أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد الورداشي - -زلزال مفاجئ-















المزيد.....

-زلزال مفاجئ-


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 7729 - 2023 / 9 / 9 - 16:48
المحور: المجتمع المدني
    


تناولت عشائي على عجل ثم تمددت في فراشي متعبا، وبعد هنيهة أحسست بأن السرير يميل بي ذات اليمين وذات الشمال، والأرض تهتز وترتعد.. فقفزت من فراشي كأن أفعى سامة لذغتني، ثم غادرت الغرفة مسرعا، وما إن اقتربت من النوافذ المطلة على الشارع حتى رأيت الناس زرافات ووحدانا فارين من بيوتهم، وصراخهم ملأ الزقاق كله.. كنت أسعى إلى النجاة، فاقتربت من الباب لأفتحه، ولكني وجدتني قد أغلقت الباب الخشبي وحتى الحديدي، لتبدأ حكاية البحث عن المفتاح، ذاك المفتاح الذي يبدو لي منفذ نجاة، ذاك المفتاح المألوف لدي صار مجهولا... ارتجت أمعائي لما قيل لي إنه زلزال، خفت قليلا، وتملكني العجب والذهول، واضطربت حتى كدت أرى الملجأ في النافذة. بيد أني ما إن رأيت تلك النظرات الصغيرة، نظرات العيون المشعة بالبراءة والاستغراب؛ لأنها صغيرتي استيقظتْ فزعة خائفة على وقع الأمور التي اضطربت حولها، والعويل والضجيج اللذين ملآ المكان.. تمالكت نفسي وأمعنت النظر في المفاتيح حتى ألفيت المفتاح الذي نسيته بسبب الخوف والاندهاش، ففتحت البابين، وألفيت جاري وابناءه مضطربين، وقد علا الخوف ملامح وجوههم، وأخذ بريقه يشع في أعينهم.. وما هي إلا لحظات قصيرة حتى غادروا البيت جميعا، وتركوه خاويا إلا من الأثاث والفراش، ثم توجهوا نحو الزقاق حيث تكدس سكان الحي.
أما أنا فقد حملت صغيرتي، وأخذت أفكر رفقة أهلي في الخروج، وما إن وطنا أنفسنا على ذلك حتى بدأت الأرض تعود إلى سيرتها الأولى.. فأخذت أنظر إلى الثريا المعلقة في سقف إحدى الغرف، فوجدت مصابحها الصغيرة تتحرك بقوة، وتصدر صوتا ينذر بأن كل الأشياء المعلقة في البيت ساقطة لا محالة.. ولكن الله تعالى لطف بنا؛ لأنه عالم بأننا كائنات ضعيفة: تدعي القوة وهي أضعف خلق الله.
خفت لأني قرأت بعضا مما كتب حول ظاهرة الزلازل باعتبارها ظاهرة طبيعية، ولكني لم أعش لحظة الزلزال يوما، لم يسبق لي طوال السنوات الماضية أن أحسست بالأرض تميل بي يمينا وشمالا، لم أعش هذه التجربة في ما مضى، لذلك تملكني الخوف والعجب، وأخذت أنظر إلى الناس في ذهول وشرود.. رأيت في نظراتهم الخوف، لكن من ماذا؟
يخاف الناس من الموت، وهذه طبيعة محفورة في النفس البشرية، هذه النفس التي تتشبت بالحياة حتى الرمق الأخير؛ لأنها تعشق الحياة كثيرا، ومتعطشة لعيشها طولا وعرضا في كل الأحوال والظروف.
بدأ الهدوء يعود إلى النفوس الوجلة، والحركة الصاخبة في الخارج تضعف شيئا فشيئا، فيدأ الناس يعودون إلى منازلهم، وتتملكهم الحيطة والحذر والترقب.. حملت هاتفي وأخذت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فعلمت أن الزلزال قد زار أغلب المدن المغربية، وأن بؤرته أو نقطة انطلاقه هي منطقة في الحوز، وأن هناك أخبارا تقول بأن نسبة الزلزال بلغت 7.1 على سلم ريتشر، وأنها درجة خطيرة وقوية حسب هذا السلم العالمي، فتملكني حزن وخوف شديدان... تذكرت أهلي وكل من يعيشون في مناطق الهشاشة؛ لأن بيوتهم بنيت بالتراب ولا قاعدة صلدة لها، فخطر لي خاطر أخافني كثيرا.. حاولت الاتصال بهم، بيد أن خط الاتصال متوقف، وبعد محاولات عديدة، تمكنت من ربط الاتصال بهم، فبلغ سمعي كلام أخي الصغير يخبرني أنه كان نائما في سطح البيت، وأن باقي أهلي جالسون في الأسفل، فسألته عن حال البيوت والمنازل هناك؛ لأني أعرف جيدا مادة بنائها ومدى هشاشتها وضعفها، فأخبرني أن ثمة جدارا قد انشق، ولما تحدثت مع أمي وأختي وجدتي، واطمأن قلبي عليهم، أخبروني أن سكان القرية جميعهم قد غادروا منازلهم الهشة، وتجمعوا في أماكن عمومية.. حاولت قدر الإمكان أن أقنع أهلي أن لا يخافوا، وأن الأمور قد مرت بخير، بيد أن هناك من ساق لهم معلومات ترهيبية، فزرع الرعب في نفوسهم، لذلك أصروا على أن ثمة هزات وترددات أخرى آتية لا محالة، فاختلفوا بين من يقول إنها ستحدث في الواحدة والنصف من تلك الليلة، ومن يقول الساعة الثانية أو الثالثة.. آلمني حال جدتي المريضة؛ إذ غادر الجميع وبقيت وحيدة في البيت، وقدماها لم تسعفاها للفرار، فظلت في مكانها خائرة القوة.. طلبت الحديث معها محاولا تهدئتها وطمأنتها، بيد أنها مصرة هي الأخرى على أن الزلزال سيعود إن عاجلا أو آجلا.
تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي مرة أخرى، فهالني ما تعرضت له مدينة مراكش والمناطق المجاورة لها.. أناس كثيرون فقدوا حياتهم، وآخرون قابعون تحت الأنقاض يلفظون أنفاسهم في صمت.. تألمت وتأسفت لحال ساكنة مولاي إبراهيم، هذه المنطقة التي لم تشف جروحهم بعد من فيضان جرف البشر والحجر والشجر.. اخترق أذني نداء شاب من سكان المنطقة وهو يستنجد السلطات، يطلب منهم سيارة إسعاف أو مروحية عسكرية تنقذ الأشخاص الذين تم انتشالهم تحت الأنقاض، لكنه يصرخ بأنهم لمدة ساعة وهم يطلبون النجدة ولا من يمد لهم يد العون.. فتساءلت في مرارة عن السبب الذي يحدث هذه الفجوة السحيقة بين المسؤولين والمواطنين؟ هل سببها انعدام المسؤولية، أم اللامبالاة وعدم الاهتمام؟ أم أن هناك سببا عميقا نتج عن فقدان الثقة التي باتت تملأ نفوس المواطنين؟
لفت انتباهي شيء آخر قد يبدو تافها بسيطا، ولكنه ليس كذلك في حال الكوارث الطبيعية التي تحل بالبلاد.. ففي اللحظة التي ينتظر المواطنون معلومات رسمية موثوقة من قبل المراكز العلمية المكلفة، نتفاجأ ببلاغات وبيانات تصدر باللغة الفرنسية، قد يفهمها الذين يعرفون الفرنسية، ولكننا نعلم أن الغالبية العظمى من المواطنين المغاربة لا يعرفون ولا يفقهون اللغة الفرنسية.. وهذه أزمة أخرى تضاف إلى الأزمات التي تقتل سبل التواصل والحوار بين الجهات المختصة والمواطنين.
تأتي حاجة المواطنين إلى المعلومات الرسمية حينما يكثر القيل والقال، ويأخذ الجاهلون الآفاكون في نشر معلومات مغلوطة بين المواطنين، الشيء الذي ينتج عنه خوف وهلع لديهم، ومن ثم تضاف إلى خطورة الزلزال خطورة الاضطراب بين المواطنين.
لم أستطع النوم ليلة أمس، فأخذت في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة المقابلات الإعلامية المباشرة التي تحاول أن تنقل ما يبلغها من معلومات، وأن تطلع الرأي العام المغربي والدولية على الخسائر المادية والبشرية في المغرب.. إلا أن النوم قد تملكني، فتبدد الخوف من نفسي، وما إن استيقظتُ صباحا حتى أخذت في متابعة ما استجد من أخبار ومعلومات في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، فأحزنني عدد الموتى والمصابين في وطني، والخسائر المادية التي لحقت بالعمران في أماكن محددة في البلاد.
وفي هذه المناسبة الأليمة، أعزي نفسي والشعب المغربي، وأسأل الله تعالى أن يرحم أمواتنا ويشفي الأحياء المصابين، ويحفظ بلادنا من الإحن والمحن، وينعم عليها بالأمن والخير والاطمئنان.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -بحثت فوجدت نفسك-
- الذات بين الوحدة والألفة
- وهم التعويض
- - كيف ينشر اليوتوب أمراضه في المجتمعات العربية؟-
- عائدون بقوة
- تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه
- مُلاحظاتُنَا حول -كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا -
- -صهيلُ الذاكرةِ... القلمُ الكونيُّ-
- الإصلاح اليتيم... إلى أين؟
- اللغة العربية
- الحاجة
- الصراع يعود من جديد...!
- قراءة في رواية -نبض- ل أدهم الشرقاوي.
- نزيف قلم
- أزمة المقررات الدراسية
- سيدي المتجبر.
- أنماط النصوص
- تركيا... إلى أين؟
- ولأن الأفكار لا تموت...
- الحرية عند المفكر المغربي: عبد الله العروي.


المزيد.....




- الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة ...
- الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد ...
- الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي ...
- الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد الورداشي - -زلزال مفاجئ-