خوض نضال متواصل ود ؤوب لتحقيق بعض الأحلام في الحرية والعدالة والمساواة .
وقد علمتنا تجارب التاريخ الإنساني المكتوب والشفهي أنه ما من إنجاز يأتي عفو الخاطر , على العكس فكل إنجاز نحققه يتطلب منا تضحيات جسيمة ومعاناة قد تصل حتى الموت .
وفي خضم هذا النضال الدؤوب أنجز البشر بعض التجارب التي يمكن أن ندعوها تجارب ديمقراطية طفولية أو ساذجة لأن الناس الذين وجدت من أجلهم هذه التجارب لم يكونوا بعد على مستوى فكري أو تنظيمي عالي بحيث يدافعون عن هذه التجربة أو تلك عندما يحين وقت الحجة لذلك .
ولأننا أبناء هذه المنطقة فسوف نبدأ بتسليط الضوء على تجارب من إنجاز أهلها ((وقد تكون أولها على الإطلاق )) تجارب محلية :
إننا نبدأ من هنا لأن هذه هي تجاربنا نحن وإنجاز أجدادنا وكي نبرهن لمن يهمه الأمر بأننا بعد أن حققنا الإنجاز المادي المتعارف عليه في إنشاء الدول وإقامة الصروح العملاقة والتماثيل الجميلة واختراع أنظمة للري والسقاية والصرف الصحي ومعابد للآلهة , واخترعنا أوائل النسيج والسفن والزجاج
أقول بعد إنجازنا هذا البنية التحتية أنجزنا أيضاً بموازاتها بنى فكرية راقية جداً تجلت في اختراع الكتابة والموسيقا وأوائل الشعر والملاحم وقصص الأبطال والآلهة وأوائل العقائد الدينية وكذلك وهو موضوعنا هنا النظم السياسية وشرائع قانونية كانت نبراساً ومنارةً أضاءت متاهات الشعوب الأخرى بدون استثناء .
أما نظامنا الديمقراطي المعني فهو على بداءته وبساطته مهم جداً, تكمن أهميته في ريادته وفي روح المغامرة التي تمتع بها أجدادنا قبل أكثر من خمسة آلاف عام .
وقد تم تحقيق هذا الإنجاز في بدايات الألف الثالث قبل الميلاد ونقول ذلك على التقريب لعدم وجود وثائق كثيرة تعود إلى تلك الفترة , وسنعترف هنا بأن التاريخ قد امتزج مع الأسطورة والواقع مع الخيال والحلم بالحقيقة .
أما مكانه ففي مدينة أوروك ((الوركاء)) وهي مدينة_دولة سومرية , والمعروف عن بلاد سومر أنها مجموعة من دول المدن أي أن كل مدينة هي دولة مستقلة بذاتها ,علماً أن ما يجمع السومريين أكثر بكثير مما يفرقهم
((وهذا الشكل من التنظيم الإداري والسياسي عرفه سكان فينيقيا وبلاد اليونان ثم دول فلورانسا وفينيسيا في إيطالية )). وكان لمدينة أوروك مجلسان منتخبان , مجلس الشيوخ ومجلس الشباب ,وسنقترض أن الشعب السومري في أوروك كان يجتمع في الساحة العامة ويقوم باختيار ممثليه إلى كلا المجلسين (لا نمتلك معرفة حقيقية عن آلية الانتخابات )
أما مجلس الشيوخ فكان يقرر السياسة الداخلية برمتها و ذلك نظراً لأنه يمتلك خبرة واسعة اكتسبها هؤلاء الشيوخ عبر حياتهم المديدة و مجلس الشباب الذي كان رديفاً لمجلس الشيوخ كان ينعقد إذا ما طرأت قضية خلافية تتعلق بأمن الدولة و مصالحها لذا يجتمع المجلسان لمناقشة هذه القضية و يحسمانها
و قد حدث ذلك لمرة واحدة وحيدة و كانت الأخيرة
فقد أرسل حاكم دولة - مدينة كيش (و هي شقيقة لأوروك ) تهديداً واضحاً لمدينة أوروك مفاده أنه يجب على أوروك أن تنضم إلى كيش طوعاً كي تشكلا دولة واحدة بمواجهة الأخوة الأعداء الآخرين
وقد اجتمع على اثر هذا التهديد مجلسي الشيوخ والشباب كي يتدارسوا هذه القضية الأمنية الخطيرة
ومنذالبداية توضح الانشقاق .
فالشيوخ من طرفهم آثروا السلامة على الحرب خاصة وأن أوروك لا تمتلك حول حدودها أسواراً تحميها ولا جيشاً منظماً يدافع عن أمن وسلامة ممتلكات سكانها .
مقابل ذلك كانت كيش تمتلك جيشاً منظماً على الأقل أما شباب مدينة أوروك فقد رفضوا قرار مجلس الشيوخ ونحوه جانباً بل طالبوا بعدم الاذعان والرضوخ لرغبات حاكم دولة كيش الظالمة لهم .
و قد اعتبروا هذه الرغبات والمطالب ماسة بكرامتهم وعزتهم وسيادتهم الوطنية و لم يضيعوا الوقت في جدالات لا طائل منها بل انتخبوا واحداً منهم كان أكثرهم قوة ودراية ثم أطلقوا يديه فيما يقرر وقد عرف هذا الحاكم عبر التاريخ باسم جلجامش (وملاحمه معروفة يختلط فيها التاريخ بالميثولوجيا )
فور تعيين جلجامش حاكماً عاماً باشر بإنشاء جيش من أبناء المدينة و أرقائها ونصب نفسه قائداً لهذا الجيش ثم فرض نوعاً من الاقتصاد العسكري - الحربي لخدمة استقلال أوروك وسيادتها .
فقام بتجبير كل الأعمال الإقتصادية لخدمة الجيش الفتي وبناء سور حول المدينة شارك في بنائه معظم سكانها و بعد أن تم له ما أراد لم ينتظر إنذاراً جديداً من حاكم كيش بل ذهب إلى كيش بجيشه وضمها إلى أوروك ثم قام بضم أربع ممالك أخرى - سوى كيش
و لأنه أثبت قدرة عسكرية فائقة و كان فعلاً يتمتع بالذكاء و الدهاء و القوة الجسدية فقد قام بإلغاء المجالس التشريعية وعين نفسه حاكماً مطلق الصلاحية و متمتعاً بالحماية الإلهية .
و بنفس الوقت قام بدفن أول تجربة إنسانية في النظام الديمقراطي .
بعد التجربة السومرية (و ندعوها تجربة تجاوزاً ) حدثت قصة في إيبلا على تخوم القرن الخامس عشر قبل الميلاد ( إيبلا هي تل مرديخ حالياً و تقع شمال سورية قرب مدينة معرة النعمان ) وهذه
القصة رواها الدكتور فاروق اسماعيل في مجلة المعرفة السورية عدد (500) تاريخ ( 5/2005)
و جاء فيها أن مجموعة من سكان مدينة إيجين جليش الحثية ( تقع في آسية الصغرى )كانت موجودة في خدمة الملك الإيبلائي ميجي و بعد فترة من الخدمة في قصوره و قصور أشراف إيبلا - يقرر هؤلاء العودة إلى وطنهم بدعم مباشر من ملك (إيجين الملك جليش ثم بدعم مباشر من إله مملكتهم المدعو (تشوب ) و هو إله للخصب .
فيوافق ملك إيبلا ( ميجي ) على إرسالهم إلى موطنهم الأصلي لكنه يصطدم بمعارضة قوية من مجلس الشيوخ
و من أحد أعضائه حصراً و اسم هذا العضو - الشيخ (سزلا ) و أكثر من ذلك فإن (سزلا) يرفض الرضوخ لمشيئة الملك ويتشبث كل منهما برأيه دون أن تعرف نهاية هذه القصة بسبب وجود تشويه في الرقم الفخارية التي احتوت على هذه الوثيقة و هذه القصة تدلل على أن إيبلا حققت للمواطن فيها هامش من حرية التعبير و هامش مهم من المشاركة في القرار السياسي و هذا هو المهم لدينا .
و لكن يبدوا أن معظم ممالك - المدن السورية كان يتواجد فيها مجلس شورى من شيوخ المدينة وأشرافها و كهنتها .
فها هي أوغاريت و في نفس الفترة تقريباً كان يوجد فيها مجلس للشيوخ يدعى مجلس الآباء و كان يناقش بعض القوانين ويصدر أحكاماً قضائية نهائية أي ممنوع نقضها و في بعض الجلسات الهامة كان يحضر الملك شخصياً جلسات مجلس الآباء وبعد هذا التاريخ بعدة قرون أي في القرن الثامن قبل الميلاد عرف الصوريون (أهل صور) والقرطاجيون(وكلهم سوريون) نوعاً من الحكم الجمهوري( لعله أول الجمهوريات التي دامت طويلاً) وكان على رأس الدولة رجل واحد وأحيانا رجلين يسمى الواحد منها قاضي(بالفينيقية شوفت والبعض يترجمه سوفيت) وفي قرطاجة حصراً انتخب إلى جانب القاضي مجلسين الأول مكون من ثلاثمائة نائب من الأرستقراطية الفينيقية حصراً والآخر مكون من مائة نائب ويدعى مجلس الشورى ويختص بالشؤون القضائية ومن البرلمان(مجلس الشورى) كان ينتخب القاضي أو القائد العسكري وغيرهم من كبار شخصيات الدولة التي هددت روما في عقر دارها .
ولكن هذه التجارب كانت مشوهة في الغالب لأنها كانت مقتصرة على الأحرار فقط علماً أن الأرقاء كانوا أحيانا يتجاوزون بأعدادهم أعداد الأحرار , ومع كل الثغرات الموجودة فإن هذه التجارب تنسف من الأساس فكرة أن الديمقراطية هي اختراع أوربي بالكامل .
وتنسف فكرة موجودة لدى معظم الأوربيين وهي أن الشرق لم يعرف في تاريخه إلا الاستبداد عبر ملوك آلهة أو أنصاف آلهة.
ونلاحظ في جانب آخر من هذه التجارب أنها في جوهرها تقليد لنظام المجلس في القبيلة الذي يتأسس من مجموعة الوجهاء رؤساء أسر وبطون القبيلة .
وعلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط عرفت بلاد اليونان تجارب أكثر نضجاً من الناحية التشريعية والتنظيمية وإن يكن هناك شبه في جوهر هذه التجارب(شمال وغرب وجنوب المتوسط) من حيث استبعادها للعبيد والنساء عن عمليات الاقتراع و التمثيل السياسي .
ولعل أولى هذه التجارب جاءتنا من إسبارطة وهذا يناقض الشائع من أن أثينا هي أم الديمقراطية الإغريقية والأوربية عموماً .
أما رائد هذه التجربة للنظام الديمقراطي الإسبارطي فهو ليكو رغ .
الذي اخترع نظاماً ديمقراطياً أقرب إلى الشكل المسرحي الكوميدي منه إلى العمل السياسي الجاد و الرصين
فقد حدد عدد مقاعد البرلمان بثلاثين مقعداً (و هم حكراً على الأشراف فقط ) و مقابل هذا العدد يجب أن يترشح ستون شريفاً للحصول على هذه المقاعد الثلاثين بواقع مرشحين لكل مقعد .
و في يوم الانتخابات يجتمع الشعب (حاملوا السلاح من الذكور البالغين) في الساحة العامة (الآغورا) ثم يتم وضع بضعة رجال من العدادين (يقومون بالعد)في مكان مغلق قرب منصة الاستعراض بحيث يسمعون فقط لأنه لا يحق لهم رؤية ما يحصل و يجلس موظف آخر بصفة كاتب على المنصة قريباً من المرشحين حيث يقوم بوضع رقم متسلسل لكل مرشح بجانب اسمه و عندما يمر المرشح يقوم الكاتب بلفظ الرقم فقط (رقم المرشح) في حين يقوم الناخبون الذين يرون المرشح بإثارة جلبة بطريقة ما كأن تكون تصفيقاً أو صفيراً أو أي شيء آخر و المرشح الذي يحوز أكبر جلبة مثارة هو صاحب الحظ الأوفر بالنجاح .
فالعدادين في الغرفة المغلقة يضعون الرقم و بجانبه قوة الجلبة التي صاحبت وجود المرشح مالك الرقم .
وهكذا إذاً فصاحب الضجة الأكثر ينجح ثم يكتمل عقد النواب الناجحين على هذا الأساس حتى يصير العدد ثلاثون و بعد إنشائه ينحصر عمل المجلس بوضع الشرائع و القوانين و الإشراف المباشر على الوظائف العامة أما قراراته فملزمة دائماً لأنها نابعة من سلطة الشعب .
أما التجربة الأخرى في بلاد الإغريق فهي تجربة أثينا و قد قيض لهذه التجربة مصلحون كبار كان أولهم على الأقل (صولون) حاقداً على الاستبداد كارهاً للسلطة المطلقة .
عاش صولون في القرن السادس قبل الميلاد و هو ينتمي إلى الطبقة الوسطى (كما يقول أرسطو) أي أنه ليس من كبار الأشراف و ليس من الفلاحين لذا اتفق الناس فيما بينهم و انتخبوه أركوناً (رئيس حكومة ) و فور انتخابه بدأ إصلاحاً اجتماعياً و اقتصادياً و كان بذلك يبرهن عن عبقرية فذة و بعد نظر عجيب (إذ لا فقر مع الديمقراطية ) .
إذاً بدأ إصلاحه الاجتماعي - الاقتصادي بتحرير الناس من عبودية الديون .
كان معروفاً عن اليونان أن الرجل الذي لا يستطيع تسديد ديونه يتحول إلى عبد رقيق - وهكذا بضربة واحدة أسقط الديون الخاصة و العامة .
بعد ذلك حاول الإصلاح السياسي واضطر لقبول التقسيم الطبقي - العشائري في دولة أثينا كما هو و هذا التقسيم كان يقضي بوجود أربع طبقات :
أصحاب - الخمسمائة مد يمنون _ أي كبار الأشراف
و طبقة الفرسان - أصحاب ثلاثمائة مد يمنون
طبقة الزوجيتاي _ أصحاب مئتي مد يمنون _ صغار النبلاء
طبقة الثيتيس= أقل من مئتي مد يمنون - وهذه الطبقة لا يحق لأفرادها شغل أي منصب في الدولة .
(مد يمنون = مقدار من القمح بحجم اثنين و خمسين ليتراً ) .
أما برلمان صولون فكان يتكون من أربعمائة نائب بمعدل مائة نائب عن كل طبقة اجتماعية .
أما منصب الأركون فيتم شغله من بين أربعين مرشحاً بمعدل عشرة من كل طبقة (الطبقة الأخيرة تشارك في التصويت فقط ) و على العموم فقد أسس صولون الديمقراطية بمجموعة إجراءات و قوانين أهمها حق المواطنين بمسائلة و محاسبة أي إنسان اقترف الظلم بحق أي إنسان آخر ,
وحق المواطنين باستئناف الأحكام أمام مجالس الحكم .
ثم ضرب مثلاً رائعاً في الإيثلر بأن تنازل عن الحكم لغيره نهائياً بحجة السياحة و زيادة تحصيله العلمي في مصر .
و لئن كان صولون قد أسس بحكمته وتواضعه لنوع من الديمقراطية فإن كليستنيس دفعها قدما إلى الأمام .
فقد عمد إلى اختراق و تفتيت النظام القائم على أربع طبقات بأن قسم سكان دولة أثينا إلى عشر قبائل كي يشتد اختلاط الناس و اتصالهم ببعضهم البعض و بذلك تتسع دائرة الناس الذين يحكمون فعلاً و على هذا الأساس فقد جعل البرلمان مكوناً من خمسمائة نائب بواقع خمسين نائباً عن كل قبيلة ثم أعاد تقسيم الأراضي الزراعية ليخفف العبء عن الفقراء و صغار الفلاحين و صار انتخاب الحاكم يتم بشكل مباشر بالإضافة إلى تميز اثنين من النواب فقط-و هما :
القاضي :الذي يجب أن يكون من كبار الأشراف وذلك حمايةً لوظيفته من الرشوة وضغوط السلطة
الوكيل المفوض : وانحصر عمله بتعيين القادة العسكريين وموظفي الشؤون الخارجية .
وكل هذه الإجراءات كانت تتم من قبل الشعب الأثيني مباشرة وفي الساحة العامة(حيث التصويت برفع الأيدي). ولكن كما أسلفنا فما زالت الديمقراطية الأثينية بعد كل هذه الإصلاحات تستبعد النساء والعبيد عن المشاركة في العمل الديمقراطي , ومع ذلك فإن هذه الإصلاحات أمنت أوسع مشاركة ممكنة بين الذكور الأحرار , وبالتالي كانت خطوة كبيرة إلى الأمام ,حيث أن إدلاء المواطن الحر برأيه مباشرةً وانتخابه لأعضاء الهيئة التشريعية والتنفيذية بما يستوجب ذلك من محاسبتهم ومقاضاتهم عندما لا يتصرفون بإرادة الشعب ,كل ذلك عزز روح المبادرة الفردية وعزز إحساس المرء بقدرته وحق هذا الفرد باستعمال حريته ورأيه الذي أصبح ذو قيمة عظيمة جداً .ولعل هيرودوت كان أول من لاحظ هذا التغيير فقال مفاضلاً بين النظامين الاستبدادي والديمقراطي ما يلي(إن أهل أثينا كانوا بدون فضل على الآخرين أيام الطغاة المستبدين ,وعندما حدوا من سلطة هؤلاء الطغاة بإقامة النظام الديمقراطي تقدموا إلى الصفوف الأولى بين الشعوب ,فبينما كانوا يعملون للسيد المطلق في بادئ الأمر صاروا يعملون كلٌ لنفسه حسب طاقته ),,
هذا موجز بسيط عن تجارب يونانية أجهضت واندثرت مع قدوم المقدونيين _ فيليب وابنه الاسكندر ومجمل القول _وهولأحد المؤرخين_ فإن هذا الشكل الديمقراطي في الحكم أشبه بالديمقراطية السلبية لأنها وإن حدت كثيراً من سلطة الأشراف والكهنة فإنها لم تكن ديمقراطية لكل فئات الشعب اليوناني .
وبدورنا نقول بأن النساء في أنضج الديمقراطيات لم يتمتعن بحق التصويت إلا في القرن العشرين أي بعد أكثر من سبعة قرون من عمر هذه الديمقراطية.. بل إن مفهوم المواطن في الديمقراطيات الأوربية عموماً بقي ملتبساً
_كما سنرى_ وهو يعني دافعي الضرائب , وبالتالي فمن لا يدفع الضريبة , أي من لا يمتلك لا يحق له التصويت وبقي الوضع كذلك حتى عهد قريب ..
وبشكل عام فإن كل التجارب التي مرت معنا لا يمكن الإعتداد بها مع أنها تجارب رائدة وقفزة إلى الأمام _ولكن الحق بأن يقال _ فإن عظمتها تكمن في ريادتها __,

#انطوني_دانيال (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات