رسالة الرفيق عبد الرحيم ملوح
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
في هذه اللحظة السياسية الانعطافية على صعيد شعبنا ومنطقتنا, وبمناسبة مرور عام على اعتقالي.أتوجه بتحية الاكبار للآلاف من المعتقلات والمعتقلين أسرى الحرية والاستقلال في معتقلات الاحتلال الفاشي, والتهنئة القلبية الحارة لكل من نال حريته ليدافع عن مسيرة حرية شعبه وفي المقدمة الرفيق والزميل تيسير خالد وعميد المعتقلين الاخ أحمد جبارة أبو السكر, وأتوجه بالتقدير العالي لكل القوى والاحزاب والمنظمات الديمقراطية والحقوقية والانسانية والمؤسسات الاعلامية التي وقفت مع المعتقلين في معاناتهم ودافعت عنهم وحملت على أكتافها عبء قضيتهم ولا زالت, وأدعوهم لمتابعة هذه المهمة النبيلة.
لقد وصف الشاعر والمناضل التقدمي ناظم حكمت تجربة السجن (بأنها تجربة الاخلاص للافكار التي يحملها الانسان, والانتماء الذي يختاره), والشعب الفلسطيني كله يخضع للاعتقال الجماعي المتعدد الأغراض والمستويات منذ عقود ويقبع في معتقلات ومراكزالتحقيق والسجون الاسرائيلية ما يقرب من ثمانية الآلاف معتقل بينهم الفتاة والطفل والأم والشيخ والقائد السياسي, ويتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد المعنوي والمادي, ولن يستثنى من ذلك رئيسه ورمز كفاحه التحرري الرئيس ياسر عرفات والذي يرزح تحت الحصار وشبه الاعتقال منذ أكثر من عام ونصف في مقره في رام الله, قدم الشعب الفلسطيني الآلاف من خيرة أبنائه شهداء للحرية والاستقلال, الشبل فارس عوده, القائد السياسي أبو على مصطفى, وأبو جهاد الوزير, والطفلة ايمان حجو, الى المناضلة وفاء ادريس وشادية أبو غزالة, والكاتب والمفكر غسان كنفاني الى الطبيب ثابت ثابت ومن محمد الدرة في غزة الى جمال منصور وربحي حداد في نابلس, وبدون مبالغة أو ادعاء فان الشعب الفلسطيني كله يستحق وصف ناظم حكمت لانه نجد بدرجة امتياز في تجربة الانتماء للوطن والاخلاص لحقه في تقرير مصيره ودولة مستقلة والعودة للمثل وقيم العدل والحرية والديمقراطية رغم قساوة الوضع وصعوبة الظروف التي مر بها ولا زال يعيشها. وبرغم المعاناة والظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون في مراكز التحقيق والسجون والمعتقلات الاسرائيلية فان الامر الأهم هو أن سلطات الاحتلال الاسرائيلية لا زالت تتعامل مع المعتقلين كسجناء أمنيين وليس كمقاتلين من أجل الحرية وتمنع تطبيق اتفاقيات جنيف عليهم, وينبع هذا الموقف من استمرار رفض اسرائيل الاعتراف بالحركة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني للشعب الفلسطيني له الحق في الحرية وبناء دولته المستقلة فوق أرض وطنه, برغم المفاوضات وتوقيع العديد من الاتفاقيات بين الطرفين والاعداد الامريكي ومن بعده الاسرائيلي القبول بالدولة الفلسطينية والقضية المحورية للمعتقلين هي فرض الاعتراف بهم كأسرى حرية واستقلال والافراج عنهم لمتابعة مسيرة الحرية والبناء لشعبهم ولدولتهم التي يحاول الاحتلال الفاشي ابعادهم عنها وحرمانهم من المساهمة فيها.
لقد استطاع شعبنا افشال أهداف سياسة الاحتلال القائمة على القمع والاستيطان والاغيتال والاعتقال وتدمير البنى التحتية والسياسية ومحاولة الغاء كيانه السياسي, ولم يكن ذلك ممكن بدون الصمود والتضحيات والمقاومة الباسلة وارادة سياسية صلبة لشعبنا والتي فرضته قضيته كطرف أصيل في معادلة صراع الشرق الاوسط, وجعلت أهدافه في الحرية والاستقلال ممكنة التحقيق في المدى المنظور, وها نحن نرى التحولات في الموقفين الامريكي والاسرائيلي وقبولهما بالدولة الفلسطينية لاول مرة, فالصراع منذ الآن وصاعدا يدور حول حدود وسيادة وعاصمة هذه الدولة واضافة الى القضايا الكبرى الاخرى وفي مقدمتها قضية عودة اللاجئين لديارهم وفق القرار194.
ودللت زيارة الرئيس بوش الابن للمنطقة في الثالث والرابع من حزيران الجاري وعقده للقاء مع بعض القادة العرب في شرم الشيخ وقمة مشتركة مع شارون وأبو مازن في العقبة على اهتمامه باستثمار زخم انتصاره على العراق من جهة وعلى وعي الادارة الامريكية المتزايد بمحورية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتأثيره على الاستراتيجية الامريكية الجديدة ومصالحها في المنطقة وعلى حربها على الارهاب, من جهة ثانية اغتناما لفرصة وممارسة الضغط على الطرف الفلسطيني والاطراف العربية لفرض تسوية عليها تستجيب لمطالب اسرائيل الحليف الاستراتيجي في المنطقة والعالم من جهة ثانية, وبمعزل عن النوايا وعن ما صدر من مواقف وبيانات أثناء زيارته وعن ما يطرح من مشاريع وفي مقدمتها خارطة الطريق الا أن الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات قالها بصوت واحد وموحد للرئيس بوش الابن ولمن سبقه ولكن المعنيين بالامر بأن جوهر الصراع في المنطقة يكمن في الاحتلال الاسرائيلي وتطلعاته التوسعية وهذا ما أفشل كل محاولاته السابقة. وان المدخل الوحيد للامن والاستقرار والسلام في المنطقة لن يقوم الا بانهاء الاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينية والعربية المحتلة والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة وعاصمتها القدس على كامل الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وضمان حق عودة اللاجئين وفقا لقرار 194 ولن يقبل المساس بهذا الحق أو الالتفاف عليه وتوظيف الوضع الاقليمي والدولي الجديد لفرض حلول جزئية أو قاصرة عليه أو الانتقاص من شرعية كيانه السياسي الوطني أو الوقوع في مصيدة المراهنة العقيمة مجددا, وكما اتضح من خطاب شارون في مدينة العقبة فقد هدف لتحويل خارطة الطريق الى خارطة طرق التفاقية لا توصل الا لتكريس الاحتلال واستمرار الصراع ولا تؤدي لانهاء الاحتلال وحقوق الشعب الفلسطيني في الامن والاستقلال والعودة, في الوقت الذي أعلن أبو مازن التزامه بكل المطالب التي حملتها خارطة الطريق والرئيس بوش بما فيها وقف المقاومة المسلحة, سلاح شعبنا الأهم في مجابهة الاحتلال في هذه المرحلة.
ان البناء على ما حققه صمود شعبنا وانتفاضته ومقاومته من انجازات ساسية كبرى وتطويرها وصولا لتحقيق أهدافه بفرض الانسحاب الاسرائيلي الشامل عن كامل الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967 واقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الى ديارهم تتطلب أكثر من أي وقت مضى الاتفاق على استراتيجيتة سياسية وكفاحية فلسطينية واحدة, لمواجهة التحديات الكبرى التي نواجهها في ظل استمرار الاحتلال وسياسة العدوان الاسرائيلي وتصاعدها ومحاولات انقضاض على الأرض والحقوق والمنجزات الفلسطينية, ووصم نضال شعبنا المشروع من أجل الحرية والاستقلال بالارهاب, ونجاحنا في رسم هذه الاستراتيجية السياسية والكفاحية المستجيبة لحقوق وأهداف شعبنا والمستوعبة للتطورات السياسية الدولية والاقليمية والتزام الجميع بتنقيذها, يفرض المباشرة بحوار وطني شامل, حوارا يركز على تحديات المستقبل وآفاقه وليس خلافات الماضي وعلى الوحدة الوطنية وحدة الشعب بكل قواه ومؤسساته السياسية والاجتماعية, وينبثق عن هذا الحوار قيادة وطنية موحدة ومؤقته يناط بها ادارة العملية السياسية والكفاحية واختيار التكتيك والاساليب والاشكال السياسية والكفاحية الملائمة فالوسائل والتكتيكات ليست مقدسة أو ثابتة, ويمكن بل يجب تغييرها خدمة للهدف ووفقا للظروف والمتغيرات السياسية, والتحضير في الوقت المناسب لاجراء انتخابات ديمقراطية حره في المجلس الوطني والمؤسسات الوطنية الاخرى, فالوحدة الوطنية قضية راهنة وليست معلقة أو مؤجلة في ظل الاحداث المتسارعة والتحديات الكبرى التي تواجهنا وتطال مصيرنا ومستقبلنا, وتزداد أهمية هذا الأمر اليوم قبل الغد في ظل طرح خارطة الطريق للتنفيذ بعد مؤتمري شرم الشيخ والعقبة.
من قلب المعتقل ومن رحم المعاناة , معاناة الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين والعرب وذويهم نؤكد للجميع أن ما واجهة ويواجهة المعتقل لم يفت في عضده, بل زاده وعيا وادراكا للدور التحرري الذي يلعبه, وزاده ايمانا بعدالة قضية شعبه واصرارا على الوفاء للشهداء والشعب والوطن وعلى السير في درب الحرية والاستقلال حتى نهايته الظافرة.
عبد الرحيم ملوح
عضو اللجنة التنفيذية لمظمة التحرير الفلسطينية
نائب الأمين العام للجبة الشعبية لتحرير فلسطين
حزيران 2003
معتقل مجدو العسكري – فلسطين