أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - 25 يناير، رد الاعتبار














المزيد.....

25 يناير، رد الاعتبار


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7754 - 2023 / 10 / 4 - 12:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين وقفة عرابي، وثورة سعد، وحركة الضباط، وثورة التصحيح، ثم 30 يونيو، تقف 25 يناير على مسافة بعيدة، فريدة، تلامس ذرى لم يبلغها أي منهم. بل يمكن القول أنها تمثل روح الثورة الشعبية الحقيقية الأولى- وليست الأخيرة- خلال التاريخ المصري الحديث. لقد امتازت على كل ما سبقها وما تلاها في الروح والبنيان، في المقدمات والنتائج. وكانت الأصدق على الإطلاق تعبيراً عن هموم وأحلام المصريين، والأقوى والأنجح على الإطلاق في إزاحة مسببات همومهم ومعوقات أحلامهم. لكنهم، فيما يؤكد مدى نجاح ثورتهم، استيقظوا على كابوس من صنع أيديهم. لا يهم. لقد تعلموا أخيراً كيف يزيحون ويصنعون ويحكمون حكامهم. منذ آلاف السنين، الحكام يصنعون المصريين بالحديد والنار. لكن في هذه المرة بالذات- 25 يناير 2011- اكتشف المصريون لأول مرة خلال تاريخهم الأطول عالمياً الطريق إلى تشكيل خامة الحكام من فرن أوجاعهم وأمانيهم، حتى لو كانت نتيجة هذه المرة الأولى بالغة السوء. لا شك ستتحسن مع كل مرة قادمة.

25 يناير ليست تدبير أو صنيعة عسكري وطني، زعيم مصري، مجموعة أفراد، حاكم فعلي، أو حتى تجمع من مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية. هي تتفرد على كل ذلك بطهارتها من التدبير المسبق والصناعة المتقنة. هي انتفاضة بِكْر، بريئة وعفوية، ليست صرخة ألم وشكوى يجأر بها شخص أو مجموعة أو شريحة أو طبقة معينة. بل كانت صرخة كل المصريين، بكل أطيافهم وتياراتهم وتجمعاتهم المتماثلة والمتناقصة، من أقصى اليسار مروراً بالوسط إلى أقصى اليمين. أطلق شرارتها مجموعات صغيرة من الشباب الحالم شاغلي ذرى التعليم العالي والوظائف الراقية والسلم الاجتماعي، لتؤجج العواطف وتستنهض همم شاغلي أدنى الطبقات الاجتماعية المحرومين من التعليم والعمل ومقدرة الحياة الكريمة. وفي النهاية- تأكيداً لكونها أول ثورة مصرية حقيقية- سقطت في حجر الإسلاميين. أن تأتي 25 يناير بالإسلاميين إلى سدة الحكم، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك كونها ثورة جذرية وعميقة وشاملة، وناجحة حتى تلك اللحظة. ولماذا الإسلاميون بالذات؟ لأن الدين كان ولايزال هو الشغل الشاغل والمحرك الأول والملاذ الأخير للأغلبية الساحقة من المصريين الذين تُركوا لمصيرهم عبر عقود من العيش في الظلم والاستغلال والتضليل وغسيل المخ والجهل والبطالة والفقر والبؤس واليأس.

حُكِّم على أحمد عرابي بالنفي خارج الوطن، لكنه جَسَّدَ أول عودة للكبرياء والشخصية القتالية للعسكري المصري منذ أيام الفراعنة. ولم تفلح ثورة 1919 لا في الإطاحة بنظام الملك ولا في طرد المحتل الأجنبي، لكنها قدمت الدليل الدامغ على ما لدى عامة المصريين من قوة هائلة، التي إذا ما أوكلوها أو فوضوها بإرادتهم الحرة لنفر مُخلص منهم يستطيع أن يتحدى قوة ملك وقوة مندوب بريطاني مجتمعتين. وبينما نجحت حِفنة من الضباط الأحرار في 1952 فيما أخفقت فيه ثورة شعبية بزعامة كاريزمية ملهمة، لتخلع الملك وتطرد المحتل وتقلب هيكلية الدولة والمجتمع المصريين رأساً على عقب، إلا أن النظام الذي فرضوه طوال أكثر من 70 عاماً فشل فشلاً ذريعاً في فتح قنوات الاتصال والتغذية مع القاعدة الجماهيرية العريضة، لينشأ سداً منيعاً بين الطرفين وتصبح القبضة الأمنية ضرورة حتمية لبقاء النظام. وتدليلاً على ذلك، كان نظام الضباط هو ذاته الذي ثار ضده المصريون ونادوا بإسقاطه- ثم أسقطوه فعلاً- في 25 يناير؛ وحين عرض العسكريون أنفسهم للمرة الأولى لاقتراع الناخبين في 2012، لم يختارهم المصريون كما يتصورون ويروجون بل فضلوا عليهم الإسلاميين.

عندما يخلو الفضاء العام في الدولة من أي ممارسة حرة عدا تأدية الفرائض والعبادات اليومية، لا تتعجب أن يكون الدين خيار الناخبين الأول وأحياناً الوحيد إذا ما أُتيحت لهم فرصة الاختيار بنزاهة وحرية. هذه الفرصة لم تُتاح لهم أبداً إلا في 2012، وأتوا فعلاً بالإسلاميين إلى سدة الحكم. ومن هنا كان تفرد 25 يناير على كل ما عداه. كانت المرة الوحيدة في كل التاريخ المصري قديماً وحديثاً التي يمارس فيها عامة المصريين إرادتهم الحرة ويصنعون حكامهم بأصواتهم على صورتهم، مهما كانت بدائية ومتخلفة في نظر البعض. لكنها، لأول مرة، تعكس همومهم وهواجسهم وأحلامهم وأمانيهم الحقيقية. وهنا مكمن الخطر، كل الخطر، على كل الأنظمة التي ستحكم المصريين منذ تاريخ 25 يناير فصاعداً: لقد تذوق المصريون لأول مرة كيف يصنعون بأصواتهم حكاماً من لحمهم ودمهم. وحتى لو كان طعم ثمرتهم الأولى أَمّرُ من الحنظل، سيبقون متشبثون بالأمل أن تكون القادمة أفضل.

نعم، الحرية ستطلق الوحش الذي ظللنا نغذيه منذ أمد طويل. وحش يتمتع بقوى وطاقات جبارة، قادر على أن يُسقط ويُدمر كل ما يعترض طريقه ويعاند أهوائه وأوهامه وتطرفه، وليس أنظمة الحكم فقط. لكن، انظروا ماذا سنحرم أنفسنا إذا لم نروض ونضبط سلوك هذا المارد العملاق وأبقيناه في القمقم ولم نستغل طاقاته اللامحدودة!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخابات مصر
- حين لا يكون للكلام معنى: مراكز الكلام
- ضبط مفهوم الإمبريالية في الإدراك العربي
- اتفاقات أوسلو، موت بطيء ومأساوي
- وحوش اللفياثان في حياة البشر
- هل تترك السعودية صلاح للمصريين؟
- لماذا خَلاَ سكان السماء من الشياطين؟
- بين تعاليم السماء وقوانين الأرض، بحثاً عن العدالة
- هل من حق روسيا أن تغزو أوكرانيا؟
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (4)
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (3)
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (2)
- لماذا لم تنجح روسيا في الانتقال إلى الديمقراطية (1)
- نيمار في السعودية: ثورة ملك شاب
- في رحلة البحث عن النظام بعد رحيل الاستعمار
- بحثاً عن عدالة غائبة عن عالمنا
- هل خَلَق العرب حضارة؟
- هل العرب متخلفون؟
- الإعلان العالمي لحقوق الآلهة!
- كيف انْهَزَمت الجمهورية للمملكة (2)


المزيد.....




- تزامنا مع جولة بوتين الآسيوية.. هجوم روسي -ضخم- يدمر بنية ال ...
- نشطاء يرشون نصب ستونهنج التذكاري الشهير بالطلاء البرتقالي
- قيدتهم بإحكام داخل حقيبة.. الشرطة تنقذ 6 جراء -بيتبول- وتحتج ...
- مستشار ترامب السابق: روسيا قد تسبب مشاكل للولايات المتحدة في ...
- كاتس تعليقا على تهديد حزب الله لقبرص: يجب أن نوقف إيران قبل ...
- طريقة مجانية وبسيطة تثبت فعاليتها في منع آلام أسفل الظهر الم ...
- كيف تتعامل اليابان مع الكميات الكبيرة الصالحة للأكل من بقايا ...
- أوكرانيا تنشئ سجلاً لضحايا الجرائم الجنسية الروسية
- كشف فوائد غير معروفة للدراق
- السيسي يطالب الجيش بترميم مقبرة الشعراوي بعد تعرضها للغرق


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - 25 يناير، رد الاعتبار