|
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 48
عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن-العدد: 7738 - 2023 / 9 / 18 - 20:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مؤلف الحقيقة الغائبة الدكتور فرج فودة الحلقة الأولى * مقدمة * قراءة جديدة في أوراق الراشدين * قراءة جديدة في أوراق الأمويين * قراءة جديدة في أوراق العباسيين * وماذا بعد ؟!! مقدمة هذا حديث سوف ينكره الكثيرون ، لأنهم يودون أن يسمعوا ما يحبون ، فالنفس تأنس لما تهواه ، وتتعشق ما استقرت عليه ، ويصعب عليها أن تستوعب غيره ، حتى لو تبينت أنه الحق ، أو توسمت أنه الحقيقة ، وأسوأ ما يحدث لقارئ هذا الحديث ، أن يبدأه ونفسه مسبقة بالعداء ، أو متوقعة للتجني ، وأسوأ منه موقف الرفض مع سبق الإصرار للتفكير واستعمال العقل . هذا حديث تاريخ لا يزعم صاحبه أنه متخصص فيه ، أو فارس في ميدانه ، لكنه يزعم أنه قارئ له في أناة ، محلل له في صبر موثق له في دقة ، ناقد له في منطق ، يهوى أنه يقلبه ذات اليمين وذات الشمال ، لا يستطيع أن يمد خياله متجاوزاً الحقيقة بالإضافة أو منتقصاً منها بالإهمال ، وما أكثر ما فعل ذلك من لهم تاريخ واسم ، وقلم وفكر ، ومنهج وبحث ، لا يجدون راحتهم إلا حيث يستريح القارئ ، ولا يراعون وهم يفعلون ذلك حرمة لتاريخ أو لعقل أو حتى لنقل . هذا حديث ما كان أغناني عنه ، لولا أنهم يتنادون بالخلافة ، ليس من منطلق الدعابة أو المهاترة أو الهزل ، بل من منطلق الجد والجدية والاعتقاد ، فسيتدرجون مثلى إلى الخوض فيما يعرف ويعرفون ، ويعلم وينكرون ، وينكر ويقبلون ، ليس من أجلهم ، ولا حتى من أجل أجيال الحاضر التي من واجبها أن تعرف وتتعرف ، وتعلم وتتعلم ، وتفكر وتتكلم ، بل قبل ذلك كله من أجل أجيال سوف تأتي في الغد ، وسوف تعرف لنا قدرنا وإن أنكرنا المنكرون وسوف تنصفنا وإن أداننا المدينون ، وسوف تذكر لنا أننا لم نجبن ولم نقصر ، وأننا بقدر ما أفزعنا بقدر ما دفعنا المجتمع للأمام ، وبقدر ما أقلقنا بقدر ما أستقر المجتمع في أيامهم ، وبقدر ما واجهنا بقدر ما توجهوا هم إلى المستقبل . هذا حديث تاريخ وسياسة وفكر وليس حديث دين وإيمان وعقيدة ، وحديث مسلمين لا حديث إسلام ، وهو قبل ذلك حديث قارئ يعيش القرن العشرين وينتمي إليه عن أحداث بعضها يعود إلى الوراء ثلاثة عشر قرناً أو يزيد ، ومن هنا يبدو الحديث صعباً على من يعيشون وينتمون لواقع ما قبل ثلاثة عشر قرناً ، ويقيمون من خلال معايشتهم وتبنيهم لذلك الواقع أحداث حاضر القرن العشرين ، وهو في النهاية حديث قد يخطئ عن غير قصد ، وقد يصيب عن عمد ، و قد يؤرق عن تعمد ، وقد يفتح باباً أغلقناه كثيراً وهو حقائق التاريخ ، وقد يحيى عضواً أهملناه كثيراً وهو العقل ، وقد يستعمل أداة تجاهلناها كثيراً وهي المنطق ، وهو حديث في النهاية موجز أشد ما يكون الإيجاز ، لا يهتم بالحدث . في ذاته بقدر ما يعتني بدلالاته ويرى أنه بوفاة الرسول استكمل عهد الإسلام وبدأ عهد المسلمين ، وهو عهد قد يقترب من الإسلام كثيراً وقد يلتصق به ، وقد يبتعد عنه كثيراً وقد ينفر منه ، وهو في كل الأحوال والعهود ليس له من القداسة ما يمنع مفكراً من الاقتراب منه ، أو محللاً من تناول وقائعه ، وهو أيضاً وبالتأكيد ليس حجة على الإسلام ، وإنما حجة للمطالبين بالحكم بالإسلام أو حجة عليهم ، وسلاح في أيديهم أو في مواجهتهم ، وليس أبلغ من التاريخ حجة ، ومن الوقائع سنداً ، ومن الأحداث دليلاً ، وليس لهم من البداية أن ينكروا علينا ما رجعنا إليه من مصادر وما استندنا إليه من مراجع ، فهي ذات المراجع التي يحتجون بها على ما يرون أنه في صالحهم ، ومع دعواهم ، ولو أهملنا معاً هذه المراجع ، لما بقي من تاريخ الإسلام شئ ، ولما بقيت في أيديهم حجة ، ولما استقر في كتاباتهم دليل ، ولما وجدوا لمنطقهم سنداً أو أصلاً أو توثيقاً . د . فرج فودة هذا حديث قصدت فيه أن أكون واضحاً كل الوضوح ، صريحاً كل الصراحة ، زاعماً أن الوضوح والصراحة في الموضوع الذي أناقشه استثناء ، فقد صبت في المجرى روافد كثيرة ، منها رافد الخوف ، ومنها رافد المزايدة ، ومنها رافد التحسب لكل احتمال ، وخلف ذلك كله يلوح سد كبير ، يتمثل في الحكمة التي يطلقها المصريون ، والتي تدعو إلى ( سد ) كل باب يأتيك منه الريح ، فما بالك إذا أتاك إعصار التكفير ، وارتطمت بأذنك اتهامات ، أهونها أنك مشكك ، وأسئلة أيسرها – هل يصدر هذا من مسلم ؟ - وواجهتك قلوب عليها أقفالها ، وعقول استراحت لاجتهاد السلف ، ووجدت أن الرمي بالحجارة أهون من إعمال العقل بالبحث ، وأن القذف بالاتهام أيسر من إجهاد الذهن بالاجتهاد .. هذا حديث دنيا وإن بدا لك في ظاهرة حديث دين ، وأمر سياسة وحكم و إن صوروه لك على أنه أمر عقيدة وإيمان ، وحديث شعارات تنطلي على البسطاء ، ويصدقها الأنقياء ، ويعتنقها الأتقياء ، ويتبعون في سبيلها من يدعون الورع (وهم الأذكياء) ، ومن يعلنون بلا مواربة أنهم أمراء ، ويستهدفون الحكم لا الآخرة ، والسلطة لا الجنة ، والدنيا لا الدين ، ويتعسفون في تفسير كلام الله عن غرض في النفوس ويتأولون الأحاديث على هواهم لمرض في القلوب ، ويهيمون في كل واد ، إن كان تكفيراً فأهلاً ، وإن كان تدميراً فسهلا ، ولا يثنيهم عن سعيهم لمناصب السلطة ومقعد السلطان ، أن يخوضوا في دماء إخوانهم في الدين ، أو أن يكون معبرهم فوق أشلاء صادقي الإيمان . لعلك أدركت أيها القارئ أنني أخوض معك في موضوع قريب إلى ذهنك بقدر ما ألح عليه ، وما أكثر ما ألح ، بل ما أصرح ما ألح ، حين ارتفعت ولا تزال ترتفع ، في الانتخابات السياسية والنقابية في مصر رايات مضمونها ( يا دولة الإسلام عودي ، الإسلام هو الحل ، إسلامية إسلامية ) . وهي رايات لا تدري أهي دين أم سياسة ، لكنك تجد مخرجاً في تصور مصدريها أن الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة ، وأن تلك الأقوال تعبير عاطفي عن شعارات الإخوان المسلمين القديمة ، بأن الإسلام دين ودولة ، مصحف وسيف . . . الخ . وقبل أن تسألني ( وهل تنكر ذلك ) يجدر بي أن أضعك أمام وجهتي نظر ، كل منهما تقبل الاجتهاد ، بل وقبل ذلك كله ، تقتضي الإجهاد ، وأقصد بذلك إجهاد الفكر بحثاً عن حقيقة غائبة . أما وجهة النظر الأولى ، ولا أشك أنها وراء ما ذكرت من دعاوى ، فأنها تتمثل في إن المجتمع المصري مجتمع جاهلي أو بعيد عن صحيح الدين . وبين مقولة تجهيل المجتمع ، ومقولة الابتعاد عن صحيح الدين ، تتدرج مواقف القائلين بين التطرف لأصحاب المقولة الأولى ، والاعتدال للقائلين بالثانية ، لكنهم جميعا متفقون على أن نقطة البدء بالحل تكمن في التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية ، وأصحاب وجهة النظر هذه يطرحون خلف ظهورهم خلافهم حول رأيهم في المجتمع الحالي ، ويستقرون بدعوة تطبيق الشريعة ، مؤكدين أن هذا التطبيق ( الفوري ) سوف يتبعه صلاح ( فوري ) للمجتمع ، وحل ( فوري ) لمشاكله . هذا عن وجهة النظر الأولى ، أما وجهة النظر الثانية ، فلعلي ألمح على وجهك قبل أن أعرضها تساؤلاً مضمونه ( وهل هناك وجهة نظر ثانية ) ، ولعلي أتلمس خلف هذا التساؤل تصوراً بأن وجهة النظر الثانية لابد وأن تتناقض مع ما توصلت إليه وجهة النظر الأولى ، وأنها تصبح والأمر كذلك مصطدمة أو متصادمة مع دعوة لتطبيق أصل من أصول العقيدة . لكني أبادر فأطمئنك بأن وجهة النظر الثانية ، لا تناقض الإسلام بل تتصالح معه ، ولا تأتي من خارجه بل تخرج من عباءته ، ولا تصدر عن مارق بل تصدر عن عاشق لكل قيم الإسلام النبيلة والعظيمة .. يتبع
#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة47
-
شرارة هامة من تاريخ النضال الحضاري لقوى التحرر2
-
الذكرى الاحدى والاربعين على مجزرة صبرا وشاتيلا
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة46
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 45
-
شرارة هامة من تاريخ النضال الحضاري لقوى التحرر
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 44
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة43
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 42
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 41
-
الدور الحاسم للقيادات الفاسدة في تخريب التنظيمات السياسية
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة40
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 39
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 38
-
الشعبوية اختيار سياسي للتحكم في الشارع خدمة للحكام
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 37
-
خبث العمالة احط واخطر انواع الخبث السياسي
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 36
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة35
-
اشكالية النظرية بين التبسيط والعمق المفاهيمي في الممارسة الن
...
المزيد.....
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|