أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - يسري غباشنة - جلباب الزير سالم وإزار جساس بن مرة














المزيد.....

جلباب الزير سالم وإزار جساس بن مرة


يسري غباشنة

الحوار المتمدن-العدد: 1735 - 2006 / 11 / 15 - 12:01
المحور: الصحافة والاعلام
    


منذ فترة طويلة وأنا أتنقل بين المواقع الإخبارية والصحفية راصدا مجموعة هائلة مما يعلِّقُ به ِّبعض القراء على مقالة هنا أو خبر هناك لأُصْدَم من مستوى الردود التي تصل في معظمها إلى حد البذاءة، وقدح الآخرين، وإهانة الشعوب قبل الأنظمة؛ ولا يخلو تعقيب من التراشق الأعمى بالألفاظ والسباب والشتائم لكاتب المقال، أو البلد الذي ينتمي إليه، وهذا ما أعادني إلى ما تختزنه الذاكرة العربية الفردية منها والجماهيرية، ماضيا وحاضرا، من بذور شيطانية ترسِّخُ هذه الثقافة،هذه الذاكرة التي اسودّت صفحاتُها، وتشوّهت حروفُها، وتفتّت نقطُها وفواصلُها، وتشبّثت بقوالب فكرية وسلوكية شيّدها دريد بن الصمة: وما أنا إلا من غزيِّة إن غزت غزيت وإنْ ترشد غزية أرشد. فما كان من قريط بن أنيف إلا أن مكن أركانها فقال في مناسبة أخرى: لو كنتُ من مازن لم تستبحْ إبلي بنو اللقيطة من ذهل ابن شيبان. هذه القوالب النمطية ما زالت تفرِّخ بيوضها حقدا وكرها ما دمنا ننتمي لمازن أو بني شيبان، ونقدِّسُ بكرا وتغلب، ونقدِّم الولاء والطاعة لعبس أو ذبيان، بعد أن جرّدنا هذه القوالب من معاني اندماج الفرد في مجتمعه، والتضحية في سبيل الآخرين، فصرنا أرقاما عارية في مجتمعاتنا، عنصريين في انتماءاتنا الضيِّقة، مفتونين في ياء النسبة بعد أن أحطناها فتنة، وفرقة، وتشرذما. مطأطين رؤوسنا للآخرين ذلّا ومهانة، ولكنا في مواجهة إخواننا نصبح أولي بأس شديد. نعشق البسوس، ونتمسح على عتبات قدميها.فبتنا عربا وأعرابا وأعاريب مستعربة وغير مستعربة ومعوربة وعاربة وعربانا .......

فثقافة إقصاء الآخرين والفرقة رضعناها من أثداء مجتمعاتنا بالتوازي مع: اشتم عمك، ابصق على خالك،اضرب أخاك .... وكبرنا بأجسامنا فتعلمنا حينها: أنت وأخوك على ابن عمك، وأنت وابن عمك عالغريب. حتى صار كل شيء غير الأنا غريبا، ويمّمنا شطر المدارس فوزّعونا إلى شعبتي (أ) و (ب) فلا الشعبة الأولى تكنُّ الحُبّ للأخرى، ولا الأخرى متيّمة بهوى الأولى، وعاد كلٌّ منا إلى حيِّه وحارته لنكتشف أن العداوة متأصلة بين الحارتين الشرقية والغربية، ويا شؤم مَنْ يدخل الحارة الأخرى وحيدا، أو من كانت عصبته وقبيلته كبني شيبان. عشقنا بعدها كرة القدم، وانقسمنا كلٌّ منّا يشجع فريقا ما وحفظنا هتافات بذيئة في حقِّ الفريق الآخر ومشجعيه. حتى الأمكنة عنصرناها بيننا وبين الآخرين على المدرجات. وعاد كلٌّ منا بعد ذلك إلى عشيرته، أو حزبه، أو تنظيمه الذي يأويه، فشرعنا في وجوه بعضنا الخناجر، والسّيوف، والبنادق. ولم تسلم منابرنا ولا ميكروفاتنا من قبح أفعالنا، وبعد أن كبرنا، كبرنا، وكبر الحقد وتضخم، وتلوثت مشاعرنا بالكراهية على إثر تصنيفات مضى عليها أكثر من ألف وأربعمئة سنة فهذا سني وذاك شيعي، ولشدة غرامنا بهذه العقلية أضفنا إليها معجما متكاملا من المذاهب والملل والنحل التي يكفِّر كلّ منها الآخر، ويهدر دمه على قارعة الطريق استنادا إلى اسمه أكان حسينا أم عمرا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحملت الفتنة في أحشائها فتنا، وطرحت عائلة من التكفيرين الذين يستبيحون المال والعرض، ونصّبوا أنفسهم آلهة يقيمون الحدود بناء على صكوك هم واضعوها، وبأقلامهم خطوا حروفها فسوّوها

وقلّبنا صفحة أخرى لنرى مشهدا آخر في مهد الأنبياء وغزة هاشم، مشهدا يتصارع فيه الأخوان والمعذبون في الأرض، يتمترس كلّ منهم في زقاق أو حارة، يمتشقون مالذّ وطاب لهم من الأسلحة في وجوه بعضهم، في حين تركلهم القردة والخنازير في أقفيتهم، وتغرس السّكين في ظهورهم ونحورهم. ونقلِّب صفحة أخرى وأخرى لنرى العجب فيما كان يعرف بسويسرا العرب التي تحول الإنسان فيها إلى رقم في شارع أو ساحة عامة، فإذا كان هذا الشارع ل14 آذار، فتلك الساحة ل 8 آذار هذا الشهر البريء الذي قُزِّمَ، وتقطّعت أوصاله، واقتلع البيلسان ليُزْرَع بدلا منه الرايات والبنود مختلفة أشكالها وألوانها ومراميها.
تلك هي أمتنا التي تحولت إلى أوهى الأمم، لاتأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر؛ هذه هي أمتنا التي لاتجتمع إلا في مسيرة تشتم، أو مظاهرة تهدم، أو اتجاه معاكس يتحاور فيه مثقفان أو سياسيان حوار الطرشان، يتناولان ما في جعبتيهما من مفردات الأزقة والشوارع. والأمثلة على ذلك أكثر من كثير.
وبعد أن قلّبت العديد من الصفحات، أويت إلى فراشي بعد أن ارتديت جلباب الزير سالم أبو ليلى المهلهل، وأوى عربيٌّ آخر إلى فراشه بعد أن ارتدى إزار جسّاس ابن مرة، وأدرنا ظهورنا لبعضنا بعضا نتحسس خناجرنا ونمنا نوما طويلا طويلا طويلا.



#يسري_غباشنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعميق الحوار لاتعليقه
- مأكول مذموم يابلدي
- ما بين البالة والشماشير والرابش
- نقطة. أول السطر
- بقعة دكناء في المدرج الروماني
- رفقا عزيزي ومعذرة
- ثلاثية آلاء المصرية
- هكذا هم الإخوان المسلمون في الأردن
- سيدي أبا القاسم... عذرا
- والله خير الماكرين


المزيد.....




- في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً ...
- مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن ...
- مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة ...
- ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا ...
- كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة.. ...
- لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
- صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا ...
- العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط ...
- الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - يسري غباشنة - جلباب الزير سالم وإزار جساس بن مرة