لماذا انهار الاتحاد السوفييتي؟
دلير زنكنة
2023 / 11 / 15 - 08:26
بقلم كمال أوكويان، الأمين العام للحزب الشيوعي التركي TKP
7 نوفمبر 2023
ترجمة من الانجليزية دلير زنگنة
قبل 106 أعوام، استولت الطبقة العاملة في روسيا بقيادة الحزب البلشفي على السلطة. وحقق اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، الذي تأسس بعد سنوات قليلة، نجاحات هائلة في العديد من المجالات. لقد خرجت البلاد من التخلف التنموي وتحولت إلى قوة عظمى تصارعت مع الولايات المتحدة في كل المجالات تقريباً.
بعد 74 عامًا بالضبط من ثورة أكتوبر، تفكك الاتحاد السوفييتي، وأدت موجة الثورة المضادة التي أثرت أيضًا على الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية إلى إنهاء الاشتراكية السوفييتية.
في المنتصف اندلعت الحرب العالمية الثانية، التي فقد فيها 27 مليون سوفييتي حياتهم؛ تقدم كبير، ركود، تراجعات..
لن أتحدث عن هذه الأشياء.
الرحلات الفضائية، السدود العملاقة، المصانع، المدن المليئة بالحدائق، ميكنة الزراعة، القضاء التام على الأمية، تحرير المرأة، الإنجازات في مجال الثقافة والفنون، القضاء على البطالة وما شابه ذلك من تطورات ليست موضوع هذا المقال. أولئك الذين يعرفون ،يعلمون مسبقًا ، وأولئك الذين لا يريدون أن يعرفوا ،أداروا ظهورهم مسبقًا .
إن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يقف هناك في التاريخ باعتباره الأساس العظيم الذي لن ينسى أبدا. ولا يستطيع أحد إزالته من هناك. إنه حقيقي كما تكون الحقيقة !
لقد انهار، ولكن...
لقد تأسس بصراعات عظيمة ، وخاض صراعات عظيمة وانهار دون صراعات . وهذه أيضًا حقيقة واقعة.
اذا ماذا حصل؟
هنالك العديد من الأجوبة لهذا السؤال. يعتمد الأمر على كيفية نظرتك إليه، وعلى ما تهتم به.
وبعد مرور 32 عاماً على انهياره، أود أن أقول إن "الاتحاد السوفييتي هزمه الإنسان".
ولا بد أن ما كتب و صور عن "الطبيعة البشرية" قد تبادر إلى الذهن على الفور. بل قد يعتقد المرء أنني استسلمت للمغالطة القائلة بأن الشيوعية لا تتوافق مع الطبيعة التنافسية الأنانية للإنسان، وبالتالي محكوم عليها بالفشل. كتاب(عضو TKP) نيفزات افريم أونال "هل الإنسان أناني؟" (نشرته دار التحرير Yazılama باللغة التركية) يعطي إجابة شاملة للغاية على هذه المغالطات.
لا يوجد شيء اسمه الطبيعة البشرية. ومهما كانت أهمية وجودنا البيولوجي ككائن راقي، فإن البشر يتشكلون من خلال العلاقات الاجتماعية.
لقد هُزم الاتحاد السوفييتي على يد الإنسان، نتاج ظروف القرن العشرين.
ماذا حدث للصراعات الطبقية؟
اسمحوا لي أن أحاول أن أشرح.
نحن نقول دائما أن الرأسمالية همجية. عندما قامت ثورة أكتوبر عام 1917، كانت الرأسمالية في ذروة الهمجية. في الحرب العالمية الأولى، قتل الصراع الإمبريالي ملايين وملايين من الناس، وأولئك الذين لم يقتلهم تفسخوا أكوامًا. الأنانية، و مص الدماء ، والتخريب، والكذب، والخيانة، والغدر، كل ما يخطر على بالك ينتشر ويتكاثر كالفيروس. ومع ذلك، لم يكن هناك شيء اسمه الطبيعة البشرية، أو إذا كان هناك شيء من هذا القبيل في تلك "الطبيعة"، كان هناك أيضًا المقاومة والصدق والتضامن و احساس التمرد والأخوة. وقامت الثورة بهذه القيم.
لقد قامت الثورة بهذه القيم ورفعت هذه القيم. لقد نشّطت "الخير" في الفوضى و الصراع داخل كل عامل، وكل مثقف.
الشيوعية تخلق الأسس المادية لـ "الخّير"، "المتقدم"، "الجميل"، "الصائب". إنها تزيل الظروف التي تجعل "السيئ" يزدهر ويزداد قوة.
في عالم لا توجد فيه بطالة وفقر وجوع، وحيث لا يستغل الناس الآخرين، وحيث تختفي الطبقات الاجتماعية، وحيث تسود الوفرة والرخاء، لا يمكن للأنانية والقسوة و الكذب والخداع أن تجد إلا مساحة ضيقة جدًا.
إن إنشاء مثل هذا العالم سوف يستغرق بالطبع بعض الوقت. وبعبارة أخرى، فإن سكان العالم القديم سوف يبنون العالم الجديد!
كيف؟
في الوقت الذي يسعون فيه إلى القضاء على الجهل، وإحياء الزراعة والصناعة، وتعبئة القوى المنتجة، للوصول إلى مجتمع المساواة والوفرة؛ سيكون من الضروري أيضًا تغيير البشر.
لأن الثورة، رغم أنها ثورة اجتماعية عظيمة ، إلا أنها لا تكفي لخلق "إنسان جديد". إن جماهير الشعب عرضة لمدخلات "خبيثة" من الطبقات المستغلة، و تعاد انتاج قرون من التحيزات مرارا وتكرارا، وكما في حالة الاتحاد السوفياتي، فإن النظام الإمبريالي يبذل كل ما في وسعه للسيطرة على العقل البشري بآلات الكذب المتطورة.
هناك أربعة شروط مترابطة لمقاومة ذلك.
أولا، جذب أكبر عدد ممكن من الجماهير إلى النضال العالمي ضد الرأسمالية وإبقاء هذا النضال حيا في جميع الأوقات.
ثانياً، شرح الهدف جيداً وجعل العلاقة بين ما يتم إنجازه وهذا الهدف واضحة للعمال قدر الإمكان.
ثالثًا، تشجيع الخير، والتأكيد على ما هو متقدم، وإنشاء طقوس تسهل على الناس الالتزام بأخلاق جديدة من خلال المخاطرة إذا لزم الأمر.
رابعا، سلب الإنسان حقه في الاستسلام للشر، والتصرف بقواعد صارمة وحادة، لمنع تعميق الضعف السياسي والأيديولوجي والثقافي الذي من شأنه أن يشل المجتمع، وعدم التسامح في مواجهة النماذج غير القابلة للإصلاح.
إن مهمة الحزب الشيوعي في عملية البناء الاشتراكي هي القيام بدور قيادي فيما يتعلق بهذه الشروط الأربعة.
بعد ستالين، وضع الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي هذه الشروط الأربعة جانبًا.
في سنوات ستالين، أراد الاتحاد السوفييتي دائمًا المضي قدمًا، وسعى العمال السوفييت إلى تحقيق أحلام عظيمة وحققوها واحدًا تلو الآخر. وكانوا في صراع مستمر.
كانوا يعرفون ما كانوا يقاتلون من أجله. لقد أصبح فلاح الأمس الأمي مهندسًا ،بفضل الفرص التي وفرتها الاشتراكية، و يساهم في بناء السدود لتأسيس الشيوعية.
نعم، تم تمجيد العمل! في ظروف تلك الفترة، كان على عدة أجيال أن تعمل بجد من أجل تحرير البشرية بالكامل من ويلات الاستغلال، ومن عناء العمل 12-13 ساعة يوميا. إذا كنت تعرف ما تعمل من أجله، وإذا كنت تفهم جيدًا ما تناضل من أجله، فسوف تعمل بجد عند الضرورة.
واجهوا بلا رحمة كل مدخلات من شأنها أن تفسد المجتمع. فالكسل والأنانية والسرقة والفساد لم تكن من السلوكيات التي يمكن التسامح معها. تماماً مثل الجبن والانهزامية والتردد والخيانة في الحرب ضد الفاشية..
في الاتحاد السوفيتي، كان هناك تفاهم على حماية النفس والدولة والشعب والإنسانية والاشتراكية.
مواجهات دون انقطاع.
ثم توقف الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي عن المواجهة . وأوقف النضال..
لقد كانوا متعبين ومتوترين من المعارك العنيفة المتتالية.
فبدلاً من النضال بصبر من أجل تأسيس الشيوعية، فضلوا أن يعيشوها قبل الأوان وبطريقة غير مسؤولة. تم تجميد عملية التأسيس. لقد حققت الاشتراكية مكاسب اجتماعية لا يمكن تصورها في أي بلد رأسمالي، لكن لم يكن بإمكانك التوقف، كان عليك الاستمرار. ومع ذلك، كانت قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي مصممة على أخذ "استراحة" دائمة من الصراع الطبقي.
على الساحة الدولية، لم يعد يُنظر إلى الإمبريالية على أنها عدو يجب هزيمته، بل [اختاروا]خيار آخر، التعايش السلمي.
وعلى المستوى الداخلي، تحول "الحق في الكسل" إلى "أخلاقيات عمل" أساسية، رغم أن المجتمع الشيوعي لم يتحقق بعد.
وتخلى الحزب عن التدخل الأيديولوجي والسياسي في المجتمع؛ وعندما انقطع الجهد انقلب الوضع وأصبح الحزب منفتحاً على كل أنواع المدخلات من الخارج.
بدأ الحزب، الذي تأسس للقضاء على الامتيازات وعدم المساواة، في إعادة إنتاج الامتيازات عندما انسحب من النضال ومن إنتاج أفكار النضال. لا يمكن للمرء أن يتحدث أبدًا عن طبقة مستغلة في الاتحاد السوفييتي، بل خطوة بخطوة، وربما دون أن يدرك ذلك، قادة الحزب الذين تفسخوا، والمثقفين الذين خلقوا بفضل الفرص التي أتاحتها الاشتراكية، والذين وصلوا إلى مرتبة "فنانو الشعب" أو حصلوا على ألقاب "أكاديمية"، أصبحوا في عوالمهم الصغيرة غرباء عن الشيوعية. وكانت موسكو ملوثة بالرشوة والفساد، وتآكلت القيم المتقدمة.
إن جذور كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تكمن في تخلي الحزب الشيوعي السوفييتي عن النضال .
وعلى الرغم من العناصر المتفسخة ، فإن الشعب السوفييتي، الذي كان في الغالب لصالح الخير والحقيقة والتضامن والتنوير والمساواة، فشل في محاربة الفيروس الذي يهدده. لقد نسوا كيف يقاتلون، ولم يكن هناك حزب يقود القتال!
إن شعب الاشتراكية لم ولن يستطيع إطلاق رصاصة واحدة.
هكذا انهار الاتحاد السوفييتي.
تاركًا وراءه ما يكفي من الدروس لاشتراكية لن تنهار.