أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - صحافة جيفرسون أم صحافة همبولت؟!














المزيد.....

صحافة جيفرسون أم صحافة همبولت؟!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1737 - 2006 / 11 / 17 - 11:07
المحور: الصحافة والاعلام
    


المواطن العربي أنضجته وحنكته وصقلت وعيه السياسي والقومي كل المآسي التي حلت بالأمة، فتخطى مرحلة البحث في رائحة الشيء إلى مرحلة البحث في الشيء ذاته، فما عاد ممكنا، بالتالي، أن يتمكن تمويل أجنبي من غسل عقله ومشاعره القومية الأصيلة بإعلام يستمر فيه حكم الأموات للأحياء، يلبس لبوس الجديد لمحاربة كل جديد، ويتحجب بحجاب الغد ليجعل اليوم نسخة من الأمس!

نحن نعيش حقبة إعلامية جديدة وثورية، اتسعت فيها الهوة بين المواطن وبين ذلك النمط من الصحافة والصحافيين الذي ديدنه التزمير والتطبيل والندب.. لقد زمَّروا وطبَّلوا كثيرا فما رقص أحد، وندبوا كثيرا فما بكى أحد، واستنفدوا الجهد والوقت والمال من أجل تسليع مزيد من الضمائر والذمم والأفكار، ومن أجل إرغام رأس البوصلة على تغيير اتجاهه الثابت.. ومن أجل استنبات أجنحة للحمير لعلها تطير؛ ولكنهم لم يحصدوا سوى الفشل، فتراكضهم بالرؤوس والأرجل وراء مصالح وهمية لم يَرْوِ للجمهور، الذي جاءوا لغسل عقله، سوى قصة ميت يرفض الاعتراف بموته إلا بعد دفنه!

مأساة الصحافة التي يمثِّلون أنها نشأت في كنف ساسة يعتقدون أنَّ الله حباهم القدرة على جعل البشر يؤمنون بأنهم رجال الحقيقة أُرْسِلوا لمحاربة كائنات الوهم؛ أما هم، أي هذا النمط من الصحافيين، فكانوا آذانا صاغية، يمسكون بأقلام مرتجفة لا يخرج منها غير التسبيح، بكرة وأصيلا، بكل ما يجري على ألسنة أصحاب الأيادي العليا، الذين لا شيء يستبد بعقولهم الصغيرة سوى الرغبة في تفصيل البشر على قياس مصالحهم، وفي حملهم على الإتيان بكل ما تستحسنه وتستسيغه أهواؤهم ونزواتهم الشخصية.

جمهورنا يريد إعلاماً جديدا، رجاله ليسوا من نمط أولئك الذين تربُّوا في مزارع الدواجن، لهم عيون لا تبصر، وآذان لا تسمع، وعقول ليس للأفكار من عمق فيها. رجال طلَّقوا الأفواه المكمَّمة، والأقلام المكسَّرة، والفكر الرمادي المغترب عن الواقع النابض بالحياة.. وكفُّوا عن تسويق المعلبات الفكرية، التي انتهت صلاحية استهلاكها منذ وقت طويل. يريد صحافة للغد، تبث الكلمة الحيَّة، تحل الحوار محل الإصغاء، والكتابة محل الإملاء.. صحافة تجعل عدد القراء أكثر من عدد الكتَّاب!

يريد صحافة تشفي الأمة من عقرها السياسي والديمقراطي، فأمَّتنا ذات الرسالة الخالدة لم تتمكن حتى الآن من إنجاب ثلاثة أشياء: الحكومة، والمعارضة، والصحافة. الحكومة تأتي إلينا من خارجنا، والمعارضة تأتي من الحكومة؛ أما الصحافة فهي ثمرة الزواج العذري بين الحكومة والمعارضة!

لقد ضمن لنا الدستور حرية الفكر والمعتقد حتى ألغاها إلغاء حرية التعبير. وضمن لنا حرية التعبير حتى ألغاها إلغاء حرية الصحافة. وضمن لنا حرية الصحافة حتى ألغاها إلغاء حرية الأحزاب. وضمن لنا حرية الأحزاب حتى ألغتها الحرية المسؤولة!

قبل نحو 200 سنة، زار البارون همبولت رئيس الولايات المتحدة جيفرسون، فوجد جريدة على مكتبه، فلمَّا تناولها وجد فيها مقالا قد امتلأ بكلمات السباب والقذف في الرئيس، فنظر إلى الرئيس وقال: كيف تسمحون بهذا السباب؟!. فقال الرئيس: خُذْ هذه الجريدة وضعها في جيبك، فإذا وجدت من يشك في حقيقة حريتنا أو حرية الصحافة في الولايات المتحدة فأعطها له!

في هذه القصة ثلاثة أبطال، هم: الرئيس جيفرسون، وكاتب المقال، والبارون همبولت. وغني عن البيان أننا نحن العرب أغنياء بأمثال همبولت، وفقراء بأمثال جيفرسون وكاتب المقال!

نحن لدينا من الصحافيين ومن أهل الفكر والقلم من يتحدث بكلمات تقع موقعا حسنا من نفوس أولياء النعمة، أولي الأمر والنهي، وكأن رسالتهم في الحياة أن يجدوا سبيلا إلى إقناع هؤلاء بأنهم أفضل من يستطيع خدمتهم في الحلال والحرام. وإذا كان من فضيلة يتحلون بها فهي فضيلة فقدان الإحساس بالواقع، فإنْ هم سنحت لهم فرصة لمجالسة وليِّ نعمة تراهم ينصتون إليه وهو يشكو كمثل فضيلة أُسيء فهمها. يريهم من نفسه العبقرية، فيجهدون في إقامة الدليل على أن عبقريته لا تحتاج إلى دليل، ولو أن الدنيا قاطبة نظرت إليه على أنه أبله!

إننا لسنا بحاجة إلى صحافة للغد يقوم عليها، تمويلا وتحريرا، من ينتسبون بالروح إلى البارون همبولت. نحن في أمسِّ الحاجة إلى صحافة من ذلك الأمس، الذي ظهر فيه أمثال الرئيس جيفرسون، وكاتب ذلك المقال!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حق المرأة في قيادة السيارة!
- -النسبية-.. آراء وأمثلة
- أهي -بطولة- أم تمثيل لدور البطولة؟!
- حتى لا يحترق المسرح ويبقى الممثِّلون!
- عرب وغرب!
- حقيقة ما قاله بوش!
- لمواجهة الانقضاض العسكري الإسرائيلي الوشيك!
- دوحة الديمقراطية والسلام في الدوحة!
- التداول السلمي للسلطة!
- انفراج فلسطيني وشيك!
- فشل إدارة بوش إذ اكتمل وتأكد!
- المنجِّمون.. كيف يصدقون وكيف يكذبون؟
- هذا الفساد الذي لم ينجُ منه حتى الأطباء!
- الفقر
- الفلسطينيون.. خلاف حاضر وشرعية غائبة!
- عندما تشفق رايس على الفلسطينيين!
- -ديمقراطية- الطبيعة و-ديكتاتورية- التاريخ!
- -الفوضى البناءة- في وجهها النووي!
- آخر خيارات عباس
- سياسة -الإفقار الاقتصادي- للمواطن!


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - صحافة جيفرسون أم صحافة همبولت؟!