|
القلاع الأربع و الملاكون الطيّبون في مندلي
احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 7706 - 2023 / 8 / 17 - 22:35
المحور:
الصناعة والزراعة
# وصلني من الاعلامي عبد الستار البيضاني مقال لطيف عن مندلي : يحرضنا اسم "مندلي" على تخيل صورة لمدينة ذات شكل برونزي متأكسد أو حجري يشبه المنحوتات القديمة، تنبثق من أعماق تاريخ يمنحها وقاراً ويذكرنا بوقار المدن الدينية،وزهد المدن التي ركنتها ثورة المواصلات وتطوراتها على الحدود البعيدة، بعد أن كانت ثغوراً لها قول الفصل في حياة البلدان والأقاليم. صورة أولى لكي لا تستغرقنا تصوراتنا وتخيلاتنا، لنجمع مكونات صورة المدينة من الواقع.. ويبدأ ذلك عندما نعبر مشروع ري مندلي الذي يعول عليه كثيراً في حياة المدينة، ونصل مباشرة الى جسر صغير يقوم على منخفض يسمى "وادي النفط" فتلوح لنا قمم جبال حمرين على شكل تموجات بنيّة اللون متلاشية مع غيوم وأبخرة داكنة تظهر عليها أحياناً لطخات ضوئية ساطعة هي انعكاس لضوء الشمس على بعض القمم الجبلية والصخور البيض وربما الثلجية!.. عند أسفل الجبل تقع مندلي..نشق الطريق اليها عبر خلاء شبه صحراوي يسمى "منطقة العيون"، كان الشارع الإسفلتي خالياً إلا من سيارتنا، ويبدو أن المنظر استفز السائق فراح يتحدث عن ماض باذخ للمدينة يوم كانت حركة السيارات والمارة تملأ الشارع والمناطق المحيطة به وخاصة في مواسم زيارة المراقد الدينية التي تكثر في المدينة، وذروة النشاط التجاري والزراعي فيها. على يمين الشارع تظهر لنا قبة منفردة من دون أسوار، وتعرف أنه مرقد نبي الله بنيامين (ع). تبدأ الصورة تحاكي لغة السائق المتأسية،البساتين المهجورة والبيوت المهدمة والصمت الأبدي، كلها ترسم صورة بالغة الدقة للهجرة والرحيل نتيجة مغامرات الحروب الحمقاء التي دأب عليها النظام السابق...شكل الوحشة والدمار وبقايا الحروب لا يخفي تلميحات لحياة باذخة كانت هنا قبل أن ندور دورة الزمن القاسية جالبة معها أقسى حرب وأقسى حصار. الألمان كانوا هنا يتشكل مدخل المدينة من مجموعة أحياء جديدة بنيت بالطابوق، أول هذه الأحياء الحي الذي يسمى "دور الألمان" وهي بيوت صغيرة بنتها شركة ألمانية لأهالي المدينة- وتشترك معظم هذه الأحياء ببيوتها المهدمة، وهناك أسباب عديدة للهدم منها القصف اثناء الحرب العراقية- الايرانية وبقاؤها بدون إعمار، ومنها عبث اللصوص الذين أستغلوا محنة المدينة في زمن الحصار، كما أن بعض أصحاب هذه البيوت قلعوا الأبواب والشبابيك قبل هجرتهم منها.. مندلي القديمة تتكون من بقايا أربع قلاع أو محلات رئيسية منفصلة عن بعضها كانت تشكل المدينة كلها، يضمها سور كبير فيه أربعة أبواب ولا تتصل هذه المحلات أو القلاع إلا من خلال البساتين المتصلة أو من خلال السوق الكبير الذي يتوسطها ويسمى "بقطايا" أو "باقطنايا" ومازالت آثاره قائمة حتى اليوم، ويسمى السوق الكبير، أما القلاع الأربع فهي قلعة "ميرحاج" وسميت أيضاً "قلم حاج" ويعتقد أنها سميت بهذا الاسم نسبة الى رئيس عشيرة أو قوم يسكنون هذه القلعة، ومحلة أو قلعة "جميل بيك" وقلعة "بوياقي" أو "بويقيا" وقلعة "بالي" وقد تغيرت أسماء هذه المحلات رسمياً في السنوات الأخيرة، لكن عامة الناس مازالوا يتدوالون الأسماء القديمة... الذي أثار انتباهنا في هذه المنطقة، السوق الكبير بسعة مساحته وطراز بنائه، وقد كان ضاجاً بالحركة حتى منتصف الثمانينيات قبل أن تصل القوات الايرانية حدود المدينة، ويتكون من أكثر من خمسمائة دكان، وعدد كبير من القيصريات والخانات المبنية بالطين والحصى الكبير والخشب والجص والنورة ويعود تاريخ بنائها الى فترة الحكم العثماني، ويتكون السوق من طبقتين من الدكاكين واحدة أرضية وأخرى علوية مازالت محافظة على قوتها وحتى الأبواب الكبيرة التي تشبه أبواب القلاع القديمة مازالت محافظة على خشبها ومساميرها ذات الرؤوس الكبيرة، ونعتقد أن ترميمها بسيطاً يمكن أن يعيد لهذا السوق الحياة،لا بل يصلح أن يكون منطقة سياحية لأنه عابق برائحة التاريخ. الحال الذي آلت اليه مندلي ناجم عن سببين حسب رأي الأهالي؛ الأول أنها أصبحت ساحة عمليات في الحرب العراقية الإيرانية مما استدعى رحيل وترحيل أهلها عنها، حيث أنها تبعد عن الحدود العراقية- الإيرانية أربعة كيلومترات فقط والسبب الثاني هو المياه، وكما نعرف أينما وجدت المياه وجدت الحياة، ومندلي تأخذ مياهها من مصدرين، الأول هو"وادي حران" القادم من الحدود الأيرانية، وهذا له مشاكله الكبيرة التي تمتد جذورها الى زمن الدولة العثمانية، لأنه يخضع لبارومتر العلاقات السياسية بين العراق وايران، والمصدر الثاني، هو قناة مندلي الإروائية التي تأخذ المياه من صدر نهر ديالى بقناة طولها 54 كيلومتراً، وهو مشروع اروائي يسمى "مشروع ري مندلي" صمم لمعالجة مشاكل المياه مع ايران، لكن التجاوزات على هذا المشروع أفرغته من أهميته. هذان السببان أديا الى تقليص عدد سكان المدينة من "34" الف نسمة في مركز مندلي فقط قبل الحرب مع أيران، الى أربعة آلاف وثلاثمائة وتسعين نسمة قبل سقوط النظام الدكتاتوري. بعض السكان يضيفون أسباباً أخرى أهمها اهمال السلطات السابقة للمدينة، ووضعها ضمن موازنات الحرب مع ايران وأبعادها النفسية والاعلامية، فبدلاً من أن يعزز النظام السابق الوضع النفسي لأهالي مندلي دمره بقرار تنزيل مرتبة مندلي الاداري من قضاء عام 1987 الى ناحية وقد ترتب على هذا القرار تحويل الدوائر الرسمية الى بلدروز،.. زراعياً تعتبر أراضي مندلي من أخصب الأراضي في العالم، لابل أن أراضي مندلي وأوكرانيا وكاليفورنيا تعد أخصب أراضي العالم حسب رأي خبراء الزراعة والجغرافية في العالم. وتتأكد هذه الحقيقة تاريخياً، حيث عثر المنقبون في عام 1961م على أقدم مشروع إروائي يعود تاريخه الى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، ومادمنا نتحدث عن الزراعة فقد أدهشنا هذا العدد من النخيل فيها بالرغم من الظروف القاسية التي مر ذكرها سابقاً، حيث توجد في مندلي نحو مليون وربع مليون نخلة تعطي أجود أنواع التمور والتي يعد بعضها نادراً جداً مثل الأشرسي والقرنفلي، كما تنفرد مندلي بنوع من التمر يسمى "ميرحاج" ويصل عدد أنواع التمور في بساتينها الى أكثر من (170) نوعاً. كما تشتهر أيضاً ببساتين البرتقال والرمان والمشمش، لكن أغلب هذه البساتين دمرتها الحرب وتحولت الى حقول لزراعة الحنطة والشعير والسمسم. جغرافية وتاريخ تقع مدينة مندلي في سهل خصب على بعد 160كم شمال شرق مدينة بغداد يحدها من الشمال قضاء خانقين وقضاء المقدادية ومن الشرق ايران، ومن الجنوب محافظة واسط، ومن الغرب قضاء المقدادية وقضاء بعقوبة. تعد مندلي من أقدم الأقضية في العراق، وكانت تتبع أدارياً الى بغداد عندما كانت تسمى "مندلجين" أو "بندينج" وقد أصبحت قضاءً في عهد الوالي مدحت باشا، وعندما تشكلت الحكومة العراقية سنة 1921 أصبحت قائممقامية وبقيت كذلك حتى عام 1987. أما اسم المدينة فقد مرّ بتحولات كثيرة كما هو شأن الكثير من المدن العراقية كما أرتبط بمعتقدات أهلها، ومن هذه المعتقدات التي يتداولها العامة أن اسمها جاء من قول الأمام علي بن ابي طالب (ع) لأصحابه عندما وصلها بعد حربه مع الخوارج "تمندلوا يا صحابة" أي استريحوا بعد أن وجد طيب مناخها ورقة نسيمها، خاصة وأنهم خرجوا لتوهم من مدينة "شهربان" التي أصابت الكثير من أصحابه وجيشه بالأمراض بسبب سوء مناخها. لكن الوقائع التاريخية تنفي هذه الحكاية، وتقدم جذراً آخر للتسمية، فكما ذكرنا أن مندلي من المدن القديمة ويعود تاريخها الى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وكانت تعرف بـ "البندينجين"، وهو لفظ تثنية مثل "البحرين" كما ذكر ذلك ياقوت الحموي في معجم البلدان، وقيل أن التسمية معرفة عن "وندنيكان" ومعناها "الملاكون الطيبون" وقيل أيضا ان معناها (الرباط الحسن)، لكن أغلب المصادر ترجع التسمية الى عهود الآشوريين، وتذكر بثلاث لفظات هي؛ "وردنيكا" و "أردليكا" و "ورديكا" ومعنى هذه الألفاظ في اللغة الآشورية "المدينة الفسيحة الواقعة في سفح الجبل" وبعد ذلك تحولت الى "بندينجين" و "منديجين" و "مندلج" وكذلك "مندوعلي" وأطلقت هذه التسمية بعد انتهاء معركة النهروان ومن ثم تحولت الى (مندلي) الاسم الحالي. وهناك أكثر من مؤشر على صحة أصل التسمية "البنديجين" ولعل أهمها وجود عوائل حتى الى وقت قريب تلقب بـ "البندنيج"، كما يذكر لنا التاريخ بعض الأعلام الذين تلقبوا بهذا اللقب ومنهم أبو بشر اليماني البندنيجي النحوي الذي ولد في سنة (200)هجرية. مراقد دينية ومواقع اثرية تشتهر مندلي بعدد من المراقد الدينية والمواقع الاثارية، منها "قلعة سفيد" أي القلعة البيضاء التي احتمى بها الخوارج قبل أن ينتصر عليهم الأمام علي (ع) ، وهناك أيضاً منطقة "شيخ محمد" نسبة الى محمد بن أبي بكر الصديق "رض" لأنه عسكر فيها، أما أشهر المراقد فهو مرقد الإمام "كرز الدين" وهو سيد أحمد بن أسحق بن هاشم بن جعفر الطيار (رض) الملقب بأحمر العينين، أما أسم "كرز الدين" فلم نجد له معنى، لكن البعض يقول أنه اسم مستعار للتستر في وقت ملاحقة العلويين. وهناك أيضاً مرقد حاج يوسف ويقال أنه من أحفاد الإمام الحسن بن علي (ع) والبعض يعتقد انه من حاملي البريد أثناء الفتوحات الإسلامية في الشرق. وفي قلب مندلي ينتصب مرقد سيد أحمد بن الإمام زين العابدين (ع) ويسمى من قبل العامة "بابا حافظ" لأنه اشتهر بتحفيظه القرآن للأطفال. ملاحظة المجلة: الموضوع جيد لأنه أتانا من صحفي كريم ،رغم أنه نسي إحدى المحلات المهمة التي تتكون منها مندلي و هي محلة قلعة بالي،وقد التقيتُ الكاتب و شكرته على مقالته الجيدة عام 2013م في فندق بغداد.
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وندنيك – مندلي قديماً
-
الشاعر و رجل الضباب
-
لمحات اجتماعية من قره لوس
-
أبو نعيم في ثنايا موسوعة مندلي
-
باحثة كبيرة من ربى مندلي
-
(الفم المملوء باللالئ) - عربي
-
الطيب المختوم من وادي كنكير
-
النية الصافية تثمر رغم التنابز..
-
الليل في اللهجة الفيلية ..
-
الشاعر الضرير نت بندنيج
-
الكابتن الشاعر عبد الخالق..
-
روضة البندنيجي – الحلقة الثانية /2023م
-
روضة البندنيجي – الحلقة الأولى/2023م
-
جدتي وأحلام الموتى.....
-
مندلاوي من قبيلة قره لوس مستشاراً
-
من جماليات الكلمات المثلثة..
-
فهرست موسوعة مندلي / المجلد(1) 2023م/1445هج
-
زيادة العمر لا تنفع !!.. ق 11
-
خواطر حذاء قديم عبر السنين /2
-
من أعلامنا الواعدين / 1
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس)
/ صديق عبد الهادي
-
الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي.
/ فخرالدين القاسمي
-
التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل
...
/ فخرالدين القاسمي
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق
/ منتصر الحسناوي
-
حتمية التصنيع في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام
...
/ عبدالله بنسعد
-
تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا
...
/ احمد موكرياني
المزيد.....
|