|
من يمتلك -الحق- في الإجرام / حياة الفلسطينيين العارية على خط النار
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 7765 - 2023 / 10 / 15 - 14:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد كل عملية عسكرية مهمة يقوم بها أبناء الأراضي التي تحتلها اسرائيل، ويكبدونها خسائر، ترتد إسرائيل على الجهة المنفذة، وعلى البلد الذي تنطلق منه، بقصف عنيف واسع على العمران والسكان والموارد، الأمر الذي يخلف دماراً كبيراً وضحايا كثر وخسائر اقتصادية يصعب حصرها. من الطبيعي أن يولد هذا الرد الانتقامي، لدى قسم كبير من الأهالي، موقفاً سلبياً إزاء الجهة التي "ارتكبت" العملية ضد إسرائيل. هذه هي الغاية من مثل هذا الرد المدمر، إضافة، بالطبع، إلى إشباع الرغبة في الانتقام. ولأن إسرائيل تمتلك تفوقاً عسكرياً واسعاً، فقد حصلت الردود الانتقامية مراراً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. حصل في الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران / يونيو 1982 ضد منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تنطلق عملياتها من لبنان، وكانت الحجة حينها محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا، رغم أن المحاولة كانت على يد تنظيم فلسطيني لا ينتمي إلى منظمة التحرير، ومناهض لرئيسها ياسر عرفات. وقد نجم عن الغزو حصار بيروت لثلاثة شهور تقريباً وتدميرها. وتكرر هذا في حرب تموز / يوليو 2006 في لبنان عقب قيام حزب الله بعملية أسماها "الوعد الصادق"، خطف فيها جنديين إسرائيليين بغرض مبادلتهما مع أسرى عرب لدى إسرائيل. وقد نتج عن القصف الإسرائيلي في هذه الحرب، رغم أنها لم تحقق أهدافها المعلنة في تدمير حزب الله وتحرير الأسرى دون تبادل، خسائر باهظة في العمران وفي الأرواح، على لبنان أثقلت على "النصر الإلهي" بحسب وصف الأمين العام لحزب الله الذي صرح لاحقاً إنهم لو كانوا يعلمون ما ستجره الحرب من دمار وخسائر، لما أقدموا على خطف الجنديين. اليوم نشهد شيئاً مشابها عقب عملية "طوفان القدس" التي ما زلنا في بدايات تداعياتها، وإن قادت، حتى الآن، إلى فرض حصار شامل على غزة مع قطع الكهرباء والماء والطعام والدواء، وتدمير أحياء كاملة في غزة، وإلى قتل وإصابة آلاف الفلسطينيين، بفعل القصف الإسرائيلي الذي يمهد على الأرجح لغزو بري. ومن غير المستبعد أن تكون لهذه العملية تداعيات تصل إلى مستوى نكبة 1948، وذلك على ضوء الموقف الأميركي والأوروبي المنحاز بالكامل لإسرائيل. من المفهوم، والحال هذه، التساؤل المطروح عن فائدة الدخول في معركة لا يوجد فيها تناسب في القوى، وستكون نتيجتها دماراً واسعاً على صاحب الحق الضعيف الذي تجرأ على المغتصب القوي. ولكن من المفهوم أيضاً أن تخرج دائماً مجموعة من أهالي الحق المهضوم، غالباً من الشباب، وتسعى لاستعادة هذا الحق بكل ما يتاح لها من سبل، متجاهلة العواقب. يمكننا أن نقول إن هذه حماقة مثلاً أو إن هذا السلوك مدمر ... الخ، ولكن لا يمكننا إنكار الدوافع المحقة لهؤلاء الشباب. هكذا يفرضون على التفكير في الموضوع الفلسطيني أن تنحصر حركته في المساحة الضيقة بين الحق المغتصب الذي يحرض أصحابه على العمل لاستعادته بالقوة طالما أن السبل السلمية لاستعادته مسدودة، وبين الانتقام الشديد الذي يلي استخدام القوة، والذي يطال كامل البلد وأهله. من المهم ملاحظة اختلاف الموضوع الفلسطيني عن موضوع الاحتلال الإسرائيلي لجزء من سوريا أو من لبنان، من حيث أن في سوريا ولبنان دولة لا تتوفر للفلسطينيين. قوة الدولة السورية ومركزيتها الشديدة منعت دائماً نشوء أي مقاومة سورية مستقلة بغرض تحرير الجولان، وعليه كانت سوريا بعيدة عن معادلة الحق المسلوب والانتقام القاسي الرادع. اليوم تتلقى سوريا ضربات إسرائيلية متكررة، هي ضربات وقائية وليست انتقامية، وقد ترافق هذا مع تزايد ضعف الدولة السورية وتحول سوريا أكثر فأكثر إلى ميدان للفعل الإيراني المباشر بعد 2011. أما في لبنان فقد كان ضعف سيطرة الدولة اللبنانية أحد أسباب نشوء مقاومة وطنية ثم إسلامية في لبنان. ولذلك كان لبنان مسرحاً لانتقامات إسرائيلية متكررة. وفي فلسطين ملأت التنظيمات المقاومة فراغ غياب الدولة الفلسطينية، ويشير مسار المقاومة الفلسطينية إلى تراجع المقاومة الوطنية لصالح سيطرة المقاومة الإسلامية كما حصل في لبنان أيضاً. من اللافت أنه كما في النضال السوري الذي اندلع ضد الاستبداد الأسدي منذ أكثر من 12 سنة، كذلك في النضال الفلسطيني ضد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، حصل انزياح إسلامي صريح. في الحالتين كان هذا الانزياح بمثابة خشبة خلاص لمغتصبي الحقوق، ليس فقط بسبب موقف العالم السلبي تجاه الإسلاميين، لأسباب باتت معروفة ولا محل لتناولها هنا، بل أيضاً لأن الحركات الإسلامية لا تخدم القضية المحددة التي تتولاها بقدر ما تستخدمها في إطار قضية "دينية" هي بالنسبة لها، أهم وأعم، الأمر الذي من شأنه تهميش القضية المحددة، ومن شأنه استعداء أهل القضية المباشرين الذين من الطبيعي أن لا تقبل نسبة كبيرة منهم إدراج قضيتهم في قضية أخرى لا يريدونها. واضح أن في الهجوم الانتقامي الذي تقوم به اليوم إسرائيل ضد غزة، ما هو أبعد من الانتقام. إنه يشبه غزو لبنان في 1982، في الحالتين هناك هدف يتجاوز الردع إلى تغيير المعطيات على الأرض. في السابق نجحت إسرائيل بعد حصار بيروت، في إبعاد منظمة التحرير إلى تونس. اليوم تهدف إسرائيل إلى تفريغ غزة من أهلها. وبقدر جسامة ما تنوي إسرائيل تحقيقه في هذه الحرب، التي تشبه إلى حد بعيد الحرب من طرف واحد، نجد مدى الاصطفاف الغربي مع إسرائيل، ومدى وقاحة التصريحات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين من اعتبار غزة مدينة الشر، بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى اعتبار الفلسطينيين وحوش على هيئة بشر، بحسب وزير دفاعه. لا يبدو أن المجتمع الدولي في وارد منع إسرائيل من ارتكاب عملية تهجير واسعة، ولا يبدو أن مصر ستستطيع، في ظل الضغط الغربي، عدم قبول التعاون في هذه الجريمة. لا يبقى أمام المدنيين الفلسطينيين سوى أن يرفضوا الرحيل. أن يضعوا حياتهم عارية على خط النار.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاعودة في انتفاضة السويداء
-
اليسار السوري، هامش واسع في الحياة السياسية
-
قمصان زكريا، لمنذر بدر حلوم عن الموت الذي يضمر الحياة
-
عن توبيخ السوريين العلويين المتجدد
-
نقاش مع كتاب -سؤال المصير- لبرهان غليون
-
عن مشكلة الرموز في سورية
-
أهمية حركة 10 آب في سوريا
-
ماذا ينتظر سورية في المستقبل
-
ظاهرة الموالين الغاضبين
-
البكالوريا السورية ضحية الغش العام
-
السجن يتسلل إلى نفوسنا
-
أجراس بعيدة وكتل سياسية في المنفى لقاء برليني مع راتب شعبو/
...
-
الغضب المعزول في فرنسا
-
عن قلق المسلمين في الغرب
-
هل المثقف السوري طائفي؟
-
-حانة الأقدار-
-
التحليل السياسي الماورائي
-
العزلة هي الشرط الأنسب لنظام الأسد
-
عالم الزنازين
-
النجاح والفشل في الثورة
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|