عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7738 - 2023 / 9 / 18 - 23:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفلاسفة يعشقون ولا يتزوجون!؟
لأن الفيلسوف يعرف بأن الحياة الزوجية لها إلتزامات و قيم و تطبيقات تحتاج المزيد من الوقت و الصبر و التضحيات التي تمنعه من تحقيق غايته في فلسفة الوجود التي تهتم بهداية الناس جميعأً لا عائلة واحدة .. لهذا عادة ما تراهم يتحرّزون و لا يتزوجون و يحرمون أنفسهم من لذات كثيرة و قد يعشقون الأرواح لا الأبدان فقط لتكملة رسالتهم الكونية!
ألزّواج رابطة مقدسة قد لا تضاهيها رابطة أخرى لكونه منطلق لأدامة الحياة و تنشأة جيل صالح مسالم منتج ؛ لا كآلأجيال الحالية التي تشكل شعوباً مغيبة و ضائعة و تعتاش على المخدرات و الظلم و النفاق و الكذب .. بسبب عدم مراعاة الأزواج لتلك القوانين و القيم التي يعرفها الفيلسوف العارف ..
نعم الزواج الناجح الذي يُفرح الله و الأنبياء و الفلاسفة العرفاء ؛ هو ذلك الزواج الذي يحتاج لصبر كحلم الأنبياء و صبر الحسين و حكمة عليّ الأعلى!!
لهذا من الصعب و النادر أن ترى الفلاسفة يتزوجون بشكل عادي كباقي الناس لأن الفيلسوف يعرف بأنّ الحياة الزوجية لها مستحقات و إلتزامات و قوانين تجب مراعاتها و إلا تكون جحيماً, و لا تسمح لأداء مطالعاته و مشاغلة والأتيان بها بأكمل وجه, لهذا يتحرّزون جهد الأمكان من ذلك و لهذا أكثرهم يتْقنونَ فنّ الوحدة, فهذا (آلبرت آينشتاين) تزوّج لكنه لم يستطع الإستمرار, فأهدى جائزته (نوبل) التي حصل عليها لزوجته مقابل الأنفصال عنها و الطلاق و هكذا معظم الفلاسفة حتى سقراط كانت حياته الزوجية جحيماً و عراكا لا يطاق, لكنه كان يرتاح لها رغم ذلك!
لعلّك تعلم أن أغلب الفلاسفة كانوا عزابا : بداية من هيراقليطس مروراً بأفلاطون و وصولا لديكارت و إسبينوزا و نيتشه و شوبنهاور و لايبنتز و ڤولتير و باسكال و جون جاك روسو و غيرهم الكثير . لكن هناك إستثناآت طبعأً من بينهم .. فهذا الفيلسوف الكبير محمد حسين الطباطبائي نراه ليس فقط كان متزوجاً و له عائلة و أبناء .. بل أوعز جميع نجاحاته حتى تفسيره للقرآن إلى زوجته و عائلته و أثنى عليهم في المقدمة !!
وهكذا العارف (ميرداماد) الجد الرابع للسيد السيستاني قدس سره ؛ فأنه لم يتزوج إلا في حادثة مثّلت أكبر إمتحان في حياته و قد تطرقنا لها سابقا .. هذا العارف الحكيم كان يدرس حتى الصباح و المشكلة أنه كان يجب عليه أن يقف في (التواليت) أو ما نسميه بـ (المرحاض) على رجليه ليستطيع تأمين الضوء الداخل عليه من خلال نافذة التواليت كي يتمكن من القراءة, وهكذا حتى نال العرفان و هي أعلى درجات العلم اللدني.
هؤلاء الفلاسفة جعلوا من أولوياتهم البحث و العمل على مشاريع فكريّة لتأسيس نظريات لفهم العالم و الإنسان، فالبرغم ان كل هؤلاء مرّوا بتجارب عاطفية تكللت معظمها بالفشل الذريع نهاية المطاف .. فديكارت كانت له علاقة مع خادمته و مع عشيقات أخرى كان يلذذ بيها شهوة عينه و عزل عنها عقله المفكر ، و جون جاك روسو الملهوف فقد عاش طيلة حياته مع امرأة لا يحبها وأحب امرأة لم يعش معها يوما واحداً ، و أما كانط(كانت) فلم يكن في أي علاقة ؛ ربما كان قد عشق إحدى الفتيات لكنه فضل الانغماس في بحثه الفلسفي عوض الخوض في العلاقة المنتهية قبل أن تبدأ !
أما المسكين نيتشه فقد خاض تجربة خادعة مع معشوقته سالومي التي خطف قلبها فرويد، و أما سبينوزا فقد أحبّ فتاة فلما تقدم لها بعرض الزواج رفضته عائلتها و زوجوها لشخص آخر ...
و قصص أخرى لا تبحث فيها عن النهاية السعيدة ... و من هنا كرس هؤلاء الفلاسفة حياتهم للمعرفة و العلم و تناسوا ما مروا به من تجارب جعلت منهم ساذجين .
لقد رأى الفلاسفة في الزواج مسؤولية عظمى قد تصرفهم عن التفكير في أداء رسائلهم الكونية العظيمة و ذلك ينبعث من المشاكل المرافقة للزواج و الأولاد و المصاريف و الضجيج الخ.
لذلك ابتعدوا عن هذه الأمور و تفرغوا للمسؤولية الفكرية و التي تنضوي تحت مهمة الارتقاء بالبشرية و إعطاء إضاءات علمية كفيلة بأن تنقدنا من ظلمات الجهل ، و بالفعل توفقوا في ذلك .
قال كارل ماركس ( و هو متزوج ) : من يريد أن يتصدى للقضايا العامة و يتحمل مسؤولية جسيمة لا ينبغي عليه أن يتزوج و ينجب.
و قال نيتشه : إن الفيلسوف الحقيقيّ يرفض الزواج و يتهرب منه بكل هلع ورعب!
لماذا؟
لأن الزواج يقف في طريقه كعقبة كأداء بل و مهلكة تمنعه من التوصل إلى القمة : قمة الفكر والإبداع لخدمة البشرية.
ان الفلاسفة ليسوا كالشعراء صحيح انهم أحبوا و عشقوا لكنهم لم يندموا لأنهم فشلوا في العلاقات العاطفية و تقبلوا الأمر ببرودة دم .
لماذا ؟
لأن الشعراء يرجحون العاطفة على العقل و البصيرة، و الفلاسفة ينتصرون للعقل و يهتدون بآلبصيرة عوض العاطفة و الحواس المجردة.
طبعا هذه النقطة (عدم زواج الفلاسفة) يختص بفئة قليلة جداً في المجتمعات البشرية وهم نوادر عادة و لعل ظهور فيلسوف عارف من كل مليار أو أكثر .. و هذه النسبة محدودة للغاية تكاد لا تُذكر أو ينتبه لها أحد سوى المعنيين و هم نوادر أيضا.
طبعا ظهرت حركات متطرفة - إرهابية - كمجاهدي خلق الإيرانية و منظمة داعش الأسلامية و غيرها ممّن طبقوا قاعدة عدم السماح بآلزواج لأعضائهم وألأكتفاء بزواج المسيار و المرباع و السفر و غيرها, معتقدين بأنهم جزء من الفلاسفة أو ممن يريدون خدمة البشرية ؛ بينما كانوا و حقيقتهم هي العكس تماماً .. و هؤلاء لا يعنوننا لا من قريب و لا من بعيد .. لأن الفليسوف يريد إحياء الأنسانية لا قتلها !؟
النقطة الأساسية .. او الدرس الذي نريد بيانه للجميع حتى الفلاسفة منهم بخصوص الزواج هو :
بإعتقادي كعارف حكيم أرى أن الزواج ليس فقط لا تمنع المفكر و آلفيلسوف من إدامه طريقه بنجاح .. و بتوفيق كامل؛ بل الزواج يكون معيناً له لأداء رسالته الانسانية الكونية بشكل أفضل لكن بشرط واحد و هو :
أن يكون حليمأً .. و ليس سهلاً أن تكون حليماً !!؟
فآلحديث النبوي الشريف يقول:
[كاد الحليم أن يكون رسولاً], و هذه أعلى صفة و مرتبة قد يصلها الأنسان عندما يكون مختاراً من قبل رب العباد بأهم و أخطر رسالة يؤدّيها للبشرية.
والحليم و حده هو الفائز و السعيد في حياته .. و كل المشاكل التي تشهدها بين الزوج و الزوجة و العوائل و المجتمعات سببها فقدان (الحلم) في أوساطهم ..
الحلم بإختصار هو عدم العجلة في إصدار الحُكم و العقوبة مع كون المعني له القدرة في الأنتقام .. لكنه يتأمل و يبحث عن حل أو علة لخطأ المقابل ليغفر له و يجعل الأمر يصبّ في ميزان حسناته .
الحليم هو الشخص الذي لا يتعصّب ولا يغضب, بل لا أحد يستطيع أن يكون كذلك حتى عندما يظلمه أحد أو يتهمه بآلباطل.
الحكيم الحليم هو الشخص الذي يتصرف كتصرف الله تعالى, تأمل حين أخطأ الشيطان بحق الله و إعترض على خلق آدم(ع) نراه تعالى لم يعاقبه فجأة و بسرعة .. بل سأله ؛ [ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك بآلسجود لآدم...؟], ثم تناقشا طويلاً .. رغم إن الله يعرف لماذا أخطأ الشيطان و عصاه و يعرف حتى خاتمة الأمور و عواقبه .. لكنه أراد تعالى أن يعلمنا درساً عظيمأً لكي نرتاح و نحقق السعادة, لذلك قال الرسول(ص) في حديث بما معناه :
[حاول أن تخلق لاخيك عذراً لخطئه إذا لم يكن له عذر ], و قوله (ص):
[أحمل أخاك 70 محملاً], و غيرها كثير ..
و إعلم أيها الحليم ؛ إن سبب الظلم عادة هو التكبر و الطغيان خصوصا عندما يصبح ذا مال أو ذا جاه أو ذا مقام و رتبة مدنية أو عسكرية, و هذا ما يتجسد عادة و للأسف الشديد لدى السياسيين و الحاكمين خصوصا بآلمحاصصة و الأنتهازية و السياسة الشيطانية, فينتشر الظلم و الفوضى, و لا حول ولا قوة إلا بآلله العلي العظيم و العاقبة للحُلماء.
ألعارف الحكيم عزيز حميد الخزرجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعقيباً على مقالنا الكوني بعنوان:
الفلاسفة يعشقون و لا يتزوجون :
بعد مداخلات و نقاشات و تعليقات كثيرة ؛ إضطررت لكتابة التعقيب التالي:
بدأتها ببيت شعر عظيم :
بيت من الشعر قد يُعبّر عن أسرار العشق و مكنونه حيث يقــول :
و الحُبُّ إن قادت مراكبه الأجساد .. إلى فراش من اللذات ينتحر !
هذا البيت الشعري عظيم و معبر و يعني الحُب الحقيقيّ .. بل العشق كله .. حيث حدّد و عرض قوّة المحبة بكونها شعور و إحساس بآلتواضع و الرحمة بداخل الأنسان وليس إفراز بضع قطرات في جوف الليل على فراش الزوجيّة ..
بل تلك (العملية) بمفردها تعني قتل الحُبّ بعد تحقق التماس البدنيّ و الشهوة الحيوانية ..
لكن من يعي أبعاد هذا الكلام الكونيّ خصوصاً في جهنم العراق بل و العالم!؟
للأسف كان آباؤونا و أجدادنا يعتبرون ذلك هو آلمُنى و آلفتح المبين ليسطروا خلفهم أجيال من البنين و البنات يقاسون أنواع البلايا و التيه و الجهل و هم يتعرضون لشتى المحن و الإبتلاآت و تسلط الشياطين عليهم بشكل دائم .. ليبقى هو متمسكاً بسيكارته ليفسد الفضاء معلناً أنه هنا صامد لآخر نفس و كأنه فتح بلاد العالم كلها فتحاً مبيناً بذلك الأرث مع تلك المصائب التي خلّفها لأجيال و أجيال و كأن رسالته في الجياة هي هذه و ليست العدالة و القيم!؟
و لذلك قال الفلاسفة و قلتُ :
[هذا ما جناه عليَّ أبي ما لا أجنيه على أحد].
ألعارف الحكيم
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟