|
مائة ليلة وليلة.. وأصول الليالي العربية
قيس كاظم الجنابي
الحوار المتمدن-العدد: 7706 - 2023 / 8 / 17 - 22:35
المحور:
الادب والفن
-1- اختلفت الآراء حول كتاب يحاكي كتاب(ألف ليلة وليلة) في مضمونه وشكله وتحولات، وفي العودة الى بعض الأصول غير العربية التي استقيت منها، ولكن كما يبدو لي ، على الأقل، ان كتاب (ألف ليلة وليلة) قد مرَ بعدة مراحل حتى نضج واكتمل في عنوانه الحالي الذي نقراه الآن، وانه ربما بدأ بدايات متواضعة ثم تطور ونما وكبر، ولهذا نجد ان له نسخة مزورة، أو مزيفة تحاول ان تقترب منه، والكتاب الذي بين أيدينا هو(مائة ليلة وليلة) وبعده حكايات ملحقة به ومنتزعة من كتاب(ألف ليلة وليلة)،و أريد أن استبق الاحداث وادلو بدلوي ،قبل مراجعة مقدمة المحقق الدكتور محمود طرشونة، واتأمل دراسته الوافية للكتاب ولما يحيط به من لبس، وحسب علمي فان الدراسة التي سبقت الليالي المائة هذه، قد صدرت في كتاب صغير للمحقق، له طبعة عراقية في الثمانينات ،وهو حول الليالي العربية والنقد المقارن، وتبدو مقدمة التحقيق التي تصدرت الكتاب قبل الدراسة الوافية لمجمل تراث (ألف ليلة وليلة) التي هي نتاج عراقي مهم. أول ما يشير فيه المحقق والباحث هو ان كتاب(مائة ليلة وليلة) هو كتاب مغربي في الادب القصصي متمّم للكتاب الشرقي "ملأ الدنيا وشغل الناس، والذي يعد اليوم من تراث الإنسانية الخالد، الى جانب الملاحم الاغريقية والفارسية ومؤلفات دانتي وشكسبير وسرفانتس وغيرهم"؛[ ص5-6/ مائة ليلة وليلة ، تح وتقديم د. محمود طرشونة ، منشورات الجمل(كولونيا – بغداد، 2005م) ]أي ان الكتاب هو النسخة المغربية المختصرة ، بشكل أو بآخر، وغير المنسوخة عن أصلها (ألف ليلة وليلة)،وقد أخذها البعض الآخر من الحكايات المتداولة شفاهاً من أفواه الناس، وقد حذف منها حكاية واحدة هي (حديث جزيرة الكافور). وقد اقتبس عدة حكايات من التراث الشفاهي الشعبي، في نوع من المضاهاة بين أهل المغرب وأهل المشرق العربي، في ابتداع فن الحكايات، بحيث تشكل هذه الحكايات وكتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) التي رويت بشكل مختصر، فشكلت مجموعاً موجزاً للحكايات المتداولة التي شغلت المجتمع العربي آنذاك، ويرجح المحقق، أن جميع النسخ اتفقت على رواية حديثين في (ألف ليلة وليلة)؛ هما (حديث الفرس الابنوس)، و(حديث ابن الملك والوزراء السبعة). وهذا لا يدلل على أن كتاب (مائة ليلة وليلة) أخذها من كتاب (ألف ليلة وليلة)، وانما استقى حكاياته من المنبع الهندي نفسه. وبما ان كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) قد حقق ونشر كاملاً مع بعض الملاحق، وهو في الأصل كتاب(سندباد نامة) والذي يعد واحداً من أصول كتاب(ألف ليلة وليلة)، ويقوم على شعرية الخيانة وكيد النساء، والغرائب والعجائب كالسحر والعفاريت والطيران في الأجواء، فان بين الكتابين أكثر من وشيجة، حيث رأى الأستاذ سعيد الغانمي ان كتاب (مائة ليلة وليلة) ينطوي على كتاب (سندباد نامة) لأنه شغل الليالي(56-57)،وانه سابق لكتاب(ألف ليلة وليلة)، لكن الغانمي يرى بأن كتاب (مائة ليلة وليلة) ليس سوى مختارات من نسخة متأخرة من المجموعة المصرية من (ألف ليلة وليلة) بعد اندراج كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) فيها في القرون الأخيرة.[ص21-22/ منشورات الجمل، بيروت- بغداد،2019م).] ومن خلال دراسة المحقق د. محمود طرشونة ،أميل الى الرأي القائل بأن كتاب (مائة ليلة وليلة) وكتاب(مخاطبات الوزراء السبعة) بنسخته المشوهة او المختصرة المنشورة حكاياته في كتاب (مائة ليلة وليلة)،وفي نسخته الموسعة التي حققها سعيد الغانمي بعنوان (مخاطبات الوزراء السبعة)؛ هي تجارب أولى من كتاب (ألف ليلة وليلة) قبل اكتمالها، وان كتاب (سندباد نامة) قد دخل جزءاً من كتاب حكايات (ألف ليلة وليلة) في نسخته الكبيرة الأخيرة ، مع العلم بان له عدة نسخ متأثرة باللهجات العربية مثل مصر والشام والعراق ،وقد أضاف الدكتور محمود طرشونة له نسخة مغاربية (مغربية) التي ربما هي مضاهاة لليالي العربية بعد انتشارها. ومن المعلوم ان منبع (كليلة ودمنة) ومحاكاتها في الليالي العربية وسندباد نامة.. وغيرها كما تشير الكثير من الدراسات، هو الهند، عبر اللغة السنسكريتية، ومن خلال ما عُرف بـ(البنج تانترا)، كما يرى طرشونة بأن الهند هي المهد" لنشوء الحكاية ثم برعت أقوام أخرى في النسج على منوالها كالصينيين، والفرس والعرب والاوربيين".[ص17] و الذي اقتنع بان الكتابين لا يشتركان الا في رواية حكايتي "الفرس الابنوس"، و"ابن الملك والوزراء السبعة"؛ هما حكايتان من أصل هندي انتقلنا الى العربية عن طريق الفارسية، مثل (كليلة ودمنة) وسائر الكتب الهندية، ثم توصل الى ان كتاب (مائة ليلة وليلة) هو كتاب سابق لكتاب(ألف ليلة وليلة) وان الحكاية الاطارية في كتاب (مائة ليلة وليلة) هو أقرب الى الأصل الهندي كما لخصه المسعودي في كتابه (مروج الذهب) وابن النديم في كتابه(الفهرست)..[ص22-23] ويبدو التلفيق الذي عمد اليه راوي حكايات(ألف ليلة وليلة) قد خلا منه كتاب (مائة ليلة وليلة)؛وبذلك يكون الكتاب الثاني أقرب الى الأصل الهندي ،وان ثمة كتاباً لدى البربر(الامازيغ) بعنوان(الشلحة) يوافق ما ذكره المسعودي حول الليالي، وفي كتاب (الشحة) اسم ابنة الملك (زاد شهار) معكوس (شهار زاد)؛ ويعمد طرشونة الى الاستعانة بالنقاد الغربيين حول الليالي العربية، محاولاً المقارنة بين عدد من الطبقات واللهجات والعنوانات القريبة من الليالي العربية، مثل (ألف غلام وغلام)،و(ألف جارية وجارية)، أما قصة (الوزراء السبعة) فقد لاحظ الباحث ان نص (مائة ليلة وليلة) أقلّ تأثراً بالمعطيات الإسلامية من (الف ليلة وليلة)، مما يرجح انه يشكل البدايات الأولى لكتاب الليالي العربية ،وان كانت تلك الليالي أقل تأثراً بالوساطة الفارسية.[ص26-34] التي تبدو واضحة في (سندباد نامة)؛ وفي كتاب (مائة ليلة وليلة) تبدو الملامح المغاربية واضحة من خلال شخصية البطل (محمد بن عبدالله القيرواني) ، ولهذا عد الباحث الكتاب مغربياً؛ بينما استهل الكتاب برغبة من الملك (فهراس الفيلسوف) الراوي الخيالي للكتاب الذي ربما يحاكي (كليلة ودمنة) في ارسال كسرى انوشروان برزويه الى الهند لجلب كتاب (كلية ودمنة). ولعل الاهتمام بجمع الحكايات وتأليفها كان بسبب حياة الخواء والبحث عن بديل أكثر جمالاً، وتلبية لطموحات الناس، لأن الحكاية، هي ليست أكثر من حلم جماعي يشترك فيه الناس والرواة بحثاً عن الثروة في الجزر والمحيطات والبلدان، محلقين في خيال جامح داخل القصور والابواب الممنوعة، حيث يقيم الجن والخوارق والعفاريت، وقد أضاف كتاب (مائة ليلة وليلة) قدرة فرس الابنوس على التحليق، كما هو حاصل في الطائرات الحديثة، وهو يوازي طائر الرخ في الليالي العربية. -2- يبدأ كتاب (مائة ليلة وليلة) بحكاية (الملك دارم وشهرزاد) التي جاء في مستهلها: |" قال الشيخ فهراس الفيلسوف:" سمع بكتابي هذا ملك من الملوك، فبعث اليّ ان آتي فأتيته". فلما كملت ضيافته لشهر كامل، فقال له الملك: - أخبرني عن مائة ليلة وليلة واحضر لي كتباً واجمع فيه الحديث من أوله الى آخر.[ص77] وهي مقدمة تشبه الى حدٍّ ما بداية حكايات (كليلة ودنة)، حيث يقوم الملك بتكليف الحكيم (فهراس الفيلسوف) بالحصول على كتاب قصصي فتكون وجهته الهند حيث يجلس الملك على سرير ملكه فيأمر بمرآة عظيمة من الهند وضعت على عجلة من حديد فينظر فيها وجهه. وحين ينتهي الكتاب يقولك: " كملت حكاية" مائة ليلة وليلة" بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه، والحمد لله رب العالمين، سنة 1190".[ص340] والتاريخ كما يبدو هو تاريخ النسخ بالتاريخ الهجري(1776م). وفي هذه الحكايات تحضر شخصية (شهرزاد) كما حضرت في حكايات (ألف ليلة وليلة) ما استمرار هذه الحكاية، وكذلك شخصية (دنيار زاد) في نوع من التحريف لشخصية (دنيا زاد) في الليالي العربية؛ ويبدو ان أصل تلك الليالي الالف هو مائة، حيث تضاعف العدد؛ لأن العدد (10) ومضاعفاته لها صلة بالحساب والأرقام، التي اضطلعت بها الهند، ثم أضيف رقم (1) كزيادة في التغريب والتميز والاستثناء، لأنه لا يوجد لدى العرب أكثر من العدد ألف فاذا زاد صار ألف ألف وهكذا. وبالرغم من الإشارة التي أسبغها المحقق على وجود هوية مغربية للكتاب، الا ان ثمة إحالة الى أصول/ مرجعيات الحكايات الى الهند، من خلال اسم الراوي فهراس الفيلسوفي، وفي الإحالة تلميح الى خيانة العبيد السود(السمر) لسادتهم الملوك على زوجاتهم، والى المغامرات البحرية التي تسير الى بلاد الهند، منذ الحكاية الأولى، في قوله: "فمشوا في البحر أياماً والفتى ما يزداد كلّ يوم الا تغيّرا حتى وصلوا الى مدينة الملك وتباعدت مدائن الهند وفيها تحط السفن الواصلة الى جميع البلاد".[ص82] حيث يشيع عالم البحار والشخصيات الهندية (مثل الشيخ الهندي) والسفن والبحارة في مقارنة بين الشيخ الهندي والخراساني، حيث تبدو صورة بخلاء الجاحظ في المقارنة واضحة؛ بين كرم البغدادي وبخل الخراساني، وكذلك تبرز ملامح ملك الهند وديار الهند في حكاية (حديث ظاهر بن لاحق) والتي تبدأ بقوله: "ثم قالت: زعموا أيّها الملك انه كان ملك من الملوك بأرض الهند، وانه كان له ولد اسمه ظافر بن لاحق".[ص137] وكذلك تبرز شخصية (السندباد) صاحب الرحلات السبع في حكايات (ألف ليلة وليلة) ذات الجذور الهندية والتي ترجمت فيما يقال جميعها في كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) والتي رويت في كتاب (مائة ليلة وليلة) بشكل مختصر والتي تبدأ بـ(الليلة الثامنة والخمسون)، حيث يقول: "قال فهراس الفيلسوفي: قالت: يا مولاي، وذلك انه لما فرغ السندباد من ضرب مثله قام المعلم وقال:"[ص234] وهذه إعادة صياغة واختصار لتلك الحكايات المتعلقة بالهند والتي قامت على شعرية الخيانة، وفيها يمثل السندباد شخصية الحكيم/المعلم بعد اكمال تعليمه الى التزام الصمت لمدة أسبوع حتى تتكشف الأمور فيظن المقربون من الملك بالعلم الظنون. ثم يحضر المعلم بعد انقضاء المدة، فيعاقبه الملك بالقول: - أين كنت في هذه الأيام التي أردت فيها قتل ابني من اجل وصيتك؟ [ص274] ولا تبدو التأثيرات الفارسية واضحة، الا نادراً، عند الإشارة الى عيد المهرجان الذي يصادف وقت الخريف، فيحتفل به الفرس بمناسبة اعتدال الطقس، كما لا تبدو الثقافة الفارسية فاعلة الا في بعض الأسماء التي تذكر لمجرد التغريب؛ بينما يبدو التأثير الهندي والمغربي واضحاً، حينما تتكرر الإشارة الى البحار والسفن والمغامرات في جزر الهند ،ويتكرر ذكر السحر والجن والعفاريت والطلاسم والثعابين التي هي جزء من ثقافة الهنود الشعبية، فيتكرر ذكر المدن المطلسمة والمسحورة والابواب المغلة والمحظورة التي اذا فتحت يتعرض من يدخلها الى سلطة العفاريت والجن، وقد ارتبطت بها ظاهرة لول مرة تطرح في الحكايات، الا وهي الفرس الابنوس التي تؤدي مهمة طائر الرخ الأسطوري في حكايات(الف ليلة وليلة)؛ وقد اخترع كاتب هذه الحكايات هذه الفرس ، للسيطرة على حركة شخصياته وانتقالها من مكان الى آخر عبر البحار والبلدان والجزر بسرعة فائقة لتكون جزءاً من عالم العجائب والخوارق. وكالعادة يقوم كتاب (مائة ليلة وليلة) على توالي الحكايات ، حاله حال حكايات(ألف ليلة وليلة)؛ ولكنه يسير على وفق شعرية الخيانة التي قامت عليه، وقامت عليه (مخاطبات الوزراء السبعة) ،ويبقى اللون الأسود/لون الافارقة الزنوج مثار استياء ورفض بشان معاشرة السود لزوجات الملوك البيض، وتشارك المرآة ذات الأصول الهندية في ترويج الانعكاس والتصوير والتنبؤ بالمستقبل، مثلما تقوم(فرس الابنوس) بمهمة حرق المسافات، والانتقال السحري من مكان الى آخر، وكذلك كان للثوب والخاتم والتفاحة والشجرة والكيمياء والمفتاح ودلالاتها جميعاً على الافتضاض بدور مهم، وكذلك تبدو صورة(الطاووس) رمز الديانة الايزيدية (الزرادشتية قديماً)، مع عيد المهرجان وعيد السرور(فلعله يعني به عيد النوروز) في مزج الثقافة الهندية بالجسور الفارسية بين العرب والهند، ويستمر أسلوب الافتتاحيات وتوالي الليالي ،وسكون شهرزاد .. وغيرها في تدبيج الحكايات (مائة ليلة وليلة) وما بعدها؛ ويبدو حضور الديانة النصرانية على خجل بموازاة الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى. -3- في الوقت الذي تشير فيه التفاحة الى الخطيئة، وطرد آدم من الجنة، تشير الشجرة الى السمو والتعبير عن جوهر الحياة بالمقارنة مع رموز وعلامات العالم الأسفل المتمثل بالصناديق والبئر والقبة والسفينة (رمز النجاة) والاحاطة والهروب؛ بينما تحلق الجن والعفاريت والطلاسم والأشجار والطيور وفرس الابنوس في الأعالي، وكأن العالم منقسم الى أعلى وأسفل، وفي ذلك إشارات الى العالم الأسفل الذي القت عشتار حبيبها تموز فيه. ويحضر الصندوق، أو الحافظ للأشياء والموجودات بالأعماق، بصور متعددة، ولكنه بصور بارزة وواضحة، وكأنه قدر مستحكم بحياة الانسان، لهذا يسرد الراوي كلامه واصفاً صورة المكان بطريقة مثيرة، فيقول: "فلم يم كلامه حتى ارتفعت أطناب القبة وبرز من تحتها ثلاث جوارٍ نواهد أبكار، كأنهن الأقمار، بأعناق كالبدر، ومباسم كالجلنّار، عليهن من الحلي والحلل ما لا يوصف". فتقول الجواري عن صاحب القبة بانه" بطل الابطال لا يصطلى له بنار،ولا يسكن له بجوار.[ص139] وهنا يمتزج الخبر بالوصف حتى يغلب عليه الوصف ويتسامى بجماله على الصورة المثيرة للقبة وصاحبها. وتتكرر صورة القبة في أكثر من حكاية، وكأنها رمز مثير ،ومكان منيع، وبابها محظور في الأعماق، كما في(حديث الملك وأولاده الثلاثة) حيث افترس الأسد الاب /الوالد، وكأن صورة الاب/السلطان مازالت عميقة ربما تشير الى عقدة أوديب أو ما قريب منه، أو صورة أنليل الذي قتل أباه وتزوج امه في الموروث السومري، وان كان قتل الاب في الحكاية نادر جداًن ولكنه مثير ويعبر عن العقوق وتجاوز الحدود، لهذا دارت الخيانة في (مخاطبات الوزراء السبعة) حول خيانة الابن ورغبته في قتل الاب بالسم للاستحواذ على التاج، وهو النقيض المكاني للصندوق ، فلا يمكن دخول المغارة الا بأن تتوقد النار فيها. وفي حكاية (حديث الملك والثعبان) تكون المطمورة التي هي صورة من صور السجن والتعذيب، حيث يقع الملك في المطمورة التي هي من الطمر، أي الحفر داخل الأرض، الذي قد يستخدم لصيد الأسود، أو الفيلة. وكذلك يحضر في هذه الحكاية القفص المقفل الذي يحبس به الثعبان الذي يهدد حياة الناس، وكذلك تحضر الصومعة بديلاً الصندوق، فتكون هي في الأسفل ويكون الطاووس هو في الأعلى، دلالة على حضور الديانة الزرادشتية التي تقدس الطاووس ،وتوظف الصومعة للعزلة والانفراد ،وكذلك يحضر البئر كبديل أو معادل للمغارة. واذا كان السرد /الحكي هو السائد في هذه الاحاديث، فان الوصف يتشكل داخله ليمثل نسيجاً جمالياً متوقداً في ثناياه، لترميم الثغرات والهفوات التي قد تحصل فتقلل من جمال الحكاية ورقتها؛ فان وجود الأمكنة المظلمة او المحاطة بالأسوار تعد الدليل على وجود عالم محاط بالقوى الكبرى المتحكمة بالإنسان وحياته، وهي قوى تمثل العالم الإنساني والاجتماعي على خلاف العالم الغرائبي/الفتنازي الذي يمثله عالم الجن والعفاريت، ولهذا جاء رمز وشموخ الشجرة ليوازي العوالم الخفية الدفينة ويرتفع بها على سطح الأرض، لكي يخفف من غلواء المتاهات الكثيرة التي يوحي بها وجود عالم الخوارق، فكانت الشجرة موازية لقدرة الانسان على مجابهة الصعاب، والتي تكون في بعض الأحيان ظلاً ومثابة للغريب، كما حصل في (حديث نجم الضيّا بن مدبّر الملك)،وتكون هي المنقذة للص من سطوة الأسد ،وكذلك تكون أوراق الأشجار دواء لإزالة الامراض وصناعة الجمال. -4- يشكل عالم الجن والعفاريت والسحر والطلاسم والثعابين، العالم الأكبر لأجواء الحكايات التي سردتها (ألف ليلة وليلة) والحكايات التي على منوالها، فهو يمثل الجانب الخارق من هذا العالم، عالم التشويق والخوارق والتوتر والعجائب حيث الجزر المسحورة والقدرات الخارقة، والصور المتعددة، والخوف من انقلاب الحقيقة الى عالم فنتازي مخيف، وفي الادب ومنها أدب الحكاية الشعبية ينجم عالم العجائب "عن تصورات غير واقعية وتهدف الى إشباع الرغبات اللا واعية. علاوة على ذلك، ان أدب الفنتازيا من خلال تسليطه الضوء على خصائص الاحلام يكون عرضة للتفسيرات التحليلنفسية الخاصة بالأحلام".[ص17/أدب الفنتازيا.. مدخل الى الواقع: إبتر، ترجمة صبار السعدون، دار المأمون (بغداد، 1989م).] ولأن الحكاية هي حلم جماعي ، فان حكايات الجن والعفاريت هي سياحة في عالم الاحلام، او في عالم خيالي فوق واقعي، خارق للمألوف وبالتالي فان القاص القديم يحاول خلق عالم يوازي الواقع الذي لا يمكن ادراكه، من خلال الاستفادة من العقائد الدينية التي تؤمن بأثر الجن في حياة الناس واعتقاداتهم لوجود تلبس بين الجن والانسان وقدرته على تغيير صورته، من شكل الى آخر ،وقدرته على الانتقال السريع من مكان الى آخر، وبهذا صار العالم النتازي هو الصورة المضادة التي تهدد الواقع، وتهدد مقدرات السلاطين وتزعجهم، وربما تستحوذ على سلطانهم أو نسائهم وأبنائهم؛ ولهذا خلق القاص القديم لهؤلاء الحكام المتسلطين أكثر من عدو أو شريك ينغص عليهم حياتهم، وواحدة من هذه المنغصات هو شيوع الخيانة الزوجية بين نسائهم وعبيدهم الزنوج(السود الوجوه)، نكاية بهم وتأثراً منهم؛ حيث تحضر صورة العبيد ، كعدو يلبسون "القفاطي وفي أيديهم الدبابيس الحديد".[ص105] وهكذا يحضر الجن في الوديان والأماكن العميقة ليسيطر بسحره وقوته، على ذلك العالم الذي لا تصل اليه سلطة الملوك، لهذا قال الراعي لابن الملك في (حديث نجم الضيا بن مدبر الملك): " اما زجرك زاجر؟ أليس هذا الوادي وادي الجن، يعمره عفريت من السحرة، قد اتى بجارية أخذها من قصرها وانه ما حلّ عينه قد على آدمي الا وقتله".[ص118-119]. وفي الغالب فان قتل العفريت لا يكون سهلاً، فهو لا يموت الا بسكين من القصب، أو غيرها من الأدوات النادرة، ولا يموت الا بضربة واحدة فان ثنى ضاربه عادت اليه الحياة، وغالباً ما يسكن بعض الناس بقصور مطلسمة لا يستطيع الانسان العادي فك طلاسمها، ولا يستطيع دخولها الا الجن. وفي بعض الحكايات تكون الظبية او الغزالة، صورة من صور الجن، فهي في الغالب تحولت من شكلها الإنساني كجارية أو امرأة الى صورة ذلك الحيوان الوديع والاليف بفعل قدرات خارقة لا يمتلكها الا الجن، كما في صورة الظبية في (حديث سليمان بن عبدالملك) الذي حاول اقتناص الظبية "فلم يلحقها ورجع الى موضع جيشه، فلم يجد لها خبراً ولا وقع لها على أثر".[ص169] وكذلك تحضر الظبية في (حديث مسلمة بت عبد الملك بن مروان) ،وفي (حديث عبدالملك وأولاده الثلاثة)، وفي (حديث الملك والغزالة)؛ حيث تحضر الغزالة في عنوان الحكاية عندما يخرج أحد الملوك للصيد والقنص مع وزرائه وأرباب دولته "فبينما هو يسير في البريّة إذ قامت امامه غزالة حسنة الصورة في عنقها قلادة جوهر وفي يديها أسورة من ذهب وفي ساقيها خلاخل من فضة ،وعليها حلل من الديباج الأخضر".[ص320] وهنا يستطيع الفتى ان يعيدها الى حالتها الأولى، عندما" انتفضت الغزالة ورجعت جارية من أجمل خلق الله. فلمّا رأى الملك ذلك بهت من حسنها وجمالها".[ص322] وهي زوجة الفتى الذي يتحكم في جنسها وحياتها. وفي (حديث الملك والغزالة) تتحول اخت العفريت الى طاووس أو غزالة؛ مما يعني ان للجن أكثر من حالة، وانه عالم فسيح من الصراعات والمواقف والمخاوف، وفي الغالب يفضل العفريت ان يتزوج من نساء الانس ويتجنب منها الأطفال الين يتقلبون بين عالم الجن والانس. فتحضر مع عالم الجن الطلاسم، كما في (حديث جزيرة الكافور)، و(حديث ظافر بن لاحق)، و(حديث الوزير وولده)؛ حيث نجد صفة العقاب المطلسم. وفي (حديث ظافر بن لاحق) يبدو قصر الشعاع، "وهو مطلسم على أربعين ميلاً بحيث ما طلعت الشمس على أحد دخل الأربعين الا أحرقته ولا يُعرف له مدخل"[ص147] فالطلاسم هي جزء من ثقافة عصر الليالي العربية ومثيلاتها.
#قيس_كاظم_الجنابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات نسوية في رواية (سمعت كل شيء)
-
علي بابا والخيانة المضادة
-
المحجر.. المكان والموقف
-
صندوق الغائب *قراءة جديدة في قصص(المملكة السوداء)*
-
المقالة الأدبية وحكاية (الرجل الفسيل)
-
المفارقة في حكايات (الفاشوش في حُكم قراقوش)
-
شعرية الخيانة في كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة)
-
ذكريات مؤجلة في (الرحلة الناقصة)
-
السرد والمقام في كتاب (العبرة الشافية والفكرة الوافية)
-
هل كانت قصيدة النثر سومرية..؟
-
شعرية التزوير في حكايتين عربيتين
-
ذكريات سياسية في كتاب (مقتطفات من الذاكرة)
-
بنية التوقيع في قصائد : اكليل موسيقى على جثة بيانو - للشاعر
...
المزيد.....
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|