أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق الهوا - البابا فرنسيس والإحلال الكبير















المزيد.....

البابا فرنسيس والإحلال الكبير


طارق الهوا

الحوار المتمدن-العدد: 7749 - 2023 / 9 / 29 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما سمعت أول مرة منذ أكثر من عشر سنوات عن بدء إحلال شعوب مكان شعوب، قلت في نفسي تقدم العمر بدأ مفعوله مع الدكتور بطرس بطرس غالي، لكن ذاكرة الرجل بتفاصيلها الصغيرة وتحليلاته ورؤيته خلال حوار استغرق أكثر من ساعة، جعلني أتراجع عن اندفاعي في الحكم، وأعيد النظر لاحقاً في نتائج كل الحروب التي حدثت من بداية هذا القرن، لأجد أن جميعها اشترك في نتيجتيّن رئيسيتيّن، أولهما تمدد التشدد وخروجه من جحور أفغانستان وعشوائيات مدن الشرق الأوسط إلى الغرب لفرض شريعته وطقوسه ومفهومه غير الواقعي أو العلمي للعالم والكون، بعدما كان الهدف من صناعته وقف تمدد الشيوعية. السمة الثانية هي زيادة معدلات الهجرة في العالم بشكل عظيم، وهي ظاهرة مقلقة لأنها تصب في الأجندة التي تحدث عنها واحد من أفضل من تولى منصب سكرتير عام الأمم المتحدة، ونتائجها تدمير ثقافات الغرب، لإحلال ثقافات شعوب متخلفة اعتمادية تواكلية غير منتجة أو مُخترعة، ناهيك عن ثقافة سياسة/دينية ماورائية مُختَلف عليها من أصحابها ومفسريها أنفسهم، فشلت في انتاج أو الإسهام بشيء في كل عصورها خصوصاً عصر الحداثة، وما أُنجز منذ قرون نسبوه إليهم في حين أن الأعاجم هم من أنجزوا.
نظرية الإحلال تعني احتلال استيطاني من شعب بثقافته وتقاليده وطقوسه لشعب آخر، تحرك من مكان ما ليعيش في وطن الأخير، بعدما كان الشعب الأصلي المُضيف هو السيد.
هكذا تصبح الأمة الأصليّة تابعة أو أقلية للشعب الذي أطعمته وحمته وآوته، بسبب التسارع الديموغرافي والنيات الإحلالية المبطنة، التي تظهر عندما يتم استجماع كل القوى ويزيد عدد السكان وتُمسك الوزرات السيادية ويحدث الانقلاب العسكري أو الديموقراطي النهائي.
يفسر بعض الذين يجتّرون الكذب مع أنفسهم هذه النظرية وصاحبها رونو كامو، بالانهيار الكلي للقيم وأخلاق الأخوّة والتضامن، وإخفاق الحداثة التي فشلت في جعل خياراتها الحضارية أمراً مثبتاً في الوجدان الغربي والأوروبي والإنساني.
رأي مضلل وكلمات قاموسيه فسيفسائية يجترها كُتّابها حتى يهضموا حصى كذبهم، ويخدروا السامع ليتقبل ما يُقال.
رأي مردود عليه واقعيا بأربعة أسئلة واضحة من الشرق الأوسط: كم كان عدد الغزاة العرب الذين خرجوا من شبه جزيرتهم؟ أين هي الحضارات ولغاتها بعدما غزوها؟ ما هي نسبتهم إلى السكان الأصليين اليوم؟ ما هو السيناريو الذي مارسه الشيعة في لبنان منذ شعارهم "طائفة المحرومين" حين كانوا أقلية مستضعفة نزحت من العراق من قرون، حتى تنمرهم واحتلالهم الاستيطاني بسبب زيادة عددهم ووجود ميلشيا لديهم أقوى من الجيش لوطن أسسه الموارنة والدروز؟
أسئلة لا يستطيع الليبراليون أو غيرهم الرد عليها بضمير حداثي، أو أمازيغي أو فرعوني أو كردي حر.
تمزقت الهويات الأصيلة بحد السيف، ثم توارت بسبب الخنوع التام لبطش الاستعمار الاستيطاني فالاستسلام حتى نسيان الهوية، بل والتشدق لاحقاً أو الموت دفاعاً عن الهويات المزورة بمرور الزمن.
البابا فرنسيس الأول يبدو انه من أنصار إحلال شعوب مكان شعوب، فكل ما يفعله تجاه المهاجرين "غير الشرعيين"، عبارات منمقة مُضللة تحرّض على تعميق جلد الذات الأوروبية، تجاه مهاجرين اُختير لهم كما هو واضح بالقرائن أن تكون أوروبا وجهتهم، خصوصاً بعض دولها بشكل محدد.
لماذا أوروبا وحدها وليس الصين أو روسيا بالنسبة للمهاجرين غير المسلمين وهي دول شاسعة؟
ولماذا أوروبا وليس المملكة السعودية للمهاجرين المسلمين خصوصاً أن مساحتها تزيد على مليوني كيلومتر مربعا وعدد سكانها قليل وملياراتها كثيرة؟
قال البابا، الذي لم يستبق مهاجراً واحدا في الفاتيكان كعمل رمزي، في مرسيليا منذ أيام: "لا یمكننا أن نبقى شھودا لمآسي الغرق بسبب عمليات الاتجار الكريهة وتعصّب اللامبالاة". "علينا أن ننقذ الأشخاص الذي يتعرّضون لخطر الغرق عندما يتركونهم فوق الأمواج. إنه واجب إنساني، إنه واجب الحضارة". "علينا نحن المؤمنون أن نكون مثالا في الاستقبال المتبادل والأخوي"، وندد كدأبه بتحوّل البحر المتوسط إلى "مقبرة هائلة" دفنت فيها "الكرامة الإنسانية".
وقال البابا الذي لم يفتح أبواب الفاتيكان لأسرة مهاجرة واحدة كعمل رمزي: "أمام هذه المأساة لا تنفع الكلمات، بل الأعمال" واستنكر "شلل الخوف" وتوجّه بالشكر إلى المنظمات غير الحكومية التي تغيث المهاجرين في البحر، ونندد بأولئك الذين يمنعون هذه المنظمات من العمل".
في فرنسا، استقبل اليمين الوطني بشكل متباين زيارة البابا في وقت محتقن، وانتقدوا تدخّلاته السياسية في بلد يُحكم منذ سنة 1905 بمبدأ العلمانية، ويخوض حرباً ضد "الانفصال عن الجمهورية بواسطة مساكين جاءوا كمهاجرين يطلبون الأمن والرزق"، كما اتهمت المعارضة اليسارية ماكرون بـالدوس على الحياد الديني للدولة العلمانية بإعلانه المشاركة في القداس الذي ترأسه البابا في ملعب فيلودروم.
لماذا قبِلَ الاتحاد الأوروبي أن يكون ملجأ مهاجرين غير شرعيين؟ ولماذا يخضع لابتزازات أردوغان وغيره في هذا الخصوص؟ أمور جعلت السياسة الأوروبية حول الهجرة لا اجماع نهائياً عليها.
الوضع السياسي الأوروبي حول الهجرة، يثير دائماً إنزعاج البابا فرنسيس صاحب التوجهات السياسية المريبة، ففي زيارة قام بها في ديسمبر/ كانون الأول 2021 لليونان التي كانت تعتبر إلى وقت قريب أحد المنافذ الأساسية للمهاجرين الوافدين على أوروبا مرورا من تركيا، انتقد ما أسماه قارة "تمزقها الأنانية القومية" واعتبر البابا أن المجتمع الأوروبي "يواصل المماطلة" و"يعاني كما يبدو في بعض الأوقات من العجز وانعدام التنسيق" بدلا من أن يكون "محركا للتضامن" في مسألة الهجرة. وقد قوبل البابا في هذه الزيارة برفع صوت كاهن أرثوذكسي في وجهه "أنت هرطوقي"!
ورقة المهاجرين كانت ولم تزل تُستغل من أطراف سياسية لأغراض انتخابية، وهذه الأطراف السياسية لا بصيرة لها، فالمسألة ليست كما يقول البابا "إنه من السهل التأثير على الرأي العام من خلال زرع الخوف من الآخر"، لأن المسألة هي الخوف على هوية ثقافات وخصوصيات قارة يجب أن تُحترم وحماية حدود دول يجب ألاّ تستباح، فوقوع أوروبا تحت أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين ذات أغلبية أميّة أو عاطلة عن العمل أو لها سوابق أمنية وإرهابية، سيقود إلى كابوس اقتصادي وأمني وانساني وحضاري، سيؤدي إلى تقوّض أوروبا نفسها في نهاية المطاف.
يحث البابا، صاحب التوجهات السياسية المريبة ومُؤجج جلد الذات الأوروبية، منذ سنوات على اعتماد مقاربة إنسانية في التعاطي مع ملف الهجرة والمهاجرين.
في سنة 2013 عند زيارته إلى لامبيدوزا في إيطاليا قال: "ثقافة الرفاهية تجعلنا نفكر في أنفسنا وتجعلنا لا نشعر بألم الاخرين"، داعيا إلى "المسؤولية الأخوية" وإلى إدانة "عولمة اللامبالاة".
قال البابا هذا رغم رأي المسيح القاسي في مَنْ لا يعمل. والرجل أدان كما هو واضح مجتمعات وصلت إلى الرفاهية بعلمها وكدّها واختراعاتها، بينما أخوها الآتي من مكان آخر، لا يريد العودة لوطنه بعد هدوء المدافع فيه، لأنه يريد التنعم برفاهية مجتمعات أرقى من مجتمعه.
حسب توجهات البابا فرنسيس، من الإنسانية والأخوّة أن يرث المهاجر غير الشرعي ما فعله المواطن، حتى يتحقق الشعور بألم الآخرين والمسؤولية!
البابا كخبير في إثارة عطف الجماهير قال في يوليو/ تموز الماضي: "إن موت الأبرياء خصوصاً الأطفال بحثا عن حياة أكثر سلاما بعيدا عن الحرب والعنف عار على مجتمع، لم يعد يحزن على الأخرين ويشفق عليهم".
هل لام وأنّب البابا فرنسيس قراصنة قوارب الموت وهم معروفون بالاسم؟! هل فضح تجارة وتجار البشر؟
المريب في الأمر هو أن البابا لم يوجه أبدا أصابع الاتهام إلى الذين افتعلوا حروباً لصالح شركات الأسلحة وسماسرة السياسة منذ بداية هذا القرن، وكان من نتيجتها فتح باب الجحيم المُسمى هجرة.
هل سُمع البابا يدين جورج دبيلو بوش أعمى البصيرة وحروب نشر الديمقراطية في بلاد لا تؤمن بها؟ حروبه لتحرير العراق من صدام حسين ليقع تحت احتلال إيران! حروبه التي دشنت عصر هجرة المسيحيين أولا من شرقي البحر المتوسط ثم تلتهم هجرة أديان ومذاهب أخرى؟
هل أدان البابا طوني بلير شريك بوش؟ هل أدان البابا فرنسيس مهندسي "الربيع العربي" الذي أدى إلى موجة الهجرة الثانية والأعظم والأخطر؟ هل أدان البابا فرنسيس مجرمي حروب أفريقيا أصحاب الموجة الثالثة من الهجرة؟ هل أدان فساد 99% من رؤساء أفريقا؟
هل سمع البابا أو قرأ ما قاله وكتبه الدكتور بطرس بطرس غالي أو رونو كامو وغيرهم؟ هل سمع البابا عن الذين يريدون رفع رايتهم فوق الفاتيكان؟
المرجح انه سمع وقرأ لكنه كما يبدو أحد داعمي أجندة الإحلال مع ترودو وميركل وحسين أوباما والليبراليين ومن لف لفهم، مع عدم اغفال بايدن فاتح حدود أميركا الجنوبية أمام الجميع، وكافل المهاجرين غير الشرعيين مالياً في الفنادق وشركات الهواتف والطعام والملابس والمدارس والمستشفيات حتى يحصلوا على الجنسية الأميركية.



#طارق_الهوا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة برسم الدعاة الفضائيين
- قطع الرأس سمة ثقافية
- باتريك زكي إرهابي بقرار من الدولة العميقة
- الفريد في رؤساء أميركا
- دارمانان: مهددون بالإرهاب الإسلامي السنّي
- حقوق المجرم أهم من أمن الوطن!
- تحويل البشر إلى أرقام
- تبصير في فنجان ترامب
- خنوعوفوبيا وليس إسلاموفوبيا
- نتائج نشر ديمقراطية أميركا!
- أول -رابعة العدوية- في أميركا
- نتائج تحريض دعاة الرولكس
- إمام المشعوذين والغرب غير البصير
- كريستوفر كولومبوس وعقبة بن نافع
- خواطر حول إمبراطورية في خطر
- ميلوني المتطرفة والقرضاوي المعتدل
- أوقفوا القطار لإقامة الصلاة
- رسالة لمارين لوبان في رئة كاهن
- رئيس نائم وزلق اللسان أيضاً
- نبوءة الأسقف ديزموند توتو (2)


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق الهوا - البابا فرنسيس والإحلال الكبير