|
قصور في مسيرة اليسار-6
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 7712 - 2023 / 8 / 23 - 22:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تجريف ثقافة التفاهة يعزز المناعة بوجه الفاشية واليمين المتطرف
تتغذى الفاشية من الجهل ومن حالات الإحباط والحرمان ومن ثقافة التفاهة التي تروج لها الرأسمالية باقتصادها وثقافتها. وجه المفكر الكندي ، ألان دونو، لطمة بوجه الفاشية بإصدار كتابه "نظام التفاهة"، ويقصد النظام الرأسمالي: "نظام الرأسمال يولد التفاهة في الحياة الاجتماعية ويغذيها باستمرار، وهدفه تخليد الذات عن طريق اغتيال المعارضة وكل من تزكمه الروائح الكريهة لإفرازات النشاط الرأسمالي على الصعيد الكوني. عهد التفاهة يحكم على العقل بالجمود والعقم ويبلد الثقافة ويهدد بالتدهور والسقوط" ، أورد دونو في كتابه. الفاشية هي الديكتاتورية المباشرة للراسمال، تنبري حين تفلس ديكتاتورية الليبرالية الطبقية، كما هو قائم في اوروبا واميركا، وتعجز عن الحفاظ على النظام نظرا لتراكم إفرازات أنشطته تلوث البيئة وتشيع في المجتمعات البشرية الإفقار والتردي الخلقي والاختلالات اجتماعية. غير أن الفاشية تصل الحكم على امواج صاخبة من الغيرة الزائفة على الوطن والدين والأخلاق! يضيف الان دونو،" التفاهة "تشجعنا بكل طريقة ممكنة على الإغفاء بدلا من التفكير، النظر الى ما هو مقبول وكانه حتمي، وإلى ما هو مقيت وكانه ضروري: إنها تحيلنا الى أغبياء". يتنامى في المجتمعات العربية خطر السلطوية تمهد الطريق للفاشية في رعايتها لثقافة رثة تافهة مناهضة للعلم تزدري اي فكرة للتعليم النقدي. حاليا يًمتَدَح الجهل كفضيلة، بات تفوق البيض والقومية المسيحية البيضاء في الزمن الحالي المبادئ التنظيمية للحكم وللتعليم في عدد من الولايات الأميركية وفي عدد من الأقطار بالعالم. الرأسمال بطبيعته يرعى التفاهة، رصد ماركس عمليات تتفيه الطبقة العاملة بتغريبها؛ الرأسمالية الطفيلية غير المرتبطة بالإنتاج وترعاها الاحتكارات عابرة القومية، تدعمها الأبوية في مجتمعاتنا والهدف المشترك تخليد الذات عن طريق الحط من معنويات الجماهير. يحرص نظام الكولنيالية في البلدان المتخلفة ذات النظام الأبوي على تخلف النماذج الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية واستمرار قيم العصر الوسيط ومخلفات السلفية الأولى في صراعها ضد الاجتهاد والفقه العقلاني. فقد تصاعد الصدام بين الأشعرية وثقافة الإبداع والتجديد في العصر الوسيط، وبلغ أوجه في الفترة الثانية للحكم العباسي. بهيمنة الفقه الأشعري سقطت الخلافة الإسلامية، واليوم يريد نفس الفقه إحياءها . شهدت حقبة ما بعد سقوط بغداد على يد المغول، ردة هائلة. أحرقت المجلدات ومؤلفات العلماء والنوابغ، وتم تكفير معظم العلماء أمثال الرازي والخوارزمي وابن سينا والبيروني وابن رشد والتوحيدي، وأعدم الحلاج . هي حقبة شبيه بها حقبة غزو العراق من قبل القوات الأمريكية. في هذا المناخ الموبوء أقبل الجمهور على كتب السحر والشعوذة والتصوف، وتجاوب الوجدان الجمعي مع خرافاتها. انتشر ما يعرف بالطب النبوي ، وشاعت أساطير وخرافات، وتم افتتاح عشرات العيادات التي تداوى بالقرآن الكريم . وتوثقت العلاقة بينها وبين حلقات الزار وزيارات "الأولياء" والتداوى من المس الشيطانى والربط الجنسي وكتابات المحبة و التأليف بين القلوب. استمرت هذه المخلفات التراثية تفعل في حياتنا الثقافية؛ في مرحلة الظلام سادت الخرافة وابتذل الفكر. وفي العصر الحديث لم يكن سهلاً التخلص من هذه الترسبات الصلبة في الوعي الاجتماعي. لم تتوفر الرافعة القوية الكفيلة بانتشال الهياكل الاجتماعية الشبيهة بالحفريات المتكلسة. بقيت هذه الموروثات تتغذى عليها السلفية وتغذيها . السلفية تنشد العودة للماضي بحثا عن حلول لمشاكل الحاضر؛ اليقين والثبات وتبادل التقديس والشيطنة من سمات ثقافة التفاهة، تتجنب التحليل والشك والنقد. الصحافة وسيلة فعالة لترويج التفاهة، تتسامح مع الزيف وتنشره، تسطح الامور وتتحاشى اللغة النقدية. وطرحت في الشرق مختلف البرامج التحديثية إلا أن أيا منها لم ينجح في إنجاز المهمة: علمانية أتاتورك، ليبرالية أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، حزب الوفد المصري، الحركات القومية والماركسية العربية...، كلها لم تنجز مهمة التحديث وبقي الإنسان الشرقي مصفداً بقيود التخلف والمهانة، وبقيت من ثم المجتمعات الشرقية مرتبطة بقيود التبعية للمراكز الرأسمالية. لم يهادن الماركسيون الجبرية وصوفية الدروشة والخرافة والشعوذة ، خالطت التدين الشعبي والثقافة الدينية الرسمية؛ وجهوا الهجوم ضد سيطرة السلفية المحافظة على التشريع وتأويل النصوص المقدسة، لكنهم تحاشوا الخوض في امور الفقه وتركوها للمحافظة السياسية مواصلة تقاليد توظيف الدين في غير ما ينفع البشر. رصد مصطفى حجازي لدى النظام الأبوي "الممسكون بزمام الأمور يبرزون من الدين الجوانب المؤكدة لسلطتهم وتعزز العرف الشائع والنظام المراتبي ، وما يشيع في المجتمع العشائري من تلازم انتشار القهر في الحياة الاجتماعية وأشدها سطوة". [سيكولوجية الإنسان المقهور- 107] في مقدمته للكتاب يرى الدكتور دونو، ان الوسطية تغدو بذلك " المعيار الذي نضطر للخضوع له"؛ وفي التقليد العلمي يشاع على سبيل المثال أن " الاعتدال وسط بين تطرفين"، الشجاعة وسط بين التهور والجبن؛ بهذا تغيّب الموضوعية والواقعية ويهدر مبدأ "الشعار الملموس في الظرف الملموس". وهكذا "فأن يظن المرء نفسه حرا ضمن نظامٍ مثل هذا هو امر لا يعني في حقيقته إلا فعالية هذا النظام"، أي نظام التفاهة، في أوساطنا، يقول الدكتور دونو. ومنذ صدور الكتاب صار يتأكد بانتظام الميل الى إقصاء غير التافهين، بحيث وصل الأمر اليوم الى أن باتت التفاهة مطلوبة. في هذا السياق بات نظام التفاهة مقرونا بالزيف. ولكي تنطلي الحيلة يسند التحقق من النتائج وتقييمها الى ’أشخاص متورطين في الادعاء والتظاهر، مرتبطين به وذوي مصلحة في استمراره‘". يسوق المؤلف أعراضا مَرَضية تغذيها السلطة: سياسي يوضح لناخبيه وجوب التسليم لإرادة حملة الأسهم في وول ستريت؛ أستاذ جامعي يقّيم ورقة طالب تعمق في البحث باعتبارها مبالغة في التنظير؛ منتِج سينمائي يصمم على إيكال دور أساسي في فيلم تسجيلي لشخص لا علاقة له بالفيلم. في هذا المناخ يشيع التخادع والتكاذب. وفي مذكرات سيمور هيرش ،" مذكرات صحفي الاستقصاء" يسوق وقائع لا حصر لها من التفاهة والابتذال في الحياة السياسية للولايات المتحدة، حيث الحرص الدائم على إخفاء الأنشطة المبتذلة بتصريحات كاذبة وتلفيقات مؤولة تخفي الحقيقة. تبذل صحافة الاستقصاء الجهود المضنية للكشف عن الحقيقة وإبرازها للجمهور وسط حملات الطعن في مصداقية صحفيي الاستقصاء والتجني على غايات الاستقصاء. لعبة التفاهة طغت على الأنشطة العامة مع بزوغ الليبرالية الجديدة ونظامها العولمي. "ظهرت إرهاصاتها مع حكم التكنوقراط الذي بدأ عهده مع تقلد تاتشر رئاسة الوزراء في بريطانيا "، وتزامن ذلك مع ظهور ريغان وشاع في الأدب السياسي مفهوم ’الاقتصاد التاتشري‘ او الريغاني تعبيرا عن تحولات افضت الى ظهور فئة الواحد بالمائة ممن يحتكرون أرباح النشاط الاقتصادي العالمي. نشاط الاقتصاد كرس مبدأ الربحية لاغير ، وسبيله الى ذلك الخصخصة وسيطرة السوق. وماذا عن فكرة دولة القانون؟ "الجنان الضريبية التي تهرب اليها الأموال توسعت لتشمل مناطق في دول مثل الولايات المتحدة وكندا وغيرهما. حتى النواحي الإدارية في المناطق الحرة تنظم بما يعود بالنفع على الجماعات الصناعية والمالية، وعلى الجريمة المنظمة التي طالما عملت بصورة عابرة للحدود الوطنية، أي بشكل يخرج عن الأطر التي رسمتها الدولة.[نظام التفاهة-309] بمناسبة تسلم ألبير كامو جائزة نوبل قال في كلمة القاها بالمناسبة،"ان الفنان ، شاء أو لم يشأ، قد جند للخدمة. في هذا الصدد كلمة ‘جند’ ادق من كلمة ‘التزم’ ؛ ... الفنان يؤدي الخدمة العسكرية الإلزامية، اليوم يركب كل فنان على متن سفينة العبيد المعاصرة." يضيف دونو القول: "مثل اي فنان، نحن مولودون في خضم بحر عاصف ، وقد أُركٍبنا على السفينة جبرا" نقل المؤلف عن "روزا لوكسمبرغ ، الكاتبة الماركسية التي نشطت اوائل القرن العشرين، ان ’الناس لا يصبحون ثوريين لأنهم يحبون الأزمة أو الكارثة؛ بل يصبحون كذلك لأنهم يخشون هذه الأزمة او الكارثة التي يقودنا اليها النظام الراسخ لزمننا‘. ذكّرت لوكسمبورغ المجتمع بأن الاقتصاد الراسمالي كان متجها نحو الكارثة ، وكان يجلب الكارثة للناس الخاضعين لنظامه، لهذا السبب ، فإن الإرادة السياسية، ضمن أشياء أخرى ، كانت لازمة للإطاحة به". اشاع العفونة في المجتمع ، بدل الإنصات الى دبيب الكارثة الزاحفة ، تمخضت عن فاشية دفعت العالم الى أتون الحرب العالمية الثانية. خضعت المجتمعات العربية لحكم العثمانيين أقاموا سدا بين الناس والكرامة. اندثرت مجتمعات باكملها، وبحلول القرن الثامن عشر لم يوجد مجتمع عربي، بل قبائل معزولة. أمكن رد الحملات الصليبية ، إذ كانت مجتمعات المنطقة بمستوى حملات الصليبيين. وفي القرن التاسع عشر زحفت الكولنيالية الامبريالية في ظرف اختلال التوازن ، وكان محتما نشوء علاقة تبعية. وجد المستشرقون مجتمعات المنطقة تعيش التخلف والجهل والأمية ووصمتها بتلك الحالة ، وما زال الغربيون ينظرون بازدراء الى المجتمعات العربية والإسلامية. في حضن الجهل المترامي من غير المجدي أن يقف العنصر او العناصر الثورية تحاضر الجماهير في أثناء الهبة الجماهيرية؛ إذ تتطلب الدروس التثقيفية هدوءا يساعد على الاستيعاب . لا تصغي الجماهير المنطلقة الى العناصر الثورية ما لم تستعد مسبقا علاقة الثقة بين الطرفين؛ الثقة المسبقة تنمو بفضل التصاق كوادر ثورية بالجماهير الشعبية في مواطن سكنها او عملها ، كوادر جيدة التاهيل ورفيعة الثقافة السياسية والاجتماعية، تكتسب مصداقيتها وثقتها وبالتالي مساندتها للبديل الثوري. والإحجام عن تتشئة الكوادر المؤهلة في أوساط الجماهير يفشل التحركات الثورية، ويعيد إنتاج النظام القديم بزي جديد. بدون نظرية ثورية ليس ثمة حركة ثورية واعدة . يقول ماركس "أن معرفة ما إذا كان الفكر الإنساني يمكنه أن يؤدي إلى حقيقة موضوعية ليست مسألة نظرية، بل هي مسألة عملية. لأن على الإنسان أن يبرهن عمليا الحقيقة، أي حقيقة فكره ومدى انطباقه على الواقع. الثورة ليست رهن المستوى التعليمي للمجتمع؛ نادى باولو فريري،عالم التربية البارز في أميركا اللاتينية أن"التعليم عمل سياسي بامتياز، إما يعزز المحافظة أو يساند التغيير الديمقراطي." ورأى الخبير التربوي الدكتور الراحل ، حامد عمار، ان "التعليم يتمخض عن نتائج متناقضة. فقد يسهم التعليم في تنمية الوعي بتصاريف الواقع وتطويره عمرانا وبشرا وفي خلق فئة من المثقفين فكرا وسلوكا مستقلا وتشكيلا، لهم انتماؤهم الوطني وتفاعلهم مع الهم العام، أو في ظهور طبقة من المغتربين الساخطين سلوكا"(التربية والتعليم في تحدي العولمة /65) . يوضح مفهوم التعليم البنكي، الذي صاغه فريري ان التعليم التلقيني يودع المعلومة لدى الطالب كي يحفظها عن ظهر قلب ويعيدها على ورقة الامتحان، ثم ينساها . التعليم بهذا المنحى العقيم ينظر اليه منحة يتفضل بها أولئك الذين يعتبرون أنفسهم مالكين للمعرفة على أولئك الذين يفترض أنهم يجهلونها. غير أن "إضفاء الجهل على الآخرين هو في حقيقته من مخلفات فلسفة القهر التي تجرد التعليم والمعرفة كليهما من خاصيتهما كعمليتي بحث متواصل من أجل اكتساب الحرية". [عمار/52]. بدل التعليم البنكي التلقيني، يفترض التعليم الحواري في الطالب نسق معلومات تحتاج الى تطوير واختبارها بالتجربة العملية كي تنبني عليها المعارف العلمية الجديدة بوسيلة البحث ومن خلال الممارسة. دخل التلفزيون مقاولا في التتفيه، يقدم صورا مزيفة للواقع؛ العاملون ينتقون مناظر وشخصيات تلبي الغرض من نظام الدعاية. هكذا ينتج التلفاز "كائنا اجتماعيا جديدا هو السلطعون الناسك الجمعي"- (السلطعون الناسك كائن بحري يعيش مختبئا داخل قشرة حلزونية كحماية له من الكائنات البحرية الأقوى-المترجمة)[286]. ثقافة التتفيه أفرزت نكوصا غامضا في القيم الاجتماعية استعصى على الأفهام؛ أما هشام شرابي فقد وجد لها التفسير في نظام التفاهة: - يتعلم الطفل الاستغابة عندما يلاحظ ان والديه وغيرهما من الكبار ينالون من سمعة اشخاص يعرفهم، أو /و حين يعي ان من يحملونه على مجاملتهم يكرسرون التابوهات. "الامبراطور عاريا". الناس تتمظهر زيفا؛ والفرد لا يثق عفويا بكلام الآخرين لأنه يعي نوعية القناع الاجتماعي الذي يختبئ الجميع وراءه؛ وهذا ما يؤدي الى تغليب الشك والريب فيما يتعلق بنوايا الناس ودوافعهم. نجد المسايرة في مجتمعنا لا تقتصر على المعاملات اليومية بل تتجاوزها الى المناخ الفكري للمثقفين. ان الرياء الذي ترتكز اليه المسايرة تؤدي تلقائيا الى تغذية الروح العدوانية التي تظهر عادة في الاستغابة. -ما لا يدركه كثيرون ان العنف الذي يتعرض له الأطفال(على صعيد الأسرة والمدرسة ايضا) يحدث آثارا عميقة الغور في للنفوس تستعصي عليهم وعلى المجتمع ايضا. فهم معرضون الى صعوبات في التعلّم ، ضعف الانتباه، اعاقات في الوظائف التنفيذية للدماغ، اختلالات في الصحة العقلية والنفسية ، اكتئاب وقلق يدفع بعضهم الى الانتحار وتعاطي المخدرات. تؤكد الدراسات ان الكثير من الأطفال الذين تعرضوا للعنف يكونون فاشلين في حياتهم الزوجية وغير منتجين اجتماعيا. ولا يقتصر العنف هنا على النوع الجسدي، بل والنفسي ايضا من قبيل النبذ، التمييز في المعاملة بسخرية والتحقير. القهر في سن الطفولة ينتج مع الكبر شخصا اما محافظا او لامباليا سياسيا. الكبت الجنسي يقتل القدرة على التمرد والثورة ضد الاضطهاد الاجتماعي.
- مصير الفرد يتوقف على تربية السنوات الأولى بالبيت والمدرسة. إن عدم الاهتمام بالطفل في هذه المراحل قد يطفئ شعلة الذكاء وقد يسبب عُقَدا يستحيل معرفة أسبابها وتفكيكها. يظهر جليا ان التعلم الأولي، في مرحلة الطفولة الأولى والاندراج في المجتمع يؤثر اكثر من التعليم الثانوي( في المراحل اللاحقة). يظل الفرد، مهما بلغ مستوى ثقافته ، تحت تاثير بنية التربية الأولى؛ بعكس ما يبديه الأبوان من حالة طوارئ حين يستعد الابن لدخول الجامعة، وقصر الاهتمام على التعليم الجامعي. قد ينزع حامل شهادة الدكتوراه ، شان اي فرد بالمجتمع الى العقلانية السحرية( اللجوء الى البصارة أو قارئة الكف) . -التذلل او نقيضه الغطرسة : يتعلم الطفل باكرا ان روح الاقتحام لا تجدي نفعا وأن روح الخضوع تنال المكافأة، بمعنى انه يتعلم كيف يجد طريقه بطلب المساعدة واستثارة العطف بدلا من العمل بإرادته الخاصة . كل طلب يصبح نوعا من الاستجداء، نمط تعنى به الثقافة الأبوية كجزء لا يتجزأ من علاقات السلطة.
- وتعظم فداحة الاستثمار في الأجيال بتعريض الأم، المشرفة الأولى على تربية الطفل لمعاملة مهينة. بالنسبة للمراة "سجنها داخل بيتها مع ما يتضمنه ذلك من حرمان من فرص التعامل مع الواقع والتدريب على السيطرة الفعلية عليه، واستلابها إرادتها وقدرتها على الاختيار هوالذي يفشي الخرافة في وجودها وممارساتها ونظرتها الى العالم". -المتعلمون لا يمكنهم ان يشكلوا قوة مستقلة تعمل على إحداث التغيير؛ ليسوا رسل تنوير، كما يشاع في المجتمعات الراكدة؛ اما القواعد والقيم التي يمثلونها في حياتهم العملية فهي القواعد والقيم التي يمثلها النظام القائم في تركيبته وإيديولوجيته التي ترفض التغيير. -المتعلم والمثقف التابع للنظام الأبوي يرى في النظام القائم ميدانا لنشاطه الفكري وربحه المادي. التضحية والغيرية من جملة مفاهيم وقيم غريبة عن الشخصية الأبوية، وبنوع خاص التضحية الذاتية؛ رغم ان الالتزام الفكري قد يدفع المتعلم برغبة مخلصة ، لخدمة المبادئ التي يؤمن بها ، فان نهج حياته والتركيب النفسي المرافق له يمنعانه من ذلك ؛ فهو دائما ينتهي الى تبرير ذاته وتبرير سلوكه المناقض لأقواله ومعتقداته. - لقد ترعرعنا ، نحن المثقفين العرب، على الإيمان بالمثل التي ينادي بها الغرب دون تساؤل او تمحيص؛ فنمت فينا عملية تمويهنا وصرنا نرى الواقع من خلال الفكرالمثالي الغربي"( يناقضه فكر واقعي في الغرب لم نعرفه ولم ينقل الينا). - العداوة تسبق التفاهم: يسهل التحريض ضد الغريب المجهول؛ هو موقف نفسي وأحد انماط السلوك المفضي الى دعم العلاقة العشائرية والطائفية. تحالف المجتمع والعائلة يبدو الوسيلة الأساس للثقافة الاجتماعية المسيطرة لضبط التغيير والمحافظة على استقرار النظام الاجتماعي الراهن، الذي هو بدوره مبني على النمط السائد في تركيب العائلة وفي توزيع الثروة والسلطة والمكانة الاجتماعية في المجتمع العربي. - لغة الاعتذار مغيبة في العلاقات الاجتماعية ، يُنظَر اليها رديف الخنوع. كل ما في الأمر ان يتعود الشاب الحيطة وإخفاء السلوك المعيب. تتعود الأجيال إخفاء النوايا مدركين أن الآخرين كذلك يتسترون على العيوب، فتنتشر الضغائن . - . الأبوية المسيطرة كطبقة اجماعية تتعمد إبقاء العلاقات الاجتماعية على حالها ، مدافعة عن الوضع الاجتماعي السائد، كي تحافظ على سيطرتها كطبقة. والبرجوازية الصغيرة، التي تكاثرت في المجتمعات العربية في النصف الثاني من القرن الماضي، ليس لها موقع محدد في العملية الإنتاجية ، تمتهن الانتهازية واستغلال الفرص؛ في داخلها تسود روح خنوع تافهة ومساومة ، بالإضافة الى شعور بالتفاهة وبالعجز عن مواجهة العالم مواجهة فعالة. - حين يواجه المجتمع قوة غازية لا قبل له بالصمود امامها " تبرز السلفية بوضوح كوسيلة حماية من خلال الانكفاء على الذات والرجوع الى الماضي التليد". الأبوية تتمظهر بروح الطبقة المتسلطة، من خلال شعاراتها وحِكَمها وأشعارها، هي روح ثقة وقوة وإيمان بالمستقبل. - العقلية الأبوية لا تقر بحقوق للجماهير الفقيرة بوجه خاص، لا يشعرون بالتعاطف ولا يستطيعون التطابق بسبب نوع تربيتهم ووضعهم الاجتماعي. يصورون ظلمهم النازل بانه إرادة الله؛ كذلك تبدو مظاهر الفقر الاقتصادي والجهل والمرض والتعاسة كلها في منظور النظام أمور اخلاقية دينية.
الحلقة القادمة عن التفاهة في ظل الاحتلال الصهيوني
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصورفي مسيرة اليسار-4
-
قصور في مسيرة اليسار-4
-
على الفلسطينيين التأهل لكرب شديد بانتصار الفاشية الصهيونية
-
قصور في مسيرة اليسار-3
-
اين يكمن قصور اليسار؟
-
مضامين التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية ومطباته
-
أين يكمن الخلل في مسيرة اليسار العربي ؟
-
نحو نظرية علمية للتنمية المستدامة
-
ولاية فلوريد الأميركية مثال حي لإشاعة الفاشية في مجمل الحياة
...
-
وسا ئل مبتذلة تتمظهر بالدفاع عن حقوق الإنسان
-
مقدمات واعدة للقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بالقاه
...
-
نهج سياسي فاشي مغلف بالتدين
-
سياسات إجرامية وسياسيون قتلة وفاسدون
-
رغم التحذيرات المبكرة مقاولو الحروب بالولايات المتحدة خططوا
...
-
المقاومة الفلسطينية.. نقاط القوة وثغرات الضعف
-
نضال مركز ضد الأبارتهايد يفضي الى تصفية دولة إسرائيل
-
اكتسبت مكانتها الدولية بفضل تكنولوجيا التجسس
-
بزوغ حركة عدم انحياز جديد
-
هل تقدم إسرائيل يوما للمحاسبة ؟
-
نغذ السير في المجهول
المزيد.....
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|