كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن-العدد: 7721 - 2023 / 9 / 1 - 02:57
المحور:
سيرة ذاتية
كانت أسرتنا كلها تبحر بقارب رصين في نهر الحياة. تنتقل من مرفأ إلى آخر، ومن هذه الضفة إلى الضفة المقابلة. كنا آمنين مطمئنين مسرورين في رحلاتنا المكوكية بين الضفتين على الرغم من ضراوة التيارات التي تشتد تارة وتهدأ تارة أخرى. حتى جاء اليوم الذي اكتشفنا فيه تسرب المياه إلى باطن القارب، ثم علمنا فيما بعد ان شقيقنا المعتوه (ميم) هو الذي كان يخطط لإغراقنا، وهو الذي يتربص بالجميع ويتحين الفرص للانتقام منهم. كان قاربنا مؤلفاً من طابقين علوي وسفلي. بينما يقبع (ميم) وحده في الحضيض، في الطابق السفلي المظلم، لكنه تسلل ذات يوم في غفلة من إخوته وقرر ان يصنع ثقباً لنفسه في القعر حتى يشبع نزواته الأنانية، وحتى يتناول الماء بلا مشقة وبلا عناء، ثم أخذ فأساً فجعل ينقر أسفل القارب حتى ثقبه فتدفقت المياه لتهدد الجميع. .
القوارب لا تغرق بسبب المياه المحيطة بها. بل بسبب المياه التي تتسرب إليها من الداخل، وبسبب الثقوب التي يصنعها كل خبيث ليعذب أفراد أسرته ويتسبب في تشتيتهم وبعثرتهم. .
هكذا كنا نعيش على متن ذلك القارب كطاقم موحد منسجم متعاطف متسامح، فينا الطائع وفينا الصالح، وفينا البر والمعتدل، لكننا تركنا هذا الشرير يسرح ويمرح، دون أن يردعه رادع، أو يمنعه مانع، فكان يقترف الموبقات ليهلك الجميع. لكنه كان أول الهالكين بما صنعت يداه، فلا تعجب ممن هلك كيف هلك. .
بعد نصف قرن من الطوفان رست سفينتنا على بر الأمان، فألقت مراسيها، واستقر بها النوى، ثم كبرنا وتفرقنا في شرق الارض وغربها. .
لا شك ان الخطأ الذي ارتكبناه، هو أننا كنا نبالغ في احترامنا لهذا المسخ، ونعطيه قيمة أكبر من قيمته الحقيقية، وننفخ في صورته وهو من أشد الحاقدين علينا. لم يكن له أي دور في حياتنا. كانت معظم مشاكلنا منه وبسببه، لكننا كنا نتغاضى عن سلوكه المشين. .
الحل الأمثل في التعامل مع هذا الشيطان يكمن في الابتعاد عنه، والانسحاب من حياته، ونبذه إلى الأبد. .
أما أنا فمازلت أرفع أشرعتي أمام الريح في الليل الضرير. أقود سفينتي بين منعطفات شط العرب. وبسم الله مجراها ومرساها. . .
#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟