|
عناق الدببة والمجازر الإسرائيلية
برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 1731 - 2006 / 11 / 11 - 08:57
المحور:
القضية الفلسطينية
لم تر إسرائيل الرسمية في المجزرة التي ارتكبتها قواتها، فجر يوم الأربعاء الماضي، أكثر من "مجرد خطأ" ارتكبه "أكثر جيش في العالم يحافظ على طهارة السلاح إطلاقا"، حسب ما يردد قادة إسرائيل، السياسيون والعسكريون على حد سواء! ومثل هذه المزاعم تظهر تحديدا عند وقوع أبشع الجرائم ضد الإنسانية، والتي لا تتوقف القوات الإسرائيلية عن ارتكابها. وإسرائيل تعتبر مثل هذه المجازر "حدثا شاذا"، لكن "الشاذ" في قاموس الاحتلال الإسرائيلي تحول إلى نهج دائم، أو لنقل انه تحول إلى قاعدة في التوجيهات والتنفيذ.
غير أنه من الضروري الاعتراف، ولا سيما الآن، أن الجيش الإسرائيلي هو من أكثر الجيوش تطورا في العالم، استنادا إلى التقارير الإسرائيلية التي تظهر تباعا، لا بل إن إسرائيل تُعتبر من أكبر مصدري المعدات العسكرية التقنية التي تتمثل وظيفتها في الدقة في تحديد الهدف؛ ومن ضمن هذه المعدات المدفعية الإسرائيلية.
نقول هذا لنشير إلى أن مزاعم "الخطأ" في المجزرة الإسرائيلية لا يمكن ان تتواجد على الإطلاق. فأول التقارير الإسرائيلية ادعى ان المدفعية "أخطأت" بنحو ألف متر بعيدا عن "هدفها"، وهي مسافة بعيدة جدا، وتتناقض كليا مع دقة الأجهزة الإسرائيلية، ما يدعم فكرة ان إسرائيل خططت مسبقا لمثل هذا التصعيد الذي تحتاجه في هذه المرحلة بالذات. لأنها بدأت تشعر بمبادرات دولية قد تحاصرها سياسيا، وتدفعها نحو طاولة المفاوضات مجددا، الأمر الذي ترفضه إسرائيل في هذه المرحلة.
كذلك، فإن التخوف الإسرائيلي حاصل بسبب التطورات السياسية في الولايات المتحدة، وبالتالي مصير الدعم الأميركي المطلق لها. فإسرائيل لاتزال تعتقد ان نتائج الانتخابات الأميركية ستدفع بالرئيس جورج بوش إلى البحث عن أجندة أساسية جديدة في الشرق الأوسط. وقد يجد أولمرت الخطوط العريضة لهذه الأجندة خلال محادثاته مع بوش في لقائهما المتوقع في الأسبوع القادم في البيت الأبيض.
ومن ثم، ترى إسرائيل ان أسرع وسيلة لإبعاد نفسها عن حلبة المفاوضات هو التصعيد الأمني، وهي تعلم أن "الخطأ" (المجزرة) الذي ارتكبته لن يبقى من دون رد فلسطيني، يليه رد إسرائيلي، ثم انفجار نعلم متى يبدأ، لكننا لن نعلم متى وكيف سينتهي!
أيضا، فإن إسرائيل تسعى إلى تحقيق هدفها من خلال عدم استقرار الساحة السياسية الفلسطينية، ولتدعي انه ليس هناك قيادة بالإمكان التفاوض معها، تمشيا مع عبارة: "لا يوجد شريك فلسطيني"، مع أن إسرائيل تعلم ان العالم يطالبها بالتفاوض مع الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، والذي تعتبره إسرائيل ذاتها "معتدلا".
ومما لا شك فيه ان إسرائيل تعتبر أبو مازن منذ زمن "ورطة"؛ فهي التي روّجت في العالم، منذ فترة رئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات، ان أبو مازن "هو الشخص المناسب للمفاوضات"، أو "أنه الشخص الأكثر اعتدالا"، و"ان عرفات يصد أبو مازن". وليس سرا أن هذا الترويج الإسرائيلي جعل أبو مازن عرضة لأوصاف قاسية من قبل بعض الأوساط الفلسطينية والعربية.
وإسرائيل تعرف هذا الأمر جيدا، ومن منطلق معرفتها بأدق التفاصيل في الساحة الفلسطينية بكل تعقيداتها، فهي تدرك ان إطراءها على أي شخصية فلسطينية سيجعلها تحت علامة استفهام أمام الجمهور، وهو ما أشار إليه أكثر من مرّة الخبير الإسرائيلي بالشؤون الفلسطينية، داني روبنشتاين، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
فإسرائيل التي تطري في حديثها على الرئيس أبو مازن لم تقدم له أي شيء، لا بل أنها لم تفاوضه إطلاقا، علما أنه تحل في يوم غد السبت الذكرى الثانية لرحيل الرئيس ياسر عرفات، وبدء تولي الرئيس أبو مازن عمليا مهامه الفعلية، من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، المفاوض الأساسي لإسرائيل، بداية، ومن ثم رئيسا للسلطة الفلسطينية. وخلال هذين العامين، لم تدع إسرائيل أبو مازن إلى طاولة المفاوضات، ولم تبد أي بادرة للانفراج! وإذا كانت إسرائيل تتذرع برئاسة حركة حماس للحكومة الفلسطينية، فإن حماس تولت رئاسة الحكومة منذ ثمانية أشهر فقط، أي أن إسرائيل تجاهلت وجود الرئيس أبو مازن لفترة 16 شهرا قبل وصول حماس إلى الرئاسة، ناهيك عن أنها حاصرت مفاوضها الأول الرئيس عرفات على مدى ثلاث سنوات، وعزلته في مقره حتى رحيله. بل وثمة شك راجح بأنها اغتالته بشكل بطيء.
الهدف الإسرائيلي، إن كان مع أبو مازن أو مع أبو عمار من قبله، هو إحداث شرخ بين كل واحد منهما وبين القاعدة الشعبية، لتوهم العالم بعدم وجود قيادة فلسطينية مدعومة شعبيا. وبالنسبة لابو مازن تحديدا، فإنها تمارس معه "عناق الدببة" الخانق! وللأسف، هناك في الأوساط الفلسطينية من "يشتري" هذا العناق من اجل التحريض وتحقيق المكاسب الأساسية على تربة أوجدها الاحتلال الإسرائيلي.
أما بالنسبة للرئيس عرفات، فإن الوسيلة كانت مختلفة تماما، فللعالم قالت انه يدعم ما تصفه حكومة الاحتلال بـ"الارهاب"، وفي المقابل فإنها أكثر من روجت "للفساد المالي" للرئيس عرفات، ووسائل إعلامها كانت أول من روج لأرقام "ثروة" عرفات، وكانت تتحدث عن بلايين الدولارات، واليوم بعد رحيله بعامين، لا يجري أي حديث عن مصير هذه "الثروة" المزعومة، لأن الهدف منها كان واحدا، هو زعزعة ثقة الجمهور بالشخصية القيادية الأولى للشعب الفلسطيني، وعمليا سحب شرعيته القيادية.
قد يرى البعض في ما جاء معادلة معقدة، ولكن لهذا الأمر ما يعززه، وهو ان كل ما تروج له إسرائيل من أوهام ليس له أي رصيد على ارض الواقع، فهي لم تقدم شيئا للشخصية المرغوبة، كما ان تلك الشخصية التي وصمها بعض "ذوي القربي" بالشبهة، لم تقدم أي تنازل.
وبالتالي فإن فهم الأجندة الإسرائيلية بتفاصيلها الدقيقة هو ضرورة مهمة لقراءة المستقبل وتحديد آلية التعامل معه، أما الاقتناع بالأوهام الإسرائيلية، في المقابل، والترويج لها، فهو خدمة مباشرة للأهداف الإسرائيلية.
هناك حاجة لتماسك الساحة الفلسطينية، وهو أمر تمت مناقشته مؤخرا عدة مرات هنا، أما حملات التشكيك المتبادلة، فهي وصفة ناجعة لتفكك الساحة الفلسطينية، وتعزيز الاحتراب الداخلي، اللذين لا يخدمان إلا جهة واحدة ووحيدة: الاحتلال الإسرائيلي.
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الضعف الإسرائيلي في الحلبة السياسية
-
ليبرمان الدموي داعية الترانسفير
-
أولمرت وليبرمان: حسابات الربح والخسارة
-
حكومة أولمرت ليبرمان
-
الحرب والأعياد كشفت الفجوات الاجتماعية في إسرائيل
-
ليفني وبينيس وجهان جديدان في القيادة الإسرائيلية المقبلة
-
فتح وحماس والشعب الضحية
-
قراء في التقرير السنوي -لمعهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي-
-
إسرائيل غارقة في فساد السلطة
-
سيناريوهات توسيع ائتلاف الحكومة الإسرائيلية
-
-خطة التجميع- تنفذ ميدانيا
-
ارحمونا من -عرب إسرائيل-
-
ليست -الهزيمة الإسرائيلية- الأولى
-
صراع البقاء لعمير بيرتس أم لحزب -العمل- برمّته؟
-
إستطلاعات الرأي الإسرائيلية والواقع
-
حاييم رامون من القفز بين القمم إلى السقوط
-
تناقضات الخطاب الإسرائيلي تجاه سورية
-
مستقبل أولمرت وحكومته مرهون بنتائج الحرب بعيدة المدى
-
حين تبكي -حيفانا-
-
الإحباط الإسرائيلي يستدعي حربا أوسع
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|