|
اطباء العراق - بين ضعف الدولة وقوة العشيرة
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 7723 - 2023 / 9 / 3 - 00:33
المحور:
المجتمع المدني
توطئة
يحظى الطبيب في كل دول العالم بالاحترام والتقدير، لأنه هو المصدر الرئيس للوصول الى مجتمع سليم صحيا، ولأن كل فرد في المجتمع يحتاج الطبيب ليجعله يعيش حياته مستمتعا بصحته..بل أن الأطباء يعتبرون جزءا من السياسة العامة لدفع الحكومات من أجل توفير سياسات الرعاية الصحية لأفراد المجتمع..وأن لهم دورا حتى في تقليل الفجوة الصحية بين الأغنياء والفقراء. ويتميز الطبيب العراقي بتصدره مكانة مرموقة في دول المنطقة،لأنه بني على أساس علمي رصين يعود الى عام 1927 يوم تأسست الكلية الطبية الملكية العراقية التي سُميت لاحقاً كلية الطب في جامعة بغداد ، بجهود نخبة من الأطباء الدارسين والعائدين من كلية الطب في إسطنبول بينهم كبار معروفون: سامي شوكت ،هاشم الوتري ،فائق شاكر ، وصائب شوكت..مع اطباء إنجليز برئاسة هاري سندرسن. ولهذا حظي الأطباء العراقيون بمكانة محترمة في داخل العراق ودول الخليج ودول العالم ..في مقدمتها بريطانيا التي لو قرر الأطباء العراقيون فيها العودة الآن الى العراق لأختلت الخدمات الطبية فيها.والمخجل ،أن هذه المكانة المحترمة التي تمتع بها الطبيب العراقي من عام 1927..اطيح بها الآن ..فمن كان السبب: الدولة؟ الطبيب نفسه؟ المريض؟ ام العشيرة؟ توثيق ما حصل مع ان الأعتداء على الأطباء العراقيين موثق ب(فديوهات) وصار حديث الأعلام والشارع ،فاننا نستزيد هنا بما وثقته وكالات وجهات مختصة من ان الاطباء العراقيين تعرضوا في السنوات العشرين الاخيرة الى حوادث اعتداءات مستمرة استهدفت العشرات منهم داخل المستشفيات ،وتعرّض كثيرين منهم الى ضرب مبرح من قبل افراد عشيرة المريض . وتوثق شفق نيوز في تقريرها 6 / 8/ 2021 ( ان 85% من الاطباء يتعرضون يوميا الى الاساءة اللفظية والبعض يتعرضون للضرب).
ولقد استطلعنا الرأي بخصوص هذه الظاهرة المخجلة والخطيرة وغير المسبوقة ، فكانت النتائج ان 37% عزوا السبب الى خطأ غير مقصود يرتكبه الطبيب ، فيما رأى اكثر من 60% ان السبب يعود الى قوة العشيرة وضعف الدولة.
شيوع الرذيلة..سبب! ان اوجع وافجع ما حصل للشعب العراقي حدث بعد تشكيل اول حكومة دستورية عام 2006 والحكومات التي تلتها، لأنها اشاعت ما كان يعد خزيا (الفساد) الى شطارة وانتهاز فرصة ،وكان هو السبب في تهرؤ الأخلاق وانتهاك القيم الذي ادى الى انتشار كل الرذائل في المجتمع ، بما فيها الطائفية والتعصب العشائري ..في مفارقة ان خيمة النظام الديمقراطي جمعت الدولة و العشيرة معا، وما دروا ان العشيرة تبتلع الدولة في النظام القائم على الطائفية والمحاصصة. وبدءا من تلك السنة(2006) ازداد استهدف الأطباء.فوفقا لوكالة الرأي في ( 4/7/2006) ثم قتل 224 طبيبا وجرح 150 آخرين ونزوح اكثر من الف طبيب خارج العراق. واستمر الحال الى الآن ..تؤكده وسائل اعلام عراقية وعربية بينها الجزيرة بتقريرها في ( 25/2/2023) الذي استهلته بقولها: (شهد العراق خلال الفترة القليلة الماضية العديد من عمليات الاستهداف لعدد من الكفاءات العلمية المعروفة بين اغتيال أو خطف..) .ووثقت روايتها بان( مدينة بعقوبة شهدت عملية اغتيال طالت طبيبا معروفا متخصصا بجراحة القلب يدعى أحمد المدفعي) ،وأن نقابة اطباء العراق أبدت (قلقها على وضع الأطباء في المحافظة، في حين قررت نقابة صيادلة ديالى تعليق العمل في الصيدليات إلى إشعار آخر، منددة بهذا العمل الذي وصفته بـ"الإجرامي" الذي بات يستهدف الكوادر الطبية والكفاءات). شيوخ العشائر شغلني سلوك شيوخ العشائر فرحت ابحث في تاريخهم عن علاقتهم بالحاكم تحديدا،فوجدت انهم كانوا يقفون مع الأقوى. ففي التقرير الذي أعدته دائرة الاستخبارات البريطانية في العراق عن مشايخ ولاية بغداد سنة 1917،يذكر مترجمه الدكتور عبد الجليل الطاهر أن بعض شيوخ العشائر كانوا متعاونين مع الإنكليز،وأنهم كانوا يحصلون منهم على الرشوات،وأن الإنكليز استعملوا أساليب الإغراء وتلويث الضمائر واستطاعوا شراء ذمم بعض شيوخ العشائر. وكان الحكم الملكي هو العصر الذهبي لشيوخ العشائر،اذ صاروا فيه أصحاب ثراء فاحش وجاه عظيم واعتبار اجتماعي كبير وسلطة يستعان بها في إدارة البلاد وضرب المعارضة السياسية. وكان دورهم في البرلمان مثار سخرية الناس وإطلاق النكات عليهم،من قبيل التصويت داخل البرلمان على قرار برفع الأيدي،وكان أحدهم نائما في المجلس ولما أيقظوه رفع يده وقال"موافج..يعني موافق" دون أن يعرف ما هي القصة! وفي زمن النظام الدكتاتوري، عمد صدام إلى تشكيل ما أطلق عليه (شيوخ أم المعارك).. اشترى ذممهم بدفع هدايا مالية ومسدسات وامتيازات أخرى،لقاء قيامهم بالسيطرة على أفراد عشائرهم وأن يكونوا عيونا للسلطة في مناطقهم،واستجاب عدد منهم طمعا بـ(التكريم) أو دفعا لشرّ طاغية لا يرحم. ومثل هذا حدث أيضا في النظام الديمقراطي،إذ التقى رئيس مجلس الوزراء الأسبق (نوري المالكي) بعدد من الشيوخ بقصد كسب أصوات أتباعهم في الانتخابات وتأييدهم لشخصه حصلوا فيها على (مسدسات) تبدو في ظاهرها تكريما فيما هي في حقيقتها شراء موقف. وفي (20 نوفمبر 2019) التقى رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي عددا من شيوخ العشائر ليستعين بهم في قمع انتفاضة اكتوبر/ تشرين. وهذا حال كل الحكومات العراقية..إنها تستميل إليها شيوخ العشائر حين تشعر بخطر يتهددها،وإنها تجزل العطاء لمن يتعاون معها،وإن عددا من الشيوخ يستجيبون لذلك حتى لو كانوا يعلمون أن الحكومة على باطل.
ومع ان قادة الأحزاب والكتل السياسية يستخدمون نفس نصيحة (المس بيل) لأسيادها ، بكسب رؤساء العشائر بالرشا و( المسدسات) ، فانهم (رؤساء العشائر) وجدوا انفسهم بعد 2006 انهم اقوى من الدولة الذين يستجدى قادتها ودهم ، فوضعوا الدولة في جيوبهم وداسوا على القانون باقدامهم، وياويل الطبيب الما عنده عشيرة قوية اذا مات مريض ادخلوه غرفة الأنعاش وهو معه..فهو اما مهان او مقتول او دافع لتعويض(يكسر الرقبه).واذا كان الطبيب من عشيرة ، والمريض (المتضرر) من عشيرة اخرى ، فان عشيرة المريض (تنفض كوامه) على عشيرة الطبيب تطلب فصلا ( نسوان!) و تعويضا (ملايين)!. ما المطلوب؟ أمران: الأول،تفعيل القانون يحدد بالصريح بان اي اعتداء على طبيب يعتبر جريمة يعاقب عليها بالحبس او الغرامة او بكليهما. ويوضح لأهل المريض المتضرر بأنهم اذا كانوا يرون ان الطبيب ارتكب فعلا خطئا ،وان كان غير مقصود..فان عليهم تقديم دعوة لأجراء التحقيق يصل الى تحديد ما اذا كان ما حصل خطئا او تقصيرا من الطبيب أم مضاعفات طبية. والثاني، عقد مؤتمر لكبار شيوخ العشائر يتوصل فيها الى اصدار وثيقة شرف تمنع الاعتداء على اي طبيب او اخذ تعويض منه ، واعتماد القانون بوصفه القاضي الذي يحكم بالعدل. بهذين الأجرائين ..تعاد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللأطباء كرامتهم وشعورهم بالأمن والحد من هجرتهم. بقي ان نقول ان كلامنا نرجو ان لا يفهم بصيغة التعميم على شيوخ العشائر،فهناك عدد كبير منهم ادانوا هذه الظاهرة المخجلة، وهناك عدد آخر اقاموا خيما بساحة التحرير مع شباب انتفاضة تشرين ، وآخرون شاركوا في تظاهرات شعبية وهزجوا مع المتظاهرين ( نواب الشعب كلهم حراميه).. وعلى هؤلاء الشيوخ الأجلاء يكون رهاننا في القضاء على ظاهرة مخجلة وغير مسبوقة في تاريخ الطب في العراق ،تعيد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللطبيب مكانته التي كان يتمتع بها عبر مائة سنة. *
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحسين يتوجه من كربلاء نحو بغداد. فكرة لفلم سينمائي
-
رسالة الى السيد وزير الصحة
-
اللاوعي الجمعي..اللاعب الخفي في الصراع العراقي
-
خلا لك الجو..فبيضي واسرقي ما شاء أن تسرقي
-
في العراق..الجندرية اشكالية جدلية!
-
العراقيون ..شعب مضحوك عليه!
-
المدى.. سراج الوعي في ظلمة التخلف
-
ركضة طويريج..تحليل من منظور علم النفس الأجتماعي
-
انتشار المخدرات في العراق،أصعب من السيطرة عليها
-
ح حسين السلطة وحسين الشعب
-
بعد واقعتي شارلي وستكهولم..هل نحن مقبلون على حرب المعتقدات؟!
-
الدكتور صالح الطائي داعية العقيدة العلمي - الحلقة الثانية
-
هل سيتم الأحتفاء بذكرى ثورة 14 تموز؟
-
المبدعون يموتون في الغربية- ثامر مهدي وداعا
-
الدكتور صالح الطائي - داهية العقيدة العلمي . الحلقة الأولى
-
انقذوا شباب العراق..لمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات
-
خمسون سنة صحافة..وليس صحفيا!
-
في العراق..المثقفون مجبطون ، والمفكرون مغتربون .استطلاع وتحل
...
-
جائزة فولتير..للناشر المغيب مازن لطيف
-
نازك الملائكة..السيكولوجيا كسرت القافية!
المزيد.....
-
مبادرة ليبية لإيواء النازحين في قطاع غزة
-
الموت يتسلل إلى خيام النازحين في غزة.. الممرض أحمد الزهارنة
...
-
لاجئون من الروهينغا يروون تفاصيل مروعة عن الحرب الدائرة في ب
...
-
المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعلن عودة 58 ألف شخص إلى سور
...
-
الأونروا: أطفال غزة يتجمدون حتى الموت بسبب البرد ونقص المأوى
...
-
التّقرير السّنوي للرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان
...
-
الأغذية العالمي يحذر: الجوع ينتشر بكل مكان في قطاع غزة
-
وزير الخارجية السوري: لن نتوانى عن تقديم من تورط بالتعذيب بـ
...
-
الخارجية الإيطالية: اعتقال المراسلة سيسيليا سالا في طهران
-
العراق.. اعتقال عصابتين تمارسان تجارة -بيع أطفال- في محافظتي
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|