أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كاظم حبيب - تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور إلى مراكز للتوتر والفوضى والتستر على نشاط قوى النظام المخلوع















المزيد.....


تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور إلى مراكز للتوتر والفوضى والتستر على نشاط قوى النظام المخلوع


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 515 - 2003 / 6 / 11 - 21:22
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


كاظم حبيب

قوى نشاط صدام حسين بعد سقوط النظام

الحلقة الثامنة

تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور
إلى مراكز للتوتر والفوضى والتستر على نشاط قوى النظام المخلوع

انقسم علماء ورجال الدين المسلمين في الفترة التي حكم بها الدكتاتور صدام حسين العراق إلى ثلاث مجموعات رئيسية, بغض النظر عن المذاهب التي ينتمون إليها.
1) كانت المجموعة الأولى هي الأكبر وتتشكل من علماء دين فضلاء رفضوا الدكتاتورية وتصدوا لها وعانوا الأمرين من تحت وطأتها ومن عنت الدكتاتور وأوامره التعسفية الشرسة, ومن إرهابٍ واضطهادٍ وقمعٍ وتعذيبٍ وقتلٍ متواصل على أيدي جلاوزة النظام, شمل الكثير من أفراد عوائلهم أيضاً.
2)  وكانت المجموعة الثانية أصغر وتتشكل من علماء الدين كرام انسحبوا إلى الوراء ورفضوا إبداء الرأي أو التأييد للنظام وعجزوا عن محاربته وفضلوا السكوت على النطق بما يسيء إلى دينهم وشخوصهم, وساروا على بعض القواعد المعروفة في مثل هذه الأوضاع الصعبة, ومنها "السكوت من ذهب", "والتقية واجبة", "ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها".
3) أما المجموعة الثالثة, وهي الأصغر, فتتشكل من عدد غير قليل من رجال الدين وضع نفسه في خدمة الدكتاتور والتسبيح بحمده والثناء عليه لعظيم بركاته ونعمه عليه!
تبلورت هذه المجموعة في الغالب الأعم في مناطق معينة من العراق, وبشكل خاص في محافظات بغداد والدليم والبعض القليل منهم في الموصل وفي مناطق أخرى من العراق. فما هي الواجبات التي كلفت بها هذه المجموعة خلال العقدين الأخيرين بشكل خاص من حكم المستبد بأمره صدام حسين؟ يمكن تلخيص تلك المهمات بما يلي:
• تسليم منابر الكثير من بيوت الله (الجوامع) بأيدي هؤلاء الأتباع لإلقاء خطب الجمعة بما ترغب الحكومة والتثقيف بما يلزمون به.
• تقديم التقارير عن النشاطات المحتملة في جوامعهم وإقامة علاقات مستمرة مع أجهزة الأمن التي من خلالهم تتم عملية إيصال التعليمات لهم وتسلم التقارير الدورية منهم, إضافة إلى تقديم التقارير السرية عن نشاط ومواقف علماء الدين الذين يلتقون بهم من مختلف المذاهب.
• الدعوة إلى نبذ الفتنة ضد النظام القائم وضد "القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه"!, وتقديم ولاء الطاعة له, على قاعدة "حاكم فاسد خير من الفتنة".
• القيام بزيارة السجناء السياسيين وتنظيم دورات غسل دماغ لهم مصحوبة بتهديدات بمواصلة التعذيب والقتل, أي فرض التوبة عليهم, وفق تصريح أدلى به مفتي بغداد لإحدى المحطات الفضائية العربية عند الاستفسار منه عن أهمية قرار المكرمة الصدامية ب "العفو عن السجناء وإطلاق سراحهم في العراق", حيث أكد أنهم ومنذ سنوات يعملون مع السجناء وبطلب من "الرئيس القائد" لتأمين توبتهم وعودتهم إلى جادة الصواب, وأنها لمكرمة كبيرة من "القائد حفظه الله ورعاه".
• عزل وإبعاد بقية علماء الدين الذي يرفضون الانخراط بحملات الدعاية للنظام ومحاربتهم بالرزق, أو حتى تعريضهم للسجن والتعذيب والموت.
• القيام بزيارات مستمرة إلى البلدان العربية والإسلامية للدعاية للنظام والدفاع عنه وتبييض وجهه الأسود أمام أنظار علماء ورجال الدين الآخرين, وخاصة في فترة الملمات والأيام الصعبة للنظام والدكتاتور. وكذلك تقديم الدعوات لزيارة العراق وإقامة المؤتمرات المدافعة عن نظام صدام حسين والهجوم على المعارضة العراقية واتهامها بأسوأ الاتهامات.
• الحصول على هدايا ثمينة من النظام لتقديمها إلى علماء ورجال الدين العرب والأجانب لشراء ذممهم وتشيعهم للدفاع عن النظام وعن المستبد بأمره, ولم تكن تلك الهدايا والعطايا سوى رشوة محرمة كانت تدفع للبعض من هؤلاء الذين قبلوا بالسحت الحرام.
• إقامة علاقات متينة ومهمة للنظام مع قوى الإسلام السياسي المتطرفة في مختلف بقاع العالم, ومنها قوى القاعدة وطالبان والوهابيين الأكثر تطرفاً. ولهذا لم تكن علاقات النظام بتلك القوى من خلال قوى الأمن العراقي, بل من خلال رجال الدين العراقيين الذين كان لبعضهم صلة مباشرة برئيس جهاز الأمن العراقي, أما الآخرون فكانت صلتهم برجال الأمن والمديرية الخاصة بالقوى الدينية السياسية. وكان رجال الدين العرب في بغداد وبعض المدن الأخرى هم الذين ينسقون أيضاً مع بعض رجال الدين العاملين في كردستان, سواء من أئمة الجوامع أو من غيرهم, كما كانت لهم صلة ينبغي الكشف عنها مع جماعة جند الإسلام, ومن ثم أنصار الإسلام في كردستان العراق.
ويمكن القول بأن المجموعة الأخيرة لعبت في واقع الأمر دورين مهمين في الحياة السياسية العراقية خلال العقود الثلاثة الأخيرة حتى آخر يوم من سقوط النظام العراقي, وأعني بهما:
- التستر على طبيعة النظام الدكتاتوري وعلى جرائمه البشعة بحق الإنسانية في جميع أنحاء العراق وعلى سياساته العدوانية على الصعيدين الداخلي والخارجي في المحافل العراقية والعربية والدولية.
- إبعاد الناس عن التدخل بالسياسة أو المشاركة في النضال ضد النظام والكشف عن القوى التي تساهم في مثل هذا النضال أمام السلطة, إضافة إلى استخدام الجوامع لأغراض غير دينية, بل مشوهة للدين الحنيف. 
وبعد أن ذهب النظام مع الشيطان مشيعاً بلعنات الناس الطيبين والديمقراطيين في مختلف بقاع العالم, فأن المجموعة الصغيرة التي وقفت إلى جانب النظام وساندته في مختلف الأوقات واغتنت منه, انقسمت إلى فريقين, أحدهما انزوى وكف عن القيام بأي نشاط سياسي, وهو الفريق الأصغر, وأما الفريق الثاني فقد أخذ على عاتقه مواصلة العمل لصالح قوى النظام السابق, رب نعمتهم.
ولكن ما هو الدور الذي ينهضون به اليوم؟
كلنا يعرف بأن مجموعة من رجال الدين الذين تعاونوا مع النظام انخرطوا في صفوفه أيضاً, سواء من أصبح منهم نصيراً أم عضواً في حزب البعث وعاملاً في أجهزة النظام المختلفة وفي مستويات مختلفة. وغالبية أعضاء هذه المجموعة تقوم اليوم بنشاطات باتجاهات عديدة نشير إليها من أجل معرفة الدور الخطر الذي تقوم به حاليا وفي الفترة القادمة:
• فهم ينخرطون بتنظيم بعثي خاص بهم ويرتبطون بشكل غير مباشر بالمجموعة التي تقود عمليات الدعاية والتخريب والاغتيالات, وخاصة بالشخصية الرئيسية حالياً, أي بقصي صدام حسين.
• يسعون إلى السيطرة على عمل الجوامع وخطب الجمعة وتأمين غلغلة الشعارات المناسبة في أوساط المؤمنين والمصلين.
• وهم الصلة غير المباشرة لإيصال التوجيهات الحزبية إلى عدد من المجموعات التي شكلها صدام حسين قبل سقوط النظام.
• المشاركة في دفع الجماعات البعثية والقومية إلى الانخراط في صفوف المتظاهرين والأحزاب الأخرى لإيجاد مواقع مناسبة لهم يمكن من خلالها التأثير في مجرى الأوضاع.
• إقامة اتصالات مع بقية علماء ورجال الدين لتحريضهم على التصدي للمحتلين الكفرة في العراق وضد القوى التي تعتبر عندهم من مؤيدي الاحتلال. ويمكن أن يصل الأمر إلى حد تهديدهم بعواقب غير مناسبة لا يريدونها لهم. ويمكن أن تقع حوادث اغتيالات لرجال الدين لترمى على عاتق قوات الاحتلال أو على عاتق القوى التي ناضلت ضد النظام المقبور.
• الاستفادة من الأخطاء التي ترتكبها قوات الاحتلال لتأجيج الأوضاع وتنشيط الأعمال التخريبية. ويمكن أن تشارك في هذه الحملات بشكل منظم بعض الصحف والصحفيين بشكل منسق وبعضها بصورة عفوية. وهي تنطلق اليوم في نشاطها من الجوامع لما تقدمه لها من حماية نسبية وتجد التعليمات في خطب الجمعة.
• مواصلة الاتصال برجال الدين الذين تعاونوا معهم في فترة صدام حسين لمواصلة العمل ونشر دعاياتهم في الدول العربية والدول الإسلامية وبين الأوساط الإسلامية في الدول الأوروبية وأمريكا وغيرها من الدول الغربية. ومن استطاع حضور الحفل التأبيني الذي أقامه المجلس العام للكرد الفيليين في برلين, وفي سائر أنحاء أوروبا والعالم وحيثما وجدوا, واستمع إلى خطاب أحد الحجات القادم من النرويج لتيقن على التنسيق الكبير القائم بين هذه القوى للترويج عن وجود انتفاضة شعبية عظيمة في الفلوجة والتي ستشمل العراق كله, وكيف أن السجون العراقية تطبق على الأحرار من مناضلي الانتفاضة الشعبية. وكلنا يعرف من هم الذين وضعوا في السجن في العراق حالياً, إنهم مجموعة قليلة من أتباع النظام وقيادته, ومجموعة من اللصوص والقائمين بالفرهود لا غير. إنهم يعملون على قاعدة "افتروا ثم افتروا ثم افتروا لعل بعض افتراءاتكم تعلق بأذهان الناس"., وهي قاعدة قديمة أكد أهميتها هتلر في كتابه المشهور, كفاحي,  والذي أعيد طبعه في العراق كثيراً في زمن صدام حسين. وكان رجل الدين هذا يدعو بصراحة إلى الفتنة وغلى تزييف الوقائع والحقائق. 
• التستر على  نشاطات قوى صدام حسين التخريبية من خلال الادعاء بأن قوات التحالف هي التي تستفز الجماهير, وهو احتمال قائم طبعاً, في حين أن السبب ليس تلك الاستفزازات, بل الخطة الموضوعة من قبل قوى صدام حسين.
• ويفترض أن نتيقن بأن هذه المجموعة من رجال الدين لا تتزود بالأموال من مجموعة صدام حسين في الداخل فحسب, بل ومن جماعات البعث العفلقي في الدول العربية الأخرى ومن قوى دينية ترتبط وإياها بأواصر عمل سابقة, أي في فترة صدام حسين. ومن بينها تلك القوى الدينية الوهابية في السعودية وفي الأردن وفي غيرها, إضافة إلى جماعات باكستانية على نحو خاص.
ولكن ما الهدف من وراء هذا النشاط المحموم لهذه المجموعة من رجال الدين, رغم أن النظام البعثي لم يكن دينياً, ولكنه ركب الموجة الدينية في فترة لاحقة قبل سقوطه بسنوات؟
من المعروف لنسبة مهمة من سكان العراق, وخاصة في المدن, أن هذه المجموعة من رجال الدين لم تكن مغرقة بالأموال والرياش وتمتلك النفوذ السياسي عند قادة النظام وأجهزته فحسب, بل أصبحت في الفترات الأخيرة جزء من هذا النظام الفاسد, وتلطخت يد البعض منهم بصورة غير مباشرة بدماء العراقيين أو كان البعض مسؤولاً عن الوشاية بالآخرين وموتهم. وهي الآن خسرت الينبوع الذي كانت تغرف منه المال الحرام, كما أنها وبعد أن تهدأ الأحوال تعتقد بأنها ستتعرض للمحاسبة وملزمة بتقديم الإجابة عن أسئلة عادلة, منها موقفها من قتل الناس بالجملة والمقابر الجماعية وزيارة السجون وسبل تعاملها مع السجناء, وخاصة السياسيين منهم. وهي تخشى ذلك. كما أنها تتوقع أن يكون الحكم القادم علمانياً يفصل بين الدين والدولة ويحترم علماء الدين الأخيار ويبعد عن مراكز المسؤولية الدينية في الجوامع رجال الدين الذين أساءوا إلى الدين وإلى المجتمع وإلى أنفسهم. وهي محنة كبيرة تعيش فيها وتمزق دواخلها, إضافة إلى أنها قد تورطت بالكثير من الحوادث والقضايا التي يعرفها عنها رفاقهام في قيادة حزب البعث وأجهزة الأمن والتي يمكن, حين نشرها, أن تتسبب بفضائح كبيرة تهز المجتمع العراقي وعلماء الدين. إنها بهذه السياسية الراهنة تمارس فحوى المقولة المعروفة "الهجوم خير وسيلة للدفاع".
عرف المجتمع العراقي على مر العصور انقسام علماء ورجال الدين إلى مجموعتين عموماً, فهناك من وقف دوماً إلى جانب الحكام الظالمين, ومن وقف دوماً إلى جانب الرعية المنتهكة والمظلومة والمستغلة والفقيرة. ويمكن للإنسان أن يراجع إلى تاريخ الإسلام في العراق فسيجد هذه اللوحة الصارخة بين المجموعتين أمامه واضحة, ابتداءاً من الصحابي الفاضل والجليل أبي ذر الغفاري ومروراً بالإمام الحسن البصري الذي رفض خلافة معاوية ولكن خشي على نفسه من تعسفه, واستمراراً بثوار العشرين من علماء الدين من مختلف المذاهب الموجودة في العراق, وانتهاءاً بعلماء الدين الذين ذبحوا على أيدي النظام الصدامي الفاجر أو أجبروا على مغادرة العراق والعيش في المهجر والنضال من هناك ضده. ولكن وجد بجوارهم من وقف إلى جانب الحكام وساندهم وسكت عن جرائمهم واعتبر النضال ضدهم فتنة لا يجوز القيام بها, ومنهم الإمام الغزالي, الذي قال بالقبول بالحاكم الفاسد خير من الفتنة, وغيره وصولاً إلى الشيخ مكي الكبيسي وغيره.
إن هذه المجموعة من رجال الدين تعمل وتنسق مع قوى أخرى داخل البلاد وخارجه لإثارة الفوضى والاضطراب في البلاد وحرمان السكان من الاستقرار وإنجاز عملية إعادة البناء وإقامة حكم عراقي وطني شرعي, أي عملياً محاولة تمديد فترة الاحتلال من خلال تلك الأعمال ليتسنى لهم إثارة الشعب ضد قوات الاحتلال, وهم يعرفون تماماً بأن قوات الاحتلال لن تخرج بسرعة, وأن القوى الوطنية لم ترتب بيوتها الخاصة والبيت العراقي حتى الآن, وبعضها ربما مشغول بتأمين المكاسب الصغيرة وتعزيز الكيان الخاص بدلاً من المساهمة في العمل العام. كما أنها تستغل الأخطاء التي ارتكبت حتى الآن والتي يمكن أن ترتكب لاحقاً من قوات الاحتلال لزيادة غضب الجماهير لا ضد من تسبب في دفع الأوضاع في العراق لتصل إلى الحالة التي نحن فيها الآن, وتسبب في توفير مستلزمات وحجج الحرب عليه, رغم عدم اعترافنا بضرورة تلك الحرب, وأعني بذلك النظام العراقي وعلى رأسه الطاغية صدام حسين, وليس من حيث الجوهر ضد قوات الاحتلال الأمريكية-البريطانية, التي كانت لسنوات طويلة الحليف الكبير لنظام صدام حسين والعكس أيضاً, بل هي موجهة بالأساس ضد القوى الوطنية العراقية التي لا تريد أن تراها في السلطة ولا تريد أن تراها تؤسس الحياة الديمقراطية وفق مبادئ حديثة ووفق دستور ديمقراطي ومجتمع مدني وجمهورية اتحادية برلمانية حرة.
إن هذه المجموعة من رجال الدين مستعدة اليوم للقيام بكل شيء من أجل زعزعة الوضع وتعميم الفوضى في العراق كله وتوسيع نشاط فرق الاغتيالات وأعمال التخريب الصدامية "فدائيي صدام حسين" ونشر معلومات كثيرة في الصحافة لإثارة الناس, وخاصة المتدينين منهم.
أنا مدرك تماماً بأن هذه المجموعة, سواء أكانوا من الجماعة الدينية الظلامية التي تحدثت عنها أم من أيتام صدام حسين الذين ينصبون الكمائن لقوات الاحتلال ..الخ, لا تشكل خطراً جدياً على الوضع القائم في العراق وليس في مقدورها العودة إلى السلطة بأي حال. ولكني مدرك أيضاً بأن هذه النشاطات ستستنزف الكثير من الدماء البريئة وستثير الفوضى والاضطراب في البلاد وستعيق بهذا القدر أو ذاك عملية إعادة البناء, أو حتى أنها ستؤدي إلى تأخير تشكيل الحكومة الوطنية العراقية.
ومن هذا المنطلق أجد لزاماً على الوطنية العراقية, التي ناضلت لعشرات السنين ضد نظام صدام حسين والتي عانت من استبداده وقهره, لا أن تأخذ الحيطة والحذر من نشاطات هذه المجموعة من رجال الدين البعيدين من حيث الأساس عن جوهر الدين وعن مهماته الأساسية, بل العمل على فضحها والكشف عن تنظيماتها وعلاقاتها السابقة بنظام صدام وتصريحاتها في فترة حكمه ودفاعها عنه, وعن علاقاتها الراهنة بقوى صدام حسين الناشطة في الساحة السياسية السرية أو شبه العلنية. فهذه المجموعة تلعب اليوم بمصير الوطن ومصالح الشعب ولا بد من إيقافها عن الحد الذي وصلت إليه حتى الآن وفق القانون الديمقراطي والمحاسبة القانونية واحترام حقوق الإنسان.
إن القوى الوطنية العراقية التي اجتمعت أخيراً في أربيل يفترض فيها أن تواصل هذا النهج السليم لتأمين الأساس الصالح لمعالجة مشكلات الوطن والشعب الحادة حالياً ومن أجل تأمين مستلزمات المطالبة الجدية والقادرة على الفعل محلياً وإقليمياً ودولياً بإنهاء الاحتلال غير المرغوب فيه في كل الأحوال.
إن قوات التحالف الأمريكي-البريطاني التي لها مشروعها الخاص المختلف عن مشروع القوى الوطنية العراقية تواصل نهج البطء في حل معضلة المؤتمر العام للقوى السياسية العراقية وتشكيل حكومة تنبثق عن هذا المؤتمر وتقوم بواجباتها, وبالتالي البطء في معالجة المشكلات الشعبية الراهنة, وخاصة الخدمات المختلفة. وفي هذا التأخير تستفيد القوى المناهضة للحركة الوطنية العراقية من أيتام نظام صدام المقبور, ومنها هذه المجموعة من رجال الدين, وتصيد في الماء العكر وتقتل بعض جنود قوات التحالف الذي يتسبب بدوره بتوجيه ضربات للمجموعات الصدامية المسلحة من جانب قوات التحالف. وهكذا تستمر الفوضى ويستمر نزيف الدم وهو ما تسعى إليه قوى صدام. ولكنه ليس في صالح الحركة الوطنية العراقية والشعب العراقي. ويأمل الإنسان أن تتخذ التدابير الكفيلة بمنع هذه المجموعات من استخدام بيوت الله لإغراض إثارة التوتر والفوضى في المجتمع وتعطيل عملية إعادة البناء وتسلم السلطة من قبل القوى السياسية العراقية.
إن ترك هذا الأمر دون إجراءات سريعة وفعالة سيسمح إلى تطور غير محمود بالاتجاه التالي:
- وصول مجندين من أتباع البعث في الدول العربية إلى العراق للمشاركة بعمليات انتحارية ضد قوات التحالف وضد القوى والشخصيات السياسية العراقية.
- وصول مجندين من أتباع القاعدة من العرب والكرد وغيرهما إلى العراق عبر إيران والأردن وسوريا, بغض النظر عن معرفة أو عدم معرفة الأجهزة الحدودية هناك, إذ أن تجربتنا الخاصة تؤكد وجود ثغرات كبيرة ونقاط ضعف على الحدود التي يمكن لهذه المجموعات التسلل من خلالها والوصول إلى أي نقطة في العراق, وأكثر المسائل رواجاً دفع الرشاوى السخية لضمان العبور, أو حتى عبر بعض أفراد العشائر الحدودية.
- إن هذين الاحتمالين سينشطان بدورهما قوى الداخل التي يمكن أن تتسع أعمالها أيضاً وتؤذي المسيرة التي تسعى إليها القوى الديمقراطية العراقية.
ولكن عمليات القتل والتخريب وتعطيل عملية إعادة البناء واستعادة الهدوء والاستقرار في البلاد أن يثير الجماهير الشعبية ضد هذه القوى أيضاً, وبالتالي يمكن تعبئة الجماهير الواسعة ضدها, خاصة وأنها معروفة لها بجرائمها البشعة في العرق.
إن الحديث عن هذا الموضوع والبحث فيه وتبادل الآراء حوله, رغم حساسيته, أصبح ضرورة ملحة وعاجلة بعد الخطب النارية التي بدأ بتوجيهها أئمة الجوامع في عدد من المدن العراقية المحيطة ببغداد, وخاصة الشيخ مكي الكبيسي ومن لف لفه. إذ أنه أراد أن يعطي الانطباع وكأن العراق يعيش في أجواء من الخلاعة الجنسية والتهتك بما يدعو إلى مقاومتها من قبل المسلمين والمؤمنين. ومن هو بعيد عن العراق سيعتقد, عند سماعه كل ذلك, بصواب الافتراءات التي جاءت في هذه الخطب, وهي مشابهة للافتراءات التي كانت تتحدث عنها كذباً وبهتاناً مثل "عظمة القائد التاريخي صدام حسين حفظه الله ورعاه" وروعة النظام القائم في العراق ودفاعه عن الدين والقومية!, وهي مشابهة للافتراءات التي كانت تنطلق من هذا الشيخ ومن أشباهه من رجال الدين التي كانت تتهم قوى المعارضة العراقية بالعمالة للأجنبي وترددها بعض الفضائيات العربية أو بعض الوجوه العربية, وخاصة الفلسطينية منها دون حياء, رغم كل ما كانت تعرفه من جرائم النظام وما عرفته بعد سقوطه والتي تجسدت في المقابر الجماعية التي يزداد عددها يوماً بعد آخر. ويفترض أن يلقى القبض على بعض المجاميع التي كانت تقوم بعمليات القتل والدفن لتدلنا على تلك المقابر الموجود في سائر أنحاء العراق, ابتداءاً من قرى ومدن كردستان العراق وانتهاءاً بمدن وقرى الفرات الأوسط والجنوب والصحراء والسجون ومعسكرات الاعتقال التي أقمتها الفاشية السياسية التي سادت العراق طيلة عقود منصرمة.

برلين في 11/06/2003                                             
                            



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- الشفافية والمجاهرة حاجة ماسة في العلاقة المنشودة بين القوى ا ...
- من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهد ...
- محنة الأكراد الفيلية في العراق!
- المشكلة الأمازيغية وسياسة الشوفينيين العرب
- إلى من تتوجه أصابع الاتهام في التخريبات الأخيرة والجارية في ...
- الدور الذي يفترض أن تلعبه قوى حركة التحرر الوطني الكردية في ...
- ماذا وراء أحداث الفلوجة وهيت؟
- من أجل مواصلة الحوار حول وحدة قوى اليسار الديمقراطي العراق
- احتلال العراق ليس نهاية التاريخ! المخاطر الراهنة على مستقبل ...
- نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج - ال ...
- الحوار المفتوح والشفاف هو الطريق الأسلم لتحقيق رؤية ناضجة حو ...
- نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج
- متابعة لمقال رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العرا ...
- رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي
- حملة من أجل الكشف عن مصير ضحايا الأنفال في كردستان العراق
- العولمة ومخاوف العالم العربي!
- العولمة الموضوعية تقرّب العالم، لكن سياسات العولمة الحالية ت ...


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كاظم حبيب - تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور إلى مراكز للتوتر والفوضى والتستر على نشاط قوى النظام المخلوع