أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم يونس الزريعي - الصهيونية الدينية من الأطراف للسلطة (دراسة) الجزء الثالث















المزيد.....



الصهيونية الدينية من الأطراف للسلطة (دراسة) الجزء الثالث


سليم يونس الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 7709 - 2023 / 8 / 20 - 16:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


الفصل الثاني
الأحزاب الصهيونية الدينية

في ظل ادعاء الديمقراطية من قبل الكيان الصهيوني ، وهي الكذبة التي يروج لها الغرب، لأن السؤال الأساس هنا هو: هل هناك ديمقراطية بالمعني العلمي للمصطلح في نظام عنصري كولنيالي؟ في حين أن الصحيح هو، أنه توجد هناك حياة سياسية في الكيان للمستجلبين اليهود ضمن شرط المشروع الصهيوني. أي تحت مظلة الصهيونية الفكرة والتجسيد.

ومع أن التيار العلماني هو من نظَّر وأرسي الكيان، فإن الصهيونية الدينية المعارضة للتيار العلماني عملت منذ نشأتها تحت سقف ذلك المشروع، ولما كانت الحالة الاجتماعية العرقية (الإثنية) في إسرائيل قد شكلت قضية مركزيةـ فإن الأحزاب والحركات الدينية الصهيونية والمعارضة للصهيونية لا تعدو كونها تندرج في أحد شكلي الصراع بين الدين والدولة اللذين انتهى إليهما الفقيه الفرنسي موريس دي برجييه، وهما الصراع من داخل إطار النظام والصراع على النظام، أي بمعنى أن الأحزاب الدينية الصهيونية (المفدال والأحزاب المنشقة عنه) تؤمن بالصهيونية وتعمل على تحقيق مطالبها ومصالحها في إطار النظام القائم، في حين أن الأحزاب الدينية الحريدية المتشددة (حزب أغودات يسرائيل) والأحزاب المنشقة عنه لأسباب طائفية وعرقية وخصوصاً حزب شاس لا تزال حتى اليوم لا تعترف بالصهيونية العلمانية ولا بإسرائيل ككيان شرعي، ولكنها ارتضت بالدولة كأمر واقع وهي تعمل على تغيير نظامها السياسي من خلال العمل في إطار النظام ذاته، انتظاراً لليوم الذي تتحول فيه الدولة الراهنة إلى دولة تحكمها التوراة بعد قدوم المشياح. وفي هذا المجال تأتي توصيفات الحاخام عوفديا يوسف لنتنياهو بأنه عنزة عمياء ولباراك بأنه عدو لليهود وليوسي ساريد بأنه هامان.(3)
وكان لفشل عملية الصهر المجتمعي للمستجلبين اليهود, الذي سعت إليه الحركة الصهيونية. أن نتج عنه بروز انقسام عميق بين الاشكناز(اليهود الغربييين) والسفارديم( اليهود الشرقيين), جعلت السفارديم يشعرون بالظلم والدونية. نتيجة الهيمنة الدائمة للاشكناز؛ الأمر الذي أدى إلى التمرد, وظهور حركة "شاس" ممثلة للسفارديم المتدينين (الشرقيين).

ولم تكن حركة شاس أول تمثيل للحالة السفاردية الحريدية فقد سبقها كل من الاحزاب الدينية الصهيونية (تالي) وحركة (تامي) إلا أنهما لم يحققا النجاح الذي نالته شاس, بل كانت تامي تجربة ممهدة لشاس, دعمت آمال السفارديم الحريديم نحو إقامة حزب أكثر التزاما وأوسع قاعدة.
أولا: حزب "حراس التوراة الشرقيين: شاس".
النشأة: "شاس (شومري توراه سفارديم/ السفارديون حراس التوراة) هو حزب ديني متزمت (حريدي)". أسسه قبيل انتخابات 1984 الأعضاء السفارديون (أبناء الطوائف اليهودية الشرقية) في حزب أغودات يسرائيل, بتشجيع من الحاخام اليعيزر شاخ, الزعيم الروحي للطوائف الليتوانية, وبمبادرة من الحاخام عوفاديا يوسف, الحاخام الأكبر السابق لليهود السفارديين, احتجاجا على الهيمنة الاشكنازية (أبناء الطوائف الغربية) على الحزب ورفضهم إعطاء السفارديين تمثيلا ملائما في مؤسسات الحزب وفي قائمة مرشحيه للكنيست.(4)

وكانت حركة شاس قد انشقت عن حركة أغودات يسرائيل على أثر قيام أغودات يسرائيل في بداية الثمانينيات بعرض قائمة مرشحين انتخابية, كلها من النخبة الغربية (اشكنازيم), بعد أن كانت أغودات يسرائيل على مدار التاريخ تقدم النخبة الشرقية (سفارديم) على النخبة الغربية (اشكنازيم), وقد خاضت شاس انتخابات سنة 1984 بقائمة مستقلة تحت اسم "شاس" وحصلت في الانتخابات الأولى لها على أربعة مقاعد, مقابل مقعدين لقائمة أغودات يسرائيل. وقد ظهرت حركة شبيهة بشاس في حي "بني براك" عرفت باسم "حاى", برئاسة "روفائيل بنحاسي" وبمباركة الحاخام "مناحيم شاخ" رئيس مجلس عظماء التوراة آنذاك وفي عام 1984 اندمجت شاس مع كل من "حاى", وقائمة أخرى ظهرت في طبريا باسم "زاخ", وأعلن عن قيام حزب سياسي تحت اسم "شاس" بزعامة "إسحاق بيرتس". وقد انضم إلى الحزب الجديد يهود من الطائفة اليمنية أيضا. على ذلك فإن "شاس" تجسد جماعة شرقية في (إسرائيل), سواء على الصعيد الديني السفاردي- حاخامات من أصل شرقي يترأسهم الحاخام يوسيف, وهو الأب الروحي للحركة من أصل عراقي, أو على الصعيد السياسي, حيث يتواجد داخل الحركة أعضاء كنيست ورؤساء مدارس دينية ومدراء مؤسسات ونشطاء ميدانيون قاسمهم المشترك الجامع بينهم يتمثل في كونهم يهودا شرقيين (سفارديم).(5)

وكان ظهور حركة شاس نتيجة لصراع "ديني- ديني" وهو صراع قديم عاصر الكيان الصهيوني قبل إنشائه وما زالت مظاهر هذا التمييز تسود المؤسسة الرسمية في إسرائيل رغم المحاولات التي بذلتها وتبذلها حكومات متعددة للقضاء على هذه الظاهرة, وقد أصبحت شاس مع مرور الوقت إحدى الظواهر المميزة للصراع الطائفي داخل المجتمع الديني الإسرائيلي خاصة وأنها أنشئت ردا على التمييز بين الاشكنازيم والسفارديم داخل حركة أغودات يسرائيل. ولم يقتصر الوضع السياسي لحزب شاس على المواقف الدينية, أو إبداء بعض الآراء السياسية, أو الاعتراض على موقف سياسي هنا أو هناك, بل أصبح الحزب مشاركا فعليا في صنع السياسة, ويلعب دوراً مباشراً في رسم السياسات, وذلك بحصوله على عدد كبير من المقاعد في الكنيست وصل في بعض الأحيان إلى 17 مقعدا وشكل في أكثر من انتخابات القوة الثالثة في الكنيست, فشكل قوة أساسية في تشكيل أي ائتلاف حكومي, كما حصل على خمسة وزراء في بعض الائتلافات, منها وزارات مهمة مثل منصب وزير في المجلس الوزاري المصغر (الكابينت), وتحديدا في الائتلاف الحكومي الواحد والثلاثين والثاني والثلاثين, الأمر الذي أهله للمشاركة الفعلية والمباشرة في صناعة القرار السياسي(6)

وتطفو على السطح الآن أحزاب الصهيونية الدينية ـومنها حزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش: هذا الحزب يُطالب بضرورة أن تخضع إسرائيل للقانون الديني اليهودي والتخلي تماما عن نظامها العلماني الحالي، وينادي الحزب بترحيل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ودائما ما يصف زعيم الحزب بتسلئيل سموتريتش العرب بأنهم إرهابيين، وقد اعتقل سابقًا لمدة ثلاثة أسابيع بعد القبض عليه داخل سيارة تحمل عبوات ناسفة، حيث كان يعتزم شن هجوم إرهابي احتجاجًا على انسحاب المستوطنين الإسرائيليين من بعض المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، كما أنه يدير جمعية "رغافيم" اليمينية المتطرفة التي تلاحق الفلسطينيين في الداخل والخارج، ووفقًا لمعتقده فإن جماعات حقوق الإنسان هي تهديد وجودي للدولة العبرية، ويتولى سموتشريتش وزارة المالية في الحكومة.

حزب القوة اليهودية بزعامة إيتمار بن غفير الذي حظي بشهرةً إعلامية، لقيادته اقتحامات يومية وشبه يومية للمسجد الأقصى التي تنقلها شاشات الفضائيات ومواقع التواصل. وبن غفير واحد من أولئك المتطرفين الذين نهلوا من الكاهانية (نسبةً لمائير كاهانا مؤسس حركة كاخ)، وهو كذلك من أبرز المتورطين في قضية تهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس، واشتهرت صورته أثناء إمساكه بمسدسه والتلويح به أمام الفلسطينيين الغاضبين في الحي المقدسي القديم.

انتسب بن غفير، ذو الأصل الكردي، إلى حركة كاخ في سنة السادسة عشرة (مولود في عام 1976)، وعمل في مهنة المحاماة، وتكوينه الفكري والأيديولوجي جاء من حركة كاخ الإرهابية. وكان بن غفير من أبرز مؤسسي «عوتسما يهوديت» (القوة/ العظمة اليهودية) أحد الأحزاب الصهيونية الدينية المتطرفة، وهو امتداد للكاهانية. تأسس هذا الحزب عام 2012، مع  آريه الداد ومايكل بن آري، وهو أصلاً انشقاق من حزب «الاتحاد القومي»، ويدعو هذا الحزب وقادته إلى طرد الفلسطينيين الذين يرفضون الولاء لدولة "إسرائيل".

ومع ذلك فإن هذه الأحزاب مع تعددها تتفق على:
ضرورة تبني التوراة كمرجع أساسي وقد يكون أوحد في مسارات الحياة للمجتمع الإسرائيلي، بل وكذلك في السياسات الخارجية.

الرفض المطلق لأي تسويات سواء عادلة أو غير عادلة مع الفلسطنيين والعرب
المطالبة بقتل وتصفية الفلسطينيين، أو تهجيرهم (الترانسفير) في أحسن الأحوال.

التوسع في الاستيطان ورفض أي دعوات لوقف الاستيطان من أي جهة. (6) أما حزب "نوعام" ـ بقيادة آفي ماعوز: الضلع الثالث في مثلث قوى الفاشية الجديدة ، فلا يوجد اختلاف جوهري بين حزب نوعام الذي تأسس في عام 2019م وبين حزبي الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت سوى في درجة التطرف، يتمسك الحزب بالتعاليم الدينية اليهودية ويدعو إلى تطبيقها، يستلهم الحزب أفكاره من تعاليم الحاخام تسفي إسرائيل تاو الذي سبق وأن تمت إدانته بجرائم جنسية، يدعم الحزب إقامة المستوطنات في الضفة الغربية.(7)

حركة كاخ : هي حركة إرهابية أسسها في الولايات المتحدة عام 1968، الحاخام اليهودي المتطرف مائير كاهانا «رابطة الدفاع اليهودية» للدفاع عن الأحياء اليهودية في الولايات المتحدة. ونتيجة الرؤى والسلوكيات المتطرفة لكاهانا ورفاقه، تم اعتقاله من قبل السلطات الأمريكية. على أثر ذلك، قدم كاهانا إلى إسرائيل في صيف عام 1971 ليبدأ نشاطه على الفور بتأسيس حركة أخذت الأضواء في داخل إسرائيل وخارجها، ألا وهي حركة «كاخ» أو «رك كاخ» (هكذا).

ظهور هذه الحركة في السبعينيات جاء مشحوناً بسياق الصراع المحتدم مع العرب، وبعد حرب أكتوبر، وفي إطار نشاط الفدائيين الفلسطنيين، خصوصاً العمليات الخارجية التي كان ينفذها منتمون للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتدعو الحركة في أدبياتها وخطابها السياسي إلى قتل العرب والفسلطنيين، والرفض التام لعملية السلام، من أبرز ما جاء في بيانها التأسيسي: «إن اليهود شعب مقدس، وهو يختلف عن بقية الشعوب وحضاراتها، وهو الذي يتم اختياره للسير في طريق الله».

في 1984، استطاعت الحركة اجتياز نسبة الحسم في انتخابات الكنيست، وأصبح مؤسسها وزعيمها كاهانا عضواً في الكنيست في دورته الثانية عشرة، لكن تلك العضوية عانت من مشكلات كثيرة.

أفرزت حركة كاخ عديداً من الإرهابيين اليهود الذين قاموا بعمليات تصفية ومجاز بحق الفلسطينيين، مثل باروخ جولشتاين الذي أطلق النار على المصلين في الحرم الإبراهيمي عام 1994، واستشهد جراء ذلك ما لا يقل عن أربعين فلسطينياً. لم يسلم كذلك مسئولو دولة الاحتلال من شظايا تطرف هذه الحركة، حيث أقدم أحد أبنائها، وهو إيجال عامير على اغتيال رئيس الوزراء آنذاك اسحاق رابين عام 1995. كذلك، من أبرز سفاحي هذه الحركة (أو امتدادتها وإفرازاتها): «كاهانا حي- حركة لهبا، وهي الحركات التي قام منتسبوها بحرق عائلة الدوابشة، والطفل محمد أبو خضير من قبل كل من: مائير أتنغز وعميرام بن علوئيل.

ويعتمد الكاهانيون على كتاب كاهانا «يجب أن يرحلوا» (They Must Go) الذي يتحدث فيه عن العرب، وهو كتاب يتضمن المبادئ الرئيسية للحركة وأيديولوجيتها. (8)

يهود هاتوارة
بعكس حركة شاس التي تعبر عن اليهود الحريديم السفارديم (الشرقيون)، يعبر يهود هاتوراة عن الحريديم الأشكيناز (الغربيون)، ترجع جذوره إلى عام 1988، وتشكل رسمياً عام 1992 من خلال ثلاثة روافد:

الأول: أغودات إسرائيل: (رابطة إسرائيل) التي تمثل اليهود الأشكيناز.
الثاني: ديغل توراة (راية التوراة) الذي يمثل اليهود من ليتوانيا.
الثالث: موريا (مريا) نسبة لجبل المريا الوراد ذكره في العهد القديم، وهو جبل معروف ومشهور في فلسطين.

من قواد ووجوه هذا الحزب: أليعاز شاخ، يعقوب ليتشمان، وأبراهام ليبتس.
ينطلق الحزب ككل تيارات الصهيونية الدينية من فكرة: أن تكون التوراة هي المرجع الرئيسي والوحيد لإسرائيل داخلياً وخارجياً، ويرفض كذلك أي تفاوض مع الفلسطينيين. وينطلق الحزب من ذات المنطلقات العنصرية المدعمة من الرؤية التوراتية. ويشكل هذا الحزب حالياً ركناً أساسياً من أركان تحالف قوى اليمين العلماني التقليدي المتطرف، واليمين في نسخته الصهيونية الدينية. وحصل الحزب على سبعة مقاعد في الانتخابات الماضية. (9)

حركة "أغودات إسرائيل":
"هي حركة سياسية دينية لليهود الحريديم, أسست سنة 1912م في بولندا على يد زعامات دينية تقليدية من ألمانيا وليتوانيا وهنغاريا وبولندا, تنتمي إلى التيار الأرثوذكسي في اليهودية, كان بينها خلافات بشأن أمور كثيرة جوهرية وثانوية, لكن جمعها العداء للصهيونية, عقيدة وحركة وبرنامجا سياسيا واجتماعيا.

وقد اعتبرت أغودات يسرائيل العقيدة الصهيونية القائمة على فكرة القومية العلمانية (وما امتزج بها من عقائد كالليبرالية والاشتراكية, وغير ذلك), ودعوتها اليهود إلى التخلي عن العيش في "المنفى", وإلى الهجرة إلى فلسطين وإقامة دولة ومجتمع عصري فيها على أسس جديدة, كفرا ومروقا على الدين, وتخريبا للأسس الروحية والمادية التي كانت تقوم عليها حياة الطوائف اليهودية في العالم, وتمرداً على المشيئة الإلهية. وتمسك الحزب, في المقابل, بالتوراة والشريعة اليهودية أساسا وحيدا وحصريا لتنظيم حياة الأفراد والجماعات اليهودية وسلوكهم. كما تمسك بفكرة "الخلاص المشيحاني" القائلة بأن خلاص "الشعب اليهودي" (والعالم), وعودة اليهود "المنفيين" إلى "الأرض المقدسة", وقيام "مملكة الرب" على الأرض لن تتم إلا مع عودة "المشيح المنتظر", الذي سيظهر عندما تشاء العناية الإلهية, ولا تتم على يد الحركة الصهيونية, أو من خلال أي مسعى بشري. (10)

إن تأسيس منظمة حريدية جاء كرد فعل على ظهور حركة التنوير اليهودية (الهاسكالا), من جهة, وكبديل ديني للحركة الصهيونية التي تتخذ من العلمانية والحداثة مثلاً أعلى لها. وترفض الانصياع لأوامر الله والحكم بما أنزله, إضافة إلى أنها استبدلت بالخلاصِ الأخروي الخلاصَ الدنيوي.
ومهما يكن من أمر فقد اعترى الحركة العديد من التطورات, فقد تأثرت- كغيرها من الأحزاب اليهودية في فلسطين, فبعد أن كان الييشوف القديم يسيطر على فرع القدس, سيطر المهاجرون اليهود القادمون من ألمانيا وبولندا- في أعقاب صعود النازي إلى الحكم في ألمانيا- على مقاليد الأمور داخل الحركة في فلسطين, وراحوا يدخلون العديد من التغيرات في نشاطات الحركة وأهدافها في فلسطين على نحو صارت معه الحركة أكثر مرونة تجاه الحركة الصهيونية, وذلك بهدف تحقيق أكبر مكاسب دينية لجمهورها. وفي عام 1937, أبدت حركة أغودات عدم اعتراضها- لأول مرة- على فكرة إقامة "دولة يهودية" في فلسطين, وسعت إلى تأمين مصالحها في "الدولة اليهودية" المزمع إقامتها برغم خشيتها من قيام "دولة يهودية" بعيدة عن تعاليم الهالاخاه بقيادة يهود علمانيين. وقد ظهر هذا الموقف الجديد في بيان أصدره "مجلس كبار علماء التوراة" ردا على مشروع "بيل" لتقسيم فلسطين عام 1937م. (11) ومع قيام "دولة إسرائيل" شاركت الحركة في الكنيست, وفي الحكومة الأولى, وعُيِّن رئيسها آنذاك الحاخام ي-م- لفين, كوزير في الحكومة. ومنذ ذلك الحين شاركت أغودات يسرائيل في انتخابات الكنيست ومثلت مؤيديها. غير أن تخلي الحزب عن معارضته لقيام دولة يهودية, وقبوله بالمشاركة في مؤسسات الحكم, لم يعنيا اعترافه رسميا بإسرائيل كدولة يهودية, وإنما مجرد قبوله بها كأمر واقع, والاستفادة من "اللعبة السياسية" لخدمة المصالح الروحية والمادية لأتباعه وأنصاره. ولا يزال أغودات يسرائيل يرفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية, ويعارض وضع دستور علماني للدولة. ويرفض كل الرموز المرتبطة بها, وكذلك يرفض خدمة طلاب اليشفوت (المؤسسة الدينية العليا لتعليم الدين اليهودي) في الجيش. ولقد تعرض حزب أغودات يسرائيل في تاريخه الطويل لعدة انشقاقات, حدث أولها في أواسط الثلاثينيات عندما انشقت عنه مجموعة من أبناء "اليشوف القديم" وأسست جمعية تبنت لاحقا اسم "ناطوري كارتا" (حراس المدينة, بالآرامية), وثانيها في أواسط الأربعينيات, عندما انشقت حركة بوعالي أغودات يسرائيل (عمال جمعية إسرائيل) التابعة له عن التنظيم العالمي لأغودات يسرائيل, وأنشأت تنظيما عالميا خاصا بها, وتحولت إلى حزب مستقل تقريبا مع قيام إسرائيل. وجرى ثالثها في سنة 1984 عندما انشق ممثلو الطوائف الشرقية في الحزب وأسسوا حزبا جديدا دعي شاس. أما رابعها فكان قبيل انتخابات سنة 1988, عندما انشق أتباع الحاخام اليعيزر مناحم شاخ, الزعيم الديني الأعلى للطوائف الليتوانية, بتعليمات منه, وأسسوا حزبا دعي "ديغل هتوراة". وقد اختفى بوعالي أغودات يسرائيل من الخريطة الحزبية بعد عودته إلى الحزب الأم في أواخر الثمانينيات. وتكتل ديغل هتوراة مع أغودات يسرائيل قبيل انتخابات سنة 1992 في كتلة دعيت "يهدوت هتوراة", ظلت متماسكة ما عدا فترة قصيرة. (12)

من الواضح أن تأسيس حزب الأغودات جاء بهدف طرح بديل عالمي للوقوف أمام الطرح الصهيوني الذي ادعى تمثيل يهود العالم, فحركة أغودات تمثل اليهود الأتقياء الذين يتمسكون بالتراث الديني والعقيدة اليهودية, في جميع أنحاء العالم. أما الحركة الصهيونية فهي حركة سياسية علمانية تفصل الدين عن الدولة, ولقد حرصت أغودات منذ البداية على الابتعاد في خطابها عن السياسة, رغم طغيان النزعة السياسية المتصاعدة في التجمعات الاشكنازية اليهودية. (13
ثانيا: حركة "عمال أغودات إسرائيل: هبوعيل أغودات إسرائيل".

عمال أغودات إسرائيل هي: "منظمة عمالية دينية في إطار الحركة العمالية لـ "أغودات يسرائيل" هدفها إرساء الحكم الاجتماعي والاقتصادي على أسس التوراة وقوانينها وشرائعها, ويذكر المعجم الصهيوني أنها تأسست في بولندا عام 1922, على حين تذكر دائرة المعارف اليهودية "جودايكا" أنها تأسست في بولندا عام 1923, كمنظمة عمالية في إطار حركة "أغودات يسرائيل" والأرجح هو التاريخ الأول. وبسبب مرونتها تجاه الحركة الصهيونية دخلت منذ تأسيسها في صراع مع الحركة الأم (أغودات يسرائيل), وفي عام 1925 افتتحت هذه الحركة أول فرع لها في فلسطين باعتبارها تنظيما عالميا, غير أنها لم تتمكن من مواصلة نشاطها بسبب صراعها مع "أغودات يسرائيل", وامتناع الحركة الأخيرة تقديم مساعدات مالية لها, وفي عام 1946 بادرت الحركة إلى تأسيس "الاتحاد العالمي لبوعالي أغودات يسرائيل", واعتبرت هذه الخطوة في ذلك الحين إشارة إلى انسحابها من حركة أغودات يسرائيل واتحادها العالمي, ومع ذلك بقيت أغودات وبوعالي متقاربتين بسبب استمرار خضوع بوعالي لسلطة مجلس كبار علماء التوراة, لكن هذا الحال لم يستمر طويلا إذ قررت بوعالي الخروج على قرار هذا المجلس القاضي بعدم المشاركة في الحكومة وكان ذلك في عام 1961. وبعد قيام "دولة إسرائيل" تحولت الحركة إلى حزب سياسي عمل على تشجيع الهجرة الجماعية إلى (إسرائيل) وتقوية الجيش الاسرائيلي بجميع الطرق لمواجهة الدول العربية ورغم النزعة الاشتراكية للحزب إلا أنه لم ينضم إلى الهستدروت بسبب سيطرة حزب الماباي والأحزاب غير المتدينة عليه. (14)

يعتبر الخطاب السياسي والديني لحزب بوعالي أغودات يسرائيل أكثر اعتدلا من الحركة الأم أغودات يسرائيل, فالحزب له علاقات طبيعية مع كل من الحركة الصهيونية والدولة, فهو لا يناصب الحركة الصهيونية العداء أسوة بالحركة الأم أغودات يسرائيل كما إنه لا يكفر الحركة الصهيونية ولا يجرمها, كما يشارك في مؤسسات الدولة جميعها بما فيها الحكومة. لذلك يمكن القول إن حزب بوعالي أغودات يسرائيل أقرب إلى الأحزاب الدينية الصهيونية من قربه إلى الحركة الأم أغودات يسرائيل. ومن الواضح أن مواقف الحزب السياسية ليست ثابتة, وهو يخضع في كافة مواقفه السياسية, لمدى استجابة الحكومة أو الائتلاف الحكومي لمطالبه في الشؤون الدينية والمعونات المالية التي تخصص للمدارس الدينية. كما أنها تحمل تناقضا مميزا فقبوله ودعوته للاستيطان تجعل السلام أمر صعب التحقيق فالمستوطنات تمثل بؤرا للتوتر ولا يمكن أن تساعد على أي عملية سلمية. وهو في ذلك حاله حال معظم الأحزاب السياسية في إسرائيل.(15)

ثالثا: كتلة "يهود التوراة: يهدوت هيتوراة":
هي كتلة دينية ظهرت- عشية انتخابات 1992- نتيجة اندماج حزبي "أغودات يسرائيل" و"ديغل هيتوراة" وقد دعت إلى ذلك الحاجة إلى توحيد العالم الحريدي الاشكنازي لمواجهة المنافسة القوية من جانب حزب" شاس" الحريدي السفاردي من جهة, والاستعداد لنسبة الحسم الجديدة التي ارتفعت من 1% إلى 1.5% من جهة أخرى. وقد ساعد على نجاح هذا الاندماج اشتداد وطأة المرض على الحاخام "شنيورسون" وانشغال أتباعه عن السياسة بمرضه وقد اتفق الحزبان على السعي لتوحيد الحزبين ومجلسي كبار علماء التوراة المشرفين عليهما, لكن عملية التوحيد لم تتم. وقد كان عدد المقاعد التي فازت الكتلة بها في الانتخابات المتعاقبة على الشكل التالي: 4(1992), 4(1996), 5(1999), 5(2003),6(2006), 5(2009) (16)

من أبرز زعاماته الحاخام شاخ والحاخام أبراهم شابيرا. ويعرف الحزب باعتداله اتجاه الصراع العربي الإسرائيلي ولديه استعداد للتخلي عن بعض من أجزاء "أرض إسرائيل" في الوقت الراهن, باعتبار أنه لا توجد إشارة إلى أن عملية الخلاص اليهودية قريبة. وربما تجدر الإشارة إلى أن الحزبين انفصل أحدهما عن الأخر في كانون الثاني/ يناير 2004, لخلاف بينهما بشأن توقيت الانضمام إلى حكومة شارون في تلك السنة, لكنهما عادا إلى الائتلاف قبيل انتخابات سنة 2006. وشاركت يهدوت هتوراة في الحكومات جميعها, ما عدا حكومة يتسحاق رابين سنة 1992. ومن المعروف أن يهدوت هتوراة ترفض تولي منصب وزاري, وتشارك في الحكومات الائتلافية من خلال تولي منصب نائب وزير, ورئاسة لجنة برلمانية مهمة. جاء تشكيل كتلة "يهود التوراة: يهدوت هيتوراة", في إطار تصاعد الصراع الطائفي والاثني بين المتدينين الاشكناز من جهة و المتدينين السفارديم من جهة أخرى, في محاولة من المتدينين الاشكناز لمنافسة المتدينين السفارديم في الانتخابات بعد أن تفوقوا عليهم في الجولات الانتخابية السابقة. (17)

رابعا: حزب "ديغيل هتوراة: راية (علم) التوراة".
ديغيل هتوراة (لواء التوراة) حزب من المتشددين دينيا, يمثل أغلبية الطوائف الليتوانية في العالم الحريدي. أسسه عشية انتخابات الكنيست الثاني عشر سنة (1988), زعماء القبائل الليتوانية في أغودات يسرائيل بمبادرة من الحاخام اليعيزر شاخ, رئيس "يشيفاه بونيباج" في بني براك والزعيم الروحي الأعلى للطوائف الليتوانية آنذاك, في أعقاب الانشقاق عن حزب أغودات يسرائيل وإنشاء حزب جديد, ليمثل أغلبية الطوائف الليتوانية من الحريديم, وذلك بعد أن ثار "شاخ" على زعامة أغودا- الحسيدية في أغلبها- بسبب علاقتها الوثيقة مع طائفة حباد الحسيدية, والتي أوشك أتباعها على الإعلان عن أن زعيمهم الديني المقيم في نيويورك "المعلم الحاخام لوبافيتش مناحيم مندل شنيورسون" هو المسيح المنتظر, ورفضها تكفيرهم وتكفير زعيمهم. وعلى الرغم من أن الحاخام شاخ وقف على رأس الليتوانيين الذين خاضوا حربا ضروسا ضد غلاة "الحسيديم", فقد تلقى هذا الحزب دعما من بعض المجموعات الحسيدية, وخاصة من الحسيديم الذين درسوا في المدارس الليتوانية. ولم يحظ (ديغل هتوراة بتأييد الاشكناز فقط, إنما أيدته أيضا نسبة صغيرة من اليهود (السفارديم), وذلك بعد أن قام الحاخام (عوفاديا يوسف) بناء على طلب من الحاخام (شاخ) بكتابة رسالة تأييد (لديغل هتوراة). وقد فاز ديغل هتوراه في انتخابات عام 1988 بمقعدين في الكنيست, لكنه لم يواصل الانشقاق, وعاد إلى الاندماج مع حزب "أغودات يسرائيل" في إطار كتلة "يهدوت هتوراة", على أن يتم الاندماج الكامل بين الحزبين بعد الانتخابات. (18)

من الواضح أن تأسيس حزب ديغيل هتوراة جاء أيضا في إطار الصراع الاثني, بين الطوائف الليتوانية التي أسست هذا الحزب من جهة, وبين الطوائف الحسيدية التي تسيطر على حزب أغودات يسرائيل من جهة أخرى. هذه الانشقاقات الطائفية والاثنية هي إحدى المميزات التي تتميز بها الحركات والأحزاب الدينية الحريدية, بكافة انتماءاتها العرقية والاثنية, وقد جاءت هذه الانشقاقات الطائفية والاثنية في إطار الصراع على السيطرة والهيمنة والقيادة, وهذا ما حصل أيضا مع حركة شاس. (19)
الفصل الثاني
توسع وتطور الأحزاب الصهيونية الدينية

ضمن سياسة بطيئة وطويلة الأجل عملت أحزاب الصهيونية الدينية ليس لجسر الهوة بينها وبين القوى العلمانية من أحزاب اليمين الصهيوني الأخرى ، وإنما لتحقيق مكاسب على صعيد التمثيل الحزبي في الكنيست، فاتبعت سياسية الاندماج في المؤسسات العامة بـالكيان وفي مقدمتها الجيش، بعد أن كان المتدينون قد امتنعوا عن الانخراط في صفوفه مع بداية تأسيس "الكيان الصهيوني ؛ متذرعين بأسباب دينية تتعلق بهوية الكيان وعدم تطبيقه للشريعة التوراتية.

ولأن قادة الحركة الصهيونية الذين كانوا وراء تنفيذ عملية فرض هذا المشروع في فلسطين بمساعدة سلطة الانتداب البريطانية، كسب القوى الدينية لمشروعهم لتجنب أي تناقضات مع القوى الدينية منذ البداية، جرى تقنين هذا "الامتناع" عبر اتفاقية الوضع الراهن التي وٌقع عليها في يونيو 1947؛ بين الوكالة اليهودية التي ترأسها حينئذ دافيد بن غوريون مع حزب "أغودات إسرائيل" الذي يمثل معظم المتدينين. نصت الاتفاقية على عدم معارضة الحزبلقيام الدولة ومشاركته في مؤسساتها؛ مقابل المحافظة على الطابع اليهودي من خلال اعتبار السبت يوم العطلة الرسمية، وسن قوانين للزواج تكون موافقة للشريعة اليهودية، وأخذ الخطوات اللازمة للتأكد أن مطابخ الدولة تقدم الأكل الحلال "كوشير"، بالإضافة إلى ضمان استقلال التعليم الديني. تضمنت الاتفاقية إعفاء المتدينين الدارسين للتوراة من الخدمة العسكرية تحت مسمى"توراته عمله"؛ بمعنى أنّ عمل المتدينين الأساسي هو دراسة التوراة، ربما كان الدافع الأساسي لموافقة بن غوريون على ذلك أنّ عدد المعفيين من الخدمة العسكرية الذين ينطبق عليهم مسمى "توارته عمله" لا يتجاوز 400 متدين. كان هنالك خشية حقيقة من قبل قيادات الصهيونية الدينية (الحاخامات) من ذوبان الشبان المتدينين في أتون قيم الجيش العلمانية، الذي لا يحترم تعليمات التوراة من الحفاظ على السبت والأكل الحلال "كوشير"، هذا ما وضحه الحاخام دافيد رجنشبرج في كتابه الصادر عام 1949 بعنوان "محاكمة الجيش في "إسرائيل".(20)

وعندما برزت مع مرور الوقت لدى القيادة الإسرائيلية مشكلة تزايد أعداد المتدينين العازفين عن الخدمة العسكرية بذريعة التفرغ لدراسة التوراة. جرى حل المشكلة بشكل جزئي عام 1965 عبر التوصل لتسوية بين حاخامي الصهيونية المتدينة والجيش؛ عبر الدمج ما بين التعليم العالي للتوراة والخدمة العسكرية في الجيش ضمن مدارس توراتية خاصة تسمى "يشيفات هسيدر"، وذلك مقابل قيام الجيش بدمج المتجندين المتدينين في وحدات متجانسة بعد سنتين من دراستهم؛ وتقليص مدة خدمتهم العسكرية إلى ستة عشر شهراً.(21)

ساهم في بلورة هذا الحل "الفتوى" التي أصدرها الأب الروحي للصهيونية الدينية الحاخام تسفي كوك (ابن الحاخام أبراهام)؛ التي تنص على أنّ الخدمة العسكرية تعتبر بمثابة واجب ديني. استطاعت الصهيونية الدينية من خلال هذه الكليات ضرب عصفورين بحجر واحد؛ فمن ناحية اخترقت شريحة الضباط من خلال كلية مختلطة (تضم علمانيين ومتدينين) بحيث يصعب تصنيف خريجي الكلية على التيار الديني، ومن جانب آخر حافظت على منتسبيها من الذوبان والتأثر بالقيم العلمانية من خلال العودة للدراسة عقب انتهاء الخدمة العسكرية لمدة 4 سنوات؛ وذلك لضمان إعادة "شحنهم" بالقيم الدينية. (22)

سبب توسع قاعدة الحريديم
يعود توسع قاعدة الحريديم الاجتماعية منذ عام 1980 إلى الامتيازات ودعم الليكود، ولدعم وجودها السياسي ومخططاتها الاستيطانية، تشكل حزبان: "ديجل هتوراة" وكان اشكنازيا صرفا. "شاس" وكان شرقيًّا صرفًا. حقّقت هذه الأحزاب نجاحًا ملموسًا في انتخابات 1988، ومن بعدها ظهرت أكثر تنظيميًّا وقدرةً على تنفيذ برامجها. لم تتأخر الأحزاب اليمينية القومية عن مجاراة الحريدية في أطروحاتها الدينية والسياسية.

في غضون ذلك، برزت الظاهرةُ الكهانيّةُ في سبعينات وثمانينات القرن 20 على يد مائير كهانا؛ الذي تبنى مواقف عنصرية خطيرة، وخاصة الدعوة الى مضايقة وملاحقة العرب في "إسرائيل" والدعوة إلى تنفيذ الترانسفير.(23) وشهدت العقود الثلاثة الأخيرة، تصعيدا من قبل أقصى اليمين على ثلاثة مراحل: الأولى: مرحلة أوسلو- التسوية؛ إذ تعمّق الصراعُ حولَ كيفيّةِ مواجهة مشاريع التسوية والانسحاب بين اليمين العقائدي والبراغماتي. الثانية: مرحلةُ انشقاقِ اليمين إثرَ خطّةِ الفصل 2005 ما بين يمين براغماتي ويمثله كديما وأقصى يمين عقائدي ويمثله متمردو الليكود واليمين الاستيطاني الديني. الثالثة، مرحلةُ النجاح في الوصول إلى سدة الحكم في 2009 وفيها بدأت عملية منظمة لوضع الأساس لحسم الصراع على أساس ضمّ ما يمكن ضمُّهُ من الضفّةِ الغربيّة وترسيخ الفوقيّة القوميّة اليهوديّة (قانون القومّية 2018). ومنذ ذلك الحين، تحوّل حزب الليكود إلى حزبٍ شعبويٍّ عبر شخصيّةِ نتنياهو المتسلطة، ضمن هذا المناخ صعدت الصهيونية الدينية الاستيطانية، بزعامة سموتريتش، وبذلك تحولت الحريدية إلى تيار يميني-قومي، كما شهدت الساحة الإسرائيلية عودة الكهانية من خلال حزب "عوتسما يهوديت" بزعامة بن غفير، إلى ذلك، شهدت نهاية هذا العقد تطبيع التطرف والفاشية، بالإعلان عن إقامة تحالف "الصهيونية الدينية" وفوزه بالانتخابات وبالموقع الثالث في الكنيست، مما سيكون له تأثيرٌ واضحٌ وجلّيٌّ على المجتمع الإسرائيلي ونظامه السياسي، وكذلك على المسألة الفلسطينية. (24)

تقدّرُ بعضُ الأوساط اليسارية والأكاديمية الإسرائيلية أن فوز الصهيونية الدينية واتّفاق أطرافها مع نتنياهو على تشكيل حكومةٍ يمينيّةٍ خالصة، سوف يجلبُ على "إسرائيل" مصائبَ أمنيّة، ومتاعبَ إداريّة. ومن شأن تشكيل وزاراتٍ وهميّةٍ أن يضعف الحكم. سوف يبدأ العالم بالضغط كما سوف تبرز التناقضات الميدانية في العمل الأمني. بيني غانتس عقب على الاتفاق قائلًا: "ما يحدث هو انقلابٌ على المؤسسات وعلى القوانين وعلى الأعراف التي كانت قائمة". بينما صرح بن غفير في أعقاب الاتفاق: بأنّ لديه الآن "القوة والصلاحية لفرض الحكم وإعادة الأمن"، طبعًا وَفْقَ تصوراته وأفكاره الكهانية. (25)

استعانت الصهيونية الدينية بعدة وسائل من أجل الصعود والسيطرة على الحياة في "إسرائيل"، فقد كانت قد بدأت السيطرة قبل الانتخابات الأخيرة ، بأن أمسكت بمفاصل الحياة السياسية والإعلام، ولا يقتصر الأمر على وجود ضباط برتب عالية في الوحدات القتالية، فهم أيضاً يسيطرون على ثلث تركيبة المحكمة الإسرائيلية العليا، ومنهم: المستشار القانوني للحكومة، ورئيس الشرطة، ورئيس الموساد، ومدير مكتب نتنياهو، وسفير "إسرائيل" في الولايات المتحدة. وأخيراً؛ سيطروا على رئاسة الوزراء من خلال نفتالي بينت. ذلك أن بينت شكل نموذجاً واضحاً لانتقال مركز ثقل الصهيونية – الدينية "من الشريعة اليهودية إلى القومية".(26)

المدارس الدينية وصعود الأحزاب الدينية
بدأت تنتشر في كيان الاحتلال منذ تسعينيات القرن الماضي، مدارس دينية ـ علمانية لدراسة التلمود كنوع من إعادة صياغة هويتها العلمانية كهوية يهودية علمانية، وليس فقط إسرائيلية علمانية كتب د.عزمي بشارة: "المثل الوحيد الذي عثرت عليه لتوجهات قومية متطرّفة تتطابق في بعض الحالات مع اتجاهات دينية سلفية أو أصولية متطرّفة تستخدم المصطلحات والتعابير نفسها، هو المثل الإسرائيلي"، والسبب في ذلك يكمن، في رأي بشارة، في أنه لم تجر عملية علمنة حقيقية في جوهر المفاهيم داخل الحركة الصهيونية.

ويكشف سلوك وموقف حزب المفدال الذي يعتبر تاريخيا المُعبر الفعلي عن الصهيونية الدينية، وقد تحالف مع الماباي ثم المعراخ، أي مع اليسار الصهيوني حتى عام 1977، ليبدأ بعدها في التلاقي مع اليمين الصاعد. (27)، قادره على جعل المصلحة هي من تحدد معايير الصواب والخطأ.

الفصل الثاني
سمات الأحزاب الصهيونية الدينية

من مفارقات المشهد في كيان الاحتلال أن أحد أبرز سمات قوى الصهيونية الدينية أنهم لا يعترفون بالديمقراطية، التي طالما وظفوها لصالح مشروعهم الديني.(28) التي تتركز قاعدته الاجتماعية بين المستوطنين في الضفة الغربية، الذين وصل عددهم عام 2021 إلى نحو 465400 مستوطن، وفي القدس الشرقية تجاوز عدد المستوطنين 200 ألف، في وقت يزداد فيه عدد المتدينين الحريديين في إسرائيل (1175000 نسمة)، وهم يمثلون نحو 12.6% من سكان إسرائيل، ونسبة التكاثر الطبيعي بينهم تصل إلى 4.2% في السنة.(29)

ومن سمات وخصائص الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية) في (إسرائيل)، أنها تسعى إلى تحويل (إسرائيل)، إلى دولة (يهودية دينية تحكمها مبادئ التوراة وقوانين الهالاخاة) وفق المذهب الأرثوذكسي، لا تشريعات الكنيست وقوانينها التي جعلت من (إسرائيل) دولة علمانية.

إن الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية)، وخاصة تلك التي نشأت قبل قيام (إسرائيل)، لم تطور نفسها كمنظمات سياسية مثلت وجوداً متكاملاً في مؤسساته المتنوعة وتنظيمه وأساليبه وأهدافه.
إن الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية), تركز تركيزاً شديداً على مسألة التربية والتعليم، لإيمانها أن التربية بمثابة مفتاح التغيير الحقيقي؛ لذا تتميز هذه الأحزاب عن غيرها بامتلاكها لشبكات تعليمية شبه متكاملة، فالأحزاب الحريدية تهدف من وراء التركيز على التربية إلى تبديل الوعي اليهودي– الصهيوني بوعي يهودي- توراتي لا صهيوني. أن الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية), تخضع إلى مجالس روحية عليا وظيفتها توجيه هذه الأحزاب، والبت في الأمور الحاسمة التي تواجهها، فهذه الأحزاب، تخضع لسلطة آمرة، من قبل مجالس توراتية عليا. تعتبر الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية), أحزاباً (براغماتية)، في نظرتها وتعاملها مع القضايا والشئون المختلفة باستثناء الشريعة الدينية، ولعل هذه الصفة التي لازمت هذه الأحزاب، خصوصاً بعد قيام(إسرائيل)، وذلك لعدة أسباب منها: الأهمية التي تعطي للحاخام، حق تأويل النصوص الدينية وفق أهدافه، وعدم تعامل هذه الأحزاب مع القضايا المطروحة، وفق الأسلوب التقليدي، والذي تنتهجه الأحزاب والحركات الأيديولوجية، والقائم على أساس التأييد الكامل أو الرفض القاطع، مما أعطى هذه الأحزاب فرصة تجزئة القضايا المثارة، والاتفاق على بعض هذه الأجزاء، والمخالفة لبعض أجزائها الأخرى، وفق قناعاتها الدينية والأيديولوجية.أن الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية), تعتبر أن فلسطين الجغرافيا، جزءاً من "أرض إسرائيل" الدينية والتاريخية؛ لذا فهي أرض مقدسة من حق (شعب مختار)، وعندما يعلن بعض زعماء هذه الأحزاب تأييده للانسحاب من المناطق فهو يسوق الحجج الدينية والأمنية، التي تثبت أن الاحتفاظ بهذه الأراضي، يعرض حياة اليهود للخطر.

وتركز هذه الأحزاب في العادة على ضرورة العمل بكل الطرق لتعزيز الطابع اليهودي للدولة حسب المفهوم الأرثوذكسي، ولعل أهم هذه المطالب التي تشترك فيها هذه الأحزاب هو تعديل قانون( من هو اليهودي؟)، والحفاظ على حرمة السبت وعدم تدنيسه.

وتمتاز الأحزاب الدينية اليهودية الرافضة للصهيونية (الحريدية), في (إسرائيل)، بالدعم والتأييد والمساندة، من قبل الحكومات الإسرائيلية، ومن غالبية الجماعات المتدينة وغير المتدينة في (إسرائيل) والخارج، بمعنى أنها تعتبر أحزاباً دينيةً رئيسيةً فاعلة في رسم السياسات الإسرائيلية المختلفة.

ومن سمات الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية), كثرة انشقاقاتها الطائفية والعرقية, الناتجة عن صراعات على الهيمنة والقيادة والسيطرة الطائفية على الحزب. وهي سمة غلبت على الأحزاب الإسرائيلية عموماً، وخصوصا الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية (الحريدية), فسمات الانقسام والصراع، أكثر من عمليات التوحّد والاندماج. تلك الانقسامات التي قد تخبو أحياناً وتشتعل أحياناً أخرى، وعلى ذلك ظهرت في الحياة السياسية الإسرائيلية عدة أحزاب وحركات دينية أخرى, تؤمن أولاهما بالصهيونية وتعارض الأخرى هذه العقيدة السياسية.(30)

وعلى الرغم من وجود تيار ديني وصهيوني منذ تأسيس إسرائيل، إلا أن ما يميز تيار الصهيونية الدينية بزعامة سموتريش وبن غفير وفقاً لمجادلة بشارة هو مطابقة هذا التيار بين الدين والصهيونية، لا سيما منذ صعود موجات الاستيطان في الضفة الغربية بعد العام 1967، حيث خرج هذا التيار من رحم حركة الاستيطان في الضفة الغربية وشرق القدس، الأمر الذي جعل من المستوطنين في الضفة الغربية والقدس وامتدادهم في الجيش القاعدة الانتخابية الأساسية لهذا التيار، إذ تظهر نتائج الانتخابات أنه حصل على 20% من أصوات الجيش. (31)
تتشكّل الصهيونية ـ الدينية حاليا من تحالف التيار الاستيطاني بزعامة سموطريتش، وهو أكثر التيارات الاستيطانية تطرفا، يدمج ما بين التزمت الديني والتزمت القومي، وما بين التيار الكهاني الذي يتزعمه إيتمار بن غفير وحزب "نوعم" المتشدد. ولكن، لا يمكن، بأي حال، رؤية هذا الصعود للصهيونية ـ الدينية من منظار ديمغرافي محض، ولا من منظار تكتيكاتٍ وتحالفاتٍ حزبية ـ سياسية، وإنما يجب النظر إليه ضمن سياق تاريخي، كانت المتغيّرات الجغرافية فيه الفاعل الرئيسي في حدوث المتغيرات الفكرية، الدينية والسياسية معا. ولذلك، لم يكن الصعود القوي للصهيونية ـ الدينية مفاجئا بالنسبة لعزمي بشارة الذي توقع قبل نحو عقدين حدوث هذا الصعود في كتابه "من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية"، الصادر في طبعته الأولى عن دار الشروق في القاهرة عام 2005. (32)


الفصل الثاني
صعود الصهيونية الدينية

لم تكن حكومة نتنياهو الحالية هي أول سيطرة للصهيونية الدينية على رئاسة الحكومة فقد سبق أن فعلت ذلك في حكومة نفتالي بينت، لكن الصعود الراهن مثل الذروة بعد أن قلب الطاولة على الجميع.

ويمكن القول إن هذا الصعود الفاشي العاصف قد مرَّ بسياقات تاريخية طويلة، مستفيداً من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تجمع المستجلبين، ومن النظام السياسي وطبيعة الاقتصاد الإسرائيلي، ما منحه تأثيراً أكثر من ذي قبل، وجعله ذا شعبية كبيرة في الشارع الصهيوني، الأمر الذي أشار إليه حصوله على أكثر من نصف مليون صوت في ا-نتخابات الكنيست، إضافةً إلى أن 20% من جنود "الجيش" الإسرائيلي صوتوا لهذا التيار الديني الصهيوني، ما يدلّل على تغلغله العميق في أوساط "الجيش" الإسرائيلي.(33)

وكان نشاط "الصهيونية الدينية" السياسي قد بدأ مبكراً مع تأسيس حركة "مزراحي" عام 1902 كحركة دينية صهيونية تدعو للعمل من أجل تحقيق السيادة اليهودية وإقامة "إسرائيل" (من دون انتظار ظهور المخلص).ومع إنشاء "إسرائيل" عام 1948، استمرت المشاركة السياسية للصهيونية الدينية تحت مسمى حزبي "مزراحي" و"هبوعيل مزراحي"، اللذين تأسسا في فترة الييشوف قبل قيام "إسرائيل"، حتى توحدا في الحزب الديني القومي "المفدال"، الذي شارك في الكثير من الحكومات الإسرائيلية، لكن من دون تأثيرات مركزية في صنع القرار السياسي والأمني للكيان الإسرائيلي.(34)

والحقيقة أن الصعود الديني أخذ مجراه شيئا فشيئا، حين برزت نقاشات سياسية من نوع جديد داخل المفدال الذي كان متماهيا؛ في مواقفه السياسية مع حزب العمل ومقرا باتفاقية “الوضع القائم” على صعيد علاقة الدين بالدولة، وبعد الحرب برز نشاط غوش ايمونيم التي ما لبثت أن حققت مكاسب ضخمة لصالح الصهيونية الدينية. أما الأحزاب المشياحية والحريدية الأقل تشددا فإنها لم تكن تعتبر “دولة إسرائيل” بداية الخلاص وتعتقد أن عليها انتظار قدوم (المشياح) الذي سيأتي بالخلاص. إلا أنها باستثناء ناطوري كارتا، تعترف بالوجود السياسي لاسرائيل وتمتثل لقوانينها، وتشارك في انتخابات الكنيست وفي الائتلافات الحكومية. ولكن غالبية أفرادها لا تخدم في الجيش ولديها شبكة تعليم خاصة. وبعد حرب عام 1967 اعتبرت هذه الأحزاب أن “هذه الحرب معجزة وإشارة ربانية لبداية الخلاص المشياحية”. واعتبر أحد حاخاماتها أن “دولة إسرائيل ككيان صهيوني هي تعبير عن الخلاص، ولكن من ناحية أخرى فإن أرض إسرائيل تحت السيادة اليهودية تنطوي على مغاز دينية ذات أهمية”(35 )
اللافت هنا أن صعود أحزاب الصهيونية الدينية وزيادة تأثيرها في القرار السياسي الإسرائيلي جاء مقترناً بمواصلة تراجع نسبة ثقة المواطنين اليهود في إسرائيل بالجيش الإسرائيلي الذي أنيطت به مهمة تثبيت وجود الدولة وحمايتها من التهديدات الخارجية والداخلية، الأمر الذي يجعل من المشروع فحص إذا ما كان هناك علاقة ارتباط بين صعود الصهيونية الدينية وتراجع نسبة الثقة بالجيش، وهل سيكون لعلاقة الارتباط هذه أثر على استقرار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في قادم الأيام، وبالتالي على شرعية وجود الدولة، ثم ما هي تداعيات هذه العلاقة على الأمن القومي الإسرائيلي؟
إن صعود الصهيوينة الدينية في المجتمع الإسرائيلي اليهودي، فقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة أنها الفائز الأكبر في هذه الانتخابات، وذلك مقارنة بنتائج الجولة السابقة التي جرت في مارس العام 2021، سواء من حيث عدد المصوتين لمكوناتها (حزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسليل سموترش، وحزب القوة اليهودية بزعامة بن غفير) أم من حيث عدد مقاعد الكنيست التي حصلت عليها، إذ صوت لها هذه المرة 516146 ناخب في حين صوت لها 225641 ناخب في انتخابات العام 2021، وفيما حصلت في العام 2021 على 6 مقاعد في البرلمان حصلت هذه المرة على 14 مقعد، لتصبح القوة الثالثة في الكنيست (36)
ومن الواضح أن أهمّ نتائج الانتخابات الإسرائيلية، هي فوز لائحة «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، بعدد كبير نسبياً من مقاعد «الكنيست»، بحصولها على 14 مقعداً، الأمر حعلها تحتل المرتبة الثالثة بعد حزب «الليكود» وحزب «يش عتيد»، لتسبق بذلك أيضاً حزب «معسكر الدولة» برئاسة وزير الأمن بني غانتس، الذي استقطب إلى صفوفه عدداً من القادة السابقين في المؤسّستَين العسكرية والأمنية. المفارقة أن زعيمَي «الصهيونية الدينية» قاتلا في الانتخابات السابقة كي يجتازا العتبة الانتخابية، فيما هما يشاركان في الحكومة بعد انصياع نتنياهو لطلباتهم.
فما هي المتغيّرات التي أسهمت في هذا التحوّل؟ وكيف يمكن تفسير سقوط حزب «البيت اليهودي»، برئاسة الوزيرة في الائتلاف الحالي أيلت شاكيد، الذي يعبّر بدوره عن قطاع «الصهيونية الدينية»؟ وماذا عن تداعيات فوز بن غفير وسموتريش على اليمين بقيادة نتنياهو؟ وهل ستكون لائحتهما معنيّة أو قادرة على تنفيذ وعودها الانتخابية المتطرّفة؟ إزاء تلك التساؤلات المتزاحمة، يمكن تسجيل الآتي:
أوّلاً: تتكوّن اللائحة من حزبَين صهيونيَين دينيَين، «الصهيونية الدينية» برئاسة سموتريش و«عوتسماه يهوديت» برئاسة بن غفير، وهما حزبان يعتنقان الأيديولوجيا ذاتها، ويتعارضان فيما بينهما في كيفية ترجمتها، ما يدفع إلى تباينات ومزايدات وخلافات شخصية، عنوانها التسابق في إظهار التطرّف ضدّ الفلسطينيين، من أجل كسْب الأفضلية لدى الشارع الصهيوني الديني. أمّا سبب اتّحاد الحزبَين فهو الخشية من إمكانية تسرُّب أصوات من بيئتهما، من دون أن ينفي ذلك احتمال افتراقهما في المستقبل، وهو السيناريو المرجّح.
ثانياً: يمثّل الحزبان أيديولوجيا «الصهيونية الدينية» التي يمكن تعريفها بأنها الاتجاه الذي انفصل عن اليهود المتديّنين الأرثوذكس (الحريديم) الذين رفضوا الحركة الصهيونية وإقامة دولة يهودية في فلسطين، وعمِل على جسْر الهوة بين الدين والصهيونية. اقتصر جلّ نشاط هذا الاتجاه سابقاً على تعزيز الاستيطان في أراضي عام 1967، وهو لا يزال كذلك، مع تمدّد حضوره في أوساط يهود أراضي عام 1948. وتختلف هذه الفئة المتديّنة، عن «الحريديم»، في أنها تنظر إلى إسرائيل باعتبارها لا تخالف الشريعة، ولا تغتصب «حق المسيح» في إقامة الدولة. ولذا فهي اكتسبت اسمها من كون أتباعها متديّنين وفقاً للشريعة اليهودية، وفي الوقت نفسه يؤمنون بالفكر الصهيوني، وضرورة تأسيس دولة من دون انتظار ظهور المسيح. ودائماً ما كانت «الصهيونية الدينية» ظهيراً للعلمانيين، ومصدراً لشرعية مفقودة بالنسبة إليهم لدى «الحرديم»، وهي ترى في نفسها «أمّ الصبي» في عملية تأسيس الدولة وبقائها، وتطالب بضرورة إبقاء كلّ أرض يصل إليها اليهود تحت احتلالهم، بما يشمل بطبيعة الحال أراضي الضفة وقطاع غزة، وترفض بالمطلق أيّ تنازلات للفلسطينيين. كما لا تتردّد في الإقدام على أيّ أفعال «غير سويّة»، حتى ضدّ اليهود المعارضين لها والذين تَصِفهم بـ«الخونة» و«كارهي ذواتهم»، لأنها في الأصل تَنظر إلى ذاتها نظرة القيمومة على الدولة، وأنها أعلى من القوانين الإسرائيلية، وبإمكانها تجاوزها لمصلحة الصهيونية والاستيطان.
ثالثاً: يمثّل حزبا بن غفير وسموتريش، أحدث نسخة وصلت إليها الصهيونية الدينية، وفيها من التشدّد القديم الكثير، ومن الجديد ما لا يُحصر: المطالبة بترحيل الفلسطينيّين من الأراضي المحتلّة؛ الدعوة إلى منْع لمّ شمل العائلات الفلسطينية وإنْ حازت على الجنسية الإسرائيلية؛ رفْض «حلّ الدولتين» وأيّ تنازل عن أيّ شبر محتلّ؛ الحضّ على فرْط عقْد السلطة الفلسطينية وإنهاء وجودها؛ رفْض التعامل مع حاملي الجنسية الإسرائيلية من فلسطينيّي عام 48 كمواطنين؛ الحثّ على إبعاد مَن يُشكّ في أمرهم أمنياً من الفلسطينيين وعائلاتهم إلى قطاع غزة؛ الاعتقاد بأهمية الحدّ من المعونات الاقتصادية لفلسطينيّي الداخل والاستيلاء الكامل على الحرم القدسي وجواره وإباحة ساحاته لليهود للتعبّد والصلاة والزيارة؛ الدعوة إلى تشديد الحصار على غزة وتفضيل الحلول العسكرية؛ الإيمان بضرورة العودة إلى سياسات القتل والتهجير والاغتيالات وتوسيع الاستيطان في الضفة والقدس؛ المطالبة بمنع إجازات البناء وتصاريح التوظيف والعمل للفلسطينيين؛ وإلغاء «اتفاقيات أوسلو» وما تبعها بالمطلق واعتماد حُكم ذاتي غير موحّد في الضفة الغربية للأماكن المدينية الفلسطينية؛ الحضّ على الامتناع عن الاستماع إلى مطالب الأميركيين والخارج في ما يتعلّق بالاستيطان و«استرداد الأرض»، وكذلك البحث عن قضايا أو إيجادها لتكون موضوعاً للمزايدة في التطرّف.
رابعاً: لا ترتبط «الصهيونية الدينية» في ما بينها برابط تنظيمي خاص أو مرجعية دينية أو علمانية تقود وتقرّر وتطلب من مُريديها التنفيذ، وهو ما يجعلها أقرب إلى فكرة منها إلى كيان سياسي أو ديني. وعلى مدى السنوات الماضية، كانت هذه الفكرة تتعزّز وتحظى بمزيد من «المعتنقين» وتُرسي قواعد للتنافس عنوانها: كلّما كنتَ متطرّفاً وعنصرياً وكارهاً ضدّ الفلسطينيين، كلّما كنتَ صهيونياً دينياً بامتياز. على أن التطرّف لم يقتصر على الفلسطينيين فحسب، بل انسحب كذلك على كلّ مَن يرفض العنصرية والكراهية مِن بين اليهود أنفسهم، إلى الحدّ الذي باتت معه سِمة اليسارية تُعادل الخيانة العظمى. ومن بين التحوّلات التي تُسجَّل أيضاً في العقد الأخير، هو انفكاك الصلة القيادية بين الأعلى والأدنى في معسكر «الصهيونية الدينية»، بفارق كبير نسبياً عن غيرها من الكيانات السياسية والأيديولوجيات في إسرائيل، وهو ما جعل موالاة هذا القائد أو ذاك، مرهونةً بمدى تطرّفه وعنصريّته. وعلى هذه الخلفيّة، يضحي مفهوماً سعي القيادات الصهيونية الدينية إلى تظهير أعلى مستوى من التطرّف بهدف كسْب تأييد جمهورها، فيما تهمّشت العناوين الأخرى التي تميّز الجماعة مِن مِثل الامتثال للأحكام الدينية والتعاليم اليهودية وغيرها، وهو ما يفسّر وجود عدد كبير من غير المتديّنين، أو من المتديّنين التقليديين، في أوساطها.
خامساً: نشطت قيادتا الحزبَين الفائزَين، في العامَين الماضيَين، على أكثر من صعيد واتجاه، لتظهير تطرّفها، وتخوين الطبقة الحاكمة التي كانت قد انتقلت من اليمين برئاسة نتنياهو، إلى خلطة اتّجاهات يمينية ووسطية ويسارية وأيضاً فلسطينية، برئاسة صهيوني ديني، هو رئيس حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينت. ونُظر إلى تعاون بينت مع أطراف تلك الخلطة لتشكيل حكومة، وإنْ برئاسته، بوصفه شذوذاً عن أعراف العنصرية وقواعدها، فكان الرفض له ولحكومته ولكلّ يهودي يشارك فيها ويدعمها. ومن هنا، يُفهَم سقوط شاكيد، التي خلَفت بينت في رئاسة الحزب، في صناديق الاقتراع، وعجزها عن تجاوز نسبة الحسم (العتبة الانتخابية)، لكونها ارتضت الجلوس في ائتلاف واحد إلى جانب منصور عباس.

في ما يرتبط بالمرحلة المقبلة، يُتوقّع أن تكون مرحلة مساومات وابتزاز ومطالب تعجيزية توضَع على طاولة التفاوض على الحكومة الآتية برئاسة نتنياهو، إذ إن حزبَي بن غفير وسموتريش سيكونان معنيَّين باستغلال موقعهما ومكانتهما في «الكنيست» لتحصيل ما أمكنهما من مواقع وزارية، وقرارات تعزّز من صورتهما لدى جمهورهما، وهو ما يصعّب المهمّة أمام نتنياهو - خصوصاً أن وزن «الصهيونية الدينية» سيكون حاسماً في أيّ ائتلاف يريد تشكيله -، ويجعل استقرار حكومته العتيدة على حدّ السيف، مع بروز احتمال انفراط عقْدها مستقبلاً، كما باتت العادة متّبعةً في إسرائيل. في المقابل، إن تولّى الحزبان وزارات وازنة ذات تأثير في القضايا المتعلّقة بالفلسطينيين، سواءً في الضفة أو القدس أو الداخل، فسيعملان على تغيير الأنظمة بما يتوافق مع نظرتها المتطرّفة وعنصريّتهما، الأمر الذي يعني فترة قد تطول أو تَقصر، من المضايقات القانونية والعملية والمؤسّساتية ضدّ الفلسطينيين في كلّ ساحاتهم (37)

الهوامش
إحسان مرتضى، الدور السوسيولوجي-السياسي للأحزاب الدينية في إسرائيل العدد 39 - كانون الثاني 2002، https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/
إحسان مرتضى، الدور السوسيولوجي-السياسي للأحزاب الدينية في إسرائيل، المصدر السابق.
3- إحسان مرتضى، المصدر السابق.
4- أ.سهيل عمر شمعة، دور الأحزاب الدينية الرافضة للصهيونية في النظام السياسي في إسرائيل(1996-2013)،ttp://ppc-plo.ps/ar/
5- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
6- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
7- ممدوح مكرم، خريطة أحزاب الصهيونية الدينية في "إسرائيل"24/11/20222، https://www.ida2at.com
8- ممدوح مكرم، المصدر السابق.
9- ممدوح مكرم، المصدر السابق.
10- ممدوح مكرم، الكصدر السابق.
11- أ.سهيل عمر شمعة، مصدر سبق ذكره.
12- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق
13- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
14- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
15- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
16- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
17- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
18- أ.سهيل عمر شمعة، المثدر السابق.
19- أ.سهيل عمر شمعة، المصدر السابق.
20- د.أمين محمود، الصهيونية الدينيةـ 1/9/2020، //www.ammonnews.net/article/
21- آ د.أمين محمود، المصدر السابق.
22-د.أمين محمود، المصدر السابق.
23-د.أمين محمود، المصدر السابق
24-د.أمين محمود، المصدر السابق.
25-د.أمين محمود، المصدر الستبق،
26- د.أمين محمود،المصدر السابق.
27-الصهيونية الدينية.. أين يتجه المشهد في إسرائيل؟، ٢٥‏/١١‏/ ٢٠٢٢، https://strategiecs.com/ar/analyses/
28-محمد وتد، الحريديم من الهامش إلى مركز الحكم في إسرائيل، 10/1/2023، https://www.aljazeera.net/politics/
29-حسين عبد العزيز، مصدر سق ذكره.
30-أ.سهيل عمر شمعة، مصدر سبق ذكره.
31-العميد أحمد عيسى، دلالات صعود الصهيونية الدينية وتراجع الثقة بالجيش، 27/11/2022 ، https://www.maannews.net/articles/2082073.html-
32-حسين عبد العزيز، استعادة مقاربة عزمي بشارة صعود الصهيونية ـ الدينية في إسرائيل،18 نوفمبر 2022، https://www.alaraby.co.uk/
33-إحسان مرتضى، مصدر سبق ذكره
34-المصدر السابق
35-حسين عبد العزيز، مصدر سبق ذمره.
36-العميد أحمد عيسى،مصدر سبق ذكره.
37-عالم يحيى دبوق ، صعود «الصهيونية الدينية»: الفاشية تزدهر، 3 /11/ 2022، https://al-akhbar.com/World/33748472



#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الص الصهيونية الدينية من الأطراف للسلطة (دراسة) الجزء الثاني
- تخفيض المنحة القطرية لحماس.. رسالة أمريكية لسوريا
- الصهيونية الدينية من الأطراف للسلطة ( دراسة) جزء أول
- وعيد الفصائل الفلسطينية.. والجعجعة دون طحن
- مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين..نهاية الخرافة
- مشاكسات الاستجداء بالكذب..صهينة فلسطينية إسلامية!!
- مشاكسات... إسلام صهيوني.. قلق على التطبيع
- صدقية حماس .. بين أبو مرزوق والسنوار
- خطاب حماس والجهاد.. عندما تفارق الأقوال الأفعال
- الكيان الصهيوني.. مقولة التفكك.. كتظهير لأزمته البنيوية
- الاتفاق الثلاثي.. والتمهيد لتعدد الأقطاب
- لا ديمقراطية مع الاحتلال.. ونهاية مرحلة الوهم
- مع عودة جريمة التنسيق الأمني.. من تُمثل سلطة رام الله؟!!
- مشاكسات .. احتلال خمسة نجوم..! حلال علي..حرام عليهم..
- نتنياهو.. عندما يتبجح -اللص-!
- بوصلة كنس الاحتلال.. فلسطينية
- مشاكسات / إنسانية.. اليانكي! .. متى تستفيق؟
- مشاكسات.. العراق.. توطن الفساد / أشبعتهم إدانات.. !!
- زلزال تركيا يعري لا إنسانية قانون قيصر الأمريكي
- استشراف صهيوني لنهاية كيان الاحتلال في فلسطين


المزيد.....




- فيضانات مدمرة تجتاح المنازل وتقتل العشرات في جنوب الصين
- -ظلال السافانا-..لقطات عجيبة للحياة البرية من قلب إفريقيا
- ??مباشر: غالانت في واشنطن ومخاوف متزايدة من صراع أوسع بين حز ...
- مصدر مصري: القاهرة تجدد شرطها بشأن إعادة تشغيل معبر رفح لدخو ...
- سودانيون يروون تفاصيل رحلة الهروب غير الشرعية إلى مصر
- مستشار ترامب السابق يدعو إلى تشديد العقوبات على روسيا دعما ل ...
- روسيا.. ابتكار -أنبوب هوائي- يحاكي ظروف الانفجارات والحرائق ...
- روسيا تختبر درونات -بيرون- المجهزة بصواريخ مضادة للدبابات (ف ...
- لأول مرة.. الحكومة ترد على أزمة قطع الأشجار وتوجه اتهاما
- ارتفاع قتلى هجمات القوقاز إلى 15 شرطيا و4 مدنيين بينهم كاهن ...


المزيد.....

- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم يونس الزريعي - الصهيونية الدينية من الأطراف للسلطة (دراسة) الجزء الثالث