|
كليلة ودمنة وكتاب (خزائن السرد)
قيس كاظم الجنابي
الحوار المتمدن-العدد: 7785 - 2023 / 11 / 4 - 22:14
المحور:
الادب والفن
-1- في كتاب الأستاذ سعيد الغانمي(مفاتيح خزائن السرد ،مدونة المعتمد الادبي التحليل الصنفي في السرد العربي القديم) الصادر عن دار الرافدين ، ببغداد 1021م، ثمة محاولة تنظيرية - تطبيقية في آن واحد لتحليل وبيان توجهات النثر العربي(السرد)، من خلال طروحاته حول (المعتمد الادبي)؛ فمنذ المقدمة يحاول ان يتوج كلامه حول ما دعاه بـ(خزائن السرد) أو مفتاح الكتاب، مستعيناً بالمعجم العربي ،ليؤسس لنا نظرية خاصة حول السرد العربي ، تبدأ من عصر الملاحم الأولى وتنتهي بالسرد الشعبي في الحكايات والملاحم الشعبية والامثال ، ومصطلح (المعتمد) أو(Canon) مستقى من النقد الغربي ويعتني أساساً بدراسة نصوص الكتاب المقدس "فقد أُطلق على النصوص التي حظيت بإجماع السلطات الدينية والكنسية واعترافها اسم النصوص المعتمدة".[خزائن السرد/دار الرافدين، بغداد،2021م/ص 28] وبالرغم من قدرات الغانمي البحثية في كتباته النقدية منذ كتابه(أقنعة النص)،ثم (الكنز والتأويل) وتحقيقه لكتاب(مخاطبات الوزراء السبعة) ... وغيرها، فانه يتجه نحو طرح منهجيات جديدة لقراءة الموروث العربي ،وبالذات السرد، ولكن مشكلته تبرز في عدة اتجاهات، هي: الأول، عزو التأثيرات التي حصلت على الموروث العربي الى الموروث اليوناني. الثانية، عدم التفريق بين الادب الرسمي والادب الشعبي. فالأدب الرسمي ،هو الادب المكتوب بصيغة معينة ولغة عالية، ومنسوب الى مؤلفه، أما الادب الشعبي الذي يضم الملاحم الشعبية والحكايات والامثال وما شابه ذلك، فهو مجهول المؤلف، ولغته مبسطة وقريبة من كلام الناس العادي أو العامي، وهو الذي ظهر في العصور المتأخرة ، وأشهر كتاب في الادب الشعبي، هو كتاب(ألف ليلة وليلة). الثالثة، كثرة الاستطراد وطوله بحيث يصعب الامساك بالفكرة الأساسية في، في نوع من الحجاج السفسطائي اليوناني. فاذا كانت ملحمة جلجامش مجهولة المؤلف ، فإنها لم تكن ذات لغة هابطة، وانما كتبت حالها حال الملاحم الكبرى تعبيراً عن ضمير السواد الأعظم ،ولكن بلغة شعرية ،لأن الأدب في تلك المراحل التاريخية القديمة لا يعد النثر أدباً، لأنه لا تتوفر فيه الشروط والضوابط التي تتوفر في الشعر، ولأن لغة النثر هي لغة عادية تحاكي الكلام الاعتيادي المتداول. وكان رأيي ومازال حول ملحمة جلجامش ، هي أنها برغم الترجمات النثرية المتعددة" الا اننا لا نستطيع ان نجزم بأن الملحمة هي نص كامل، ولكننا لا نستطيع ان نقول انها عمل متكامل ذي صفة ملحمية ،أو رؤية كونية ونزعة وجودية، تنظر الى الكون والحياة والانسان وكل الوجود بصورة شاملة، وان لم تكن متساوية من جانبها الأخلاقي والنفسي والحسي، وكما يبدو ان الملحمة ليست من كتابة أو ابداع شخص واحد كما يحدث الآن؛ وانما هي عمل جماعي يعبر عن ضمير المجتمع العراقي آنذاك منذ الحضارة السومرية ، لذا طبعت بطابعها وبصمت ببصماتها، على البلاد وما جاورها وأصبحت ثقافتها هوية لبلاد ما بين النهرين ثقافياً واجتماعياً ودينياً؛ والملحمة تجمع بين الواقع والخيال ،وتترسم صوراً وتفترض أخرى، وتصف مجتمعها وتصف غيره، فهي مزيج من الذات والآلهة والآخرين، الحياة فيها موزعة بين الانسان والآلهة والحيوانات والنباتات ،والموجودات وهي تنويه لكيفية نشأة الحضارة الإنسانية وحضارة بلاد الرافدين".[ص11/- الرموز والأحلام والسحر في ملاحم وأساطير العراق القديم: قيس كاظم الجنابي، دار تموز - دموزي( دمشق،2021م).] من يقرأ النصوص القديمة مثل خطب قس بن ساعدة ،وما جمعه شوق عبد الامير في كتاب (مجلة لقمان) من نصوص نثرية لا يتبادر الى ذهنه ان السرد العربي متأثر بالأدب اليوناني أو الروماني، وانما يصدق هذا على التراث القديم لبلاد الشام قبل الفتح الإسلامي، ولا يصدق على حضارة وثقافة العراق القديم، ولا على جزيرة العرب، لان العراق يمتلك حضارة تعد من أقدم الحضارات وأقدم ملحمة في التاريخ، واذا كان هناك تأثير على الادب العربي في جزيرة العرب، فان العراق له الأولوية في التأثير عليها. -2- لقد جاء الفصل الأول من كتاب الغانمي بعنوان( السرد والصنف المعتمد الادبي)وانبثق تصوره عن المعتمد الادبي، من التصور الرسمي حول تفسير الكتاب المقدس، وهو تصور غربي ، له قدسية خاصة تمنع الآخرين بصورة غير مباشرة من مزاولة هذا التفسير الا بإذن الجهات المهيمنة على الحياة الدينية. وفيه يشير الى النظرة الاستعلائية للنخب الثقافية (الأدبية) في النظر الى الادب الشعبي (العامي اللغة خصوصاً)؛ لانهم يسمون الكلام العامي بالسخيف ،ولعل كلمة (سخف) في مفهومها التراثي السابق تعطي معنى يختلف عن المعنى الحالي، ولأن السخف يعني الخروج عما تعارف عليه الناس ،لأسباب عدة ،أخلاقية ودينية ولغوية؛ ولهذا عدوا فيما بعد حكايات (ألف ليلة وليلة) من هذا النوع ،ومن هنا يواجه الباحث ثقافة/ذاكرة متأصلة في الخطاب النقدي العربي، تتعلق بالفصل بين الادب الرسمي والادب الشعبي(وليس العامي)، فلا يمكن عدّ المقامات العربية أدباً شعبياً أو حتى عدها متأثرة بالمسرح اليوناني، لأنها نتاج بيئة عربية خالصة انتقلت من الشفاهية الى التدوين، ومن مواسم الشعر في العصر الجاهلي وحتى نهاية العصر الاموي الى الصالونات(المجالس) بعد حياة الترف والتطور، وكان بديع الزمان الهمذاني هو منبع هذا اللون من الاد أما ما يراه حول السرد القصصي، الذي بدأ بالأصل في مجلس معاوية بن أبي سفيان، حين استقدم عبيد بن شرية (ت67هـ/686م)،ووهب بن منبه(ت نحو 116هـ/734م)، فكان من نتائج ذلك كتاب(أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها ،ملحق بنهاية كتاب التيجان ،مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، صنعاء، 1347هـ)؛ للأول، وكتاب(التيجان في ملوك حمير ،مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، صنعاء، 1347هـ)؛ للثاني. جنباً الى جنب مع شيوع كتابة السيرة النبوية المعطرة، وتدوين الحديث النبوي الشريف، ولأن العصر الاموي قلب الموازين بعد العصر الراشدي؛ وتحول الى نظام الحكم الوراثي الارستقراطي الملكي، وما حصل فيه من قمع للمعارضة السياسية، وجرى تدوين أخباره في عهد الدولة العباسية المناهضة له، فقد ناله ونال ما أشيع من مصنفات الكثير من النفي، وتعرضت شخصيات هذه المُصنفين( عبيد بن شرية ووهب بن منبه) الى الانكار ،وكل ما يحيل اليهما، وقد ناقشت ذلك في كتابي(مكة بين النصرانية واليمن) مركزاً على الصراع المضمر بين أهل اليمن ومنها مؤلفات الاخباريين السابقين، لشعور أهل اليمن بالغبن والتجاهل المقصود عن حضارتهم وتاريخهم، فكانوا يشعرون ان لهم الحق كل الحق في قيادة العرب، لكن قريشاً استخدمت الإسلام ذريعة للإقصاء تماماً، ومن هنا كانت أغلب الاضطرابات التي حصلت في العصرين الراشدي والاموي، كان لليمن يد فيها ، منذ حروب الردة وحتى مصرع الخليفة عثمان وحرب الجمل وصفين وحروب الخوارج، حتى زوال الدولة الاموية. وهذا ما غاب عن ذهن الباحث ،لأن نشوء الإسلام وقدرته على التمدد والسيطرة على جزيرة العرب بقوة السيف خلق صراعاً مضمراً داخل الثقافة العربية ؛ ومن هذا الصراع انبثقت الكثير من المصنفات ذات الطبيعة الشعبية، التي تؤرخ لليمن ومنها (تغريبة بني هلال)، وان محاولة تجهيل وانكار حضارة اليمن أدت الى ظهور مؤلفات شعبية مجهولة المؤلف، استرجعت أيام العرب وحروبهم القبلية فيما بينهم، فقد كان لا يولى ملم ولا يتوج زعيم الا من قبائل اليمن، وقد أراد أحد بني نفيل ممن اعتنق النصرانية ان يكون ملكاً على مكة (او جزيرة العرب)، فرحل الى قيصر الروم ليحصل على ترخيص بذلك، فلم يفلح[ كتابنا/ ص72/ مكة بين النصرانية واليمن( مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2017م)؛كما فعل الروم مع امرئ القيس حين تركوه بلا نصير، وللعلم فان ممالك العرب منذ عاد وثمود وحتى ملوك سبأ وحضرموت وما شاكلهما، ومملكتي الغساسنة والمناذرة، هي ممالك قادتها من اهل اليمن، حتى ان زهير بن جناب الكلبي ولي على بكر وتغلب على هذا الأساس فتمردوا عليه كما تمرد بنو أسد على حجر الكندي. ومن هنا كان سخط عمر بن كلثوم على ملوك اليمن وقوله لمعلقته المشهورة.وهذا ما يحيل بصورة غير مباشرة الى ظهور المقامات العربية كجزء من الانتقام الشمالي ضد الجنوب/اليمن، وكذلك اتهام خزاعة أنها باعت الكعبة بزق خمر وعود[تاريخ الطبري،2/256] لقصي جد قريش ؛وهو نوع من الثأر المضمر من عرب اليمن ،ومن هنا اهتمام الدولة الاموية باهل اليمن وتقريبهم للحفاظ على سلطتها، لمواجهة قريش ودعوتها الى تزعم العرب باسم الإسلام، ومن ذلك مقولة عمر بن الخطاب(الائمة من قريش) ومقولة عمرو بن العاص عن العراق(انما السواد بستان قريش)؛ وسبب هذا اللبس هو انه استخدم أدوات غربية ترى تبعية الثقافة العربية وتأثرها بالثقافة اليونانية والرومانية، فمنذ تولي أبي بكر وعمر وعثمان وصراع علي مع معاوية ، ثم حادثة الطف، وما جرى فيها من قتال وحروب، كان الصراع السياسي – الديني قائماً، وقد سبق ذلك هجوم اليمن بقيادة ابرهة لهدم الكعبة، في عام الفيل، خشية ان تكون ذريعة لقيادة قريش للعرب، وهو صراع بين التوحيد والشرك، ثم صار بالمقلوب بعد الإسلام. -3- في الفصل الثاني (الملحمة والحكايات البطولية) ثمة قراءة في أحاديث "الأيام"، حيث يعد الملحمة صنفاً أدبياً، وهذا أمر عادي ،ولكن يفترض ان يؤخذ بنظر الاعتبار بأنها فن شعري أولاً، وليست نثراً، كما نقرأها الآن، أو كما ترجمت الى لغتنا العربية، من اللغات القديمة، وخصوصاً الاوديسة والالياذة والانياذة والشاهنامة. وهذا يقتضي دراستها على وفق ذلك ،وليس باعتبارها سرداً قصصياً فحسب، وانها ليس نصاً شفاهياً، ولكن كونها مجهولة المؤلف، بطريقة أو بأخرى، فإنها تحمل واحدة من عناصر الادب الشعبي ،والغالب على دراسة الباحث حول السرد العربي ، انه أدب متأثر بالتراث العالمي ،وهو أمر طبيعي، ولكن هذا التأثر يكون في مجاله الطبيعي ،وليس القسري، وانما من خلال محيطه الشرقي الأقرب له المتمثل بالحبشة وفارس والهند والصين؛ أي انه جزء من المنظومة الفكرية الثقافية الشرقية، وليس جزءاً من المنظومة الغربية، وما يؤخذ على الكاتب انه يستطرد ويستفيض بطريقة أقرب الى الانشاء - أحياناً- لإصدار حكمه ،او ربط المشهد العربي بالمشهد الغربي (اليونان والرومان/الغربي عموماً)؛ ومع ان اليونان والرومان لم يستطيعوا احتلال جزيرة العرب، ولم يتعرض العراق للاجتياح الروماني الا في عهد الاسكندر المقدوني وخليفته سلوقس ،ولكن آثارهما سرعان ما ذابت في مملكة الفرس الساسانيين. يتناول في الفصل الثالث(حدود السرد التاريخي ، الخيال ووصف الواقع) نشأة علم التاريخ وعلاقته بالجانب المقدس، وخصوصاً التاريخ العربي من خلال قيام الاخباريين بجمع السيرة النبوية وتدوينها، مع انه أشار الى قيام بعض مؤرخي اليمن بسرد الاحداث التاريخية عن بلادهم مضاهاة لتاريخ الإسلام، وعلى القارئ ان يعرف تمام المعرفة بان التاريخ سرد نفعي، وليس سرداً ذا طابع جمالي، وبالتالي يختلط سرده بالسرد الادبي، وان التاريخ يمكن تقسيمه الى تاريخ رسمي وتاريخ شعبي، والذي يسمى أحيانا بـ(الإسلام الشعبي). لقد خضع التدوين العربي عموماً الى منظومة تدوين الاخبار، من دون غربلتها أو تمحيصها أو الاعتماد على نظرية مسبقة للتدوين التاريخي؛ مما يعزز الرأي بان العرب كتبوا تاريخهم من دون مؤثرات أجنبية، لان الهدف الأساس لذلك هو تدوين السيرة النبوية المعطرة، والاحداث الخاصة بتدوين تاريخ الإسلام، بوصفه منظومة مقدسة أولاً وآخراً؛ أما ما جاء عن وهب بن منبه وعبيد بن شرية ، فانه محمّل بالإسرائيليات والجذور اليهودية ،لمواجهة سلطان قريش ،وتبدو الشكوك التي يثيرها الباحث، عبر سرد سلس ولغة ثرية ومفردات بليغة ، منسجمة مع شكوك الاستشراق لتقويض الكثير من النظم والمبادئ ،ولكن مقدمة ابن خلدون استطاعت ان تجيب عن الكثير من تلك الأسئلة المهمة، والكاتب في هذا الفصل يحاول ان يستعرض الأنماط السردية من السرد التاريخي حتى سرديات السيرة الذاتية، وقد اشبع ذلك بحثاً الدكتور عبدالله إبراهيم في كتابه الموسوعي(السردية العربية)؛ وان كان لا يخلو من مؤثرات استشراقية غربية، ولكنها كانت أكثر اقناعاً. وان كنت معنياً بالدرجة الأساس في هذه الاطلالة بالسرديات الشعبية مجهولة المؤلف منذ كليلة ودمنة حتى ألف ليلة وليلة وما تبقى من السرديات الشعبية. في الفصل الرابع(حكاية الرؤيا)،أو علاقة الاحلام والرؤى بالعقل العربي، والذي بدأ بوقت مبكر منذ ملحمة جلجامش ،وباعتقادي ان الاعتقاد بالجن هو اعتقاد مرتبط بثقافة المجتمع بما يوازي الاعتقاد بالواقع ،في نوع من التغريب ضمن الايمان بوجود نسق من الخطاب يعتقد بهيمنة الكائنات الخرافية والخيالية على حياة الانسان، ويقوم على جعل الأسطورة موازية للواقع، فالملاحم والحكايات الأولى ، في الغالب ذات طابع حلمي، بوصف الأسطورة حلماً جماعياً ؛وهذا الامر يجعل كتب (الف ليلة وليلة) كتابا حلمياً، وان كان نصاً شفاهياً في الأساس. ولعل السبب في ذلك هو الاعتقاد بتأثير شخصية (بلوقيا) التي وردت في (قصص الأنبياء) على حكايات الليالي العربية وارتباطها بعشبة الخلود التي قامت عليها بؤرة ملحمة جلجامش ، فقد استمر عالم الخيال في التواصل داخل الثقافة العربية عبر مدونات مثل رسالة الغفران للمعري، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد ومنامات الوهراني .. وغيرها. -4- أما الفصل الخامس فعنوانه (حكاية الحيوان في "كليلة ودمنة")،وهو غايتنا، فان يذكرني بدراستين لي نشرتها عن هذا الكتاب ،واحدة عنوانها بنية التأجيل، بالمقارنة مع كتاب(ألف ليلة وليلة)،والثانية (كلية ودمنة والف ليلة وليلة .. تمثلات وأفكار)، وما تناولته في هذا الكتاب عن (مخاطبات الوزراء السبعة)، حول أصول غير عربية حيث يقول الغانمي: " ومن المتفق عليه، ربما منذ القرن الثالث الهجري ، ان "كلية ودمنة" من أصول هندية".[ص161] وكذلك قال:" وزُعم أنّه ترجمة لكتاب فارسي الأصل عنوانه "سندباد نامه)،وقد يكون من أصل هندي. غير أن محتويات الكتاب تتناقض مع أصله الفارسي أو الهندي المزعوم، والمرجح أنه كان معروفاً في البيئة الهلنستية".[ص324] وكذلك يقول أيضاً:" ويزعم الكتاب الفرس المعاصرون ان الكتاب من أصول فارسية ،وهذا زعم غير صحيح على الاطلاق، فبعض حكايات الكتاب تتناقض مع الثقافة المجوسية الساسانية"[ص427]لقد وضع الكاتب عنوان الفصل حول (حكاية الحيوان) ،مع ان حكايات هذا الكتاب هي حكايات عن الحيوان، كبديل يوازي الانسان، والتي عدها من أدب المناظرات الذي يعود بأصوله الى أدب العراق القديم، وقد قام الدكتور دواد سلوم بجمعها في كتاب بعنوان (قصص الحيوان في الادب العربي). أشار الناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا الى صلة إيسوب بالعراق وفارس واليونان "توحي بعلاقة وثيقة ، مادية وفكرية ، عرفها إيسوب ببايل نفسها. الامر الذي يبعثنا على الظن أن العديد من حكاياته كان مصدرها، في الواقع، التراكم المعرفي /البابلي لنفسه: أي انها تعود في أصولها الى الآداب الرافدينية ومأثوراتها في فترتها البابلية الماخرة وما من ريب في انها ،وقصصاً مماثلة لها، انتشرت فيما بعد شرقاً أيضاً حتى بلغت الهند، وتطورت بعد قرون عاد الكثير منها، بشكل او بآخر ، الى العراق من جديد، وبخاصة في كتاب "كلية ودمنة"، الذي أرى ان ابن المقفع وضعه بالعربية ، مستقياً حكاياته من الخزين القصصي المتوارث محلياً، والمتصل من الهند الى فارس الى العراق واليونان وذلك بفعل الطاقة الاصلية التي انبثقت قبل ذلك بأكثر من ألف سنة في آداب الرافدين. وكان الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين " من أوائل من أدركوا ان ابن المقفع كان له من الباعة ما يجعله ان "يصنع" و"يولّد" الرسائل والسير ،ويزعم انه نقلها عن لغات أخرى"[ص32-33/ تأملات في بنيان مرمري، دار رياض الريس، لندن 1989م] لقد أشار لافونتين الى ان حكايات إيسوب، التي ترجمها أيضاً شاعر من مقدونيا يدعى فيدوس، ثم أضاف اليه لافونتين الى هذه الحكايات الكثير من مصادر عربية وبخاصة من "كليلة ودمنة" قائلاً في توطئة للمجموعة الثانية إن بيدبا الفيلسوف الذي يروي حكايات كليلة ودمنة – ليس مدينا لايسوب لشدة اصالته، ثم يستدرك ليقول ،وكأنه يؤيد ما نذهب اليه من أصل الحكاية هو حضارة بلاد العرب في أقدم أشكالها:" هذا اذا لم يكن بيدبا إيسوب ولقمان الحكيم هم جميعاً الكاتب نفسه مدعواً بأسماء ثلاثة ...".[تأملات في بنيان مرمري/ص33-34] -5- ألحق الباحث سعيد الغانمي بكتابه (مفاتيح خزائن السرد) سبعة ملاحق، الأول وصية (ياسر ينعم وابنه شمر ذي الجناح)؛وهو من أدب الوصايا، والثاني (قصة سلامان وأبسال)وهي حكايات متداولة، والثالث(أسطورة مولد الملك"داراب") في بابل: في سيرة الملك الاسكندر ذي القرنين ،والرابع (أمثال إيسوب)والخامس (المقامة الرصافية أو الطّرارية )للهمذاني، السادس (باب الناسك الفاتك من "الصادح الباغم")لابن الهبارية، والسابع (حكاية "أحمد اليتيم" والجارية الخائنة)؛وهي حكاية مستقاة من كتاب (سندباد نامه) المترجم بعنوان(مخاطبات الوزراء السبعة) الذي حققه الغانمي.وما يهمنا هو الملحق الثاني( قصة سلامان وأبسال) فهو من ترجمة حنين بن اسحق العبادي من اللغة اليونانية الى العربية، عن مخطوطة بمكتبة كوبرلي في إسطنبول برقم(868) وتحتوي على سبع رسائل لابن سينا، فضلاً عن قصة أغريقية عنوانها "قصة سلامان وأبسال)وقد تصدرتها مقمة المترجم كما فعل ابن المقفع مع "كليلة ودمنة" ؛وهذه الحكاية تميل الى الحكمة والموعظة، تشبه الى حد ما (أحاديث ابن دريد) التي رواها القالي في كتابه(الامالي)،وتدور حول علاقة النساء بالسلطة، وتبدو صورة سلامان وخلقه أقرب الى صورة خلق أبي (آدم)؛ وكان الحكيم يطلب من ان يبنى "بناء عظيماً، لا يخر به الماء ،ولا تحرقه النار، يكون حصناً لبقاء النفس،وشفقة عليها من الجهال".[ص370] يدور الملحق الثالث حول الملك (داراب) في بابل والاسكندر، بما يشبه أحاديث ابن دريد، حيث رات الملكة ان لا يزول ملكها عنها، فعوّلت على قتل ابنها ليكون سبباً لوصولها الى جميع أغراضها وسرورها ، ثم ساق الراوي حكاية الصندوق الذي وضع فيه الطفل، كما حصل في قصة النبي موسى وحكاية ولادة الملك سرجون الأكدى، حيث يلقى الطفل في نهر الفرات لينحدر مع التيار ، ليظهر التابوت في رمزيته اليهودية العامة في الإحالة الى الموت والاسرار ، ويتضح ان الطفل تبناه القصار وزوجته، ليتولى الحكم واسمه (داراب)؛ وهنا يسترسل الراوي في كشف الصراع بين الشرق والغرب أو بين بابل وروما. نعود الى علاقة كليلة ودمنة، فنرى حالها حال الليالي العربية، لا تستند الى كتاب واحد وجده مترجم في الهندية او السنسكريتية، وترجمه منها مباشرة الى الفارسية أو العربية، بل توجد عدة أعمال هندية، حاول المترجم أو ربما مؤلفها المداخلة بينها واستثمارها عن إعادة بناء الكتاب لاحقاً بالفارسية أو العربية؛ ويرى الكاتب بانه من المحتمل ان تكون جميع النصوص الهندية الدينية والطبية والأدبية كانت تحت تصرف ابن المقفع. وان كليلة ودمنة كان عنوانه (بنجا تنترا) وفيه زيادات من (المهابهاراتا)، مع احتمال ان يكون الأصل المفقود لكتاب كليلة ودمنة مستمداً من عمل نصراني آرامي المنشأ في ظل النفوذ الساساني ،وهو رأي له شيء من القبول، لأن ملامح كليلة ودمنة ليست فارسية وليست هندية، مع الاعتقاد بان باب برزويه هو من انشاء ابن المقفع، مع عدم اغفال ما ذكره البيروني في كتابه(تحقيق ما للهند من مقولة) في انه يتردد بين الفارسية والهندية، ولكن الغانمي يصرح بشيء من الجزم واليقين ان ابن المقفع لم يعرف كتاب (بنجا تنترا) لا في أصله الهندي ولا في ترجماته الأخرى؛ مما يدفعني للقول ان كتاب الف ليلة وليلة كتب على سياق كتاب كليلة ودمنة، مع اختلاف بسيط هو نقل الأول من الادب الشعبي ونقل الثاني من الادب الرسمي. اذا كان كليلة ودمنة يصنف من خلال من يحمله من أفكار دينية انه فارسي أو هندي، فان هذا الامر قد لا يكون ذا أهمية اذا علمنا ان مرحلة تأليف الكتاب لا تحتمل كتابة حكايات ذات طابع ديني، مثل ملحمة جلجامش ،ولكن يبدو ان مرحلة ظهور الكتاب واتهام ابن المقفع بالوقوف الى جانب الدولة الاموية، ثم ظهور حركة الزندقة في عهد المهدي فيما بعد، وإدانة ابن المقفع واعدامه، ثم قيام عدد من الادباء من ذوي الأصول الفارسية بنظم كليلة ودمنة شعراً ، كما فعل ابان بن عبدالحميد اللاحقي ،ونظم سهل بن هارون لكتاب(النمر والثعلب) في محاولة لرفع مستوى الحكايات من الاتجاه الشعبي الى الاتجاه الرسمي. -6- أما الفصل السادس، فكان بعنوان (الخضر منقذاً، الخصائص الصنفية للسيرة الشعبية)؛ فقد اختار فيه شخصية الخضر أو ما يوازيها كثيمة مركزية لدراسة السيرة الشعبية التي هي جزء لا يتجزأ من تاريخ القبائل التي أعادت انتاج أيامها وجعلتها مادة ثقافية سردية ،وقد انتعشت هذه السيرة في مرحلة المد الصليبي ؛وفي هذه السيرة يجري القفز على الزمن والاحداث في ظل اهتمام جلي بأيام القبيلة على وفق سيرورة خاصة، وفي العادة كثيراً ما تحضر شخصية المنقذ في الحروب الملحمية الكبرى ،لأنها شخصية خيالية بإمكانها اعادت ترتيب الاحداث، وقد تركزت أفكار الكاتب حول القوالب الصياغية واستخدام اللهجات المعيارية السردية، التي "هي لغة المجتمع بأسره، القادرة على تجاوز الفروق اللهجية الصغيرة من ناحية، وعلى تخطي الفروق النرجسية والعصبية التي تمتاز بها فئة معينة من ناحية أخرى، أي طائفة أو جماعة لهجية أو عصبية من نوع ما".[ص201] وبما ان السيرة الشعبية ، هي نوع من الملاحم، فهي بالتالي تمثل هوية شعب ما أو قبيلة ما ، حالها حال ملحمة جلجامش ، الا ان السيرة الشعبية وان كانت مجهولة المؤلف مثل ملحمة جلجامش الا انها تعد عبارة عن "سلسلة من حكايات القتال، ومشاهد الحروب، أي هي عدد من الحروب المتتابعة، التي تحتوي كل حرب فيها على مشاهد قتالها الخاصة، التي تحتوي كل حرب فيها ،ومفاجآتها الفريدة".[ص204] لقد انتقلت شخصية الخضر من قصص الأنبياء الى السيرة الشعبية لحاجة الخيال العربي الى قدرات فائقة تغير موازين القوة، وتلهب حماس المستمع الذي يتابع الراوي ،وهو يسرد أحداث وتواريخ فديمة ويعيد انتاجها ، في زمن صارت فيه السيدة بيد الاعاجم، وغاب عنهم الحاكم العربي المعبر عن تطلعاتهم، فعوّضوا عنه بشخصية الخضر البديل عن المنقذ المنتظر،وربما نجد في سورة (الكهف) ضمناً بعض صفات الرجل الصالح والتي لها علاقة بالفكر الصوفي، بعد الشعور باليأس من واقعهم ومن حكامهم، وصار هدفهم التمسك بشخصية(جاووش الأربعين)؛وكأن العرب صاروا يعيدون انتاج عصر النبوة، وقد قرن الباحث شخصية الخضر بالإسكندر، في نوع من التوجه الى اختيار الشخصيات الخارقة لتكون دليله في كشف الملامح العامة للسيرة الشعبية ؛ والحقيقة ان السيرة الشعبية مهما قيل عنها الا انها نتاج عربي خالص ، حالها حال المقامات العربية ،وبالتالي تسحب معها الليالي العربية بوصفها سيرة عامة وليست خاصة، والتي كانت المرأة فيها تبحث عن منقذ لبنات جنسها، فكان المنقذ هذه المرة انثى، التي عملت على إزالة الشكوك من قلب الرجل/الملك الذي كان يرى في المرأة رديفاً للخيانة. في فصله المعنون (حكمة التراث الثقافي ،الوصية والمثل والدعاء والمناظرة) ثمة إحالة الى ان أدب المناظرة هو أدب عراقي قديم، كان له أثره على نشأة علم المناظرات عند العرب، وقد بدأ بعد الإسلام اثر الحجاج الحاصل بعد حرب صفين، حيث خرج الخوارج وطلبوا المناظرة، وكان المسلمون الأوائل قد تناظروا بشكل سريع في معركة بدر بينهم وبين مشركي قريش؛ ولكن المناظرة كعلم حواري، يرتبط عند الغرب بمحاورات افلاطون وما تلاها، وعلم ذو طبيعة فلسفية ، يستخدم السرد والحوار وسيلة للإقناع، وكان لأدب الحكمة العراقي نصيب فيه، وقد صنف العرب فيه عدة تصانيف، وقد تداخل مع أدب المحاضرات والمحاورات والامالي والمجالس، وقد تحدثت عنه في كتابي (السرد والمقام )الصادر عن ابجد عام 2023م، وجعلته مع كتب المجالس التي تعني بالتواصل التداولي. وهنا يدمج الباحث بين العنصر الحواري في الحكمة وبين السرد الحواري في الادب؛ ويضيف اليه أدب الدعاء والوصايا. ولكن الباحث سحب الموضوع الى أسفار التوراة، ثم النفري، للتأكيد في أن الحواريات الاغريقية متأثرة بالمناظرات في ادب العراق القديم؛ وهو ما يعرف بأدب المفاخرة والمساجلة والمفاضلة، وكان هذا الادب في العصر الجاهلي يسمى المنافرات، وفي الغالب يكون بين زعماء القبائل، وقد صاحب حركة الاعتزال وتأثر به الجاحظ في كتابه(الحيوان) و(الرسائل)؛وهو معتزلي متأثر بالفكر اليوناني، حيث بدأ في كتابه الأول بالمفاخرة والمفاضلة بين صاحب الديك وصاحب الكلب ،وله عدة رسائل في المفاخرة بين الغلمان والجواري وبين البيض والسودان وبين المحاسن والاضداد. والباحث يرى انه من الصعوبة بمكان الاعتقاد بأن فن المناظرة في الادب العربي قد تأثر في ادب آخر، لا السومري ولا البابلي ولا اليوناني، ويرجح ان تفتح تفتحاً تلقائياً في الثقافة العربية. وفي الفصل الثامن المعنون (المقامة صنفاً أدبياً ، بلاغة التهويل في الكدية والمقامة)،وقد تحدثت عن ذلك باسهاب في تحليل تطبيقي وليس نظري في كتابي(المقامات العربية وتحولات السرد)،والحقت به دليلاً كاملاً عن المقامات العربية حسب وفيات المؤلفين، ولكن الباحث لم يوسع بحثه حول المقامات، وبقي يحيل الكثير من طروحاته الى كليلة ودمنة والادب اليوناني،وان لم تتوفر لديه ادلة دامغة، ولكن من البديهي ان لكليلة ودمنة أثرها الواضح على ألف ليلة وليلة، الى جانب كتاب(مخاطبات الوزراء السبعة) أو حكايات السندباد(سندباد نامه)أي كتاب السندباد، ولابد أن نعرف ان المقامة هي نتاج عصرها في تردي حياة الناس وكثرة اللصوص والشطار والعيارين، وعبثهم بحياة الناس وبديع الزمان الهمذاني كان سباقاً في ابتكار هذا الادب الذي يوازي أدب السيرة الشعبية. في الفصل التاسع ( روايات وحكايات، نظرات في الرواية العربية القديمة) ثمة إشارات الى تطور الحكاية الشعبية والسيرة معها الى فن الرواية العربية الحديثة اعتمادا على معطيات ما طرحه جورج لوكاتش متأثراً بهيجل ثم بماركس، وكان بامكانه دراسة (ثأر المختار) ،و(الرسالة البغدادية) كل واحدة حسب صنفها، فالاولى سيرة شعبية والثانية رسالة أدبية، توازي رسالة الغفران للمعري والصادح والباغم،وان مسألة تأثر الادب العربي في هذه المرحلة بالأدب اليوناني ومنها اطلاع ابن بطلان على كتاب (مأدبة الحكماء) لأثينايوس وتأثره به تبدو غير منطقية، لأن الادب العربي قطع مرحلة بعيدة منذ الجاحظ (ت 255هـ) ونشأة مذهب الاعتزال ،وبروز مبدأ الحوار قبل باختين في كتابيه:( المبدأ الحواري)،و(شعرية دستويفسكي)؛ باعتبار (مأدبة الحكماء) هو صنف كتابي يقوم على الحوار بين مجموعة من الناس وهم يجلسون على المائدة أو الوليمة، والعرب هم أقدم الناس اهتماماً بالولائم واكرام الضيف، والحديث على الطعام، ولكنهم لا يميلون الى توثيق ما حفظوه من خطب ، مثل خطبة قس بن ساعدة التي تعد من أشهر الخطب وأكثرها حكمة. -7- في الفصل العاشر(السرد المترجم ، الامثولة والحكاية الفلسفية) ينشر الباحث مقدمته التي كتبها لتحقيق كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) أو (سندباد نامه) وقد تحدث بفصل سابق عن هذا الكتاب الذي يرى فيه انه ترجم الى العربية بوقت مبكر، ربما يعود الى بدايات عصر التدوين ،ورجح انه ربما من أصل هندي، ومهما كان أصل الكتاب نسخة عربية بلا مؤلف؛ وبالتالي يعد أدباً شعبياً ،وخصوصاً وانه عبارة عن حكايات رجح الباحث انها كانت مؤثرة في نشأة حكاية السندباد، ثم في كتاب الليالي العربية. وفي الغالب تبدو الثقافة الفارسية جسراً يربط بين الثقافة الهندية والعربية، وهذا لا يصح دائماً، ولكن اختلاق ابن المقفع لترجمة كليلة ودمنة في تمهيده الذي دبجه في مستهلها صار قاعدة لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن أي أدب حكائي عربي متأثر بثقافات الشرق وخصوصاً الهندية، وان كنت لا امانع من وجود أثر صيني وحبشي قد يفوق الأثر اليونان، ولكن المدونين العرب الذي هم من أصول فارسية كانوا يروجون مثل هذه الأفكار ، في حين ان الثقافة العراقية قبل وبعد الفتح الإسلامي للعراق، كانت سريانية وكلدانية متأثرة أصلاً بالثقافة العراقية القديمة، ولاحقاً بالثقافة اليونانية ،من خلال الرحلات الدينية المسيحية الى روما فيما بعد، ومن خلال تأثير الاحتلال الروماني لبلاد الشام وشيوخ المسيحية في الشرق العربي، ثم نشوء حركة الترجمة منذ العصر الاموي ثم العباسي، وبالذات بعد تأسيس هارون الرشيد لبيت الحكمة ؛ولعل هذا السبب هو الذي دفع الباحث الى الاعتقاد بوجود تأثير هلنستي على حكايات كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) يفوق الأثر الفارسي، وان فكرة أصول هذه الحكايات وحكايات كليلة ودمنة هي بدعة سرت منذ وقت مبكر ،ولكن كما يبدو لي ان عدداً لا بأس به من الكتبة يغرّبون ما يكتبونه من حكايات ويدعون نسبتها الى أمم أخرى كما حصل مع كليلة ودمنة والليالي العربية، حتى تصبح مطلوبة ومرغوبة في سوق النسخ والتداول، كما كان الجاحظ يفعل ذلك حين كان يمارس الكتابة للغير أو باسم غيره حين قال في واحدة من رسائله:" وربما ألفت الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه، فأترجمه باسم غيري واحيله الى من هو تقدمني عصره، مثل ابن المقفع والخليل وسلم صاحب بيت الحكمة ويحيى بن خالد والعتابي ومن أشبه هؤلاء ، من مؤلفي الكتب . فيأتيني أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذي كان أحكم من هذا الكتاب ، لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته عليَّ ويكتبونه بخطوطهم ويصيرونه اماماً يقتدون به، ويتدارسونه بينهم ويتأدبون به، ويستعملون ألفاظه ومعانيه في كتبهم عنّي لغيرهم من طلاب ذلك الجنس .فثبت لهم به رياسة يأتم بهم قوم فيه لأنه باسمي ولم ينسب الى تأليفي".[ فلسفة الجد والهزل: الجاحظ، تح الزعبي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، 1989م) ،ص151-152]. يمكن أن نعد كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) من الادب الشعبي لأنه مجهول المؤلف ،وهو كتاب مختلف تمام الاختلاف عن كتب سردية لها مؤلف معروف، مثل كتاب (مرزبان نامه)،و(فاكهة الخلفاء) لابن عربشاه، وللباحث رأي حول كتاب مخاطبات الوزراء السبعة بان بعض الكتّاب "استغلوا اسمه الفرعي "سندباد نامه) لكي يقولوا إنّه كتاب فارسي، وما حصل مع كتابنا هذا "ابن الملك والوزراء العشرة"، الذي حولوا اسمه الى "بختيار نامة"، مع ان النسخ الفارسية من الكتابين متأخرة جداً، وربما كانت أصلاً مترجمة عن العربية".[ص334] وقد قاد الباحث والمحقق لهذا الكتاب الى تتبع قصة (سلامان وأبسال) التي يرجح ظهورها الى العصر الهنلستي، والى استذكار قصة(حي بن يقظان) والتي أشار اليها الباحث محاولاً ان يجعلها في واجهة الكلام، حينما رأى بأن الشعراء وجدوا "أن الامثولة يمكن أن تستفز لاستكشاف عالم بديل لم يوجد بعد. فلم يشغلهم البناء السردي في "قصة حي بن يقظان"، بل الامثولة القادرة على تخطي العالم المعروف نحو عالم مجهول".[ص352] في إشارة الى الادب العجائبي/الغرائبي/الفتنازي، وان ولادة ابن يقظان ونشأته فيها إحالة الى إمكانية العيش خارج دائرة المجتمع الإنساني، واتخاذ المجتمع الحيواني بديلاً عنه، والحقيقة ان "قصة حي بن يقظان" هي قصة فلسفية لها أبعادها الخاصة في شأن الحكايات التي تكشف عن مؤثرات خارجية أو داخلية، ولكن البناء السردي لها لا يمكن أن يكون خارج دائرة المألوف السردي العربي؛ وبهذا تعد هذه الحلقة واحدة من حلقات التطور المهمة في تنوع الموضوعات من أجل خلق تنوع الأساليب المتبعة في الكتابة والنقد وما شابه ذلك.
#قيس_كاظم_الجنابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوعي والجنون في رواية (رداء العاقل)
-
مغامرات لجمن بين العراق وجزيرة العرب
-
اليوميات والسيرة المقتضبة في كتاب (كراساتي الباريسية)
-
مذكرات بهواجس رحالة قراءة في كتاب (مذكرات أميرة بابلية)
-
من الدراسات الثقافية إلى النقد النسائي
-
كامل شياع.. ورسائل من دفتر المنفى
-
اتجاهات نقد السرد العراقي
-
مائة ليلة وليلة.. وأصول الليالي العربية
-
يوميات نسوية في رواية (سمعت كل شيء)
-
علي بابا والخيانة المضادة
-
المحجر.. المكان والموقف
-
صندوق الغائب *قراءة جديدة في قصص(المملكة السوداء)*
-
المقالة الأدبية وحكاية (الرجل الفسيل)
-
المفارقة في حكايات (الفاشوش في حُكم قراقوش)
-
شعرية الخيانة في كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة)
-
ذكريات مؤجلة في (الرحلة الناقصة)
-
السرد والمقام في كتاب (العبرة الشافية والفكرة الوافية)
-
هل كانت قصيدة النثر سومرية..؟
-
شعرية التزوير في حكايتين عربيتين
-
ذكريات سياسية في كتاب (مقتطفات من الذاكرة)
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|