أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - إلى عمر بقلم الشاعر














المزيد.....


إلى عمر بقلم الشاعر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7744 - 2023 / 9 / 24 - 12:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إلى "عمر" … بقلم الشاعر

حين رأيت "عمر نبيل" في حفل الموسيقار "علي الحجار"، وددتُ عناقَه وتقبيله، لكنني تذكرتُ أن "عمر"، شأن المتوحدين، يكره الأحضانَ والتلامسَ، فشددتُ على يديه، وأنا أغوصُ في تلك العينين الصافيتين خلف منظار طبي صافٍ كصفاء قلبه، وتلك الابتسامة الحلوة المرحبة بالعالم، والحذرة منه في آن.
أتجوّل بين صفحات الكتاب المدهش «عُمر.. من الشرنقة إلى الطيران»، للكاتبة "فاطمة ناعوت" والدة "عمر"، الرائعة بكل ما تعنيه الروعة من معانٍ، والتي لو لم تنجز في حياتها الأدبية سوى هذا الإصدار لكفاها ووضعها في خانة كبار الأدباء. فالأمُّ: شاعرة وصحفية ومترجمة، ومثقفة نبيلة، من أولئك المحاربات نصرةً لقضايا الوطن والعدالة والإنسانية ضد المتاجرين والعنصريين والظلاميين، ولن أتحدثَ عنها، فهي غنيّةٌ عن التعريف. إنما حديثي عن كنزها الإنساني الأكبر: ابنها "عمر". ففي كتابها الإنساني عشتُ "تجربة الحياة والشغف"، بداية من مقدمة ا.د. “أحمد عكاشة" للكتاب، وشرحه الموجز لمتلازمة "أسبرجر" المصاب بها "عمر"، وهي متلازمة الجمال، والرقي والسمو، يسميها البروفيسور عكاشة "الذاتوية"؛ لأن "الذاتوي" يستغني بذاته عن العالم؛ وهي متلازمة العباقرة في الفنون: (موتسارت، فان جوخ)، والرياضة (ليونيل ميسي) والعلوم (إديسون، نيوتن، أينشتاين، بيل جيتس، إيلون ماسك) على سبيل المثال، لا الحصر.
يستعرضُ الكتابُ تجربة الأمّ مع ابنها منذ ميلاده، ونبوغه في شهوره الأولى حين أعاد غطاء الترمومتر (مثلث الأضلاع) لمكانه بسهولة، وهو أمرٌ يستوجب من الكبار قدرًا من التركيز والتوافق البصري العضلي، وتتوالى سمات النبوغ مع "عمر" فيمشي دون حبو ويقود الدراجة، ويتكلم ويتحكم في الكمبيوتر، ويرسم لوحات فنية فائقة ما يبشر بنابغة صغير، إلى أن جاء يومٌ ما كان له أن يأتي، ليدخل الطفلُ قوقعة الانزواء ويرفع راية "التوحد"، ويهجرَ العالمَ ويلوذ بغرفته، ليرسم لوحاته صامتًا. إنها شرنقة "أسبرجر" التي جعلت الأمَّ تجزع من هكذا انسحاب مفاجئ.
تروي الأمُّ كيف كان لهذا التحوّل المخيف انعكاسٌ معتم على حياتها، وتحكي عن الرحلة الشاقة، بين عيادات التخصصات المختلفة، علّها تعثر على طوق نجاة تُلقيه لطفلها في بحر العزلة الذي تتهادى أمواجه بهدوء قاتل لتسحب ابنها بعيدًا عنها، إلى قاع لا تعرف منتهاه. رحلة تدعمها فيها أمُّها العظيمة القوية التي جعلها الحفيدُ "عمر" تبكي أمام طبيبة لتنقذه من خندق الصمت. وأما الزوج فكان يرى أن ابنهما ليس مريًضًا، بل "مختلفٌ"، قائلا: "عمر تمام!"، لكنها ترفض أن تصدقه؛ فهاجس الأمومة داخلها يصرخ بأن: "عمر مش تمام”.
تعكفُ الأمُّ سنواتٍ على القراءة عن "طيف التوحد"، وتعرف عنه الكثير، وتضعه في الكتاب الذي يضم مادة علمية غزيرة عن المتلازمة وأعراضها وطرق التعامل. بل كانت تعتبر أي قراءة بعيدًا عن "التوحد" خيانة لـ"عمر". و راحت تؤجل كل شيء ريثما يطير صغيرُها من شرنقته، ويخرج للعالم من جديد. أي ضحكة منها - في زمن الشرنقة - مبتسرة ومبتورة يحلُّ محلها فورًا حزن الأم النبيل، أي نشاط عادي في حياة امرأة مؤجل حتى يُشفى الصغير. هكذا شيّدت "فاطمة ناعوت" معبد أمومتها، وراحت في محرابه تبتهل إلى الله راجية الشفاء، لكنها في لحظة صفو واعٍ تساءلت: "شفاءٌ مِمَّ؟! عمر طفلٌ رقيق، صادقٌ، جميل، وفنان موهوب، ولا يعرفُ المجاملة ولا النفاق، ومنظم حد الهوس مهما حاولت الأمُّ تكسير النظام لئلا يقع الصغيرُ في فخ الروتين…. فمِمَّ تسأل ربَّها الشفاء لابنها؟! بل علينا الدعاء لشفاء مَن ينافقون، ويكذبون، ويقتلون، ويعنصرون، إلى آخر تلك الموبقات التي يرتكبها "الأسوياء اسمًا لا حقيقة". تعلّمت الأمُّ أن تشكر اللهَ على منحها تلك الهدية المقدسة: ابنها المتوحد الجميل. وبعدما اكتشفت جمال عالمه الفريد، قررت أن تدخل معه فيه، وتتعلّم من مواقفه النبيلة؛ مثلما طار من بين يديها على كوبري "قصر النيل" ليساعد عجوزًا يعبر الطريق، واليوم الذي خاطر بنفسه في نزول سلم كهربائى صاعد في المطار ليساعد مُربيته على الصعود، واليوم الذي أهدى بنتًا فقيرة تتسول على الكورنيش "وردةً" لا نقودًا، وغيرها من مواقف لا يصنعها إلا المتحضرون.
خرج "عمر" مهندس المدن الطوباوية من شرنقة الهدوء والصمت، ويحاول اليومَ الاندماج في صخب المجتمع بمساعدة أمّه الأديبة. فشكرًا على كتاب "عمر من الشرنقة إلى الطيران"، الذي كان لمسة حانية من يد الرحمن على قلب كل أمٍّ اصطفاها ومنحها طفلا مصابًا بمتلازمة الجمال، وفي انتظار الكتاب القادم بقلم الأم "فاطمة ناعوت" حول مرحلة الطيران.
***
هذه المقطوعة الجميلة كتبها الشاعرُ الصحفي "أشرف ضمر"، لتكون مقدمة كتابي القادم "بيتٌ من المكعبات في مدينة الملائكة"، الذي سوف يصدر بإذن الله عن دار "الأنجلو المصرية".

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجهُ أمي!
- رأسُ السنة المصرية 6265 … عيدٌ قومي
- 100 سنة غنا ... التأريخ للفن المصري
- علي الحجار ... ١٠٠ سنة غنا | ١
- نذكرُ العظماءَ …. وننسى قاتليهم
- ذوي الأنوفِ الطِوالِ… تنمَّروا على المجرمين!
- عمر خيرت ... يعزفُ صمتًا
- مدينة الأحلام … لأبناء طيف التوحد
- محمد نوح ... مدد مدد
- هذا أبي ...
- زينب هانم لطفي … وداعًا
- مصرُ تحتفلُ بمئوية البابا الذهبي
- (سوسن أحمد) على خُطى (سميرة موسى)
- مسرح صبحي … يبحثُ عن العائلة
- التهمة: يبتسمون في وجوه مَن لا يعرفون!
- استمروا في العزف
- هنّ موجودات في حي الأسمرات
- الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات!
- الشِّعرُ …. والقضايا الكبرى
- لكي تعرفَ الزهورَ … كُن زهرةً


المزيد.....




- سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
- بالصور.. الزاوية الرفاعية في المسجد الأقصى
- جماعة -الإخوان المسلمون- تنعى الداعية يوسف ندا
- قائد الثورة الاسلامية: اثارة الشبهات من نشاطات الاعداء الاسا ...
- قائد الثورة الاسلامية يلتقي منشدي المنبر الحسيني وشعراء اهل ...
- هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س ...
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - إلى عمر بقلم الشاعر