|
حول القمة الأمريكية - الكورية الجنوبية - اليابانية
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 7736 - 2023 / 9 / 16 - 12:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتفق أغلب المحللين السياسيين بأن ما تحاول الولايات المتحدة فعله من خلال عقد اجتماعات مثل «كامب ديفيد» التي جمعت الرئيس الأمريكي بايدن والرئيس الكوري الجنوبي ورئيس الوزراء الياباني في الشهر الفائت، هو الإيهام بأنها قادرة على حشد «تحالفات» قادرة على الوقوف في وجه الصين وروسيا في آسيا. لكن في الحقيقة، وللكثير من الأسباب يبدو أن هذا الإيهام لم ينطلِ على أحد. على رأس هذه الأسباب الخلافات العميقة بين السياسة والأحلام اليابانية والسياسية والأحلام الكورية الجنوبية، وكذلك عدم رضا شعبي هذين البلدين عن سياسات حكومتيها لدرجة تُضعف قدرة الحكوميتين على اتخاذ أي موقف جدي يتخطى الكلام في الأجندة العملية للولايات المتحدة. ربما السبب الأكثر أهمية هو تراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض جدول أعمالها وتمويله ما يضطرها «لمراعاة» الدول التي تريدها أن تنخرط في حلفها.
ما ذكرناه يقودنا إلى رؤى تحليلية لعدد من كتّاب شرق آسيا، ترجمة «قاسيون» تشير إلى إن خطة إدارة بايدن لبناء إطار ثلاثي يركُز بشكل واضح على القضايا الجيوسياسية على أساس التحالفات العسكرية الثنائية القائمة بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية يعدّ خطوة رئيسية في تعديل سياسة الأمن الإستراتيجي الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ. بما أنه يستحيل إعادة إنتاج نسخة آسيوية من حلف شمال الأطلسي تضم عددًا كافيًا من الأعضاء، ومن الصعب أيضًا توسيع منطقة دفاع الناتو من أوروبا إلى منطقة المحيط الهادئ- الهندي، فإن ما تفعله الولايات المتحدة هذه المرة هو خيار دون المستوى من أجل خلق قاعدة عملياتية صلبة كفاية لتحمل نسخة جديدة من الناتو.
وحتى تنجح هذه القاعدة جديدة الصيغة يجب أن تتحقق عدة شروط يأتي على رأسها: أولاً، على الولايات المتحدة أن تحافظ على مقدار فاعل من الهيمنة، ولا يجب أن يكون هناك أي غموض أو تشوش وراء هذه السيطرة. ثانيًا، يجب أن يكون لدى اللاعبين الآخرين مخاوف أمنية كافية، وما يكفي من المبادرة والاستقلال لاتخاذ أفعال لا تخرج عن الإطار الأمني العام الذي يلائم مصالح الولايات المتحدة، وكل هذا دون أن يطالب هؤلاء اللاعبون الولايات المتحدة بالاستثمار بموارد إضافية من أجل تحقيق خطتها والحصول على منطقة عازلة إستراتيجية. ثالثًا، يحب أن يحافظ هؤلاء اللاعبون على درجة مرتفعة من التوافق مع الولايات المتحدة فيما يخص مصادر التهديد والتنبؤ الأمني وأن يكونوا قادرين على التركيز في مسائل الأمن وما يسمى «مصادر التهديد في منطقة الهندي-الهادئ» التي يوليها الأمريكيون أهمية أكبر.
يتناقض ما حدث في كامب ديفيد بشكل صارخ مع الأيام الأولى للحرب الباردة، عندما قادت الولايات المتحدة مجموعة من الحلفاء الأوروبيين لتشكيل حلف شمال الأطلسي لمواجهة ما تم تصنيفه تهديدًا إستراتيجيًا من الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. أثناء الحرب الباردة عندما تشكل ما يسمى «ستار الخيزران - النسخة الآسيوية من الستار الحديدي» أخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة وقادت عددًا من الحلفاء العسكريين الثنائيين للتحوط ضد ما اعتبرته تهديدا أمنيًا.
قد يحاول البعض وصف ما يجري اليوم بأنه «حكمة إستراتيجية» لدى واشنطن تتناسب مع الظروف والمتطلبات الحالية، لكن من منظور النظريات الأساسية للجيوبولتيك وإطار التحليل العام للألعاب الإستراتيجية الدولية، يعكس هذا النمط حقيقة الافتقار إلى تشكيل تحالف على النمط القديم، ويؤدي إلى إحراج إستراتيجي لحلفائها الذين يتمنعون بشبه استقلال. لا يوجد حلفاء مستعدون لتحمل اللطمات ودفع ثمنها من أجل واشنطن، كما أن واشنطن ليست مستعدة لأخذ زمام المبادرة في رفع الجلسة والإعلان عن فشلها. لهذا يمكنها فقط الحديث عن الممثلين الذين لم يحضروا الاجتماع ولكنهم يعبّرون عن «دعمهم». هذا مثير للعواطف، ولكن غير حقيقي. بعد قراءة الوثيقتين الختاميتين، يتولد شعور بديهي أولي بأن هناك أفكارًا غنية والعديد من النقاط المفتاحية الواضحة، لكن الأشخاص والأموال والموارد اللازمة لتعزيز تنفيذ المفهوم الإستراتيجي غائبة عن الحساب. يظهر هذا نقصًا واضحًا في العرض الفعال. إن الوثيقتين الختاميتين أقرب ما يكون إلى قَسمِ رمزي بالإنجاز يلبي المطالب السياسية للانتخابات الداخلية الأمريكية، لكنّه ليس وثيقة توجيه إستراتيجي لديه متطلباته العملية والمادية، ناهيك عن عدم وجود نسخة تنفيذية مع مسار وتطور واضح.
من المهم أن نتذكر أمرًا آخر عند الحديث عن مدى هلهلة هذا الاجتماع ووثائقه الختامية. على الرغم أن طوكيو وسول حليفتان رسميتان مرتبطتان بالولايات المتحدة بموجب معاهدات عسكرية، إلا أنه لايوجد تحالف عسكري موثّق بين اليابان وكوريا الجنوبية. وحتى مع مشاركة الدول الثلاث في مناورات عسكرية مشتركة، تنشأ المشكلات المعبرة عن الحالة بشكل دوري، فسواء كنا نتحدث هنا عن موقف الحكومة اليابانيه من جزء دوكدو «تاكيشيما باليابانيه» من أنها عائدة لها وتحتلها قوات كوريا الجنوبية، فالحالات مثل استيلاء سفينة بحرية كورية على طائرة تابعة للبحرية اليابانيه، أو منع الكوريين للسفن اليابانيه إجراء مناورات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة في مياهها هي أمور لا تنسى. هناك الكثير من الأسباب التي تدفعنا للاقتناع بأن «اللقاء الرمزي» الذي جرى في كامب ديفيد بين الدول الثلاث قد قوبل بحذر من شعوب هذه البلدان.
ليس خافيًا على أحد أن رفض الحكومات اليابانية التوبة عن الجرائم التي ارتكبت خلال سنوات الحكم الاستعماري الياباني في كوريا، وعدم دفع طوكيو لتعويضات عن الإكراه الإجرامي لعشرات من الفتيات والنساء الكوريات على «خدمة» المحاربين اليابانيين في بيوت الدعارة الخاصة بالجنود، أو للرجال الذين أخذوا قسرًا إلى اليابان للعمل بالسخرة في المناجم والمؤسسات العسكرية، لايزال يثير الكراهية لدى الكوريين تجاه المستعبدين السابقين. في المقابل في اليابان، لايزال أفراد الجالية الكورية الكبيرة يتعرضون للتمييز مع القرارت بأن يلعبوا دور «غير المواطنين»، مع أننا نتحدث هنا عن أشخاص من الجيل الثالث ممن عاشوا في اليابان.
إن «الاتحاد» الذي يهدف للعرض في كامب ديفيد كان ممكنًا بفضل الموقف الذي لا يحظى بشعبية للرئيس الكوري الجنوبي الذي قام خلافًا لمصالح ومزاج شعبه باتخاذ موقف التابع لواشنطن وطوكيو. شرح بيتر كوزنيك، البروفيسور في الجامعة الأمريكية في واشنطن هذا الأمر بوضوح «لدى اليابان حكومة يمينية تتودد إلى الولايات المتحدة وتدعو إلى مضاعفة الإنفاق العسكري… لكنّه مع الرئيس الكوري يخفيان جماهير بلديهما. أظهر أحدث استطلاع بأن 70% من الكوريين الجنوبيين يريدون أن تمتلك بلادهم سلاحها النووي الخاص بها دون الاتفاق مع اليابان… إن كلا الرئيسين الكوري ورئيس وزراء اليابان لا يتمتعان بالدعم والشعبية في بلادهما، ونتيجة لذلك فد تكون الإطاحة بكلتا الحكومتين خيارًا محتملًا يؤدي إلى الانهيار السريع لإمكانات التحالف العسكري». إن مراجعة سريعة لعمق القمة الثلاثية في كامب ديفيد يجعلنا ندرك أنها مختلفة عن العصر من حيث المفاهيم الأمنية وإدراك المخاطر. لم يعد النموذج الاقتصادي الذي اعتمدت عليه الولايات المتحدة لبناء حلف الناتو في أوروبا موجودًا. القوى الشرقية الصاعدة الموضوعة هدفًا للقمة لا غنى عنها في مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن، بما في ذلك لكوريا الجنوبية واليابان وحتى الولايات المتحدة. إن ما جرى في كامب ديفيد مجرد استعراض مسرحي بدلالات رمزية للاستهلاك الانتخابي الأمريكي.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث عن الشعبوية في أوروبا
-
علي الراعي.. أحد أهم النقاد العرب في القرن العشرين
-
عالم اجتماع أمريكي: أسباب الحرب الأهلية الأمريكية تعود اليوم
...
-
التقرير العربي الثاني حول الفقر المتعدد الأبعاد
-
الفساد.. مرة أخرى
-
أفريقيا وتفكيك النظام العالمي أحادي القطب
-
مكرم عبيد.. زعيم وطني يجسّد الخروج من مأزق الطائفية
-
الفساد في الدولة البيروقراطية والديمقراطية
-
عن اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال
-
الموسوعي حنا عبود
-
وداعًا.. أحمد الشملان
-
الذكاء الاصطناعي
-
المصالح والتبعية تعرقل مساعي الأمم المتحدة
-
حديث عن الثقافة والمثقفين
-
مجدي الجزيري.. رحلة طويلة من الإبداع والدفاع عن التنوير
-
عن العلاقة بين الثقافة والتعليم
-
متغيرات وصراعات عالمية أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية
-
السيد إمام.. الناقد والمترجم التنويري
-
الجنوب العالمي يبتعد عن الغرب
-
السودان بين صراع العسكر والأطماع الخارجية
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|