|
تعيش جامعة العرب
أحمد الفيتوري
الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:37
المحور:
سيرة ذاتية
لم يبق للعرب إلا جامعتهم التي أسسها الانجليز ورعتها مصر، لم يبق من مشاريع وحدوية وأحلام طوباوية غيرها؛ هي التي تجمعهم في القمم‘ وهي من تفضحهم في هذه القمم، هذه الجامعة الجسورة، التي تحقق ما لم يستطع تحقيقه راعيها ديكتاتور العرب وزعيمهم ؛ جمال عبد الناصر الذي وكد هذه الجامعة وجعل منها حظيرة العرب، من يكون خارجها يكون من المغضوب عليهم و لا الضالين. منذ تراجيديا نهر الأردن وقمة الإسكندرية وحتى الساعة يتغيب الزعماء عن القمم لكنهم لا يستطيعون مقاطعتها، بعضهم يجر من أنفه وأخر ينغز في ظهره، والكثير منهم يكره هذا الدور الذي تعطيه الجامعة لمصر التي بدورها تعطي هذا الدور الذي للجامعة العربية. وفي اعتقادي هذا الدور هو ما تبقي لمصر من عبقرية المكان وهرمية الزمان، لهذا تمسكه بالنواجذ، وكل من يريد رضاء القاهرة – التي قد توفر له ملجأ في أخر الأمر- لا يقاطع قمة. وأهمية هذه الجامعة يأتي بشكل كبير من مؤتمرات قممها المتعددة، التي تأتي أهميتها من أنها تعكس إرادات الحكام المطلقي الإرادة؛ فما يقوله هؤلاء هو القرار العربي، حتى وان تسنى لواحد الانفراد بقرار فلا يكون حتى يعمدن في قمة من هذه القمم، وان شط راعي الجامعة، ينتقل مقرها حتى يتسنى الإقرار بهذا الشطط. ولهذا توجد كميات من الكاميرات والميكروفونات ما لا يشاهد في قمة أخري؛ إقليمية، أفريقية مثلا أو معدومة الانحياز و حتى دولية؛ فالقمة العربية قمة حكام قادرون، و لا يراجعون أحدا، وهم أيضا يملكون القطعة الأهم في الشرق الأوسط. وحتى الساعة يغتبط الإسرائيليون وحلفائهم الدوليين من أي انعقاد لقمة عربية، فمنها يتحقق المراد ويتكشف حال العدو. إنها قمة يتابعها العرب كما لا يتابعون غيرها، وتسفح فيها قناني الحبر والأشرطة، ويتحقق للكتاب والصحفيين المرتزقة منهم والحقيقيين، فرصة لشتم الجامعة العربية والقمة، ويندبون ويعزي بعضهم البعض. لم يبق للعرب إلا جامعتهم التي أسسها الانجليز ورعتها مصر، لم تبق مشاريع وحدوية وأحلام طوباوية ؛ لكن بقت هذه الجامعة التي تجمعهم في القمم، وهي من تفضحهم في هذه القمم، هذه الجامعة الوحيدة الباقية رغم الكيد والأعداء، انهارت كل المشاريع؛ الثنائية، الثلاثية، الربعة، وحتى الخميسية منها، تعددت الأسباب والموت واحد، والحي الباقي جامعة العرب في قمم ليس كمثلها قمم. نعم قد يكون الأمر كوميديا سوداء، لكن جامعة العرب هي النقطة البيضاء الوحيدة الباقية في هذا الخضم من التشتت والتنازع، وجرائم اغتيال رؤساء الوزراء، وتغيير الدساتير، والتوريث والانقلابات، والمحاكم الدولية؛ حيث لا يوجد أي تجمع في العالم مثل القمة العربية، قادته مطلوبين دوليا، هذا لم يحدث حتى في أيام أمريكا اللاتينية الزاهية بالدماء، وتواجد الجيوش الأجنبية.... الخ. رغم هذا التصدع والصدع والصداع بقت جامعة الدول العربية حية، وهذا في حد ذاته معجزة لم تتحقق في إقليم أو تجمع في العالم، لقد انهارت منظمات وتحالفات وتجمعات دولية، كان الجميع يعتبرها قوية وإلهية، في نفس الوقت كانوا يسخرون من هذه الجامعة التي يتهرب الكثير من أعضائها من دفع اشتراكاتهم المطلوبة للإدارة. وكثيرا ما كان قوة هذه الجامعة في ضعفها، وكثيرا ما حققت قممها من فشلها نتائج عجيبة في هذا المشروع أو ذاك؛ فأي سحر تفعل جامعة الدول العربية كي تجمع قادة كل واحد فيهم مفرد بصيغة الجمع، وكل واحد قادم للاجتماع كي يكون هو في الصورة ولا أحد. والأغرب أن هؤلاء الذين كل واحد فيهم أحد؛ لا يحققون ذلك إلا في حظيرة هذه الجامعة التي يطالبها الجميع بتحقيق المستحيل. وأن تجمعهم معا في كل دورة هذا هو المستحيل، وبهذا فهي جامعة المستحيلات الأربعة- رغم عدم معرفتي للمستحيلات الأربعة- ولكن ما تحققه هذه الجامعة أنها تحضر لبن الغول للتحضير لكل قمة، هذا تقريبا ما افهمه من هذا التعبير. وهذا – أيضا – واقع الحال. وقد استطاعت هذه الجامعة، في الكثير من دورات قممها، أن تكون مسرحا يتيح للبعض أن يظهر مواهبه التمثيلية. منذ ست عقود ونيف وهذه الجامعة تحقق منتدى عربي لا يمكن تحقيقه بغير مؤسساتها،وتكفل حدا أدني من تجمع لمتكلمين بلغة الضاد على الأقل، وهي في هذا لا تقل عن الأمم المتحدة التي لا وجود لها حين يتعارك الكبار، وكذا جامعة العرب التي مثلا تحقق على مستوى أمن الأنظمة درجة متقدمة من التنسيق والعمل، فيما يتفاوت انجازها في غير ذلك. وهذا سببه من البديهيات؛ أن إرادة أعضائها تتوفر على هكذا استحقاق، ولهذا فثمة مصادرة على المطلوب – كما يقول الفلاسفة- في شأن دور الجامعة. تأسيسا على هذا، حتى الآن حققت جامعة الدول العربية كل المطلوب منها، ولكي تحقق أكثر، في زمن تنصرم فيه الوحدات وتتبعثر الكتل، لا بد من أن تعيش الجامعة العربية وتصمد في مواجهة عاصفة العولمة.
#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زلة عرجون اليأس
-
فرج الترهوني : ترجمان كثبان النمل
-
..وكذا حبيبتي في الشعر.
-
ذئبة من بعيد ترنو ، ذئبة تندس في غابة عينيه
-
بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي
-
شارع الإذاعة : سر من رآه ، سر من لم يره
-
بورتريه الثعلب
-
بورتريه العنيزي
-
بورتريه البوري
-
بورتريه الفلاح
-
بورتريه الكوني
-
بورتريه المنتصر
-
بورتريه مطاوع
-
بورتريه زغبية
-
بورتريه مطر
-
بورتريه لوركا الليبي
-
بورتريه توينبي
-
المفكر الليبي عبدالله القويرى ومشكل الهوية
-
نقد ثقافة التنمية
-
اطرابلس : طرابلس الغرب ، طرابلس الشروق
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|