|
منصور أودا استاذ في الرياضيات والتراث الألقوشي
حبيب تومي
الحوار المتمدن-العدد: 1736 - 2006 / 11 / 16 - 07:05
المحور:
سيرة ذاتية
أعتبر المرحوم الأستاذ منصور اودا سورو شخصية القوشية متميزة ، نحن طلابه ندين له بإحاطتنا بالرياضيات . لقد كان له طريقة خاصة بتوصيل الرياضيات الى ذهن الطالب بأسلوب بسيط وسلس رغم ما تتميز به مادة الرياضيات من جمود وتعقيد . كان يشرح الدرس باللغة الكلدانية ( السورث ) وكانت تحضره دائماً الأمثال والطرائف والتعليقات الألقوشية القديمة . أيام الدراسة غنية بالمواقف والحوادث والمفارقات ، لا سيما في القوش حيث انت بين اهلك وأصدقائك وتتكلم بلغتك وكان الأستاذ منصور يراعي هذه الخاصية وهو الألقوشي الأصيل . ولا شك ان مصلحة المدينة ومصلحة الطلبة كانتا تستقطبان معظم اهتمامه . إن الكتابة عن هذه المفارقات يأخذ مساحة كبيرة ، وفي مناسبة وفاة استاذنا الكبير منصور أودا نحاول تسجيل قبس من هذه الذكريات . في أحد الأيام كان الصديق الطالب ( ك ) يحل سؤالاً في الجبر على السبورة وللسؤال طريقة يمكن حله بخطوات قليلة لا تعدو الى خمس او ست خطوات ، لكن زميلنا اراد ان يحله بطريقته الخاصة وأخذ يضرب ويقسم ويطرح .. وبعد امتلاء لوحة السبورة بالأرقام أخذ يمسح ويعيد الكتابة وهكذا ، كل هذا الوقت واستاذ منصور ينتظر النتيجة وهو ساكت ، لكن أخيراً بعد ان نفذ صبره ، أوقفه وخاطبه بالسورث قائلاً : أراد أحدهم ان يثبت لأصدقائه بأن ثمة طريقة لشجّ رأسه لا يعرفها أحد سواه ، فالطريقة الأعتيادية بسيطة هي ان يتناول حجراً ويضربه على رأسه . لكن الذي فعله انه ثبّت الحجر في حائط ورجع الى الوراء ويأتي بقوة ليضرب رأسه بالحجر المثبت وهكذا ، وأنت تقوم بنفس العملية يا شاطر . ثم قام الأستاذ بحل السؤال ببضع خطوات لا غيرها . وفي يوم من الأيام استلمت إدارة المدرسة في القوش أمراً من تربية تربية الموصل بأن يكون يوم الأحد من ايام الدراسة كبقية أيام الأسبوع ، في حين كان لنا عطلة يومي الجمعة والأحد ، وهنا اجتمع عقلاء المدرسة من الطلبة وقرروا الأضراب عن الدراسة ، وتعزيزاً للأحتجاج خرجنا بمظاهرة حاشدة للطلبة في الأماكن القريبة من المدرسة وكان هتاف المظاهرة : لا دوام يوم الأحد من الآن الى الأبد لكن أخيراً اتفقت إدارة المدرسة مع التربية في الموصل على توزيع حصص يوم الأحد الى بقية أيام الأسبوع ، وهكذا انتهت المعضلة . لكن الأستاذ منصور لم يسكت على هذا الخرق وجاء الى الصف يخاطبنا قائلاً : إن إدارة المدرسة تسير وفق تعليمات وأنظمة ولا يمكنها الأخلال في هذا النظام ، لكن بوسعنا ان نخاطب التربية فيما نريد بالطرق الأصولية ، وبينما كان يخاطبنا دخل قائد المظاهرة المرحوم ( ب ) الى الصف متأخراً بعض الشئ ودلف الى الصف وينوي الجلوس في رحلته . فأوقفه الأستاذ منصور قائلاً : ألا يجدر بك ان تطرق الباب اولاً قبل الدخول ؟ لقد وصلت متأخراً فهل تعتقد ان المدرسة هي خان تأتي اليه وقتما تشاء ؟ ثم أردف الأستاذ سؤالاً : لماذا تغيبت يوم أمس عن الدراسة ؟ فأجابه الطالب : لأنه كان يوم الأحد . فقال له الأستاذ : اسمع ! هنا لدينا مدرسة وليس لنا رحى لطحن الحبوب وكل يأتي بحمله متى يشاء ، للمدرسة قوانين وأنظمة ، أما إن أردت التمسك بالأعياد فعليك الجلوس في البيت وتستطيع ان تعيّد في كل الأعياد والمناسبات والتذكارات حتى يوم تذكار ( دوخرانا د قيبو ) ، وهي الدجاجة الحاضنة للبيض . لقد كان المرحوم يحاول مسايرة وموازنة مطاليب السلطة وكان ذلك في عهد المرحوم عبد الكريم قاسم ، ومن جهة نحن الطلبة كنا نريد ان تكون الساحة مفرغة لنا ولأفكارنا اليسارية في تلك الفترة . للتاريخ أقول : ان الأستاذ منصور كان حريصاً على مصلحة طلابه وبأفق الأنسان المجرب ، ولكن بثورينا واندفاعنا لا يمكن ان نعترف باعتدال مهما كان نوعه . لقد كان الأستاذ يختلط مع الطلاب في الساحة ويدخل معهم في نقاشات وبلغة السورث وكانه صديق او أخ كبير لهم . لقد كان الأستاذ منصور سورو يسعى الى الأتصال بأولياء أمور الطلبة لكي تتعاون الأدارة مع أسرة الطالب لتحسين وضعه الدراسي ، كان متأكداً أن معظمنا من عوائل فقيرة ، وهي تنتظر تخرج ابنها للحصول على وظيفة حكومية ، وكانت هذه الوظيفة تضمن دخلاً شهرياً ثابتاً وكما يقولون في القوش ( يوما خاثا وباري خاثي : Yoma Khatha w Pari Khathe ) ، ومع هذا كان الأستاذ يقول اننا سعداء لأننا ندرس في نفس مدينتنا القوش . ويقول كنا ندرس في الموصل ، ونشتري رغيف خبز ونأتي بجوار مطعم للكباب ونشم ريحة اللحم ونأكل الخبز ، وكأننا نأكل الكباب مع الخبز ..نعم كانت الحياة المعاشية صعبة للأكثرية . سنة 2003 وأثناء تواجدي في بغداد تعرفت على ابنه منهل في محلهم للألكترونيات في شارع فلسطين ، وطلبت منه رؤية الوالد وفعلاً جلست مع الأستاذ منصور في بيتهم المجاور للمحل ومع العائلة الكريمة وتحدثنا عن أيام الدراسة ، وكان يسعده ان يلتقي بطلابه ويفتخر حينما يرى ان هؤلاء الطلبة قد تقدموا في معارج الحياة إن كان وظيفياً او علمياً او اقتصادياً . لقد كان الأستاذ منصور مثالاً للألقوشي العراقي الأصيل لقد تفوق في تدريسه وأدار ثانوية القوش بحكمة ودراية . وستبقى الذكريات الطيبة عن الأستاذ منصور قائمة في قلوبنا .
#حبيب_تومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسعود البارزاني واستراتيجية إقامة الدولة الكردية -3
-
أحبائي الشيعة .. الأسلام السياسي الشيعي فشل في حكم العراق
-
وبعد مبايعة كنائسنا للسيد سركيس آغاجان .. ما العمل ؟
-
الأستاذ مسعود البارزاني واستراتيجية إقامة الدولة الكردية الح
...
-
الأب يوسف حبي وعظمة بابل
-
الأستاذ مسعود البارزاني واستراتيجية إقامة الدولة الكردية / ا
...
-
معذرة استاذ سركيس آغاجان دمج تسمياتنا يفقدها إصالتها التاريخ
...
-
ابن القوش .. ابن العراق الشهيد فلاح زرا .. لماذا يقتل ؟
-
قراءة نقدية لثلاث محطات من برنامج الحزب الشيوعي العراقي
-
قداسة البابا والعالم الأسلامي وجدلية حرية الفكر
-
حكومتا العراق وأقليم كردستان معنيتان بمنح الحكم الذاتي لمسيح
...
-
تسييس الدين وأخطار الحكم الثيوقراطي في العراق
-
عسى ان لا تكون قرارات الحركة الديمقراطية الآشورية حبر على ور
...
-
تهجير المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى من العراق .. ما الع
...
-
الكلدانيو او السريانية لغة واحدة لشعب واحد
-
ملامح العلاقة الأخوية بين الكلدان وكردستان
-
الأب يوحنان جولاغ فارس القوشي في رحاب الأدب والتراث - 2 2
-
ديمقراطية بوش ام ديمقراطية بوتين ترياق الوضع العراقي ؟
-
الأب يوحنان جولاغ فارس القوشي في رحاب الأدب والتراث 1-2
-
بطريركية بابل على الكلدان مسيرة حكيمة أيام السلم والحرب - ال
...
المزيد.....
-
فيديو يظهر لحظة قصف دبابة إسرائيلية المبنى الذي كان يتواجد ف
...
-
أول تعليق من حزب الله والحوثيين على مقتل يحيى السنوار: -حمل
...
-
الرئيس الفرنسي يكرم ضحايا مظاهرات 17 أكتوبر 1961 ويعتبر أنها
...
-
تفاصيل مقتل السنوار في غزة وردود الفعل ومن سيخلفه؟
-
اتهامات أممية لطرفي النزاع في السودان باستخدام -أساليب التجو
...
-
بعد مقتل السنوار... بلينكن يجري عاشر جولة في الشرق الأوسط من
...
-
ترحيب غربي بمقتل السنوار وإيران تشدد على أن -روح المقاومة ست
...
-
غداة مقتل السنوار... ملف غزة على رأس محادثات بايدن وقادة أور
...
-
قمة -كوب16- في كولومبيا... ما هو واقع التنوع البيولوجي في ال
...
-
المجلة: من هو يحيى السنوار.. وهل أخطأ في -الطوفان-؟
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|