أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 3/4














المزيد.....

دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 3/4


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 7728 - 2023 / 9 / 8 - 15:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ولا يكفي تبرير ذلك بتكرار صفة الرحيم، حيث يقال إن رحمته أوسع من عدله، وهذه المقولة تمثل بتقديري خطأ فلسفيا، ذلك لسببين، الأول إن كلا من عدل الله ورحمته هما صفتان مطلقتان، ولا يصح القول إن حقيقة مطلقة أوسع من حقيقة مطلقة أخرى، والثاني إن القول بأن رحمة الله أوسع من عدله، إنما هو جاء من قبيل قياس الله على الإنسان، إذ يصح على الإنسان، ولا يصح على الله، ذلك لأن الله يملك كل عناصر القوة بالمطلق، مما يجعل الإنسان في موقع الضعف الكلي أمامه، فمن لوازم العدل أن يرحم القوي الضعيف، والغني الفقير، والباقي الفاني، والعليم الجاهل، والحكيم محدود الحكمة أو فاقدها، والواعي ضعيف أو محدود الوعي، مما يعني هنا إن العدل الواجب عقلا على المطلق يوجب عليه الرحمة، فرحمته إذن من لوازم عدله، وعدله من لوازم كماله المطلق، وكماله المطلق من لوازم واجب الوجوب، وإلا فبدون الكمال المطلق أفقيا وعموديا، يكون الله حادثا ممكنا، وهذا يعيدنا إلى سلسلة العلل، التي لا نهاية، أو الأصح لا بداية لها، مما كان سيعني عدم انبعاث أي شيء من العدم إلى الوجود.
إذن دعونا نتناول الحياة الأخرى التي يؤمن بها لاهوت التنزيه، أو هذا الدين اللاديني، والجزاء كلازم لوجود تلك الحياة. لاهوت التنزيه لا يؤمن بالضرورة بالبعث ولا النشور ولا بوجود يوم للحساب باسم يوم القيامة، أو يوم الدين، أو يوم الحساب، أو يوم الدينونة. لأن العدل الإلهي لا يتطلب كل ذلك. ومن هنا لا يؤمن هذا اللاهوت بثمة جنة ولا ثمة جهنم، بل يعتقد بأن هناك جزاءً عادلا عدلا مطلقا، لا نعرف أي شيء عن كيفيته، بل لا حاجة لنا لمعرفة ذلك، بل ولا هناك حاجة للإيمان به، رغم إيمان لاهوت التنزيه به، وإن كان ليس على نحو القطع بالمطلق، بل على نحو الاعتقاد الراجح رجحانا مجاورا بل ملاصقا لدرجة اليقين، دون بلوغها تمام بلوغها. لأن اليقين لا يبلغه إلا المتعصبون، أو الذين نصب واحدهم نفسه إلها من دون الله، من غير أن يعي ذلك، أو الذين كُشِفَ لهم الغطاء، وليس هناك من كشف له غطاء الغيب، بما في ذلك الذي ينسب إليه هذا القول، إذا صدقت نسبته.
فالحياة الأخرى المفترضة أو التي يؤمن بها هذا اللاهوت، هي من طبيعة أخرى مختلفة اختلافا كليا وجوهريا عن حياتنا هنا، لا يستطيع إنسان مهما آمن بها معرفة كيفيتها، ولا جدوى من محاولته تصور كيفيتها، لكن يمكن أن نتصور أنه ستكون لنا هناك حاسة – مع التسامح مع المصطلح - ليست كحواسنا هنا، بل هي مختصة بذلك العالم المختلف كليا وجوهريا عن عالمنا. كما إن الجزاء بالثواب أو التعويض هو مما يستحيل علينا معرفة كيفيته وتفاصيله، ولا حاجة لنا لنعرف ذلك. أما العقاب فيحتمل هذا اللاهوت إما ألا وجود له بالمطلق، وإما هو بقدره المحدود أمدا وشدة، والذي لا يعرفه إلا الله وحده.
قد يسأل، كيف لا يوجد عقاب لكل هؤلاء الظالمين والمجرمين؟ الجواب إننا خاصة إذا فهمنا أن العقاب لم يجعل للتخويف والردع، بل لأنه من ضرورات العدل الإلهي المطلق، فأولا لن تكون لضحايا الجرائم والظلم في تلك الحياة رغبة في التشفي برؤية ظالميها ومرتكبي الجرائم بحقها يعاقبون. ثم إذا افترضنا صحة هذا الاحتمال الذي يطرحه لاهوت التنزيه، بأن كلا من الظالم والمجرم قد لا يكونان - في علم الله لا في علمنا - إلا مجبرين، ولا اختيار لهما في ارتكاب ما ارتكباه، فهما معذوران عند الله، كما يكون المجنون معذورا، والأسد معذورا عن ارتكاب (جريمة) إرعاب ثم قتل وافتراس الغزال البريئة، واعتدائه على حقها في الحياة، وهذا لا علاقة له بالقوانين في حياتنا، التي لا بد لها من ردع ومعاقبة المجرم، بأقصى العدل البشري النسبي الممكن.
ومما يؤمن به لاهوت التنزيه جازما أن كلا من الإيمان وعدمه، الذي يسمى دينيا بالكفر، من المستحيل على العدل الإلهي أن يضعهما في ميزان الجزاء في قسميه من ثواب وعقاب إن وجد الأخير، لأن الإيمان وعدم الإيمان هما ليسا إلا القدرة أو عدم القدرة على الاقتناع بثمة حقيقة، بما هي كحقيقة، أو كحقيقة مفترضة أو مدعاة، وبذلك فهذا يمثل أمرا غير اختياري، ولامتناع العقاب من العادل عدلا مطلقا على أمر غير اختياري، فهما ليسا عاملين مأخوذا بهما في الثواب والعقاب، بل كل منهما يكون بقدره ووفق ما يستحق الإنسان أن يثاب أو يعاقب به، مأخوذا به عناصر الجبر وعناصر الاختيار لتكوين شخصية كل إنسان في جوانبها الذهنية والعاطفية والروحية والنفسية، مما لا يعرفه غير الله معرفة دقيقة بكل تفاصيلها وبالمطلق، بل مأخوذا أيضا بكل قول وكل سكوت وكل فعل وكل ترك كل من عناصر الجبر والاختيار في تلك اللحظة. بل يعتقد لاهوت التنزيه أن الله نفسه غير مهتم أصلا بأن يؤمن الإنسان به، ناهيك عن كونه لم يخلق الإنسان إلا من أجل أن يعبده، مما تذهب إليه الأديان. والدليل على أن الإيمان أو عدمه بالله ليس من اهتمامات الله، هو ليس دليلا فلسفيا، بل هو مستدل عليه من الواقع. فلو كان الله مهتما بالإيمان به، لجعل الطريق إلى الاقتناع بوجوده ميسرا لأكثرية العقلاء، أو على الأقل أكثرية متوسطي العقلاء. ثم حقيقة أخرى يدلنا إليها الواقع، بأن ليس أكثر المؤمنين هم أناس طيبون، ولا أكثر غير المؤمنين هم أناس سيئون. فالطيب والسيئ نجده هنا وهناك بنسب متفاوتة ودرجات مختلفة، لا علاقة لها بالإيمان وعدمه، أو بالتدين وعدمه، أو بالانتماء لهذا أو ذلك الدين.



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 2/4
- دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 1/4
- أيقتل العراق بقتل رافديه ونحن ساكتون
- الدفاع عن الأقليات المقموعة واجب إنساني أخلاقي
- اعتزالي السياسة ما يترتب عليه ولماذا
- مع زهير كاظم عبود في إدانة جريمة حرق القرآن ٣/٣
- مع زهير كاظم عبود في إدانة جريمة حرق القرآن ٢/٣
- مع زهير كاظم عبود في إدانة جريمة حرق القرآن ١/٣
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٢
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦١
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٦٠
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٩
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٨
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٧
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٦
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٥
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٤
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٣
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٢
- القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥١


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - دين لاديني ناف للأديان ومتصالح معها 3/4