|
!!!"بعد11 عاما من الحصار الظالم يتحدثون عن " الانتصار الاقتصادي
سيف صادق
الحوار المتمدن-العدد: 45 - 2002 / 1 / 25 - 19:57
المحور:
حقوق الانسان
في عددها الصادر يوم الخميس 24/1/2002 نشرت جريدة ( الجمهورية) مقالا بعنوان صارخ " الانتصار الاقتصادي " لكاتب اسمه عبد الرحمن عناد يتحدث فيه عن " معركة حقيقية …. نموذجية ومؤثرة في الجبهة الاقتصادية " بحسب زعمه. ولا يترك لنا هذا الكاتب الفرصة لنلتقط الأنفاس والتساؤل عن مدى صدقية هذا الكلام " المضبوط " على قياس التزييف الإيديولوجي المعد سلفا، حتى يقدم لنا الكاتب المذكور " درسا اقتصاديا " يعدد فيه الإجراءات التي اتخذت لتحقيق " النصر " على هذه الجبهة، على غرار " الانتصارات " التي تحققت في معركة أم المهالك.
يتحدث السيد عناد عن الإجراءات التي اتخذها النظام بدأَ من " العمل بنظام البطاقة التموينية، التي أمّنت الحاجات الأساسية للمواطن العراقي وضمنت الأمن الاجتماعي " مرورا بالإجراءات المتخذة " لتقليل الاستهلاك وزيادة الإيرادات، وتخفيف أثار التضخم "، هذا إضافة الى " العمل بالتمويل الذاتي…… وتنظيم الإنفاق الحكومي……، والعمل على زيادة إنتاجية ونوعية قطاعي الصناعة والزراعة ".
وطبعا لم يكتف هذا " الباحث " الهمام بذكر هذه الإجراءات " الرصينة " التي أقدم عليها نظام سيده، بل إنه يعتبر أن هناك ما هو أهم من كل التدابير هذه وهو " رسالة التدبير " التي وجهها رأس النظام في 2/12/1995 والتي كان لها وقع السحر، على ما يبدو، على الاقتصاد العراقي. وهنا يبلغ تملق الكاتب المذكور أقصى مداه حين يشير الى أن تلك الرسالة الشهيرة أتت " لتزيد من قوة اقتصادنا، وتديم زخم حركته وفاعليته أثبتت تأثيرها، ومنها كبح التضخم وتعزيز قوة الدينار العراقي وتوفير موارد إضافية ".
دعونا نتأمل الآن في مدى مصداقية هذا الهراء " الاقتصادي " على الأرض، أي مدى تطابقه مع الحقائق الاقتصادية الصارمة، التي لا يعير لها الكاتب أي اهتمام لأن وظيفة مقالته تبدو من ألفها الى يائها وظيفة أيديولوجية بامتياز، ويتوجب أن يكتب بهذه اللغة المفرطة في التزييف والدوس على منطق الحقائق الصارمة.
لننطلق من سؤال بسيط : ماذا جرى في الواقع ؟
بداية نقول، وعلى عكس ما يدعيه السيد عبد الرحمن عناد، أن الأزمة المتعددة الصعد التي يعاني منها نظام الطغمة الحاكمة، والتي عمقها الحصار الظالم تتجلى بأوضح أشكالها خطورة، ودون إهمال أو التقليل من الحقول الأخرى، في الحقل الاقتصادي، وأساسا في التدهور المتواصل لأحوال شعبنا المعيشية بمختلف جوانبها. ولا حاجة للتأكيد على أن التدهور هذا استمر وتعمق في السنوات الأخيرة، بفعل إصرار النظام الحاكم ورأسه على النهج المعروف في المجال الاقتصادي الذي يضع اقتصاد البلاد وثرواتها ، في خدمة النظام ذاته أولا وقبل كل شيء، وبما يصونه ويؤمن ديمومته ، كما نجم عن بقاء نظام العقوبات الاقتصادية مفروضة على شعبنا، وما تركته من أثار.
وبدلا من اتخاذ إجراءات تخفف من آثار الأزمة البنيوية، لجأ النظام الديكتاتوري الى اتخاذ طائفة من الإجراءات الاقتصادية تتطابق تماما مع وصفة صندوق النقد الدولي من دون أن يوقع معه أي اتفاق ! نقول هذا الكلام ليس جزافا بل انطلاقا من عناصر وصفة الصندوق ذائعة وسيئة الصيت في أن. ماذا تقول هذه الوصفة ؟
إن أحد المحاور الأساسية للإجراءات التي تتضمنها وصفة صندوق النقد الدولي المشهورة هو ما يتعلق بتقليص العجز بالموازنة العامة للدولة. وبحسب فقهاء الصندوق يشمل هذا المحور مجموعة محددة من السياسات التي تهدف الى ما يلي :
· تقليل نمو الأنفاق العام ( تخفيض الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والإسكان الشعبي والضمانات الاجتماعية وإلغاء دعم المواد التموينية وتخفيض الاستثمار العام)،
· زيادة موارد الدولة ( زيادة الضرائب غير المباشرة وأسعار الخدمات العامة وزيادة أسعار الطاقة والنقل والاتصال ورفع أسعار منتجات القطاع العا)،
· إتباع سياسة انكماشية من خلال الحد من التضخم وتقليص نمو عرض النقود،
· القضاء على العجز في ميزان المدفوعات،
· إعادة النظر بدور القطاع الحكومي وبيع مشروعاته الى القطاع الخاص وتطبيق الخصخصة.
ماذا عمل النظام بالملموس، وهو الذي يدعي عدائه للإمبريالية ومؤسساتها الدولية بمختلف أشكالها ؟
تشير الحقائق الملموسة، على الصعيد الاقتصادي، الى ما يلي :
· باسم تحقيق وفورات مالية لخزينة الدولة، باشرت السلطة جباية متصاعدة للأموال من المواطنين، بالرغم من بؤس مداخيلهم وهزال قدراتهم الشرائية. ويشهد المواطن العادي المزيد من الضرائب والرسوم، ويبتدع مرتزقة النظام وموظفوه يوميا تقريبا شتى أشكال الإتاوات والغرامات و " التبرعات ". يؤكد خبراء صندوق النقد الدولي في وصفتهم المشهورة على (تخفيض الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والإسكان الشعبي والضمانات الاجتماعية وإلغاء دعم المواد التموينية )، أما نظام السيد عبد الرحمن عناد فقام بتطبيق سياسة تقشف صارمة باسم " الإصلاح الاقتصادي " التي شكلت رسالة صدام حسين، المشار إليها سابقا، الى مجلس وزرائه، إطارها النظري، حيث تم ربط توسيع الهجوم الضريبي بمواصلة التقليص الصارم للإنفاق العام في ميزانية الدولة. وقد تجلى ذلك في قضايا عديدة من بينها على سبيل المثال لا الحصر : إلغاء مجانية الكثير من الخدمات العامة والبلدية وزادت الرسوم غير المجانية منها. ولم يكتف بذلك بل تم رفع أسعار الكثير من السلع التي تنتجها مؤسسات الدول أو توفرها، ومنها النفط ومشتقاته.
· واصل النظام تطبيق سياسة الخصخصة، حيث جرى بيع المزيد من ممتلكات القطاع الحكومي الى القطاع الخاص. وطبيعي أن الهدف الأساسي من هذه العملية ليس اقتصاديا صرفا بل هو سياسي بالأساس، حيث يستهدف النظام من هذا الإجراء ترميم قاعدته الاجتماعية التي هي عرضة للتآكل باستمرار، بفعل عوامل عديدة. تؤكد هذا القول الحقائق الملموسة المرافقة لهذه العملية، فكما تشير المعطيات الملموسة فإن الذين يتمتعون بأولوية شراء المؤسسات العائدة لقطاع الدولة هم ( أصدقاء صدام، أعضاء اتحاد الصداميين، حملة الأوسمة والنياشين الآخرين).
· بمقابل تحسن إيرادات النظام الرسمية وغير الرسمية، ظلت مداخيل العاملين لدى الدولة على مستواها المتدني، وقابل ذلك الوضع ارتفاع صاروخي في الأسعار، وقاد كل هذا الى هبوط متواصل للقيمة الحقيقية للمداخيل والذي نجم عن استمرار تنامي التضخم المفرط وارتفاع تكاليف المعيشة. يتحدث السيد عبد الرحمن عناد عن تلك الإجراءات " السحرية " التي اتخذها نظام سيده والتي أدت الى نتائج " باهرة " من بينها " تخفيف أثار التضخم " ، حسب زعمه. لن ندخل هنا في سجال اقتصادي حول مسائل تبدو كالبديهيات، بل نريد تذكير السيد عناد بحقيقة بسيطة قوامها أن الدينار العراقي ظل حتى خلال السنة الأولى للحصار يعادل أكثر من 3 دولارات بقليل، في حين أنه وبعد اكثر من عشر سنوات بدأ الأمر مقلوبا : الدولار الواحد يعادل حوالي 2000 دينار أو أقل قليلا. بعملية حسابية بسيطة سنكتشف أن حجم التضخم خلال هذه الفترة قد بلغ حوالي 6000 مرة، في حين يتباهى السيد عناد بأن إجراءات نظام سيده أدت الى " تخفيف أثار التضخم " ! ويبدو من كلام صاحبنا أنه خارج التاريخ الفعلي لبلادنا، وليس على تماس بالتطورات الفعلية للاقتصاد العراقي وحركته المادية والملموسة، ومهمته على ما يبدو محددة ومقرة سلفا وهي كتابة هذا التعليق الزاعم بتحقيق " الانتصار الاقتصادي ". والأكثر من كل هذا يبلغ تملق السيد عناد لسيده مداه الأقصى حين يشير الى رسالة التدبير التي وجهها الرئيس العراقي في 2/12/1995قائلا أن الإجراءات المثبتة في تلك الرسالة قادت الى " كبح التضخم وتعزيز قوة الدينار ". وهذا الكلام لا يحتاج الى تعليق إذ تكفي ملاحظة الأرقام أعلاه.
· العمل بنظام البطاقة التموينية أدى بحسب السيد عناد الى نتيجة مهمة هي أن البطاقة المذكورة " أمّنت الحاجات الأساسية للمواطن العراقي، وضمنت الأمن الاجتماعي ". السيد عبد الرحمن يخلط، بعناد يحسد عليه، بين السياسة والاقتصاد، بين الحقيقة والوهم. فما يسمى بـ " الأمن الاجتماعي " إن كان موجودا – وهو غير ذلك – ليس نتاجا للبطاقة التموينية العتيدة، بل أن هذا " الأمن الاجتماعي " تنظمه وتضبط إيقاعه بالتمام والكمال مؤسسات القمع العديدة والبالغة السطوة، والتي تحصي أنفاس الناس، وتعتقل وتحاكم وتعدم بدون أية أدلة، بل على النيات أحيانا كثيرة ! وكيف يريد السيد عناد تحقيق " الأمن الاجتماعي " ونظام سيده بارع في خلق الخصوم عبر إجراءاته العتيدة، على مختلف الصعد. وإجراءاته التي اتخذها، على الصعيد الاقتصادي، والتي أدت الى ما أسماه السيد عبد الرحمن عناد الى " الانتصار الاقتصادي " المزعوم قادت حقا الى " انتصار " على جانب آخر تمثل بالتفاوت الاجتماعي المريع والمتفاقم باستمرار. نذكر السيد عناد بأنه عند انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ( 1988)كان هناك حوالي 20 من السكان يعيشون تحت مستوى الفقر بحسب المعايير المعتمدة دوليا، أما اليوم فإن حوالي 75 – 80 بالمائة من السكان يعيشون تحت مستوى الفقر هذا. ومقابل هذا الإملاق المريع للغالبية العظمى من أبناء شعبنا والآثار الكثيرة والخطيرة لذلك، فإن هناك مجموعات قليلة العدد من منتسبي العائلة الحاكمة وحاشيتها وتجار الحصار والطفيليين الآخرين يواصلون تكديس الثروات الفاحشة، معمقة بذلك التفاوت والاستقطاب الاجتماعيين في البلاد. وسيشكل ذلك الأساس المتين ليس لتحقيق ما اسماه السيد عناد بـ " الأمن الاجتماعي " بل الى نقيضه، الى تراكم وتفاقم التناقضات الاجتماعية وإمكانية تفجرها في أية لحظه، ويحدث ذلك بالتأكيد إن عاجلا أم أجلا.
ومن حقنا أن نتساءل الآن، وبعد هذه الحقائق الدامغة، عن المغزى الفعلي لحديث السيد عبد الرحمن عناد، الذي أراد أن يلوي عنق الحقائق الاقتصادية الصارمة ليصوغ " خطابا " تفوح منه رائحة أيديولوجيا " الانتصار الاقتصادي " الذي لن يتحقق في ظل نظام لا يعترف بمنطق الأشياء، وبارع في تحويل هزائمه الى انتصارات، ولكن على الورق فقط.
#سيف_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطريق الثالث ….. فرصة نادرة يجب أن لا تهدر
-
مناورة في موعدها المناسب… أم بعد فوات الأوان ؟
-
حين يدافع الصحفي عن الجلاد ويصمت صمت القبور تجاه الضحية !
-
ينبغي الرهان على شعبنا العظيم وليس على العدوان أوالديكتاتوري
...
-
هل للشعب الكردي مصلحة في - الحوار غير المقطوع ولكن غير النشي
...
المزيد.....
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
-
أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
-
بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
-
بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|