بْلُوتُونْ peloton

عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7769 - 2023 / 10 / 19 - 17:21
المحور: الغاء عقوبة الاعدام
    

تسكب القهوة السوداء روحَها آلمقرفة في دماغه .. تتقلص الحجرة الجدباء .. تضيق .. يزدحم أثاثها في قنة رأسه .. تتمزق عتمات العتبات .. تتراقص نجوم سود في محجريه الغائرين .. وهذا البدن الذي تصطلي فيه أنفاسُهُ الملتاعة، وتلك الأرواح الأخرى التي هُجِّرَتْ من أصقاع ذُرَاها القاصية، وتلك النسمات وكل الناس، كل الأنام، كل البشر، كل الهفوات وجميع دبابير الدنيا وفضاعات الضيق وفضاءات الانحسار وبصيص سخف الذكريات .. ليست بمقام نُجْعَة .. قد يزول الوبال يحل محله الوباء .. هي طفرة من طفرات رحلة عجلى، سفر من الأسفار، بلا قضية، بلا رُواء، بلا أمل في موق الحَدقات .. اغتالوا الأحلام آلجميلة كلها .. لم يعد ثمة أمل لجلجاميش (١) .. الميقات غير محدد .. وبَارٌ في الجبال في الهضاب في الفجاج في الأودية في القلاع في النجود في ثكنات الجنود .. الهون لازال مستمرا، والريح صاخبة تصرصر دائما في أمكنة بلا زمان ... أنزلوهم واحدا واحدا من شاحنات مُسَنَّنَة دكناء .. في ترنح كانوا يمشون، في تشنج، في إباء .. صفُّوهم أمامنا .. كانوا خمسةً أو يزيدون .. كنا عشرة، وكان الوقت مطلع أيلول غير سعيد .. والميقات غير معلوم لدينا .. والرصاصات محشوة في البنادق تنتظر الانتظار ... نزل الجَهْمُ من سيارة رباعية الدفع يختال كالفجيعة مُلَوِّحا بعصا من خيزران .. يهمهم بعزم مُصْطَنَع .. ينثر الأوامر في آلهواء .. ترسلُ الشررَ حدقتاه المدَثَّرَتان بمتاريس تمنع الرحمةَ أنْ تحل رحالها في حالهم الذي دون حال .. توجهَ قائد الكتيبة إلى الرتل طفق ينزع عن بدلاتهم العسكرية رُتبَها زاعقا باصقا متوعدا جادفا على الله على العباد .. ثُمَّ .. ظَلِلْتُ هناك مسمرا في موقعي الذي أسندته الأوامر الحازمة لي .. تلك كانت التعليمات .. لا تتحركوا لا تبرحوا المكان .. لا تتراجعوا .. لا تترددوا، ومَنْ يفعل أو ينكص أو يهم ... فمصيره رصاصات تطوق الموقع من كل مكان .. ثم ..

_ بْلُوتْونْ !! peloton .. (٢)

صاحت صيحتُه .. أردَفَتْ ..

_ بَالْكُومْ سْلَاحْكومْ a vos armes !! (٣)

.. في عرائهم الأخير، ثابتين كانوا يحدجوننا بلا ريب رغم العصائب التي طُوقت بها أعينهم يبصرون يرنون إلينا مباشرة يعاينوننا ربما يشفقون لحالنا لوضعنا لعجزنا .. ثم .. أكمل صيحته الجهم ...

_ استعدواااا نفذْ ..!!.. pré - tirer ..!!..

كل هذه السنوات العجاف، ظل يحتسيني سؤر قهوة الذكريات ولفافاتٌ قميئات تتجرع غُصصي .. يَقيئُني الحابلُ إذْ يختلط بالنابل بالرصاصات بالقنابل تلعلع في الفيافي في الصحارى القفار، في البحار، في نجود الناس البعيدين، في هامات الأشاوس، في قامات ذُرَا الفتية الرجال إيتَرَّاسَنْ (٤) .. وهديل الأمومة كنتُ أسمعه ساعتئذ يُناغي الجُؤار، يهدهد العثار .. لقد رحلواااا ..

☆إشارات :
١_استعارة من عنوان رواية (ليس ثمة أمل لجلجامش) لخضير عبد الأمير.
٢_بْلُوتْونْ !! peloton : مفرزة فصيلة أو كتيبة عسكرية
٣_بَالْكُومْ سْلَاحْكومْ a vos armes : جهزوا أسلحتكم استعدوا للتنفيذ
٤_إيتَرَّاسَنْ : لفظة أمازيغية تعني فتية شباب

#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل