|
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ١ )
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7791 - 2023 / 11 / 10 - 07:25
المحور:
المجتمع المدني
هوامش على الحرب في غزة ( ١ )
في الحروب الحديثة ، التي تشاهد البشرية وقائعها اولاً باول وهي مسترخية في غرف الاستقبال ، يلجأ طرفا النزاع الى تاكتيكات عسكرية وحيل اعلامية من احل كسب المشاهدين ، وتكوين رأي عام عالمي مناصٍر . وهذا اعتراف صريح من طرفي النزاع بأنّ ساحة المعركة لم تعد وحدها تقرر نتيجة الحرب ، وانما اصبح للرأي العام العالمي دوراً لا يستهان به في التأثير على مساراتها ونتائجها ...
ومثلما لم يعد انتاج البضاعة في عصر العولمة الرأسمالية يتم في دولة قومية واحدة ، وتوزع انتاجها على اكثر من دولة ، كذلك لم تعد الحروب : محلية الصنع ١٠٠٪ ، فقرار " طوفان الاقصى " لم يكن قراراً حمساوياً خالصاً ، وانما كانت لايران ولحزب الله : يد في تخطيطه وتوقيته ، وحاء الرد الاسرائيلي عليها بمشاركة امريكية واوربية واسعة وفاعلة ...
هكذا اصبح التشارك والشراكة والاستثمار هو الميل الاقتصادي الجديد . وقد اسقط هذا الميل الكثير من دروع القداسة التي وضعتها الاديان والطوائف في الماضي لمنع الاحتكاك بين الشعوب وتبادل التثاقف والتأثير . ففي شبه الجزيرة العربية ، ومنذ خلافة عمر بن الخطاب قبل ١٤٠٠ سنة : لم يسمح الاسلام بوجود دين آخر فيها الى جانبه ، ولم يسمح بوجود لغة اخرى الى جانب لغة القرآن ، ولم يجرأ احد على الاطاحة بهذا العرف الا قبل حفنة من السنوات من قبل امراء الخليج وملك السعودية . وقد حصلت هذه الجرأة التي تجاوزت الثابت الديني نتيجة ضغوط اقتصادية هائلة : اذ ان الاستمرار بالتنمية والتحديث لتنفيذ برامج واسعة ( مثلاّ رؤيا ٢٠٣٠ السعودية ) تتطلب ادخال مئات الشركات الاجنبية التي تدير هياكلها الادارية وانظمتها الداخلية بلغاتها الام . فتحت الصين هذا الطريق جاعلة من اراضيها وطناً لكل شركات العالم . وهكذا اثبت مبدأ الاستثمار ( بعد العولمة ) قدرته الخارقة على هدم المحرمات الدينية ، فبعد هدم سور الصين العظيم مع بداية العولمة : توجهت مدافع الاستثمار الى كنس الاعراف والتقاليد ، والقواعد الدينية والمحرمات التي كان الدين الاسلامي قد وضعها لادامة عزل الجزيرة ، وتأبيد عزلتها العالمية ...
في هذا العالم الذي يتشابك فيه الاقتصاد والسياسة والمعرفة والثقافة ، ويتطلب دخوله امتلاك تصور واضح عن آلياته وميوله المستقبلية : لا تملك ( المقاومة ) تصوراً واضحاً عما يجب ان يكون عليه مستقبل فلسطين ومستقبلنا لو حققت هي النصر ( المستحيل ) الذي تحلم به ، ومحت اسرائيل من الوجود . هل لديها خطة تتضمن قوانين للدولة القادمة في فلسطين تحفظ كرامة المواطن ، وتوفر له الحد الادنى من احتياجاته الاساسية ( بغض النظر عن دينه وجنسه ، ام ان النموذج الطائفي السائد في جميع البلدان العربية ، وتبلوره دستورياً وانتخابياً في ايران ، وعرفاً في العربية السعودية هو النموذج الذي سيُحتذى ) . لا تختلف حماس عن السلطة الفلسطينية في ان سجونها معبأة بمعتقلي الرأي . وكلاهما لا يختلفان عن صدام حسين الذي كان يفكر في نهاية الحرب العراقية الايرانية بشكل العربة الملكية التي سيركبها ، وليس بما يجب ان يكون عليه مستوى معيشة العراقي بعد حرب ضروس دامت ثماني سنوات . مهما اشتد زخم المدح الذي يزجيه ( وعاظ السلاطين ) من المحللين السياسيين لحماس : فان ذلك لا يخفي حقيقة ان الثمن الذي دفعه ويدفعه الفلسطينيون باهظ جد : اكبر بمئات المرات مما كانت تتصوره حماس ، وان تداعيات هذا الثمن المرتفع جداً بحسابات السياسة ، سيؤثر تأثيراً واضحاً على مستقبل القضية الفلسطبنية ، وعلى الشكل الذي ستأخذه علاقات العرب باسرائيل ...
لن تبلغ هذه الحرب اهدافها المعلنة ابداً : لا من قبل حماس و( المقاومة ) التي ترفع شعار : ازالة اسرائيل من الوجود ، ولا من قبل اسرائيل الطامحة الى القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني . وستنتهي هذه الحرب ( كما انتهت حروب الشرق الاوسط القديمة والحديثة ) في الاعلاء من شأن اسم طاغية جديد ، وليس بالاعلاء من شأن انسان جديد ( يولد الانسان الجديد بولادة قوانين وتشريعات جديدة تتكفل حماية كرامته وانسانيته ، لكن لم يجدد الشرق الاوسط قانوناً او تشريعاً منذ ١٤٠٠ عام بحجة انها مقدسة ) ...
احد اسرار تاريخ الشرق الاوسط : تتمثل في ان دوله خاضت حروباً وستخوض اخرى : ليس على طريقة الاستعمار الاوربي ( من اجل نهب المواد الاولية وافتتاح الاسواق لبضائعها ، وهي الطريقة التي حاولها صدام في الكويت دون جدوى ، وتباشرها الآن ايران وتركيا بنجاح مدهش ) وانما من اجل فكرة في الماضي يسميها مرة : حقوقاً تاريخية ، ويسميها اخرى : اصالة ، وثالثة : يلبسها ثوب المقدس ، ويصفها بصحيح الدين ، وليس لديه ادنى فكرة عما يجب ان تكون عليه الحياة بعد انتهاء الحرب : هل ستكون رأسمالية ؟ لكن الاستعمار ولد من رحم الرأسمالية ، والاستعمار الاستيطاني في فلسطين وتشريد شعبها : حدث - ولا بد ان يحدث - كنتيجة طبيعية لاشتغال آليات التشكيلة الاقتصادية الرأسمالية ، لكن حماس وعموم المقاومة : ستكفر كل من يطالب باقتصاد غير رأسمالي ، اي غير استعماري وغير استغلالي ) لكن قادة الشرق الاوسط دائماً لدبهم فكرة واضحة عما يجب ان تكون عليه سلطاتهم السياسية ، فهم جميعاً ( من صلاح الدبن الايوبي الى عبد الناصر الى صدام حسين الى حافظ الاسد الى القذافي الى محمد بن سلمان ) كانت الحرب بالنسبة اليهم : نعمة ، هي فرصة للتخلص من منافسيهم المحليين ، وهي فرصة لشد قبصتهم على السلطة : اما شعارات ازالة اسرائيل من الوجود ، والقاء الاسرائيليين في البحر ، أو حرق نصف اسرائيل : فهي مجرد شعارات للاستهلاك المحلي . ( كان الجيش العراقي موجوداً عام ١٩٧١ في الاردن ، وحين تم تدمير فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في ايلول الاسود ١٩٧١ ، امام مرأى ومسمع من الجيش العراقي الذي كانت قواته تنتشر من المفرق الى اربد : لم يحرك ساكناً ، بل بدأَ ينسحب من اربد والمفرق الى داخل الحدود العراقية ) ، ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقتراب من الحقيقة
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ولا يستخدمونها ( ٤ : ايران )
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ( ٢ )
-
إنهما يسرقان صفات الله
-
حروب ثأر لا حروب تحرير
-
لا قداسة دينية للقدس
-
امكنة لم تتدثر بعباءة باشلار / الجزء الثاني
-
أمكنة من غير عباءة باشلار ١ من ٢
-
اللهجة التونسية
-
الشابي وابو رقيبة والعفيف الاخضر وفتحي المسكيني
-
عن كريم العراقي والشعر الغنائي
-
تونس العاصمة
-
اقصوصة
-
الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )
-
اركض بلا تعب في برية افكاري
-
الجنوب واله المدينة والشريعة ( 8 )
-
الجنوب والدولة القومية ( 7 )
-
لقد امر السلطان العثماني : اردوغان بهذا ، فماذا انتم فاعلون
-
الجنوب ( 6 ) / الجنوب ومفهوم الدولة الحديثة
-
الجنوب / 5 ، الجنوب والفعل الحضاري
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|