|
براءة الرب (مقال)
نور فهمي
كاتبة
(Noor Fahmy)
الحوار المتمدن-العدد: 7748 - 2023 / 9 / 28 - 18:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
براءة الرب
أخبرتنى ذات مرة أن الله يبتلى المؤمن لكى يمحو خطاياه، أو يرفعه درجات.
سألتها : لماذا اذا يصاب بعض الأطفال بالابتلاءات المرضية والجسدية؟!
قالت: لم أفهم سؤالك!!
فأجبتها: إذا كان الطفل بريئا لا يحاسب؟ فأى تطهير يحدث إذا ما ابتلاه الله كما تقولين ؟! على أى أمر يعاقب، أو حتى يرفع درجات ؟!
قالت بتردد: ربما يعاقب الله والديه على جرم اقترفوه أو ذنب أتوا به!!
سألتها باستنكار: وكيف يعاقب الله إنسانا بذنب إنسان آخر؟! أليس الله رحيما ..لماذا يعذب طفلا صغيرا لا حول له ولا قوة ؟!
تفكرت مليا ثم أجابت: هى حكمته !!
قلت: ومن أين أتى لك كل هذا اليقين؟ أم أنك ترددين فقط ما يلقى على سمعك من الآخرين ؟! كيف عرفت أنها حكمته؟!
فأجابت سؤالى بسؤال: ولماذا يفعل الله هذا إذا لم يكن بدافع حكمة "لا نعلمها"؟!
قلت: اذا؛ لا تقولى بدافع الحكمة وكأنك تعرفين ذلك حق المعرفة!! بل قولى: لا أعلم وكفى!!
"أنا كنت دايما بخاف من ربنا وعقابه والنار، لكن اكتشفت ان الجنة والنار" نتيجة" أكتر ما هى ثواب أو عقاب، أنا بحط ايدى فى الكوبس، مش بتعاقب انى "اتكهرب"..لأ ..دى "نتيجة" جاءت هذه الجمل على لسان البطل فى فيلم (بالألوان الطبيعية)، تفسيرا لمسألة العقاب والحساب والموت وما بعد الموت؛ جاءت كإعلان "لبراءة الرب" من تفسيرات البشر!!
فى الآونة الأخيرة تم ابتكار روبوتات مزودة بخاصيات مختلفة مبهرة؛ تقوم بمهام يقوم بها البشر بل وأفضل منهم، حتى "الإحساس" فيها، بات متاحا وممكنا، يستطيع بعضها أن يشعر بالحزن والاستياء والحماس والفرح، بل والبعض الآخر بإمكانه تخفيف حزنك وتقليل نسبة التوتر الذى تشعر به انت!! يوجد روبوتات على وشك أن تصير كالبشر، مستقلة تماما وأكثر ذكاءا ومرونة منا!! بل ويمكنها استبدالنا أيضا فيما بعد!! مما يعنى أنها ستصبح قريبا "سيدة مصيرها وقرارها" دون تدخل فعلى منا!!
فهل يصل بنا العلم ذات يوم؛ لأن نكون نحن أيضا خالقين؟! خالقين أقدارنا بأيدينا، متحكمين فى اختياراتنا تماما؟! قادرين على صنع واقعا جديدا بفرضيات ومعطيات أخرى غير التى كانت فى الماضى؛ وبالتالى نتائج مختلفة؟! هل يمكن مثلا أن نصبح مدعمين فى المستقبل بنظام "حماية خاص"؛ مما يجعل احتمالية إصابتنا بأى ضرر شبه منعدمة أو منعدمة " تماما"، فاذا مرضنا نشفى تلقائيا، ولا نصاب بعجز أو شيخوخة إذا ما تقدم بنا العمر؛ لأن جهاز الحماية سيجدد شبابنا تلقائيا! هل يمكن أن يصبح هذا التطبيق ملاكنا الحارس "الجديد" هل باستطاعتنا مستقبلا تحميل "تطبيق" بخاصية اختيار الموت، ثم البعث من جديد مرات ومرات ، نضبط ونتحكم بهذا الامر بالسهولة التى نضبط بها منبهاتنا، وإذا ما أردنا أن نعيش ألف عام، يكن لنا ما اردنا، أما إذا قررنا إيقاف شعور معين أو استبداله..بإمكاننا ذلك وبضغطة ذر واحدة!! تخيل معى لو أن حياتك تتكرر إلى ما لا نهاية، كل مرة بنمط مختلف وأخذ بسبيل آخر، كل مرة بجنسية أخرى ومحيط مغاير لمحيطك الذى عهدت. حياة تلتقى فيها بمن أحببت بلا فراق ولا عذاب أو موت، حياة تستطيع فيها محو أعدائك "بتطبيق "، وخلق احداث حياتك كلها عبر جهاز تحكم، تتصورها فتصيغها على شاشة وتحذف منها ما لا يرضيك، ثم تضيف ما يتماشى مع هواك وحينها فقط تقرر البدء والولادة!! أليس كل هذا ممكنا بعد كل الطفرات العلمية والتكنولوجية الحديثة!! ألم تكن أحلام السابقين هى ذاتها قدر اللاحقين؟! يعلل توفيق الحكيم فى كتابه (عصا الحكيم)؛ تقديسه لفكرة(الحلم) فيكتب هذه الكلمات المستنيرة: "هذا الوهم الشفاف الذى لا جسم له،هذا الحلم الهفهاف الذى لا كيان له...هذا الخيال العابر الذى يأنف المكان أن يجد له موضعا،و يترفع الزمان عن أن يبقى به فى حسابه لحظة،يستطيع أن ينقلب جبلا شاهقا راسخ الموضع دائم اللحظات،و مثل هذا كثير فى عالم الروائع الباقية و الأفكار الخالدة...رجل يتوهم أو يتخيل أو يحلم،ثم يستيقظ فى الصباح مؤمنا بوهمه أو خياله،أو حلمه،فيأبى إلا أن يقيمه على قدمين،فما يكاد يفعل حتى ينطلق هذا الوهم أو الحلم يسعى بين الناس حقيقة،يعيش فيها الناس و يألفونها،كما يألفون الظواهر الطبيعية"
فهل ينجو الشرق يوما إذا آمن حقا بنفسه؟!! إذا انتقل باحترامه للضمير الإنسانى أولا، ثم الأخذ بالعلم ثانيا؛ من الظلمات إلى النور..من صفات العبودية إلى صفات الخلق؟! من التسليم لظروف سيئة_ يدعى زورا انها من عند الله_ إلى القيادة والتحكم فى مصيره بالمحاولات المستمرة من السعى والاجتهاد والدأب ؟! هل نصبح يوما على تلك الصورة التى لطالما ظللنا نشاهدنا عن بعد، نباركها دون اقتراب، نلعنها أحيانا لأننا أبعد ما نكون عنها؟!! هل نتحول يوما بفضل العلم من مجرد عبيد يساقون، إلى آلهة يحكمون ويتحكمون؟!
#نور_فهمي (هاشتاغ)
Noor_Fahmy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاقة(إحسان عبد القدوس) بمسلسل -أزمة منتصف العمر-
-
وجه لا يشبه صاحبه!
-
شاهينية الهوى
-
(منتهى اللذة..منتهى الألم) مقال
-
آيات سينمائية..تلاوة امرأة
-
حرية موقوتة (نص نثرى)
-
انتحار عارية (قصة قصيرة)
-
سمعة الكترونية (قصة قصيرة)
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
-
الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|