حكيم أحمد حميد
الحوار المتمدن-العدد: 1736 - 2006 / 11 / 16 - 09:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان العقود التسعة من عمر الدولة العراقية , ليست بالطويلة بمقاييس الزمن التأريخي , حتى أن هناك أناس ما زالو آحياء , عايشوا مراحل تأسيسها , لا زالو يتذكرون بأن العراق لم يكن قط وحدة سياسية ذات ماضي مستقل , فحدود هذه الدولة – يتذكره الاحياء جيدآ – تم رسمها بأرادة دول أجنبية , وعلى وجه الخصوص بريطانيا و لخدمة مصالح خارجية .
قرار تأسيس الدولة العراقية تمخض عن مؤتمر القاهرة , الذي عقدته بريطانيا في شهر آذآر من عام 1921 , لبحث شؤون الشرق الأدنى , حيث بموجبها تم تأسيس دولة ملكية في العراق , وأختارو لها ملكآ من خارجها , وهو الأمير فيصل بن الحسين , ونصب ملكآ على العراق في 23 آب من عام 1921 , بعد أستفتاء لم يرحب به معظم اهل العراق , وخاصة الأكراد .
تكونت المملكة العراقية من ثلاث ولايات ( الموصل , بغداد و البصرة ) , تتميز كل منها بخصائص قومية وطائفية خاصة تختلف كل منها عن الأخرى , فالعرب كانوا ينقسمون مذهبيآ الى شيعة وسنة , والأختلاط بينهما كان نادرآ , الشيعة كانو يشكلون غالبية سكان أقليم البصرة , والسنة في أقليم بغداد. أما الأكراد كانو يشكلون غالبية السكان في ولاية الموصل , وكانو مختلفين قوميآ عن سكان ولايتي بغداد والبصرة , و يجمعهم بالسكان العرب فقط الدين الأسلامي , وبما أن الشعور القومي كان طاغيآ على الشعور الديني , لذا كان من الصعوبة التوحيد مع سكان الولايتين , وظهرت بوادر المعارضة للأنظمام الى الدولة العراقية .
أن معارضة الأنظمام الى الدولة الجديدة لم يقتصر على الأكراد فقط , بل تعداها الى سكان العرب في الجنوب , ففي عريضة من وجهاء البصرة موجهة الى المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس , في 13 حزيران 1921 , عارضو فيها الأنظمام الى الدولة العراقية الجديدة , وطالبو أنشاء أدارة سياسية مستقلة في البصرة .
يظهر من كل ذلك ان الكيان العراقي كان كيانآ مصطنعآ , لم تراعي في تأسيسها مصالح مكوناتها و بعيدآ عن رغباتهم , مما أدخلها في مشاكل وصراعات منذ تأسيسها , أصبح مانعآ في بلورة شعب موحد , فها هو الملك فيصل في مذكرة كتبها في عام 1931 , جاء فيها (( ان البلاد العراقية هي جملة من البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الأجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والقومية والحالة هذه مبعثرة القوى , منقسمة على بعضها وبالأختصار أقول وقلبي يملؤه الأسى أنه في أعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد , بل توجد كتلات بشرية فكرة وطنية , هذا هو الشعب التي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي )) .
المصادر : عبدالكريم الأرزي مشكلة الحكم في العراق
ناجي شوكت سير وذكريات 80 عامآ
سليمان الفيضي مذكرات سليمان الفيضي
أكتفي بهذه المقدمة التأريخية القصيرة والتي أعتقد بضرورتها كمقدمة لمقالتي المتواضعة هذه , وأبدءها بمقولة لطالما يرددها كثيرون عندما يتحدثون أو يكتبون عن العراق والمشكلة العراقية , وهي ( وحدة وسلامة العراق أرضآ وشعبآ وسماءآ ) , ان هذه المقولة لطالما أطلقها الحكومات العربية والأحزاب القومية العربية وحتى الدول المجاورة للعراق , حينما يتحدثون عن المشكلة الكردية في العراق , وكأن الأكراد هم التهديد الوحيد لهذه الوحدة , وفقط هم الذين حافظوا و يحافظون عليها , في حين كانوا هم ولا يزالون التهديد الرئيسي لهذه الوحدة المصطنعة . فالعرب لطالما كانوا ينادون بتجاوز الحدود وأنشاء الوحدة العربية , بأعتبارها حدود أصطناعية رسمتها الدول الأستعمارية , وصدام حسين فارس الأمة العربية كان لا يتردد بالتفريط بالأرض العراقية وسيادتها لصالح أيران تارة وتركيا تارة أخرى , كأتفاقية الجزائر لعام 1985 , والتي بموجبها تنازل بنصف شط العرب و أراضي عراقية لأيران , في سبيل أخماد الثورة الكردية , وكذلك الأتفاقيات الأمنية مع تركيا , والتي بموجبها سمحت للقوات التركية بأنتهاك سيادة العراق لغرض تعقيب الثوار الأكراد . أهكذا يحافظ على وحدة وسلامة العراق ؟ وحتى بعد سقوط نظام صدام ا لدكتاتوري , ما زال ورثتهم يرددون تلك المقولة , في وقت أصبحوا وكلاء للمحافظة على المصالح الأيرانية والتركية و حتى الأسرائيلية . أن الذي يريد الحفاظ على العراق يجب أن يراعي مصالح العراق وشعوبه, لا أن يكون أداة لتحقيق مصالح دول طامعة فيها , كأيران التي لا تزال تحتل مياه وأراضي قدمها لهم صدام , وتركيا التي لا تزال تتكلم عن احلامها وأطماعها في ولاية الموصل , وحتى الآن خلال أعداد ميزانيتها السنوية , تدخل في ضمنها تلك الولاية وتخصص لها ليرة تركية واحدة .
ان الذي حصل في 09/04/2003 ليس سقوطآ لنظام عراقي دكتاتوري , بل أنهاء لدولة العراق , تلك الدولة التي لم تراعى مصالح مكوناتها حين تأسيسها , لذلك اذا أردنا لتلك ان تبنى من جديد وقابلة للحياة , علينا جميعآ أن نبنيها على أسس سليمة ومقبولة من الجميع وتضمن الأمن والسلام للجميع . علينا جميعآ أن نعرف , والعرب خاصة بأن الأكراد ليسوا عربآ ولا جزءآ من الشعب العراقي والأمة العربية , وأن أرض كردستان ليست جزءآ من العراق أو الوطن العربي . فهم شعب وجزء من الأمة الكردية ,وارضهم جزء من أرض كردستان الكبرى , وأذا كانت الظروف الأقليمية والدولية في الظرف الراهن لا تساعد على تشكيل الدولة الكردية وأن من مصلحتهم أن يعيشوا ضمن الدولة العراقية ,فيجب أن يكون ضمن دولة أتحادية أختيارية تضمن الحرية والمساواة للشعب الكردي مع بقية شعوب الدولة العراقية الجديدة , بعيدآ عن التعايش والألحاق القسري الذي لم يجلب للعراق وشعوبها سوى الحروب والكوارث وهدر ثرواتها وتهديد لوحدتها وأنتهاك لسيادتها . يكفي أن نقول بأن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية كانت في حالة حروب مستمرة مع الشعب الكردي , هذا بالآضافة الى أن حروبها الخارجية ( حرب الثماني سنوات مع أيران حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية , أسبابها المباشرة , القضية الكردية وتلك الألحاق القسري, وتقدر الخسائر المادية لتلك الحروب , ما مجموع عائدات النفط العراقية لمدة أكثر من خمسين عامآ , هذا بالأضافة الى مئات الآلاف من الخسائر البشرية .
أن الدولة المنشودة لا يمكن أن تبنى على أسس طائفية قائمة على الحقد الطائفي والأنتقام , فاالتنوع الديني والطائفي في العراق تتطلب أبعاد الصفة الدينية على الدولة على أساس فصل الدين عن الدولة ,وتوحيد مرجعيات الدولة بالقانون وحقوق الأنسان والعدالة والمساواة والمواطنة , بدلآ عن المرجعيات الدينية , التي وظيفتها خدمة الدين والمجتمع من خلال البقاء في المساجد والحسينيات والكنائس, لا أن ينخرطو في السياسة وتشكيل الأحزاب والميليشيات المسلحة .
#حكيم_أحمد_حميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟