أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ساطع هاشم - خبر من عاشوراء العراق














المزيد.....


خبر من عاشوراء العراق


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 7712 - 2023 / 8 / 23 - 11:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جلست في انتظار نشرة الاخبار المسائية من برنامج اخباري على التلفزيون, وبعد النشرة بدأ برنامج لتقارير خاصة من حول العالم، واخرها كان من العراق وتقرير قصير عن (مذابح) عاشوراء التي يقوم فيها المتدينون الشيعة بضرب انفسهم بالقامات والسيوف الحادة في مهرجانات بالهواء الطلق، والتي انتهت قبل حوالي الأسبوعين

كلهم متدينون وآمنوا بالله الذي كان يراقبهم من الاعلى، وبالائمة المدفونين بالاسفل منذ اكثر من الف عام، الذين كانوا دائمًا على استعداد لتقديم المعجزات لهم من داخل قبورهم إذا طلبوها منهم، او عندما يحتاجون اليها فعلاً، واملاً بهذين القطبين بين السماء وجوف الأرض، يخرجون مشياً على الأقدام لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من كل عام وينامون (بمن فيهم أطفالهم) في خيام بالية او يفترشون الطرقات، الى المزار الذي يقصدون، ثم يطوفون حوله، وهم يضربون صدورهم وظهورهم بادوات حادة مع بكاء وعويل.

ومع وصول الجماهير مقصدها وجدت ان الامرمختلفًا جدًا هذا العام، فما ظل عالقا في ذهني بشكل غريب من ذلك التقرير (الدموي) ليس الدماء النازفة بغزارة من الرؤوس والأجساد امام جمهور غفير، فقد اصبح ذلك امرا عاديًا في بلاد يحكمها القتلة الدجالين، بل صورة ذلك الروزخون او الامام السياسي المعمم الذي يهتف ويزبد وامامه قد تجمع المؤمنين جميعًا، مثل قطيع من الأغنام الحائرة، في انتظار إخبارهم بما يجب القيام به وهم يغمغمون بمشاكلهم ومخاوفهم ويتوسلون به أن يعطيهم بعض التوجيه لحالة عدم اليقين التي يشعرون بها، وهذا يفوق أي شيء يمكن تخيله.

يوجه الاف الأشخاص الذين يدورون حول ذلك القفص المعدني المطلي بالذهب فوق التابوت المدفون في قبر لا ترى منه شيئا سوى نسيج اخضر يغطي دكة بارتفاع متر، وهم منشغلين بالنواح واللطم والتبرك وتقبيل مقابضه وجدرانه، حيث جاءوا للنظر فيه وايذاء انفسهم طلباً للرحمة والحظ السعيد، وارضاءا لاوامر وفتاوي ذلك المعمم.

المعاقون يكافحون من أجل جر أنفسهم إلى الأمام, نساء مقفرات لا يعرفن كيف سيتمكن من حماية أطفالهن عندما تسوء الأمور, الناس يركضون، يسقطون، يقاتلون، يصرخون, رجال بدينون مثقلون بفحش جشعهم, كل كومة من هؤلاء البشر تكافح، وتحاول أن تبقى واقفة على قدميها.

وبعد ذلك وانا ما ازال احدق في الكثافة الفارغة للجموع البشرية التي ظهرت امامي على الشاشة، استدارت الكاميرا وذهبت مع الصحفي الى جهة أخرى من الضريح، وكانت هناك سلسلة من صراخ عنيف، ثم واصلت الكاميرا متحدية الظلام الكثيف الذي خلقه الاف البشر حولها، باتجاه الصوت للبحث عن إشارة او اي شيء من شأنه أن يجعل كل هذا الألم والارتباك الذي نسمعه ان ينتهي بهدوء داخل رأس شخص كان يصرخ مفزوعاً (او اشخاص)، شيء ما لمنعه من العويل وابعاد المخالب والطبول التي تعذبه من داخل جمجمته.
صرخ مرات اخرى قبل ان تصل الكاميرا اليه، وشعرت أن صوته يتجمد من حوله كما لو كان يحاول ان يحتمي داخل ذاته، ثم شاهدته وقد رُفع عن الأرض وتم حمله حيث تم توفير سرير خشبي نقال له للاستلقاء مع وسادة لرأسه، وعندما تُرك وحده بدأ تنفسه يستقر، وكان هناك العشرات حوله على نفس حاله

كنت انظر إليه من خلال شاشة التلفزيون بفضول والاحظ أن عينيه الشاحبتين كانتا كأنهما مطلية بالذهب، مثل بقع الغبار عندما تطفو على سطح بركة من الماء، كانت الرموش برتقالية تقريبا، وبدون أن ينظر من حوله، أدخل يده برفق بين فراغات شرائح خشب السرير النقال، وترك أصابعه وجلده المشدود ترتاح هناك، ثم استسلم للنوم، والدماء تتسرب من جراح في ذراعه وصدره ورأسه، وعلى مسافة قصيرة منه صديقه او والده راكعًا امامه يضمد جرحه البليغ، ورأيت العرق يتصبب على الوجوه المتحركة من حوله وتواصل الطواف حول القفص المعدني في صخب ونواح دون ان تعيره أي اهتمام.

وانتقلت الكاميرا في هذا (الحمام الدموي) الى صحفي اخر خارج هذا المزار، وهو ينقل مشاهداته من مقبرة ضخمة وحوله مشاهد دفن عديدة، حيث تم رفع جسد احد الموتى الى القبر من قبل اربعة أشخاص يرتدون ملابس داكنة، ووجوههم مخبأة عميقاً داخل ثنايا أغطية رؤوسهم بحيث تعتقد أنه ليس لديهم وجوه على الإطلاق، اما الميت وهي امرأة فقد كان وجهها مكشوفا وهذا اغرب ما شاهدت، وتبدو مرهقة وهادئة، وكأنها مسرورة برحيلها وبأخذها من هذا العالم.

ربما تعتقد هذه الجموع الفقيرة المخدوعة والمغلوبة على امرها بامكانية أن تساعدهم قوى الظلام، بعدما خذلتهم قوى الضياء وفشلت في نجدتهم، والسماء فوقهم مثل الخلود المضيء باللون الأزرق والعتبات المقدسة كما لو انها رؤية الجنة، بينما لم يكن هناك علاج لمآسيهم وفقرهم سوى نزيف الدم من رؤوسهم وأجسادهم والماء البارد والثلج واللطم والنواح لإبعاد الشياطين



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزجاج والماء
- جنائز المغدورين
- التأقلم او الزوال
- اشباح الخراب
- امرأة
- پورتريه
- مسيرة جبلية
- صورة قرية بالفحم
- العقيق الاحمر
- صورة جبل
- صَقر مُطارَد
- رسائل الليل واجوبة النهار
- حاسة السمع وانفجارات العراق
- ماهي الفوضى الخلاقة؟
- الغرق
- الموظفة
- حروب الثقافتين
- رجال في الخفاء
- رسالة الفنان
- استعمار متجدد


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية يؤكد أن الغرب يخلق الفوضى في سوريا.. ...
- كيف يستقبل مسيحيو الشرق أعياد الميلاد هذا العام؟
- الشرطة الألمانية تنفي أن تكون دوافع هجوم ماغديبورغ إسلامية
- البابا فرانسيس يدين مجددا قسوة الغارات الإسرائيلية على قطاع ...
- نزل تردد قناة طيور الجنة الان على النايل سات والعرب سات بجود ...
- آية الله السيستاني يرفض الإفتاء بحل -الحشد الشعبي- في العراق ...
- بالفيديو.. تظاهرة حاشدة أمام مقر السراي الحكومي في بيروت تطا ...
- مغردون يعلقون على التوجهات المعادية للإسلام لمنفذ هجوم ماغدب ...
- سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ساطع هاشم - خبر من عاشوراء العراق