|
النص القابض على عنق الوطن (1-2
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1728 - 2006 / 11 / 8 - 11:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
-1- الأبواب مشرعة لكل مؤول ولكل كاتب أن يكتب ما يشاء ويجتهد على ما قيل وما سيقال، ما كتب وما سيكتب، ولكن هنالك نص متعدد القراءات والوجوه، نص هو النص الذي يجنبنا الخوض فيه، فلكل نص محظوراته وأيقوناته التي لا يريد لأحد الاقتراب منها مهما كان ومهما فكر ومهما تساءل /متفائل أو متشائل/ لا فرق، النص هذا فيه من الغدر الكثير ومن الفائدة القليل! نص شتائم، نص فيه من مهارة القدح والذم والمدح بقدر ما فيه من تفاهة في المعنى وتراكمات من مصفوفات اللغة المتهافتة - لم تعد إذاعة دمشق في صوت فلسطين تنادي وتهتف على قمة الكرمل وجبال الجليل .. إنه النص المخاتل الذي يعرف عدوه جيدا ويمارس عليه ألاعيبه المكشوفة وعلى العدو أن يصدقها /حيث لا طريق آخر غير التصديق/ والعدو هنا هو الإنسان السوري الذي لم يولد بعد، الذي لا زال مخفورا في عباءة هذه السلطة! لأن هذا الإنسان هو عدوها الوحيد والأوحد، تناور عليه وتداور وتقتل وتسجن وتهتك كل ستر وكل ما من شأنه أن يساعد على ولادته ولو سرا تتابعه حتى مخدع نومه الذي لم يستطع إيجاده بعد! فكل شيء مباح لهذه السلطة المارقة ونحن خائفون على أنفسنا وأهلنا وكل ما تبقى لنا من أحاسيس تحمي المرء من كل هذا العسف الذي لم يكن مجانيا كما يبدو أو كما بدا للبعض ممن يحملون راية الدفاع عن الطوائف وملوك الجان والمفجرون أنفسهم في عباد الله الصالح منهم والطالح! كلها تلاوين على نص واحد منفتح على تأويلات شتى! لا حصر لها لأن الثقافة التي تنتج هذا النص على قدر انحطاطها فهي تستفيد من منجزات البلاغة المعاصرة ووسائل الإيصال التي هي عدوها الأوحد ..وهذا أحد أوجه كذبها ونفاقها بقدر حاجة نص سلطتها لهذا الذي لا يراعي خصوصيتها بقدر استنفارها الدائم عليه /رقابة وتكفيرا وتنكيلا/ .. إنه نص السلطة العربية والإسلامية!
لو تركنا هذا التعميم اليعربي المخاتل لكتاب اليعربية لكي يتم تضليل القارئ عن النسبي والتفارق بين شتى السلط العربية فلا يمكن مقارنة وضع الحريات في الكويت معها في سورية ولا يمكن مقارنة الوضع المعيشي للمواطن الإماراتي بالمواطن السوري أو المصري، وهذه التباينات الكثيرة تجعلنا نكون حذرين في التحدث عن نص نقدي عربي للمستوى السياسي! نحن ممن يحاربون العقل المطلق! أو من المفترض أن نكون كذلك هل نقع بالمحظور نتيجة لحسابات أيديولوجية وشخصية ضيقة ونزيد من تضليل القارئ العربي!
إذا كان غياب الحريات عنوانا عربيا لبعضهم فهو ليس عنواننا لأننا نسبيا نتمنى أن نصبح كالمغرب مثلا على هذا الصعيد أو كمصر حتى رغم العمل المباركي الدؤوب للتوريث!! في سابقة خطيرة - التوريث في الحياة - ويصبح بعدها السيد الرئيس حسني مبارك والد السيد الرئيس جمال مبارك! ربما تيمنا بآل بوش الكرام!! حفاظا على استمرارية - الفميليا المباركة - ونموذجا لتماسك العائلة الذي يعاني من تفككه هذا الغرب اللعين!! ونحن كمقلدين نقلد ذلك على طريقتنا فإذا كان السيد جمال مبارك أكثر ديمقراطية من والده لماذا لا زالا في نفس الحزب وداخل نفس الشريحة الحاكمة لماذا لا يؤسس حزبا لوحده لكي يبرهن أن الحاجة لتوريثه حقيقية على أقل تقدير واحتراما للعقل المصري من جهة وللعقل العربي الذي يرى في مصر أم الدنيا ونموذجه في الديمقراطية! أم أن السيد جمال مبارك سيحوز على مشروعيته من خلال تحرير فلسطين!؟ المشروعية التي سيأتي بها أو عفوا منكم ستأتي به: هي مشروعية اجتماعية اقتصادية سياسية أو هكذا المفروض! ما هي هذه المشروعية زيادة في الديمقراطية أم إصلاح دستوري جذري أم مكافحة الفقر والبطالة والفساد كظاهرة - بالطبع أقل من سورية - ولكنها موجودة!؟
إنها غاية الدنيا ألا تذهب السلطة من أيدي مالكيها قوة ونهبا مهما كان الثمن!!
في سورية النص أكثر التواء وخطورة من أي نص سلطوي عربي آخر لأنه نص مفارق كليا حتى للمعاني الشكلية لشبكة ملفوظاته المتكررة دوما كلازمة تنثر المعنى السهل على عامة القطيع وتترك لنفسها تحديد المعنى الحقيقي لنصها غير المكتوب! والذي يستند على فاعلين نصيين هما /في جدل فعلي وحقيقي في صيرورة تطور الفعل السلطوي السوري/ طائفية الأمن والقوة وأمن الطائفة واستمرار وجودها المرتبط باستمرار هذه السلطة بالذات! هذه الفاعلية الجدلية باتت تشكل منذ بداية السبعينيات المنتج الحقيقي لهذا النص الفاعل وغير المكتوب! وما فعل هذا المنتج والمنتج هو دخول قوى الإخوان المسلمين في صراع ذو بعد طائفي مع هذه السلطة!
ونحن هنا منذ زمن نحاول الاشتغال على هذا النص محاطين بجملة من الرقابات الذاتية والموضوعية، ومضطرون دوما لتقديم فروض الطاعة لبعض من مثقفي وكتاب المعارضة السورية من أجل ألا نتهم بالطائفية وهذا ما يجعل نصنا أيضا نصا مخاتلاً ومتحايلاً على الفعل الذي نريده لهذا النص، لكن الوضع السوري يزداد سوءا يوما بعد يوم والعقدة الطائفية باقية تتعمق شرخا اجتماعيا زاد الطين بلة فيه الوضعين العراقي واللبناني وفق الأجندة الإيرانية والخيبة الأمريكية والتعصب الدموي الإسرائيلي في الواقع وكأن إسرائيل والقوى الجهادية ومن خلفهم قد أقسموا يمينا ألا تعيش شعوب هذه المنطقة حالة من الهدوء والاستقرار، خصوصا أننا كثيرا ما نتمنى لو أن النفط ينضب فيها ونعيش كبقية الدول التي لا نفط فيها! حتى الغرب النفطي يريد النفط وبقاء التخلف والسلطة المارقة، خذوا النفط بسلام وأمن وخلصونا لأن سورية واقعة في قلب الحدث. هكذا أرادت سلطتها والتواطؤات الإسرائيلية الغربية!
ونعود لنؤكد أننا إذ نقدم رأيا في هذه العقدة المميتة فإن ذلك لا يعفينا من النقد ومن أن نصحح ما ندلي به من آراء! وهذا يقتضي بصريح العبارة أن يتقدم ليشاركنا الحوار - وليس الشتائم وقلة الضمير!! - مثقفي المعارضة السورية الذين ينتمون للطائفة بالولادة لأننا نؤمن أن المعارض الديمقراطي واليساري عموما هو ليس طائفيا! أو هكذا المفروض، لأن ثقافته هي ثقافة مدنية تنظر للانتماء إلى الإنسان عموما أولا وإلى المواطن السوري ثانيا وأخيرا! وكي ندخل على الموضوع من باب عملي في حواري مع بعضا من رفاقي في حزب العمل الشيوعي في سورية طرحت سؤالا: إذا كان الحزب ومنذ منتصف السبعينيات يرى طبيعة النظام في سورية طبيعة ديكتاتورية ذو سمات طائفية، وبعد ثلاثة عقود ماذا حل بهذه السمات الطائفية هل تراجعت أم تقدمت أم ما هي القصة بالضبط؟! ونحن نفترض حسن النوايا نقول: أنه لا توجد سلطة في العالم ومهما كانت ديكتاتوريتها إلا وتحاول أن تجدد بناها الديكتاتورية نفسها على الأقل؟! أو إصلاحها كل فترة بعدما يصيبها الترهل والخراب ويصيب أجهزة دولتها! لأن الدولة في سورية هي دولة هذه السلطة بالذات! ومع ذلك نجد أن هذه السلطة عاجزة عن القيام بأي إصلاح من نوع ما، رغم بعضا من التحسينات الجزئية هنا وهناك وبلا حد أدنى من القوننة التي تحمي أية عملية إصلاح والسؤال: لماذا هذا العجز وما هي أسبابه؟ إننا نعتقد منذ زمن بعيد أن العقدة الطائفية وما ترافق مع انهيار النظم الأيديولوجية التي تغطيها وتغطي نصها الفصامي: أنه بسبب المسألة الطائفية قد دخلت السلطة في سورية نفقا مسدودا تماما يحتاج إلى جرأة قيادية وطنية تخرج سورية من عنق الزجاجة وتحل المسالة الطائفية والكردية حلا مواطنيا ديمقراطيا وبالتدريج ولهذا عبرت قوى معارضة عن تبنيها لمفهوم المصالحة الوطنية ونادت به ولا زالت!
وقد آن الأوان لهذا الملف أن يفتح وبمنتهى روح المسؤولية الوطنية والأخلاقية وبلا ضغائن وبصدر رحب وعقل مفتوح .. فهل نأمل أن نتخلص من هذا النص الشفهي الذي أغرق سورية بهذا المستنقع؟!
-2-
تحدثنا في الجزء الأول عن الإمكانية من أجل إخراج نص السلطة السورية إلى حيز التداول وهو النص الطائفي المبعثر للمجتمع الذي يمكن أن يتشكل في رحم الدولة المعاصرة! هذا النص الذي يصر على وحدانيته المطلقة وبلا تردد مستندا على أرث من التخلف والثقافات الماقبل كتابية والماقبل مدنية معيدا تأويلها في ارتجال شفهي يشبه المانشيت العريض للصحافة السورية غير الحرة والذي مفاده: بتوجيهات من القائد الرمز .. أو تعليمات الرئيس المناضل .. الخ هذه التوجيهات التي غالبا ما تكون غير مكتوبة وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالتوجيهات الأمنية والسياسية التي لا بد محصورة بيد القائد الرمز من الأزل وحتى الأبد! وإلا كيف سيبقى القائد بيضة القبان الشخصانية لكافة قوى وفعاليات المجتمع السوري؟
لأن السلطة المبنية على اغتصاب وظائف الدولة المعاصرة يجب أن تحصر بيد القائد الأموال والسياسية والأمن! يوزعها على من يشاء - يعيد توزيع الثروة الاجتماعية وفق رؤيته لسلطته القابضة على عنق المجتمع ومقدراته! وهذا ما سنتناوله في هذا الجزء:
الفقر داخل الطائفة العلوية يستخدمه بعضهم مؤشرا على أن النظام ليس طائفيا!
إن المتتبع للشأن السوري الداخلي وتطوراته منذ العام 1968 منذ تلك المرحلة التي بدأت فيها النقلة الطائفية الفعلية في حصر الجيش والأمن بيد عناصر أكثر ولاء للسيد وزير الدفاع - اللواء حافظ الأسد - كما أن كل الإحصاءات المتوفرة تؤكد أن في فترة 1970 وحتى عام 1978 كانت الكليات العسكرية السورية التي تخرج ضباطا تنقسم إلى 50% من الطائفة العلوية والتي تشكل 13% من الشعب السوري و50% لباقي فئات هذا الشعب .. والمعادلة أصبحت بعد 1982 أكثر ضراوة واستنفارا وعلنية حيث وصل الأمر إلى قبول أكثر من 70% من المتقدمين إلى هذه الكليات من أبناء الطائفة و30% لباقي الشعب السوري! وهؤلاء ليسوا أرقاما قليلة العدد بل هي آلاف كل عام حتى وصل الأمر إلى درجة نعتقدها مخيفة لو تجرأ أحدا وأعطى معلومات دقيقة عن نسبة ضباط الطائفة داخل الجيش إلى عدد الشعب السوري!؟ ونتيجة للفقر نفسه والامتيازات التي يحصلون عليها بعد تخرجهم كضباط في الجيش والأمن والأجهزة الحساسة بالنسبة للقائد الرمز لا تترك عناء كبيرا لمعرفة أحد أهم الطرق في كيفية إعادة توزيع الثروة الاجتماعية السورية كما يحتاجها القائد الرمز - لهذا هو قبض على عائدات النفط لمدة ثلاثون عاما!!
هذا جزء من نص السلطة وهو الجزء الأكثر أهمية بالنسبة لاستمرار السلطة والحفاظ على نبوءة القائد وفرديته وفرادته في الحكم وغير ذلك من تشابيه طالما تغنى بها بعض المعارضين قبل أن تتغنى بها السلطة ووسائل إعلامها هذه الفرادة التي لا تتكرر في التاريخ تستحق أن يكون القائد الرمز سيد الوطن - آخر ابتكارات الإعلام السوري قبل رحيل القائد الرمز الأول - في المتداول غير المكتوب الكل يعلم ويصمت على موقع القائد الرمز داخل الطائفة وعن فعالياتها عموما!! توزيع الثروة الذي تم وبهذه الطريقة هو من أهم القضايا التي أسست للعصبية الطائفية في سورية، لا يوجد ضابط كردي واحد في الجيش السوري! بعد عام 1975!! كما لا يوجد موظف كردي أو آشوري أو عربي من سكان الجزيرة ليتسلم حقائب القطن والحبوب والنفط والأمن في تلك المنطقة!! نساء تلك المنطقة لا تنجب نجباء!!! رغم أن المتعلمين وحملة الشهادات في تلك المنطقة هم أكثر بكثير من الحاجة لهذا تجدهم يذهبون إلى الخارج للعمل!!
إن عملية إعادة توزيع الثروة الاجتماعية بهذه الطريقة تعتبر الرسالة الأولى التي أرسلتها السلطة لجماهير الطائفة! والسؤال كيف استقبلت جماهير الطائفة هذه الرسالة وكيف تعاملت معها وردت عليها؟ وهذا ما سنتركه لجزء خاص لأنه هو الجزء الذي يثير الحساسية لدى الكثيرين من أبناء الطائفة وخصوصا المعارضين منهم!!
وتبع ذلك بالطبع ازدياد في تخصيص وظائف إضافية على مستوى أجهزة الدولة ككل - البعثات التعليمية إلى الخارج، موظفي التلفزيون والإعلام والسفراء والسلك الدبلوماسي .. الخ والآن الامتيازات عاد ليقطفها رجال الأعمال الكبار من الطائفة - كأي حالة موضوعية من الفرز الطبقي وفي أي مجتمع - والأسماء أكثر بكثير من إمكانية عدها وحصرها بزعامة رامي مخلوف الحكام الفعلي الآن للاقتصاد السوري والمتحكم فيه! ولهذا يمكننا القول إن الفقر لا يتنافى مع توزيع طائفي للثروة! وفق مقدرات المجتمع الاقتصادية وآليات الفرز الطبقي ووضعه التاريخي وتشكيلاته الاثنية والدينية ودرجة تطور الدولة وتماسكها واستقلاليتها النسبية .. الخ ولا بد هنا من الإشارة أن ما ميز نظام الراحل حافظ الأسد عن بقية النظم - الشمولية - هذه الميزة التي تفقده هذه الشمولية نفسها أنه ترك للقطاع الخاص دورا تعدى في مراحل كثيرة 50% من حجم الناتج الإجمالي المحلي!! وهذا بالضبط ما ترك مسربا مهما لاستثمار أموال الفساد والمساعدة على عملية التضليل في توزيع الثروة الاجتماعية بحكم وجود هذا التداخل الحرج والخبيث بين القطاع الخاص وشبكة الفساد العام! هذه الميزة ما كانت لتبقى لولا شعور القائد الرمز بالحالة الأقلاوية داخل التركيبة المجتمعية السورية، والتي لا ذنب لبقية أطياف الشعب السوري أن لديه أقلية طائفية حاكمة!؟ فإما أن تبقى حاكمة وإما بقية الشعب السوري كله طائفي ومتخلف وإرهابي! - ولا بد من الإشارة ثانية إلى تأكيد السيد الرئيس بشار الأسد مشكورا وبشكل أوضح من خطابات الكثير من المعارضين رؤية هذا الأمر في مقابلته مع جريدة الأنباء حيث قال أن المجتمع السوري لازال متخلفا ولا يقبل الآخر وتتشكل فيه أرضية للإرهاب .. الخ.
هذا هو النص غير المتداول كثيرا. ولنفترض جدلا أن الأمر كذلك حسنا: ليتم تداول سلطة رئاسي يحصر طائفة الرئيس بالطائفة العلوية! أنا شخصيا ليس لدي مانع طالما الأمر مقونن وفي انتخابات نزيهة وليتم ترشح من يريد من أبناء الطائفة لمنصب رئيس الجمهورية كما يحدث في أية دولة ديمقراطية ولكن مع فارق بسيط هو أنه ولخصوصية الشعب السوري وتخلفه وطائفيته وريثما يصبح شعبا كالطائفة "المختارة" (كما تفضل بعض الأقلام العلمانية في خطابها الضمني أن ترينا!!) يبقى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حكرا على أبناء الطائفة العلوية! وريثما يصبح الشعب السوري حالة مدنية كعائلة الحاكم! والطائفة المختارة ليست شتيمة بل هي مفهوما أيديولوجيا - منطوق ضمني لكثير من النصوص التي نراها تنتظر دوما أية محاولة لكتابة التاريخ الحقيقي لهذه السلطة لكي تستل سكاكينها وتبدأ بتطييف من تشاء وعلمنة من تشاء!!- يحاكي الخطاب الحقيقي لبعض المعارضين!
أو حتى لنأتي إلى شكل من أشكال الفيدرالية تبقى فيه مسؤولية الجيش والأمن بيد ضباط الطائفة حرصا على عدم انفلات المجتمع كما يقول بعضهم دوما في حال ذهبت السلطة من يد الحاكم!
وليبق حزب الإخوان المسلمين محظورا - ولكن بدون القانون 49 القاضي بإعدام أعضائه - ريثما تنتقل سورية نحو أي شكل من أشكال الديمقراطية المقننة طائفيا! أي حل يمكن أن يطرح هنا وينقل سورية من براثن هذا الهتك اليومي لكل شيء من أجل سلطة مارقة على كل أعراف التاريخ هو مقبول قياسا بالمستقبل الذي يخبئه هذا النظام لسورية تصبح فيه كل الخيارات السيئة جيدة مقارنة مع هذا النظام الذي يعد الأسوأ في العالم من حيث الشكل والمحتوى! ولنا عودة في أجزاء أخرى..
-3-
في هذا الجزء سوف نكمل الحوار الذي يحرق الأصابع كما قال أحد المتتبعين للشأن السوري، تحدثنا في الجزء الثاني عن إعادة توزيع الثروة في سورية على مستوى تطييف المجتمع السوري
منذ عام 1970 وحتى هذا التاريخ ونحن نتبع لسياسة التطييف هذه ومن تحدث في هذا الأمر من القوى السياسة دفع الثمن ولا زال، وكما يبدو فإن الأمر بحاجة للكثير الكثير حتى نستطيع الوصول إلى نص سوري واحد في بنية المجتمع وانتماءاته الوطنية المبنية على مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان! وهذا النص الذي يجب أن يمر عبر تداول النص السلطوي في سياق المنظومة النقدية لحوارنا الطويل والشاق والذي من شأنه أن يقرب البشر من بعضها إن كانت الأمور فيها من تقاطع المصالح الوطنية ولو في حدها الأدنى!
من الأجدى وبكل المعاني الوطنية أن لا تترك المسائل المعقدة كقنابل موقوتة في قلب المجتمع ولم يعد التاريخ مقلا في تقديم نماذج سيئة جراء الاحتقانات الدينية والقومية والطائفية!
وفي غالبها كانت الديكتاتوريات وغياب النقد والسياسية والحوار عن المجتمع هي السبب في انفجارات غير محسوبة في كثير من بلدان العالم! وليس المثال العراقي سوى نموذج آخر ولن يكون الأخير في هذه المنطقة الملتهبة من العالم! وليس الشعب السوري استثناء في هذا الأمر!
بمقدور المرء أن يتحدث عن الكثير من الأمثلة في هذا العالم ولكن لم يعد الأمر مجديا لأن الإعلام يعرض لنا كل يوم النتائج الكارثية والدموية لما يجري!
عن الفكر الانقلابي التسلطي والفردي للرئيس الراحل جعلته يستنفر كل قواه وإمكانياته والتي ليست قليلة في بناء سلطة على مجتمع مذرر حتى العظم لدرجة أن هنالك من يقول أنه بمجرد انهيار السلطة بلا بديل فإن سورية ستتحول إلى بقايا نويات طائفية وعشائرية ودينية .. الخ ولم يكن هنالك خيارا آخر سوى تطييف المجتمع عبر تركيز مريع لإرادة سلطة انبنت أقلياتيا /طائفيا بمعنى من المعاني/ هنالك من يقول أيضا أن هذه السلطة شاركوا فيها سنة ومن كل الطوائف فسادا ونهبا! هذا صحيح وبالمطلق ولكن السؤال: هل كان بالإمكان حصر كل الثروة الاجتماعية بيد فاعليات الطائفة؟!
أعتقد من البلاهة بمكان أن يعتقد بعضهم بهذا الأمر لأن تركيز وتركزها يحتاج إلى أوسع قطاع يتشابك مصلحيا /وهنا فسادا/ مع سلطة بنيت بطريقة غير مشروعة! حتى تصبح الفعاليات الطائفية السلطوية ناجعة في أساليبها كان لا بد لها من محايث شعبوي وفاسد، والأول تم من خلال الخطاب القومجي المتلون والفصامي وهذا طال كل المجتمع السوري كما تحدثنا عن ذك في الجزء الأول من هذا المقال، أما الثاني فكان لا بد أن يستقطب قوى لكي يتمايز في داخل هذه الكتلة السلطوية ولم يكن التمايز يحمل معايير شتى بل له معيارا واحد فقط /طائفي على مستوى أجهزة القوة. كان بالإمكان جعل مؤسسات الجيش والأمن قوية وبحد أدنى من التوزيع العادل لأماكن الدراسة في الكليات العسكرية! والسلطة غير عاجزة عن هذا الأمر ولكنها أصرت على تطييفها بدلا من جعلها وطنية!
في جدلية الأمن الطائفي للسلطة والفساد الوطني للدولة والتداخل الخبيث بين قطاعي الاقتصاد السوري العام والخاص في فرادة التجربة السلطوية في سورية هذه الفرادة أخذت شكلها ومحتواها من المضمون الفعلي للنص السلطوي بما هو نصا طائفيا غير مكتوب - لا على المستوى الدستوري ولا على المستوى الإعلامي - هذه الفرادة جعلت الكثير من كتاب المعارضة يصرون على تسمية النظام بأنه نظاما شموليا تيمنا بالموضة التي أعادت الاعتبار لحنة أرندت في الحديث عن النماذج الستالينية والنازية والفاشية .. الخ بعد الأخذ في هذه الموضة جراء سقوط المعسكر الشرقي.
مع ذلك يبقى اجتهادا له أرضيته في تفسير الظاهرة السلطوية من حيث الكليانية الأمنية التسلطية ولكنه كأداة مفهومية وإجرائية ليس فيها من الخصوبة المعرفية الكثير لتضيء الواقع السوري كما هي حقيقته بل يمكن لها أن تلعب دورا تضليليا!
والأمن الطائفي هو اشتقاقا إجرائيا لتوصيف الممارسات السلطوية في جعل أجهزة القوة كلها بيد ضباط الطائفة.
ولا بد لنا لكي نحيط بالظاهرة من كل جوانبها المهمة علينا البحث جديا في شبكة التواطؤات التي تخلقها تضامنات الثقافة الماقبل المدنية / طائفية وخلافه .. مع الحالة السلطوية المتجادلة مع جملة المصالح التي نشأت لدى فاعلي هذه الثقافة جراء السلوك والممارسات السلطوية بعد عام 1970.
إن التضامنات والعصبيات الطائفية والدينية والاثنية التي تخلق بوعي أو بغير وعي من قبل حاملي هذه الثقافة تنطبق على جميع الطوائف السورية فكما جرت هذه التضامنات على مستوى السلطة أيضا نلاحظها في حجم التعاطف مع جماعة الأخوان المسلمين في سورية 1980 أثناء أحداث تصادمها مع السلطة ولم يكن غالبية المتعاطفين هم من جماعة الأخوان بل غالبيتهم لم تكن توافق على أسلوب الأخوان ولكن التعاطف هذا محكوم بهذه العصبيات الماقبل سياسية التي كرستها السلطة في المجتمع اعتمادا على أرث التجربة الإسلامية في جانبها المتخلف! وقراءة هذه التضامنات وانعكاساتها على تفكك المجتمع وتذرره نجد فيه الكثير من التلاوين المخاتلة:
تضامنات عشائرية حتى داخل نفس الطائفة! أو إقليمية تضامنات أهالي مناطق سورية مع أبناء محافظاتهم أو دينية الحالة المسيحية في سورية أو اثنيه الحالة الكردية أيضا .. الخ وهذه التضامنات العصبوية التي يسميها بعضهم علاقات (المجتمع الأهلي) في توليفة تحاول إفراغ تجربة المجتمع المدني الذي نسعى إليه من دلالاتها التاريخية والحقوق إنسانية. وهذا ليس ذنب البشر بالتأكيد بل الذنب يعود أساسا على إرادة السلطة في المجتمعات المعاصرة!
لأن هذه الثقافات الماقبل مدنية لا تخص الحالة السورية وإن أصبح هنالك خصوصية في الحالة السورية فسببها يعود إلى إرادة السلطة بشكل عام وأساسي وكيفية تعاطيها مع مشروع سلطتها هذه والتوظيفات المباشرة وغير المباشرة للرساميل المادية /على مستوى توزيع الثروة الاجتماعية على المستوى الوطني كما تقتضيه مصلحة السلطة كآلية فساد وإفساد/ والرمزية استغلال ما يمكن أن تتيحه هذه الثقافة بكل تضامناتها وعصبياتها الواعية وغير والواعية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفهوم الوطنية في سياق إفراغه من مضمونه المناهض للاستعمار قد انبنى على قاعدة هذه العصبيات نفسها لهذا تجد معادلة الداخل - الخارج في سورية معادلة عصابية وارتجالية ومنغلقة على رؤية السلطة وحدها لهذه المعادلة، وهذا الفهم هو ذاته الذي تأثرت به الكثير من قوى المعارضة ومثقفيها!
ويجب ألا يغيب عن البال أن تفكيك هذا النص لا يخص فقط الحالة السلطوية وحدها بل يخص المجتمع السوري عموما. فليست ثقافة المناطق السورية الأخرى أكثر مدنية من غيرها!
إذن نحن أمام لوحة معقدة وذات حساسيات عالية وعدم إثارتها يزيد تغلغل هذه الحساسيات في هذا المجتمع المخرب وليس العكس كما يرى بعض الناس!
وفي نهاية هذه الجزء نجد من المهم أن تفتح قوى المعارضة هذا النقاش على الأقل داخل أحزابها!
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللاعقلانية حضور القول غياب الفعل الخطاب المقاوم نموذجا
-
جبهة الخلاص وإعلان دمشق عود على بدء
-
المعارضة السورية الحاجة إلى تفعيل مؤسسي
-
إشكاليات
-
الماركسية واليسار نوستالجيا متأخرة أم تعبير عن إفلاس؟
-
القضية الكردية في سوريا تنميات على المواقف
-
الطائفية وإرادة السلطة شيء من الفخ العراقي
-
لبنان وسورية دولتان لشعب واحد
-
فدوة لله شكد يخبل جيفارا
-
على المسلمين الاعتذار
-
الإسلام السياسي من منظور هجين سوريا نموذجا
-
11سيبتمبر كارثة على أمريكا أم علينا ؟
-
مشروع الهيبة في فضاء الخيبة !!تعزية خاصة إلى ميشيل كيلو
-
المعارضة السورية بين قمع السلطة وغياب السياسة 3
-
المعارضة السورية بين قمع السلطة وغياب السياسة
-
الليبرالية العربية ..تغيير المسميات في هذا الزمن القحط
-
الارتجال السياسي من يحكم سوريا ؟
-
البيانوني يعود غلى خطاب السلطة
-
الجولان المحتل بعد 1701
-
الليبرالية العربية -3 رد على د.شاكر النابلسي
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|