|
سياسة العهر، وتحول العهر إلى سياسة
محمد زكريا السقال
الحوار المتمدن-العدد: 1728 - 2006 / 11 / 8 - 08:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أظن أحدا في عمري الذي تجاوز الخمسين، وانخرط في النضال التحرري بنهاية السبعينات بحاجة لدروس عن خطر المشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة، وعن سياسته التي تهدف للتجزئة والتخلف وإثارة النعرات والأمراض التي تسهل نهبنا واحتلال أراضينا . فتحنا الأعين على المشروع وتربينا ضده، وانخرطنا في النضال الوطني. عشقنا جمال عبد الناصر، وتماهينا بالمحيط والخليج، تيمنا( لبيك عبد الناصر ) لمقاومة المشروع. جاءت هزيمة حزيران، هزتنا، لطمتنا على الرأس ، قدمت جردة من الحسابات لعقليتنا وذهنيتنا. فاتورة لم تدخل سجلاتنا وسجالاتنا، بكينا لأن الثمن غالي جدا ، ثمن باهظ مازلنا ندفع ثمنه في رعونة وسفاهة حكامنا الذين أوهمونا بإنها جولة لنكسة ، نكسة سوف نتجاوزها من جديد، قالوا سنقاتل . حملنا السلاح من عمان إلى لبنان من أجل مقاومة المشروع الذي صار يتمدد، يومها انطلقت المقاومة لتحرير فلسطين ولاقتلاع الثكنة الصهيونية رأس حربة المشروع والمخفر المتقدم . جاءت التسوية السياسية وقفنا بوجهها، حاربناها من أجل مواجهة المشروع واستكمال مهام التحرير، وكان حكامنا أقوى منا وأذكى، أدركوا مبكرا الفهم الأمريكي الصهيوني لمعنى التسوية. أدركوا إننا كشارع عربي العقبة الأساسية بمواجهة المساومة والتسوية ، بمواجهة التنازل والتفريط والتطبيع، وهكذا عقبة يجب القضاء عليها بالترهيب والترغيب، بالفساد والقمع والتنكيل، بالمجازر والحروب الداخلية، بلي عنق الصراع مع العدو إلى صراعات داخلية على الدور والسلطة والتحكم والتفنن بالقمع والطغيان. لهذا كان لابد من تمهيد الأرض وتطبيع الانسان، وبقدرة قادر تحولت أوطاننا إلى معارض لفروع الأمن والاستخبارات. الأمن المركزي والأمن الغير مركزي إلى العسكري والمدني والداخلي، وأمن القوات، والأمن السياحي، والأمن الغذائي، والأمن الزراعي، والأمن الأقتصادي، وأمن الطلائع ، وأمن الحزب ، وأمن الشبيبة ، وتطول تطول القائمة، من أجل أن يذهبوا ويعترفوا ويتعمدوا ويبايعوا إسرائيل على وجودها وأمنها واستقرارها يومها كنا نحن وكل الخيرين والشرفاء في هذا الوطن المصلوب والمطعون ، نناضل بمواجهة التسوية، بمواجهة التفريط، نبحث عن تحصين مشروعنا الوطني وعن قواعد ارتكاز للمقاومة. كان الاستراتيجي هو مقاومة المشروع والتصدي له ولأدواته المحلية، وكان كل شئ أقوى منا. كل شئ لم يسعفنا في الاستنهاض ودق ناقوس الخطر، تدحر الساحات أمامنا واحدة تلو أخرى، تضيق بنا الأوطان ، لامأوى لنا سوى السجون والمنافي، التعقب والمطاردة. نلوذ في قاع المدن، نحمل رايتنا وجراحنا وبقية من أمل. ونزل الفأس بالرأس، فعل سم وقمع الأنظمة فعله ونخر الجسد، وبدأ الوطن والمواطن يذوي ويئن. حكامنا عناترة العصر، يتباهون بفحولتهم وعوراتهم وسرقاتهم وقمعهم واستبدادهم، كلهم طغاة لا أحد يفضل أحد، كانوا يتفاخرون بسفك آدميتنا وسحق إنسانيتنا. كم كان المشهد تراجيديا ومقززا. مشهد من المشاهد البشعة لأفعالهم ودمويتهم، عندما جرد علي ناصر رئيس اليمن الديمقراطي ـ الديمقراطي جدا ـ عورته وفتك برفاقه وسفك دمائهم باجتماع للحزب. جاء لزملائه رؤساء المزارع العربية، مزهوا ، مرفوع الرأس. ابتسموا يومها وقالوا تأخرت. لقد فعلوها كلهم، لم يكن هناك أحد يفضل الآخر، الجميع نكل برفاقه وشعبه ووطنه والتاريخ واضح مسجل. باسم العروبة انتهكت العروبة، وباسم الحرية سحق الانسان، وباسم الوحدة ارتكبت المجازر وحوصرت المدن ودمرت و لم يحرك ساكنا. من ذا الذي يستطيع فعل شئ في الأرض المحروقة، لا أحد سوى اسرائيل التي تحتل أمنة مطمئنة. مثال نضربه من أمثلة نعيشها يوميا عن الواقع العربي، حيث انقلب السحر على الساحر والمشروع الذي زحفوا إليه من كامب دفيد إلى مدريد إلى اوسلو إلى جنيف تحقق. فارغون معدومي الوزن، بهاليل، مهرجون، حمقى، زحفوا صاغرين يحملون أوداجا منتفخة وياقات زاهية بعقول فارغة إلا من نزواتها وعجرفتها. اعتقدوا أنه بهذا يمكن إرضاء إسرائيل، وإسرائيل وأمريكا لا يمكن إرضائهما، مشروعهما أبعد من بهرجة حكامنا، أعمق من قصورهم وسرقاتهم، أوسع من أحلامهم القاصرة على كرسي ومناصب وخدم وحشم، أطول من أنوفهم التي لا ترى سوى سلطانها وجبروتها وتجبرها، مشروعهما المنطقة كلها، تأبيد استثمارها إلى الأبد بكل مافيها. يخاطبونكم من علي ويقولون لكم، من أنتم ... ماذا تريدون ... خدمتمونا مايكفي، وسمحنا لكم بالتفرد واستعباد واسترقاق شعوبكم، فأنتجتم شعبا مريضا، شعب ممزق ضعيف، مريض بأدواء كثيرة، ألم تصنعوا شعبا معاقاً مريضا بكل العاهات، جاء دورنا الآن نحن أطباء هذا العصر، لكي لايصيبنا المرض الذي صعنتوه بأيديكم مثلما صنعنا الأيدز، يجب أن ترحلوا، يجب أن تذهبوا من أجل سلامتنا ، ابتعدوا أيها الجرب، مرضى الارهاب والتعصب، يجب أن ترحلوا، مصالحنا أكبر من خدماتكم . اليوم ينبري حكامنا من أجل التحذير من الخارج ! من المشروع، اليوم هناك شرق أوسط جديد، واليوم هناك تقسيم جديد للمنطقة، يقولون، انظروا ماذا حل بالعراق وفلسطين، اليوم وبعد أن اهتزت عروشهم يصيحون، يتفاصحون، يحذرون..! ياسلام اكتشافات مبهرة يكتشفها الحاكمون بأمر الله، يكتشفون ان هناك مشروعا خارجيا يتربص بنا ويريد تمزيقنا وتفتيتنا ، يا الله ما أذكى هؤلاء الحكام . ورغم ذلك لانعلق عليهم فالسفهاء لايستحقون التعليق، نحن نعلق على كتاب السلطان مثقفي البلاط، منافقي القادة، هؤلاء الذين يريدون أن يعلمونا اليوم ان هناك مشروعا في المنطقة، أن هناك خطراً يتهددنا، وجودا وكيانا وهوية. الله ما أشطركم، صح النوم ، يخزي العين ما أشطركم، محروسين . ياسيدي معليش بدنا نتعلم من جديد، تعالوا اخبرونا كيف سنقاوم هذا المشروع، بمن سنقاوم هذا العدو الغاشم؟ بالشعب المنهك والمفوت والمستلب ، بهذا الطاغية ، بهذا الجيش الذي ألغي دوره الوطني وأصبح دوره حماية السلطان والسرقات والامتيازات، بالوحدة الوطنية الممزقة والمهددة، بالاقتصاد الحديث والمتنامي، بالصناعة الحديثة والزراعة، بالكفاءات التي تلجأ للهجرة لأنها لاتجد فرصة عمل، بصحافة الحزب الواحد والقائد الأوحد، بالأحزاب المسحوقة والمدجنة في واجهة النظام التقدمية الوطنية، بالسجون المعروفة للعالم أكثر من متاحفنا وكلياتنا ومكاتبنا ومفكرينا، بمراكز البحث العلمي التي لانعرف منها سوى الاسم، بخططنا واستراتيجيتنا للقمع والظلم والفساد، بالقضاء الذي لايخجل ولايحافظ على جلالة اسمه. مبارك هذا المشروع فمقاومته للأسف غير موجودة وقدرنا، أن ندخل التيه، الضياع ، إلى أن يخجل المثقف العربي والمواطن العربي، والاحساس العربي من هذا العري والتعري، من العهر السياسي، وسياسة العهر.
برلين 2/11/2006
#محمد_زكريا_السقال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عارف دليلة كل عام وأنت بخير
-
معارضة بالكيلو وعلى الميزان
-
المنسي...ذاكرة في الحاضر
-
اقرأ طرقت باب التابو في -قبل أن تحاسبوا*
-
علي الشهابي ..المعتقل الدائم
-
تصريحات البابا ، دوائر مغلقة
-
مناضلان إشكالية ، وإشكالية المناضلان
-
ما بعد الحرب على لبنان قلق أسئلة لآفاق قادمة
-
الذكرى الخامسة للحادي عشر من سبتمبر
-
لاصدر إلاك
-
عندما يبكي لبنان
-
مشروع ايراني ..أين المشروع العربي؟
-
السيف أصدق أنباء
-
غزة والطلقة الأخيرة
-
على ضفاف المدن الغريبة - إلى صديقي فاتح جاموس والمستقبل الذي
...
-
الوطن العمارة
-
الأمن اختصاص وطني غبر قابل للتصدير
-
الشعر والانتصار على الحياة
-
رحلة مع نزار قباني
-
الإخوان المسلمون في سوريا والحوار المطلوب
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|