الوحدة الوطنية .. دعوة أم شعار !

دهام حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1733 - 2006 / 11 / 13 - 08:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

عندما تكون الجبهة الداخلية لأي نظام محصنة من الداخل ، حينها ، يصعب على أية قوى خارجية ، من اختراق
جدارها الحصين ، وزعزعة استقرار البلد، والعبث بمصيره ، والنيل من وحدة الشعب وصموده 0ولكن يبقــى
السؤال اللاهث هو : كيف السبيل إلى مثل هذا التحصين العصي على الاختراق ؟
كثيرا ما نسمع بإشادة القائمين على السلطة في النظم الشمولية بالوحدة الوطنية ، وتراص الجبهة الداخلية
ثم دعوتهم إلى مزيد من التلاحم الشعبي والسياسي ، كلما لاح في الأفق خطر " مؤامرة " ما ـ حسب وصفهم-
سواء جاء الخطر من الخارج أو من الداخل 00والخطر الداخلي هو أيضا محبوك في الخارج ؛ - حسب زعمهم –
حتى يكون ذلك مبررا لهم بتخوين المعارضة00
من المعلوم أن أية وحدة وطنية ‘ لا يمكن لها أن تتحقق، لا بقرار سياسي ، ولا برغبة قائد ولا حتى بإرادة حزب0
فهي حالة اجتماعية وسياسية ، تستوجب جملة شروط ومعطيات ؛ في مقدمتها ، أن تكون مصالح قطاعات الشعب
المعني مشتركة 0 لهذا فإن تبجح النظم الشمولية بتلاحم قطاعات المجتمع وتباهيها بالوحدة الوطنية ، لا يقـرهــا
الواقع ، ولا المنطق . فمثل هذا الشعار، إ نما يطلق للاستهلاك ‘ دون أن يكون له مضامين واقعية 0 فإننا لو
تناولنا المسألة فكريا ، علينا أن نقر بداية ، أن التعددية الاجتماعية ظاهرة طبيعية ، لازمت المجتمع البشري منذ
القدم ؛ فالمجتمعات عادة تتشكل من تكوينات ثقافية وعرقية ودينية00 وهذه الحالة - طبيعيا – أن تولد لديها رؤى
سياسية مختلفة ؛ هذا من جانب ، ومن جانب آخر، هناك حالات أخرى من الانقسام في المجتمع ولا يخفى أن أي
مجتمع عادة متعدد القطاعات ، وبتعدد القطاعات تتعدد المصالح الاجتماعية وتتعارض ، وكل هذا يفضي بالنهاية
إلى اختلافات تعبر عنها بسياسات ومواقف متناقضة 0لايمكن لنا مخادعة الذات وإيهام الآخرين ، بأن كل شـيء
على ما يرام ؛ والتيمن بموقف الحزب الشيوعي السوفييتي ، واقتراف ذات الخطأ الذي ارتكبه في المؤتمر الثاني
والعشرين عام 1961 عندما أعلن أن الاتحاد السوفييتي أصبح دولة دون صراع طبقي ، دولة لكامل الشعب000
وكان الواقع الفعلي خلاف ذلك ؛ وقد جرى للاتحاد السوفييتي ما جرى 0!
إن الوحدة الوطنية التي تنشدها النظم الشمولية ، ليس المراد منها الوحدة والتفاهم بين قطاعات المجتمع المختلفة،
فمثل هذه الوحدة لا شأن للنظام بها ؛ بل بالعكس ربما فضل النظام أن يعيش المجتمع في ثوب الانقسام ، ليسهل
عليه التحكم والتسلط ، وربما أفلح في احتضان بعض القوى الانتهازية 0 إن الوحدة بعرف هؤلاء الاستبداديين
تعني حالة واحدة ، هي التفاف الشعب بتنظيماته السياسية حول النظام ؛ ومثل هذه الوحدة لا تتحقق إلا إذا كانت
السلطة منبثقة عـن الشعب بانتخابات حرة ديمقراطية، تعكس السلطة واقعا جديدا يتمثل في الحكومة مختلف
المكونات الاجتماعية ، حيث يرى كل فرد صـدى صوته يتردد في مبنى البرلمان المؤسسة التشريعية وسائـر
المؤسسات الأخرى؛ والنظام هنا، يكتسب قـوة،لأن قوة أي نظام ، إنما تأتي من شرعيته؛ تأتي من وعي الجماهير
وملامستها للواقع ، ومساهمتها في النقاش ، ومشاركتها في تسيير شؤون الدولة؛ لأن ( الشعوب لا تنشط من أجل
شـيء خلاف مصالحها ) بتعبير بلانكي0 في هذه الحال لن يقف المواطن متفرجا ، إذا تعرض النظام للخطر لأن
مصالحه مرتبطة بمصالح النظام ، وتصبح هي بالتالي أيضا مهددة 00
إن استخدام العنف لإسكات الصوت الحر ، لا يوحي لا بالوحدة الوطنية ، ولا بقوة النظام ، فإتباع هكذا أسلوب
دليل على أن السلطة تفتقر إلى الحجة والقناعة فضلا عن الشرعية 0 فالسلطة عندما تعظم الذات ترفض الرأي
الآخر ، وتتمسك برأيها وتكتفي به ، وتمرره بشكل قسـري ، دون أن يولي أي اهتمام لاعتراضات الآخــرين
حتى لو كان هذا الرأي يفتقر إلى القناعة، وبادي الخطل0 إن فرض الآراء بالقوة لا بالحجة والشرعية لا بـد
لها أن تزول بزوال القوة0لأن (غلبة القدرة تزول بزوالها وغلبة الحجة لا يزيلها شـيء)كما يقول الخليفة المأمون0
إن الفرد الذي يعيش في فقر وقهر وخوف 00 لن يتخذ إلا موقفا سلبيا من النظام ،موقف
الكراهية تجاه النظام وتجاه البلد ؛ ولن يتأسف إذا سقط النظام بمعارضة أو بمؤامرة 00 إنه يعيش في غربة بلا
وطن0 يقول سان جوست أحد قادة الثورة الفرنسية :( الشعب الذي لا يشعر بالسعادة في بلده لا يمكن أن يحب
وطنه ) 0يتحين مثل هذا الفرد الفرص للهجرة والنزوح ؛ لن تحركه دعوة النظام للدفاع عن مؤسسات محظور
عليه دخولها ، أو المساهمة في تأسيسها ، أو المشاركة فيها 0 مثل هذا الإنسان ، لن يستجيب لنداء القـائـميـن

على السلطة ، بالتحمل ، والتضحية في سبيل القضية الأهم وهي " المسألة الوطنية" – حسب توصيفهم –
وكأن الجوع والقمع والقهر والفساد ليست من المسائل الوطنية ، التي تقتضي منا وقفة وطنية لمعالجتها
إذن ، فما دعوة الطبقة الحاكمة من هؤلاء بالتضحية سوى مخادعة لهم ؛ يطالبونهم بالتضحية ليستمروا
هم في الحكم ، في حين أنهم غير مستعدين للتضحية بشيء ؛ ثم أن الفرد يحس بأنه لا يملك شيئا حتى
يضحي من أجله 00 ينقل لنا الفيلسوف برتراند راسل كلاما ينسبه إلى جيرمي بنتام : ( إن أخلاق التضحية
السائدة ، إنما هي خدعة متعمدة ، فرضتها الطبقة الحاكمة دفاعا عن مصالحها ، فهي تتوقع التضحيات
من الآخرين ، ولكنها لا تقوم بنفسها بأية تضحية )0
إن غالبية المواطنين في النظم الاستبدادية ، يتملكهم خوف دائم بسبب قسوة النظام لهذا فالمرء فيهم
مضطر أن يظهر بموقفين متناقضين ، ينعكس في خطاب معلن ، والآخر مخف ، الأول يأخذ طابع
الكذب والنفاق والتزلف عندما يمتدح النظام ليحمي نفسه ؛ والآخر صميمي نابع من الأعماق عن صدق
وقناعة ، وهو كراهية النظام القائم ، لكنه يحفظها لنفسه ، وقد يسرها للمقربين0
ذلك جانب من طبيعة النظم الشمولية ، حيث تسوء الحالة السياسية ، وتتردى الأوضاع الاجتماعية
وللانتقال إلى حالة سليمة ، لا بد من معالجة مسؤولة لابد من أدوية بطولية كما يقول بلانكي 0 ولكن
هيهات 00 أن يتهيأ الاستبدادي للمعالجة البطولية مختارا !00

#دهام_حسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات