أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صائب خليل - كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا؟ -2: ضرورة القراءة الثانية















المزيد.....


كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا؟ -2: ضرورة القراءة الثانية


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1733 - 2006 / 11 / 13 - 09:48
المحور: المجتمع المدني
    


في الجزء الأول من هذه المقالة اشرت الى ان التطور الكمي في الإعلام وما رافقه من تطور في فرص الخداع, يفرض على المواطن بذل جهد اكبر من اي وقت مضى للوصول الى الحقيقة, وثم ناقشت ما اعتبرته مفاهيم خاطئة اسميتها "خرافات" تثير البلبلة في الذهن في الوضع العراقي المعقد.
في هذه الجزء سأتعرض لبعض الكتاب والسياسيين وتصريحاتهم بعد الحكم بالإعدام على صدام كأمثلة على كتابات ومقولات مغالطة بقصد او بسبب الحماس غير العقلاني للكاتب.

لنبدأ بالسياسيين, وبالنقد الذي وجهه عبر «الشرق الأوسط»، الحزب الاسلامي العراقي الى دعوة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للفرح بصدور الحكم بإعدام صدام حسين وتساءل الحزب في بيان له امس «بماذا يفرح العراقيون كما دعاهم السيد رئيس الوزراء المالكي؟ ايفرحون بسقوط اكثر من ستمائة وخمسين الف شهيد.. ام يفرحون بتهجير عشرات الألوف من العوائل من بيوتهم أم بالفقر».

المغالطه هي انه صحيح ان وضع العراقيين كارثي, ولكن هذا لايعني ان لاحق لشعب العراق بالفرح ان زال عن صدره احد همومه الكبيرة, باعتبار ان مايزال هناك هموم اخرى كبيرة. الحزب الإسلامي العراقي يراوغ لتصوير الأمر كخيار بين صدام الدكتاتور, والمالكي "المسؤول عن قتل 650 الف شهيد", وتلك مراوغة واضحة, فالمالكي ليس المجرم الذي قتل هؤلاء, بينما صدام كان المسؤول المباشر والأساسي لكل القتلى في اثناء حكمه. كذلك فأن من المحتمل تماماً ان بقايا صدام التي تحاول استعادة مكانها المتسلط, مسؤولة عن قتل نسبة كبيرة من هؤلاء الـ 650 الف. فالمقارنة الأقرب للواقع هي المقارنة بين اذى صدام في رأس السلطة الدكتاتورية واذاه وهو في السجن, مع اتباعه مطلقين, مضافاً اليه اذى قوات الإحتلال في هذه الحالة. لكن من الخطأ طبعاً افتراض ان قوات الإحتلال لاتزول إلا بإعادة سلطة صدام, او انها ستزول بالفعل ان اعيدت الدكتاتورية.

يحاول الحزب الإسلامي فيما بعد ان يبرئ نفسه من تهمة الدفاع عن صدام: «ليس من بين العراقيين من يختلف في محاكمة أي متهم ضالع في جرائم ضدهم أياً كان هذا الشخص صدام حسين ونظامه ام غيرهما"
ثم ليثير الشكوك في ان المحاكمة كانت انتقامية, والذي يعني ان الحزب يعتقد ان صدام لم يرتكب من الجرائم ما يدينه, إنما افترت الحكومة التهم لتدينه: "لكن الذي يريده العراقيون ان لا تهدف المحاكمة الى الانتقام واشفاء الغليل وان لا تستثمر سياسيا لإلهاء الشعب وصرف أنظاره عن مأساته اليومية التي يعاني منها».

اما في الغرب فبشكل عام كانت اوروبا اليسارية ناقدة للحكم واليمينية مؤيدة, وكل ينظر الى تأثير ذلك على التأثير المتوقع لتلك المحاكمة على بوش وبالتالي على نفسه.

لكننا من الصعب ان نفهم "العدل والسلام" الذي يسعى اليه الكاردينال ريناتو رافائيلي مارتينو رئيس المجلس البابوي للعدل والسلام في الفاتيكان، حين عبر عن أسفه لصدور حكم الإعدام بحق صدام حسين, معتبرا أن معاقبة الجرم بجرم آخر يعني أن العراق لا يزال في مرحلة العين بالعين والقتل للثأر.
ويقصد ريناتو بالجرم الثاني هو الإعدام باعتباره سلب للحياة التي لايحق لغير الله سلبها, والخلل في هذا المنطق هو ان سلب الحياة جرى وسيجري بشكل اكبر في حالة الإبقاء على المجرم, ولا نفهم لماذا يخص هذا السلب بالذات بكل هذه الرفعة من الأخلاق على حساب تركيز النقد على جرائم القتل خارج القانون, ولم يستخدم الكاردينال هذا المثال الضعيف الإقناع للتعبير عن مبدئه وكان بإمكانه الإقتصار على امثلة لمجرم اعتيادي قتل شخصا واحدا مثلاً ثم اسف على فعلته, ليكون موضوع العين بالعين اقرب للتصديق, فهنا لدينا عين واحدة فقط مقابل مليون عين, كما ان المجرم مازال ينفث سماً ويعد بالمزيد مما فعل سابقاً, ان هو استطاع.

اما في بعض الصحف العربية فوصل الأمر الى درجة مضحكة من السخف احياناً, فخصصت صحيفة "الشرق" القطرية للموضوع مقالة تحت عنوان "إعدام الحوار", والعنوان كاف, لكن لنقرأ فيها: "ان الحكم على صدام هو "حكم بالإعدام على العرب السنة ويقضي على أي بارقة للحوار بين طوائف الشعب العراقي"

عبد الباري عطوان كتب: "نظام الرئيس صدام حسين ارتكب جرائم في حق معارضيه، واصدر احكاما بالاعدام في حق من حاولوا اغتيال رأس الدولة، او قلب النظام، ولكن هل تقذف الحكومة العراقية المنتخبة معارضيها بالورود، وهل تتسامح قوات الاحتلال الامريكية بمن يعارضون وجودها، ويقاتلون من اجل تحرير بلادهم وطرد هذه القوات اسوة بكل الشعوب الاخري؟"

عطوان يخلط الأوراق, او كما يعبر نيتشه "يعكر مياهه ليوهم الآخرين انها عميقة الغور". فليس كل حكومة لها "الحق في الدفاع عن وجودها" إلا الحكومة الشرعية, اي المنتخبة. لذا فأن دفاع صدام عن حكومته بقتل معارضيه يشابه قتل الجيش الأمريكي بقتل مهاجميه ممن يريدون تحرير بلادهم. فمعارضي الطرفين من الناس الذين يرفضون ان يعيشوا دون حقهم في كرامتهم, ولهم حق في الدفاع عنها. اما حق صدام والجيش الأمريكي المحتل في الدفاع عن نفسه وموقعه فهو مثل حق اللص في الدفاع عن نفسه وغنيمته امام صاحبها الشرعي. اما الهجوم على حكومة منتخبة (مع ملاحظات على سلامة الإنتخابات) فهو جريمة يحق معاقبتها.
كلمة "معارضين" مختلفة في الحالتين, ففي حالة الحكومة المنتخبة يكونوا مجموعة تحاول سلب حق الشعب في اختيار حكامه, وفي حالة صدام والإحتلال يكون هؤلاء "المعارضين" مجموعة تحاول استعادة حقوقها. في حالة الحكومة المنتخبة المعارضين هم بالضرورة قلة لم تتمكن من الوصول الى الحكم بالإنتخابات اما في حالة صدام والإحتلال فـ "معارضيه" هم الغالبية الساحقة من الشعب.

يكمل عطوان: "الرئيس العراقي ربما يستحق ان يقف في قفص الاتهام لو ان الذين يحاكمونه قدموا نموذجا افضل في الحكم، وبسطوا العدالة والمساواة، وفرضوا الامن، وحسنوا معيشة الشعب العراقي، وحافظوا علي ثرواته، وعززوا روابط التعايش، وعمقوا جذور المواطنة"

كلها امنيات جميلة, لكننا لو اخذناها شروطاً تسبق محاكمة المجرمين لفشلت معظم دول العالم في المرور من هذا المقياس, وتوجب عليها ان تطلق الحرية للجريمة الى ان تتمكن من "المحافظة على الثروات وتعزز روابط التعايش وتعمق جذور المواطنة" وليس هناك جنة للمجرمين احلى من تلك. طبعاً نسي عطوان ان يطالب صدام بالإلتزام بمثل هذه الشروط عندما كان يحكم.

عطوان: "الرئيس صدام حسين لم يدّع مطلقا بانه كان زعيما ديمقراطيا متسامحا مع خصومه، ولكنه لم يكن طائفيا حاقدا"

فرق اساسي ان الحكومة الديمقراطية, ولو بشكل جزئي, يمكن الضغط عليها وهناك امل ان تتحسن, وهناك فرصة لتغييرها ومحاسبتها على مخالفتها وعودها ودستورها, ولكن ما العمل مع حكومة لادستور لها, وتعترف بصراحة بأنها دكتاتورية؟
أما ان صدام لم يكن طائفياً فهو صحيح تماماً برأيي لأنه لم يكن يهتم بأي احد او شيء إلا نفسه. هنا يجب ان نتساءل لماذا نعتبر"الطائفي" او "العنصري" ضعيفاً اخلاقياً؟ السبب هو ان له دائرة اهتمام انسانية ضيقة لاتشمل الإنسانية كلها ولا حتى ابناء وطنه, بل طائفته فقط, او عنصره فقط. وإذا اخذنا سعة الإهتمام الإنسانية كمقياس للحكم, يكون الإناني الشديد مثل صدام اسوأ كثيراً من اي عنصري او طائفي.

ثم يبلغ عطوان فيما بعد في مقالته مستوى منخفضاً جداً حين يحاول اقناعنا ان لاصحة للإدعاءات بأن صدام وعائلته كانوا ينهبون البلاد, فيقول: "اعضاء اسرة الرئيس صدام حسين واحفاده، ومعظم المسؤولين الذين شاركوه الحكم يعيشون حاليا علي الصدقات في الاردن وسورية وقطر والامارات، فحكام العراق الجدد لم يجدوا حسابا سريا واحدا لهم في جنيف او غيرها، مثلما كانوا يروجون في الماضي في ظل حملات التضليل والتشويه"

وبفرض انه من الصحيح انهم لم يجدوا حسابات لصدام في سويسرا, ولنفرض ان اميركا زورت تهماً له فيما يتعلق بكوبونات النفط وغيرها من الوثائق, لكن كيف يفسر عطوان للعراقيين القصور الكثيرة الهائلة المنتشرة في كل البلاد, ليس لصدام وساجدة فقط, بل لكل التوابع الفاشلة التي اثرت بشكل فاحش في لحظة من الزمن؟ أضن ان عطوان يضع نفسه بهذا خارج النقاش تماماً.


بالمقابل, هناك من يستغل كره الناس لصدام لتمرير اجندة طائفيه ضد السنة. كمثال لذلك يكتب عقيل القفطان في صوت العراق, تحت عنوان " قليل من الصراحة ..على النخب السياسية السنية أن تكون أكثر وطنية" http://www.sotaliraq.com/articles-iraq.php?id=39918

"منذ تأسيس الدولة العراقي المعاصرة وحتى قبل ذلك كان الحكم سنيا صرفا." وهو يتهم طائفته لذلك بالحماقة:
"لقد كانت هذه الحكومات ومنها حكومة صدام المجرم تخوض الحروب بنا نحن أبناء الطائفة المظلومة ، كنا في جبهات القتال نتغنى بحب العراق من اجل ان نثبت للحكومات السنية بأننا وطنيين ، بأننا عراقيين ، بأننا عرب ، بأننا نحب العراق ، كنا نفعل ذلك دون جدوى ، كنا اقرب ما نكون الى السذج"
"كانت الحكومات السنية ترسل أبنائها الى خارج القطر ، كانت البعثات الدراسية المهمة مخصصة لهم ، كانت المسؤوليات المهمة مخصصة لهم ،كانت السفارات في الخارج مخصصة لهم ، كانت البيوت العامرة والقصورالفارهة مخصصة لهم ، وفي المقابل كنا نقاتل ونغني لأجل العراق في جبهات القتال وابناء طائفتنا يسكنون مدن االطين، يسكنون في السجون ، في المقابر الجماعية ، كنا نغني الى العراق قبل ان ندفن ونحن إحياء، كنا نغني للعراق بطريقتنا الساذجة ، وكان أبناء السنة ايضا يغنوا ويرقصوا في ملاهي لندن وأمريكا وباريس لأجل انتصارات العراق ولكن بطريقتهم الخاصة ايضا وشتان بين طريقتنا وطريقتهم!"

انه يقسم العراق, كما يفعل كتاب قصص الأطفال والأفلام العربية, بين سنة اشرار مغتصبين مجرمين يتمتعون لوحدهم بكل الخيرات وشيعة سذج وطنيين يحبون العراق ويؤكدون عروبتهم دون جدوى. هذه الصورة الكاريكاتيرية التي يعرف العراقيين خطأها ويستطيع غيرهم التحقق من ذلك من خلال فحص رد الفعل الجماهيري في بداية الإحتلال. فلم تهاجم الشيعة المظطهدة من اضطهدها منذ قرون كما يفترض لو كانت قصة الرجل صحيحة, بل كانت جميع التظاهرات بلا استثناء تهتف بأخوة الشيعة والسنة ضد الطائفية. الكاتب نفسه يؤكد ذلك فيقول " وكان شعار لا سنية لا شيعة يرفع في كل مكان من مناطق الشيعة " ولم يكن هذا ليحدث لو صدق الرجل إلا ان كان جميع الشيعة بلا استثناء من الأنبياء.
وعلى العكس من ذلك, اوضحت التظاهرات في مناطق الشيعة يوم الحكم على صدام, انهم يعتبرونه مسؤولاً عن الامهم. كذلك كتب كاتب في احد المواقع يبين ان السنة بعمومهم فرحين ايضاً بالحكم على صدام, لكن الكثير منهم لايستطيعون التظاهر فرحاً خشية الإرهاب الذي مازال لأتباع صدام قدرة على ممارسته بقوة.

حين يقول عقيل القفطان: "لا مباديء ، لأقيم في السياسة ، لا أخلاق ، ومن يقول غير ذلك فهو كذاب مراوغ ، المعركة معركة مصالح ، معركة من اجل الفوز بكرسي الحكم" فلا نفهم منه انه يعتبر تلك حالة مؤسفة يسعى للتخلص منها, وبالتالي لايحق له ان يدعوا الشيعة اليها كما يفعل في مقالته, ام انها حقيقة لامفر منها, وبالتالي فلا يجب ان يلوم "السنة" بإتهامهم بانهم اتبعوها.

آسية السخيري تفقد اعصابها في دروب فتكتب تحت عنوان : "والف مرّة أخرى…. يحيا العراق"
"لم يكن الحكم الصادر اليوم عن المحكمة العراقية غريبا أو غير متوقع فقط هي المرارة التي تدفع إلى البكاء لحظة الإحساس بأن كل العالم خراب أمام الذي يحدث…. ياااااه كم أنتم فخورون يا أكراد العراق وسومرييهم ويا عربهم ويا إنسانية كل العالم بالذي يحدث؟ما أكبر شهامتكم عندما سلمتم لحمكم رخيصا للضباع….كم أنتم أصيلون عندما كنتم شهودا متواطئين وسلبيين على خيانة عظمى يعيشها العراق قبل أن يعيشها الرئيس العراقي صدام حسين ومن معه…"

المغالطة هنا هي ان "العراق يخون صدام حسين"! كأن من واجب الشعب العراقي ان يكون مخلصاً لصدام حسين, وان الشعب حين يكره حاكمه لدرجة ان يرحب بمن يخلصه منه (ولو للوهلة الأولى) فهذا لايدل على سوء الحاكم بل على سوء الشعب, لدى آسية السخيري. انها مفاهيم تعود الى القرون الوسطى وما قبلها حيث يفترض بالشعب ان يعبر عن اخلاصه للملك, كأسمى الأخلاق.

تعود آسية لتتساءل بحق: " ترى من سيحاكم جورج وولكر بوش وطغمته الفاسقة والمتنكرة لإنسانيتها ؟ ترى من سيحاكم أريال شارون الذي يرفض الموت أن يقبله في رحابه الشاسعة لفرط قذارة ما أتت يداه في حق خلق الله . ترى من سيحاكم أولمرت وزبانيته قاتلي ملائكة الرب والشيب والشباب ومشعلي الحرائق في شجر الأرز والزيتون والبيوت الآمنة"
لكن آسية لا تريد ان تتوقف قليلاً عند حقيقة ان صدام بالنسبة الى شعبه كان مكروها حتى ربما اكثر من هؤلاء, وهو يستحق المحاكمة كما يستحقها هؤلاء, فهو واحد منهم وليس نقيضاً لهم.
ثم تهتف آسية: "المجد للعراق" ولا ندري اي عراق تقصد بعد ان خونت شعبه. http://www.doroob.com/?p=12198

كامل النصيرات يضع يده على الجرح دون ان يدري, ففي مقاله: "الشهيد صدّام حسين" يكتب: "لا أجدُ ما يليق ..فأن يصدر قرارٌ بإعدام ( بطلَكْ الشعبي ) مسألة تتوقّف عندها كثير من الحواس ؛ بما فيها الحاسة السادسة ..!!" فمن الواضح ان الحماس استلم السيطرة على القلم لديه بدلاً من العقل كما سيطر لدى آسيا, لينسحب هذا الأخير الى الخلف تاركاً مهمته في التمحيص والتحقق باستعمال حواسه التي يفحص بها العالم عادة, ومسلماً القرار لثور العاطفة الهائج, لذا نرى خطاباً مخيفاً في اندفاعه و شدته في انكار الوقائع. واول تلك الوقائع التي يتجاهلها هو ان "بطل النصيرات الشعبي" شعبي فقط في بعض مناطق خارج العراق وليس شعبياً عل الإطلاق بين شعبه!
إنه يشير الى ان " هذا الرجل . ولو أدانته مليون محكمة", فالنصير غير معني بأية محاكمة او جرائم يمكن ان يكون هذا البطل قد ارتكبها حتى لو ادانته بها مليون محكمة. كذلك يستمر في اندفاعه العاطفي دون ان يستوقفه التساؤل لم عجز هذا البطل الذي ".خطف قلوب الشعوب العربيّة " عن ان يخطف قلوب ابناء شعبه وقد اتيح له من الفرصة ما يكفي لذلك ويزيد؟
النصيرات مشغول عن التفكير بالتغزل والوله: "..محبوب لدرجة الاستمتاع بصورته حتى وهو لا يتكلّم ..!! هيبته هي هي ..مع كل مراحل الإهانات التي تعرّض لها منذ اعتقاله إلى النطق بالحكم عليه أمس".
ثم ينتقل الى حالة فنطازية فيقول: " كان الشهيد صدّام هنا ..يلعب مع أطفالنا " . إن كان النصيرات يقصد الحركات التي كان يقلد بها هتلر في لقاءاته مع الأطفال في التلفزيون فيصعب ان نسميها لعباً. وحسب علمي فأن صدام لم يكن "يلعب مع اطفالنا" بل كان يرسل آباء اطفالنا الى مجازر حروبه في شرق البلاد وجنوبها, والى غياهب سجونه ليجعل منهم يتامى ومن امهاتهم ثكالى, بل كثرما شمل الأطفال مباشرة بحكمه بالموت بالغازات السامة في حلبجة او القصف في الدجيل او احراق القرى في الأنفال, فماذا كان الشهيد "يلعب مع اطفالك" ولم لم يلعب إذن مع احفاده بدلاً من قتل آباءهم؟ ولماذا لم "يلعب مع اطفاله" هو بدلاً من ان يصحبهم لسجون الرعب لمشاهدة عمليات التعذيب لكي "يجعل منهم رجالا" فجعل منهم وحوشاً اشد سادية منه هو نفسه؟
لكنه على ما يبدوا قد اخبر ابنته ذات السنتين بالكثير من قصص اشباحه: "..وهذه ابنتي ( بغداد ) والتي يا دوب تجاوزت السنتين بأيّام ..ها هي كلّما أمسكتْ جريدة فيها صورة صدّام ..تخطفها وتركض بها عليّ : بابا..صدّام ..!! وكعادتي ابتسم في وجهها ..فتبوس الصورة وتأمرني أن أبوسها وتقول بلسانها الطفولي : بوسها زيي..فأصدع لأمرها وأبوسها ..!! ولا أذكر أن أحداً علّم طفلتي ذلك ..من أين جاءتها الفكرة ..لا أعلم ..؟!"
إنه يعتقد على ما يبدوا ان الفتاة قد "اوحي اليها" وان "بابا صدام" قد زارها في المنام فاستيقظت مؤمنة! إنه يحس بالخوف على ابنته من القادم: " كيف إذا نشروا بعد وقت صورة الشهيد صدّام وهو يتدلّى بحبل المشنقة ..ماذا سأقول لها حينها ..؟؟" ربما من المناسب ان تقرأ ما قاله اتباع هتلر لأطفالهم بعد سقوط ذلك الوحش وانكشاف حقيقته وكانوا قد جعلوا منه "بطلاً شعبياً" في عيون اطفالهم ايضاً.
ثم يقول : "أعتذر منكم شديد الاعتذار ..لا يوجد لديّ ما أقوله ..أفكاري تتجمّد ..وكلماتي تعيش لحظات قاسية ..أعتذر" ربما من المناسب ايضاً ان يعتذر النصيرات لإبتنه ذات السنيتين عما حشى رأسها الصغير به من اوهام. http://www.maktoobblog.com/kamel-nsirat


كل هذه الأوهام والمغالطات الصريحه تنتشر في الجو فتحيد التفكير السليم عن طريقه كما ترون. لكن هناك اضافة اليها ذخيرة من نوع اخر ايحائية غير مباشرة.

كلنا يذكر موضوع صور صدام في السجن بملابسه الداخلية والتي "تسربت" الى الصحافة, وانتشر الخبر ان الأمريكان سربوها قصداً لإهانة صدام, وبالفعل جاءت ردود عاشقيه عنيفة. لكن كاتباً فطناً كتب محذراً بأن تلك الصور ربما يكون الأمريكان قد سربوها فعلا ولكن لهدف اخر وهو اعادت الإعتبار لصدام. فصدام يظهر في الصور رشيقاً مصبوغ الشعر, متعبداً يقوم بشعائر الصلاة! فهنا توجب ان يضيف العراقي والعربي (على الأقل) الى واجبه تجاه نفسه في القراءة بين السطور, واجب القراءة بين الصور, فشكرا لنباهة الكاتب الذي نبه الى ذلك, واعتذر لنسيان اسمه.

ومن امثلة هذه الإيحاءات غير المباشرة, والتي تمارس ايحاءها المظلل سواء كانت مقصودة ام غير مقصودة مقالة ترجمتها "المدى" حول "ثلاث دراسات حول صدام تلقي الضوء على مخاوفه وتسلطه وقسوته" قارن فيها وولتر واينتروب، استاذ علم الصحة العقلية في جامعة ماريلاند الاميركية بين تصريحات لصدام وتصريحات رؤساء اميركيين، وخلص بعد ان حلل هذه التصريحات باستخدام منهجي تحليل المضمون والتحليل النفسي إلى ان صدام "كان يرى نفسه العراق وكان يرى العراق نفسه".
قارن واينتروب بين ردود صدام وردود رؤساء اميركيين على اسئلة صحفية مماثلة، ومن بين هؤلاء الرؤساء تيودور ايزنهاور، وجون كنيدي، وليندون جونسون، وريتشارد نيكسون، وبيل كلينتون. واستنتجت الدراسة " تعظيم صدام لنفسه، وعدم الفصل بين نفسه وحكومته، وعدم الفصل بين نفسه والعراق, من خلال استعماله كلمة "نحن" كثيراً بينما في الجانب الآخر فضل الرؤساء الاميركيون استعمال عبارات مثل "حكومتي" و"إدارتي" و"الولايات المتحدة" وبالتالي وضعوا "خطاً فاصلاً" بين شخصياتهم وبين مناصبهم.

واوضح تحليل مضمون تصريحات صدام انه يتصرف بدون ان يفكر كثيراً قبل ان يتخذ قراراً، واثر مزاجه الحاد على كلامه". وقال التحليل ان استعمال صدام لكلمة "نحن" اكثر من استعمال الرؤساء الاميركيين لها يشبه استعمال قادة معينين لها، لأن هؤلاء يعتقدون انهم "اكثر من مسؤولين حكوميين"، وانهم يمثلون شعوبهم او يمثلون دولهم. ولاحظت الدراسة المبالغة في الاوصاف التي استعملها صدام مثل "عدوكم ظالم وعنيد وغادر". كما لاحظت ميل صدام إلى الكلام المباشر مثل "قررت الغاء هذا القانون"، بدلاً عن كلام الرؤساء الاميركيين غير المباشر مثل "ادارتي ستبحث عن بديل لهذا القانون"، مشيرة إلى ان هذا يدل على ان صدام شرس ومشاكس و"فتوة".

واوضح بحث آخر ان صدام استغل الشعارات الوطنية ليس لدفع العراقيين لخدمة وطنهم، ولكن لحماية حكمه. واعتمد البحث، في الوصول إلى هذه النتيجة، على عبارات وردت في اجابات صدام في ستين مقابلة صحفية معه، وقارنها مع عبارات مماثلة في مقابلات صحفية مع 86 رئيس دولة من مختلف انحاء العالم.
وحقق صدام، في خانة الوطنية (أي تكرار عبارات وشعارات وطنية) سبعين نقطة، بالمقارنة مع اربعين نقطة لباقي حكام العالم. وقال البحث انه "كلما ارتفعت درجة الحماس الوطني، يتوتر الحاكم والوطن، ويقرب هذا التوتر بين الجانبين حتى يصبح الحاكم وكأنه الوطن ويصبح الوطن وكأنه الحاكم. ويعتبر الحاكم ان كل تهديد للوطن تهديد له". واضاف البحث ان المغالاة في الوطنية "تقود الحاكم ووطنه إلى تقسيم الآخرين إلى اعداء واصدقاء، وإلى (معنا) و(ضدنا)". وفي حالات كثيرة يلقي هذا الحاكم اللوم على الاعداء اذا تعرض وطنه، او تعرض هو، إلى خطر او اذى".

نلاحظ انه بالرغم من ان الدراسات تبدوا تكيل الذم لصدام, لكنها في مجملها تكيل له مديحاً خفياً. وربما حدث ذلك دون قصد, فما ورد فيها عن صدام ليس خطأً, لكن الخطأ هو الإطار العام للمناقشة والدراسة. فهي تفترض اولاً ان صدام يحتاج الى دراسة معمقة لإكتشاف فرقه عن الرؤساء في دول ديمقراطية! والأمر الخاطئ الثاني هو ان ما قاله صدام قاله في ظرف حكومته الدكتاتورية المختلفة عن الحكومة الأمريكية. فلو ان صدام نفسه تسلم الحكم جدلاً في اميركا, لكان تحدث بطريقة اقرب الى حديث الرؤساء الأمريكان مهما كان داخله مختلفاً.
كذلك من الجميل ان نلاحظ ان جميع الصفات التي تفوق بها الرؤساء الأمريكان على الدكتاتور, هي صفاة كانوا سيخسرون في مقارنتها مع حكام اية ديمقراطية غربية اخرى! فالرؤساء الأمريكان استطاعوا التفوق ديمقراطيا على صدام, لأنه من الصعب جداً ان تخسر امامه في هذا لموضوع الذي هو ابعد مثال عنه في العالم. الدراسة في هذا اشبه بتمجيد ملاكم لأنه تفوق على طفلة صغيرة في الملاكمة.

لذا نلاحظ ان مثل هذه الدراسة مظللة بطبيعتها ولا تدري ما الذي تستنتجه منها. ومن الممكن ان يستنتج منها ايحاء لصالح صدام الذي قورن بالديمقراطية الأمريكية, رغم انه خسر المقارنة, فهذا اشبه بوصف لاعب شطرنج سيء بانه "اضعف من كاربوف". انك توحي بذلك, دون ان تقول مباشرة, انه قريب منه في قوته.


من كل هذا اردت تبيان ضرورة ان يقرأ المرء مرتين: مرة ليفهم ما يريد الكاتب قوله, و ثانية (في ذهنه) ليختبر سلامة المنطق الذي كتب النص به, وأمانة استعمال معاني الكلمات, والإيحاءات المتضمنة والتناقضات ولكن بالطبع دون مبالغة عدائية. إنها مهمة قد تبدو عسيرة لكنها تجعل القراءة اكثر فائدة, وربما اكثر متعة ايضاً!



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا الضجيج؟
- الحكم على صدام, فرحة نصر وتفاؤل حذر
- الحكم على صدام, وتفاؤل حذر
- أمسك خصمك متلبساً بقول الحق وامتدحه!
- كيف عادت -صدام حسين يلوك النه-؟
- نظرية بابل*
- أحداث العراق الجسيمة: غزلان وتماسيح
- غيلان: تعويذتنا الواقية من الإنهيار
- برلمانيوا العراق كقدوة حسنة
- اللصوص تشكر حماتها علناً
- إنه يبكي، ذلك القاضي الذي اسعدكم!
- أبي يجد جواباً لحيرته: بحث عن الحقائق في موضوع العنف في العر ...
- وجيهة الحويدر إمرأة تخاف ظلها
- أبي يفتش عن جواب لحيرته : بحث عن الحقائق في موضوع العنف في ا ...
- العراق المترنح بين فدراليتي الإبتزاز والجبن
- ملاحظات حول وثيقة المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
- العلم العراقي: المشكلة والحل
- قرار الرئيس
- النفط والفدرالية
- الحكام العرب أسلحة دمار شامل اسرائيلية


المزيد.....




- هيومن رايتس ووتش: ضربة إسرائيلية على لبنان بأسلحة أمريكية تم ...
- الأمم المتحدة: من بين كل ثلاث نسوة.. سيدة واحدة تتعرض للعنف ...
- وزير الخارجية الإيطالي: مذكرة اعتقال نتنياهو لا تقرب السلام ...
- تصيبهم وتمنع إسعافهم.. هكذا تتعمد إسرائيل إعدام أطفال الضفة ...
- الجامعة العربية تبحث مع مجموعة مديري الطوارئ في الأمم المتحد ...
- هذا حال المحكمة الجنائية مع أمريكا فما حال وكالة الطاقة الذر ...
- عراقجي: على المجتمع الدولي ابداء الجدية بتنفيذ قرار اعتقال ن ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام مواطن -قصاصًا- وتكشف اسمه وجر ...
- خيام غارقة ومعاناة بلا نهاية.. القصف والمطر يلاحقان النازحين ...
- عراقجي يصل لشبونة للمشاركة في منتدى تحالف الامم المتحدة للحض ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صائب خليل - كيف يتخذ الإنسان العراقي موقفاً من كل هذا؟ -2: ضرورة القراءة الثانية